الأربعاء، 26 ديسمبر 2007
المدونات السعودية في الدستور
العلاقة الخاصة في حرم العلم
السبت، 15 ديسمبر 2007
بدايات
الخميس، 6 ديسمبر 2007
التعدد دروس الفقه والحياة
الأحد، 18 نوفمبر 2007
مداولات في الحجاب
الجمعة، 9 نوفمبر 2007
خالتي فاطمة
الخميس، 1 نوفمبر 2007
حوار ( العقال ) لا العقل
الجمعة، 19 أكتوبر 2007
قلق وجودي
الأربعاء، 17 أكتوبر 2007
إقبال
إبراء للذمة
فيلم سهر الليالي .. أسئلتي تبحث عن إجابة
الثلاثاء، 16 أكتوبر 2007
قسوة
الاثنين، 24 سبتمبر 2007
غياب
السبت، 22 سبتمبر 2007
تميسو
الخميس، 20 سبتمبر 2007
من الأسرار
الحقيقة المطلقة
كتبت مرة قالت لي أختي : قرأت الجزء الأول ( ذاكرة الجسد ) فلم يعجبني ، ولم أتمه .. ليست رواية ، ليس هناك حدث قلت لها : هي خليط من الرواية والمقالة والتأملات و النقولات الجديرة بالوقوف عندها .. هي تجليات لمشاعر وقيم ووقائع متنوعة في تطرفها و اعتدالها .. عمقها وهشاشتها.. صلاحها وفجورها .. رقيها وفسادها .. أحس أن قراءة كل ذلك يعطيني نضجا وفهما وخبرة أكبر .. قد يقول البعض ما تكتبه أحلام مستغانمي فساد محض .. لكني لا أوافقهم على ذلك كما لا أوافقها في منطلقاتها أو بعضها .. لكن ما تقدمه أدب حقيقي يجعل الإنسان أكثر عمقا ، ويضيف إلى رصيده فقط لو أحسن التأمل والاستفادة والحكمة ضالة المؤمن وأجدني اليوم أراجع ما كتبت ، فأجد أن إطلاقه فيه تخليط ، فتجسيد الفجور ليكون حيا ، نابضا ، بتفاصيله ، وخصوصيته ، قد يشوش على صفاء التفكر ، وتختلط حينها المعاني فكرا ، فالخطأ السلوكي يغدو ضعفا إنسانيا مبررا للتهاون في ضبط النفس عن الانغماس في الهوى، والقيم المغايرة لقيم ديننا تبدو قريبة للنفس ، يغيب قبحها ، ولا نرى سوى اختلافها ، والتخليط أن نقرأ بفكر يستمد مرجعيته في التحسين والتقبيح من ذاتيته لا من مرجعيته العقدية بأي عين نقرأ ، بل بأي عقل نقرأ ، عقل ينطلق من نموذجنا المعرفي الخاص ، أم عقل تاه في طروحات احترام ظنيات قضايا الفكر والممارسة الإنسانية. ومن ثم نقرأ ونسمع من شباب ينسب نفسه إلى التدين كلاما عن احترام اختيارات الشاذين جنسيا ، والتعاطف معهم فيما يدعونه من حق في اختيار الطريقة التي يمارسون بها حياتهم نموذجنا المعرفي الخاص عقيدة ، يجعل لنا قطعيات لا نخجل من أن نقول لمن يخالفنا فيها أنت مخطىء ، ونحن لا نحترم خياراتك ، ومخالفتك فيها ، والحقيقة التي نعتقدها نعتقد بكونها مطلقة ، هذا هو مقتضى كونها عقيدة آمنا بها ، نحسن ما تحسنه ، ونقبح ما تقبحه ، ولا نترك التحسين والتقبيح لمتغيرات أحكام العقل المتحرر من الضابط العقدي ، والأمر ليس سهلا ، لأن تفعيل محاكمة الحسن والقبح إلى العقيدة في قلوبنا وعقولنا وحياتنا يحتاج إلى شجاعة حقيقية ، ويقظة دائمة ، وإدراك للتمايز ، تحضرني الآن الآية الأولى في سورة الأنعام :الحمد لله الذي خلق السموات والأرض ، وجعل الظلمات والنور ، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون وأختم بكلام أجده نفيسا أنقله من كتاب :" الطريق إلى التراث الإسلامي ، مقدمات معرفية ومداخل منهجية ". لفضيلة المفتي علي جمعة ... تعليم الإنسان ونقل المعرفة منه وإليه – وكما هو مفهوم من مصادر الشريعة وما عليه المحققون من علماء المسلمين – يجب أن يكون في إطار معرفي محدد ، مصادره الوحي والوجود أما الوحي فهو خطاب الله تعالى للبشر ، وهذا الخطاب مدلول عليه بالقرآن الكريم ، وهو كتاب الله المنقول إلينا بالتواتر بين دفتي المصحف المتعبد بتلاوته ، وبسنة رسوله ، وهو ما صح عنه عن طريق الرواية بصحة الأسانيد ، وثقة الرواة الناقلين ، وبصحة معناه بحيث لا يتعارض مع غيره من أصول الشرع المنقولة المستقرة أما الوجود ففرق العلماء والمفكرون بين الواقع ونفس الأمر ، فالواقع هو ما يدرك بالحواس البشرية، والملاحظ أنه ثابت عبر الأزمان ، فما زال الماء سائلا لطيفا يسبب الري ، وتقبله الفطرة للطهارة والاستعمال، ومازالت الشمس ترى تسير في السماء من المشرق إلى المغرب ، وهكذا ومن الملاحظ أن الوحي وهو يخاطب الجميع يخاطبهم طبقا للواقع ، أي ما تدركه الحواس البشرية من غير واسطة ، بل يبني أحكامه على ذلك ولا يعارض ولا ينهى عن معرفة نفس الأمر أما نفس الأمر فهو مختلف وغير ثابت ، فالمقصود بنفس الأمر ما وراء الحواس البشرية ، أي الحياة المجهرية سواء الميكروسكوبية ، أو التلسكوبية ، فإن نقطة الماء تحت الميكروسكوب ستظهر بما فيها من آلاف أو ملايين البكتيريا مما تعاف النفس البشرية أن تقدم على شربه لو اطلع عليه عموم الناس. والقمر الذي تغنى بجماله الشعراء سطح مخربش قبيح تحت نظر التلسكوب ، وهاتان الصورتان للماء والقمر ليستا نهاية المطاف ، فإن ذرة الايدروجين فيها نواة ، وإلكترون يسير حولها ، والنواة لها مكونات .. وهكذا فإن الحقيقة التي عند الله في وجوده يكتشف الإنسان كل يوم منها ، ولا يحيط بها ، فإن قلنا إن نفس الأمر هو ما عند الله فإن الطريق بين الواقع المشاهد المحسوس بالحواس البشرية وبين نفس الأمر سيمر الإنسان فيه من مرحلة إلى مرحلة ومن اطلاع إلى اطلاع قال تعالى :وفوق كل ذي علم عليم ومن هنا كان لا بد للقيم الأخلاقية والاجتماعية أن تكون أقرب إلى الواقع المعيش الذي يتعامل معه الإنسان لا مع ما أدركه من نفس الأمر ، وكان لا بد أن تكون معرفة الإنسان مقيدة بالوحي والوجود معا ، فالوحي يرشد إلى خير نظام ، لأنه صادر من عليم بنفس الأمر دون أن يجعل نفس الأمر موضوعا ينظره المفكرون ، ولقد أخطأت الفلسفة الغربية حين انهارت أمام نفس الأمر وتشككت في قدراتها في القرن التاسع عشر حتى لم يبق للحقائق معنى ولا ثبات ، فالحق أن الواقع حقيقة ثابتة ، وأن الطريق إلى معرفة نفس الأمر هو المتغير
الجمعة، 31 أغسطس 2007
التعامل بين الجنسين دعوة إلى مركز الوسطية
الخميس، 23 أغسطس 2007
صداقات جميلة ليست لي
الأربعاء، 22 أغسطس 2007
أشياء جميلة ليست لي
الجمعة، 10 أغسطس 2007
سامحيني يا جدتي
الاثنين، 6 أغسطس 2007
أنا بهم أغنى
السبت، 4 أغسطس 2007
انت لسه بتسألي
الفرح ويحى حقي
الخطأ ضرورة
الأحد، 29 يوليو 2007
دفا الأدب الجميل .. شكرا محمد منير
رحم الله الأستاذ عبد الوهاب مطاوع فقد قال مرة إن الأدب الحقيقي هو الذي يكسب النفس جمالا ورقيا وأضيف دفئا وأنسا، لأنه يجعله يفهم أكثر، ويتذوق أكثر، ويحب الله أكثر..
رست روحي الليلة وأنا أستمع إلى ( شتا ) محمد منير تأملا وسكينة .. بين أيديكم كلماتها ، وهذا رابط الأغنية استماعا ...
http://www.mawaly.com/file/play/16580.html
اللي قضَى العمر هزار
واللي قضَى العمر بجد
شد لحاف الشتا م البرد
بعد ماإدى وبعد ما خد
بعد ماهد وبنى واحتد
شد لحاف الشتا م البرد
بعد ما لف وبعد مادار
بعد ما هدَا وبعد ما ثار
بعد ما داب واشتاق واحتار
حط الدبلة وحط الساعة
حط سجايره والولاعة
علق حلمه على الشماعة
شد لحاف الشتا على جسمه
دحرج حلمه وأمله ....
دارى عيون عايزين يبتسموا
اللي قضَى العمر هزار
واللي قضَى العمر بجد
شد لحاف الشتا م البرد
الجمعة، 27 يوليو 2007
مع الشيخ الألباني
بعد أيام الغياب الطويلة بأي سطور سأعود ؟ وهل سأجد من يقرأ لي أم أن تأخري سبب في انفضاض السامر عني ؟
لم تكن أيامي التي غبت فيها أقل إنجازا أو ثراء ، لكن الكلمات جافتني ، كنت أشعر بها حزينة وحيدة منطفئة ليست في مزاج يسمح لها بالتحدث ، كنت أظن أن حبها لي لن يجعلها تجفوني لكنها فعلت فقد غرقت في ذاتها ألما وحيرة ، فغفر الله لها .
والعجيب أن الذي أعادها إلي هو حوار طويل استمعت إليه بين الشيخ الألباني رحمه الله وبين أحد السائلين حول أهل البدع ..
هذه هي المرة الأولى التي أستمع فيها إلى الشيخ رحمه الله ، ولست من قديم على ود فكري معه ، لكن لم يكن ذلك عن استماع له بل عنه ، لكن الاستماع إليه كان أمرا مختلفا ، فقد أعجبت بهدوئه ، وتأنيه ، بل وأحببت الروح التي يتحدث بها .
الفكرة التي أكد عليها فضيلة الشيخ الألباني هي التفرقة بين البدعة وصاحبها ، فليس كل صاحب بدعة مبتدع، كما أن ليس كل من وقع في الكفر كافر ، وبمقتضى هذه التفرقة فإنه يقر بفضل الإمامين النووي وابن حجر العسقلاني رغم أشعريتهما ، لأنهما اجتهدا ولم يوافقا الصواب في اجتهادهما ، بل إن الإمام أبا حنيفة كما قال الشيخ الألباني قد أخطأ في مسائل عقدية لكن ذلك لا يخل بفضله وعلمه ..
النفسية التي يتحدث بها الشيخ رحمه الله ، هي نفسية مضيئة إن صح التعبير ، يطمئن معها قلب السامع وإن اختلف مع الشيخ ، لأنه يلمس في كلامه صدقا وتحريا بحسب ما أداه إليه فهمه .
لكن طرح الشيخ يعكر عليه سؤالان :
أحدهما :
لم يكون فهم الشيخ وأسلافه حكما على فهم غيرهم ، بحيث يجعل فهم الشيخ هو الصواب الذي لا شك فيه ، وفهم غيرهم هو الباطل الذي لا شك فيه ، فإن قيل : الشيخ لا يقطع بصواب ما يذهب إليه ، نقول عدم القطع هنا مؤداه يقابله عدم القطع ببطلان ما ذهب إليه الإمامين النووي وابن حجر العسقلاني .
الثاني:
هذه الروح المُجِلَة – بأسلوبها الخاص- لأهل العلم التي تحدث بها الشيخ ، لماذا تقف عند هؤلاء العلماء ، ولا تتعداهم إلى من سواهم ممن ظهر لهم أن قول الإمامين النووي وابن حجر – و أنا هنا أقصر كلامي على الإمامين اللذين تحدث عنهما الشيخ الألباني – هو الأقرب إلى الحق . والقول بأن مذهبهما ظاهر البطلان لا يستقيم إلا عند من كانت وجهته في التفكير كوجهة الشيخ الألباني وسلفه من العلماء الأجلاء أيضا .
ثم لي هنا وقفة ..
عدم القطع بصواب أحد الفهمين لا يقتضي عدم ترجيح أحدهما ، لكن هذا الترجيح لا يجعل المرجح صوابا قطعيا ، ولا القول المرجوح باطلا بطلانا قطعيا .
وعمليا..
كلام الشيخ الألباني رحمه الله عن الإمامين النووي وابن حجر بل عن الداعية سيد قطب رحمهم الله ، والذي يفرّق فيه بين البدعة أو القول الضال وبين كون صاحبه ضالا، إذ قد يكون له عذره في عدم إقامة الحجة عليه ، أو أنه أراد الحق فأخطأه ، لم لا يطبق عمليا بحيث يلتمس للمخالفين للمنهج السلفي العذر بإحسان الظن في قصدهم بأنهم أرادوا الحق فأخطأوه ، وأرى أن مؤدى كلام الشيخ هو الجمع لا الفرقة ، والتقريب لا الإقصاء ، لكن يحتاج ذلك إلى قراءة متأنية، إذ لم يكون التماس العذر لبعض الناس دون بعض ، وهل شققنا عن صدور الناس لنعلم مقاصدهم .
هذا كله إن سلمنا بكون المنهج السلفي هو الصواب الذي لا شك فيه ، وهذا التسليم لا يستقيم كما تقدم فيما هو يحتمل تعدد الأفهام من ظنيات العقيدة أو الفقه .
المشكلة حقا أن كلام الشيخ لا يطبق على وجهه ، بل يتهم المخالف بالضلال ، دون نظر إلى كونه قد يكون أراد الحق فأخطأه ، و دون تفرقة بين القول وصاحبه ، وأنى للعوام بل لغير المتمعنين من طلبة العلم أن يدركوا هذه التفرقة ؟ وهل الحديث في مثل ذلك إلا فتحا لباب الشر والعداوة بين الناس وبين أهل العلم من المخالفين للمنهج السلفي ، وهل يضير العالم السلفي لو بيّن مخالفة المخالف –حسب ما يراه السلفيون - دون وصم له بالضلال ، ليجتنب مفاسد ذلك ؟ والله أعلم .
الخميس، 14 يونيو 2007
شعوذة الأسباب
فتاوى الفقه والسياسة صخب بلافهم
الثلاثاء، 12 يونيو 2007
نشوز الزوج والواجب المهجور
نشرت هذه المقالة لي اليوم في حواء وآدم / إسلام أون لاين، وكنت قد عرضتها على فضيلة المفتي الشيخ علي جمعة حفظه الله فقال عنها وعن غيرها مما عرضت عليه -وسأبينه في حينه -انها مقالات جيدة وأنه سر بها :
" لو جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الزمان ورأى ظلم بعض الأزواج لزوجاتهن فلعله يقول: لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت الزوج أن يسجد لزوجته "
كانت الحرقة تملأ صوت الشيخ أحمد الكبيسي وهو يقول هذا الكلام ، ووجدتني ألوم الشيخ على كلام استفزته إليه مشاعر لا ينبغي أن تحجب عنا قطعيات النصوص في حق الزوج العظيم على زوجته .
قطعيات النصوص ؟ هذا هو ما يظنه طالب العلم المبتدئ الذي يتعامل مع التراث الفقهي تعاملا قاصرا لا ينظر معه إلى سياقات هذا التراث ، ولا يربط بين ما تناثر من جزئياته ، بل ويفصله عن سياقاته الأصولية فضلا عن النفسية والاجتماعية ، ثم هو يقع بعد ذلك بين تطرفين ، إما نبذ هذا التراث بما يحويه من تحقيق وتأصيل ، أو التعامل معه بقداسة لا تفرق بينه وبين النص الأصلي للكتاب والسنة .
بل إن التعامل مع التراث المسطور في كتب الفقه على أنه المصدر الوحيد لفهم الأحكام الشرعية دون ما سواه من كتب التفسير أو شروح الأحاديث هو سبب آخر للجمود الذي ابتليت به الشريعة وهي منه براء.
عود على بدء
التأكيد على النظر في قواعد الشريعة ومقاصدها، هذا هو المعنى الذي فقهته أخيرا من عبارة الشيخ الكبيسي التي قدمت بها . وروح العدل والسماحة هي التي تنبض بها السيرة الشريفة وهي التطبيق العملي الأكمل للقرآن الكريم , ولماذا تصدم كثير منا عبارة الشيخ أحمد الكبيسي إلا لأننا أعملنا حرفية النصوص دون روحها ومقاصدها ؟
نشوز الزوج تأصيلا وواقعا
مما ينبغي التنبيه عليه ما يوجد من ارتباك في التعبير عن حقوق الزوجة تبعا لارتباك مفهوم القوامة الذي ارتبط في حس الكثيرين بالسلطة المطلقة لا الرعاية المسؤولة كما هو التعبير النبوي : (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها) رواه البخاري.
ولنبدأ بتقرير حق الزوج في القوامة ولا بد من التأكيد على أن النصوص الواردة في طاعة الزوجة لزوجها ليست مطلقة ، فقيام الزوج بمقتضيات القوامة المادية والمعنوية شرط مهم ، ثم إنه إن تحقق ذلك كان له على زوجته الطاعة في خصوص حق معين ، وهو أن تكون له الكلمة الأخيرة فيما يختلفان فيه من شؤون تخص مستقبل الأسرة ، مع عدم إغفال حقها في الشورى ، وعدم التعنت من قبله في الاستبداد برأي لمجرد العناد ، إذ المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ومقتضى هذه المسؤولية حقها في مشاركة الرجل إدارته لشؤون الأسرة مع تفرده بحق الفصل فيما اختلف فيه ما دام متحققا بصفات الرجولة ، ومقتضيات القوامة .
إذن لفظ الطاعة هنا لا يعني الخضوع المقهور، بل هو الاستجابة الاختيارية أصالة، وتسليم القيادة في مؤسسة الأسرة لمن هو أصلح لها – حال تحققه بذلك -.
ثم يكون التقرير للحقوق والواجبات متكافئا وفقا لتمايز خصائص الذكورة والأنوثة، بحيث تختلف وظائف المرأة أمومة عن وظائف الرجل قياما بما يشق على المرأة القيام به جمعا بينه وبين وظائف الأمومة.
وكما أن إثبات الحقوق للزوج يقتضي إعطاءها إياه طواعية ، وعن طيب نفس ، فإن حقوق الزوجة ينبغي أن تؤدى طواعية وعن طيب نفس ، وهذا هو مقتضى المعاشرة بالمعروف ، ومقتضى ميثاق الأمان الذي تواثق به الزوجان :قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " اتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله " .
ويلزم من ذلك أن أحد الطرفين ليس له أن يسقط حقا للآخر إلا برضاه ، و يجب أن عليه استئذانه فيما إذا أراد إسقاط حق له .
فمن ذلك حق الخروج من المنزل وهو حق مشترك ، وإن كان نصيب الرجل فيه أرجح نظرا لقوامة الرجل ، ومسؤوليته شرعا عن الإنفاق من جهة ، والإنفاق جزء من مسؤولية القوامة، وكذلك لما تقتضيه طبيعة المرأة من قدرة على الرعاية التربوية للأبناء بما يفوق الرجل فضلا عن مقتضيات السير المتزن للحياة ، من توزيع للمهام بما يلائم طبيعة كل جنس .
بعد هذه التقدمة المهمة نأتي لتأصيل حق المرأة في الخروج لما فيه خير أو فضيلة مادام ذلك لا يضر بمصالح الزوج أو الأسرة ، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" ؟ فيكون في معنى الخروج إلى المسجد ، الخروج إلى كل ما فيه فعل فضيلة أو إقامة سنة ، كما نبه إلى ذلك الإمام ابن عبد البر في التمهيد .
أما حق المرأة في استئذان زوجها لها في الخروج الضار بمصلحتها أو مصلحة الأسرة، فبيان ذلك من جهات :
الجهة الأولى : إثبات أن المعاشرة الزوجية هي حق للزوجين ، وهذا يقتضي أن الزوج ليس له أن يغيب عن المنزل غيابا يخل بحق الزوجة في ذلك إعفافا وسكنا.
الجهة الثانية : العشرة بالمعروف واجبة على الطرفين ، فمن حق الزوجة على زوجها أن لا يتركها وحيدة الساعات الطوال ، وهو ينفق وقته في التلهي مع أصدقائه ، أو حتى حضور مجالس العلم ، إذا كان ذلك سيعطل على الزوجة حقها في الأمن النفسي، واعتدال الحياة ، واستقامتها مع زوجها .
الجهة الثالثة : واجب التربية للأولاد ، هو واجب سيسأل عنه الأب أمام الله عز وجل، إذا ضيعه ، وقول الشافعية أن التربية هي فرض كفاية ، يقتضي سقوط الإثم عن الأبوين إذا قام بالواجب أحدهما ، فإن قامت الأم بما تقدر عليه من هذا الواجب ، وعجزت عن الباقي ، أثم الأب بتفريطه .
والجهة الثالثة لا علاقة مباشرة للزوجة بها إلا من حيث واجبها في النصح والإرشاد للأب المفرّط، وإنما ذكرتها تأكيدا على هذه المسألة التي تغيب عن ذهن بعض الآباء.
فإذا كانت الجهتان الأوليتان تقتضيان حقا للزوجة ، فإن ذلك يلزم منه أن الزوج ليس له أن يسقط هذا الحق إلا برضا الزوجة وإلا كان ظالما لها، والظلم ظلمات يوم القيامة. ويقتضي ذلك أن عليه استئذانها في خروج من المنزل يضر بها ، ويتشاور معها في قدرتها على القيام بواجب تربية الأولاد منفردة حال عدم قيامه به لسبب طارئ ، بحيث يتأكد أنه لن يضيع حق الأولاد الذي سيسأله الله عنه ، وسيحاسبه عليه . فالمسألة هنا إذن تعود في النهاية إلى اتفاق يتم بينهما على كيفية التعامل مع هذا الواجب التربوي.
وإذا كان مثل هذا الكلام يستنبطه أي دارس متخصص من روح الشريعة ومقاصدها بل من سياقات كلام الفقهاء فإن عدم التصريح به فيه ظلم بيّن ليس للمرأة فقط بل للأسرة ككل، بل وظلم لعدالة الشريعة وعمقها وحكمتها.
نشوز الزوج بالغياب المعنوي
ثم إن الغياب عن الزوجة أو الأسرة قد يكون معنويا، كما في الجلوس لساعات طويلة أمام التلفاز أو الكمبيوتر أو مطالعة الكتب مع إهمال حق الزوجة والأولاد.
وقد نهى سلمان الفارسي رضي الله عنه أبا الدرداء رضي الله عنه عن الاستغراق في العبادة ، وتضييع حقوق نفسه وأهله ، فقد روى البخاري في صحيحه ما نصه : ( آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة –أي لابسة ثياب المهنة تاركة للبس ثياب الزينة - فقال لها : ما شأنك ؟ قالت : أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال له : كل ، قال: فإني صائم ، قال : ما أنا بآكل حتى تأكل . قال : فأكل . فلما كان الليل ذهب الدرداء يقوم ، فقال : نم ، فنام ، ثم ذهب يقوم ، فقال : نم . فلما كان من آخر الليل قال سلمان : قم الآن ، فصليا . فقال له سلمان : إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا ، ولأهلك عليك حقا ، فأعط كل ذي حق حقه .فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "صدق سلمان " ) .
وزاد الدار قطني كما نقل الإمام ابن حجر العسقلاني : " فصم وأفطر ، وصل ونم ، وائت أهلك "
فإذا كانت العبادة الخالصة المندوبة ينهى عنها إذا أدت إلى تضييع حق الزوجة فمن باب أولى يكون النهي عن ما سوى ذلك من أمور الدنيا .
والحياة الزوجية أعقد من أن تحدها قوانين لا مرونة فيها ، و عرض أحكامها ليس معتمده الأوحد قوانين الفقه دون نظر في روح هذه القوانين وارتباطها بمقاصد الشريعة وقواعدها ومن ذلك مراعاة تغير ملامح حياة الناس زمانا ومكانا وأحوالا.
و الجمود على ألفاظ معينة عند تناول أحكام الشريعة في العلاقة بين الزوجين ، ظلم للشريعة و عمقها ، إذ لا ينظر إلى هذه الألفاظ نزعا لها عن السياقات التي وردت فيها ، وعن المقاصد الشرعية جملة .
والقوامة حق زائد خص به الرجل تكليفا وتشريفا إن تحقق بشرائطه ، لا ينكر ذلك إلا مكابر للشرع بل وللطبيعة الإنسانية ، لكن هذا الفضل الذي كلِّف به محدود ومشروط بما قدمنا، ولا ينافي حق الزوجة عليه في عشرة بالمعروف توجب لها حقوقها في الشورى وإدارة البيت وما سوى ذلك من حقوق ، وقد سمى القرآن ترفع الزوج عن ذلك نشوزا ( سورة النساء : آية 128)، كما سمى ترفع المرأة عن أداء حق الزوج نشوزا أيضا ، والنشوز يقابله أداء الحق بسماحة وطيب نفس .
و مثل هذه المقابلة، إبرازها وتسليط الضوء عليها لعله مما يحيي واجبات هجرت عند بعض الأزواج، والله عز وجل سيسألهم عنها، كما أرجو أن يكون فقهها مما يعيد للمرأة المسلمة توازنها في المطالبة بحقوقها دون إجحاف بأوامر ربها، وحقوق الأسرة ككل. ولابد لنا حقا من مراجعة لتراثنا الفقهي ، وطريقة تعاملنا معه ، واستخدامنا لمفرداته ، أو استفاداتنا من كنوزه . و الله الموفق.
الحجاب وبثينة كامل من تاني
السبت، 9 يونيو 2007
معادلات الفقر والغنى
نشرت مقالة ( معادلات الفقر والغنى ) في جريدة الوطن السعودية في يوم الخميس 12/ 4/ 2007م، للكاتب السعودي محمد حسن علوان ، وقد أضافت إلي عمقا وفهما إنسانيا.وهذا رابطها :
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=2386&id=70&Rname=27
"قبل سنتين تقريباً، نشرت مجلة الإيكونمست قصة (الرجل الجبلي والجراح) التي أثارت الكثير من الأسئلة الحيوية آنذاك حول نسبية الفقر والغنى. القصة ليست إلا مقارنة واقعية بين رجلين، الأول أمريكي في الستين من عمره، يسكن في مقطورة شحن على سفح جبال ألاباتشين في ولاية كنتاكي الأمريكية، عاطل عن العمل، ويعتاش على مبلغ 521 دولاراً تصرفه الحكومة شهرياً لكبار السن كنوع من الإعانة الاجتماعية، ولا يوجد لديه أي مصدر دخل آخر. وفي الجهة الأخرى من العالم، يقيم الرجل الثاني، وهو جرّاح متخصص، ومشهور، ويرأس قسم الطوارئ في مستشفى حكومي في كانشاسا، عاصمة الكونغو، ورغم خبرته الجراحية التي تجاوزت الثمانية والعشرين عاماً، فهو يتقاضى مرتباً شهرياً يساوي 250 دولاراً فقط، يرفده ببضع مئات أخرى من العمل الإضافي، ولا أكثر!
بقية القصة تتناول الحياة اليومية للرجلين، في محاولة للإحاطة بكل الظروف التي يعيشها كل منهما، واستنطاق مستوى التذمر المحتمل حول وضعيهما. كل هذه الأسئلة، حسب محرر المقال، تهدف إلى معرفة أيهما أفضل: أن تعيش فقيراً في بلد غني، أو غنياً في بلد فقير، فكما قد يتراءى لوهلة أن الثانية توفر حياة أفضل بالطبع بسبب رخص تكاليف المعيشة، إلا أن اعتبارات أخرى يجب أن تؤخذ في الاعتبار، اجتماعية وسياسية، فالجراح الكونغوي يعول 12 فرداً من الأسرة، وهو حامل الخبز الوحيد لهم، بينما لا يعول الجبلي الأمريكي إلا نفسه. كما أن الكونغو بلد متقلب سياسياً، ويعاني من حرب أهلية بين الميليشيات المتناحرة على مناجم الماس والذهب، وبالتالي فإن التخطيط المالي لدى الدكتور الكونغوي يعتبر عملاً شاقاً، فالراتب الذي يتقاضاه اليوم، قد لا يتقاضاه غداً، في بلد يتغير فيه السياسيون كل يوم، حسب المزاج الانقلابي للجيش، بينما سيظل الجبلي الأمريكي مستيقناً أن شيكه الشهري يصله في موعده المحدد، لا ينقص سنتاً واحداً، وحتى لو عانى الاقتصاد من حالة تضخم ما، فسيتم أخذ ذلك في الاعتبار. باختصار، هناك الآلاف ممن يقتصر عملهم اليومي على الاهتمام (بالفقراء) في أمريكا، بينما حتى (الأغنياء) في الكونغو لا يستطيعون ضمان وصول الخدمات الأساسية لبيوتهم، كالماء والكهرباء، فأسرة الجراح الكونغوي تجلب الماء في الجرار من البئر، وتستمتع بالكهرباء مرتين في الأسبوع فقط، ولا يحلمون باقتناء جهاز تكييف صغير في بلد إفريقي حار، بينما يقتني ثلاثة أرباع "الفقراء" في أمريكا أجهزة تكييف في بيوتهم!
وبما أن الأمر يتعلق بالسعادة والرضا الذاتيين، فكيف ترى الجراح الكونغوي يشعر وهو يتقاضى 250 دولاراً في الشهر، يحسده عليها 99% من بقية الشعب الكونغوي ممن يضطرون للأكل مما يزرعونه حول بيوتهم فقط. أتراه يشعر بأنه محظوظ وسعيد؟ ولكن ماذا لو خطر بباله أن يتصور فقط ما يتقاضاه الجراحون في دول أخرى؟ كم يبدو راتبه مضحكاً عندما يقارنه بهم، رغم أنه يحمل نفس المؤهلات والمهارات، بل ربما فاقهم في عدد العمليات الجراحية التي يجريها في بلد مبتلى بالحروب، والفرق الوحيد أنه موجود في مكان ما، وهم في أماكن أخرى! هذا الجراح، وهو الغني نسبياً في بلده، يوفر لأسرته وجبة لحم مرتين في الشهر، ويعد ذلك ترفاً كبيراً، بينما يتناول الفقير الأمريكي ضعف ما يوصي به الأطباء من البروتين، حيث إن الطبقة الفقيرة في أمريكا، هي الأكثر سمنة بين بقية الطبقات الأخرى!
في أوروبا، تستخدم أغلب الدول معايير نسبية لقياس الفقر متعلقة بمعدل دخل الفرد، فالأسرة الفقيرة هي التي يقل دخلها عن نصف معدل دخل الفرد، وهذا مقياس مضلل أحياناً، إذ إنه عندما تزداد الدولة ثراءً، يزداد بذلك عدد الفقراء، ولذلك يستخدم الأمريكيون مقياساً مختلفاً، إذ يقومون بحساب تكلفة الطعام الكافي للأسرة، ومضاعفته ثلاث مرات، واعتباره خطاً للفقر. وتتم مراعاة التضخم السنوي بالطبع، ورغم هذا المقياس الذي يبدو واقعياً ومنطقياً، إلا أن عدد الفقراء ارتفع في السنوات الثلاثين الأخيرة بنسبة 10% تقريباً، ويبرر الباحثون هذه الزيادة في عدد الفقراء بكونها زيادة كمية، وليست نوعية. فعدد الفقراء يزداد بالطبع، والفقراء يظلون فقراء، ولكن حالة الفقراء نفسها تتحسن، ويحصلون على ميزات أكثر، وتزداد معدلات أعمارهم، ويسكنون في بيوت، وبعضهم يملك سيارات، ولديه أدوات منزلية مرفهة.
معادلات الفقر والغنى صارت أكثر تعقيداً بازدياد تعقيد النظم الاقتصادية، كيف يمكن تعريف الفقير؟ وكيف يختلف هذا التعريف، بل يتباين تبايناً هائلاً أحياناً، بين دولة وأخرى؟ ففي حين أن الفقراء في الكونغو يشتكون من ارتفاع أسعار الخبز، يتذمر الفقراء في أمريكا من ارتفاع أسعار التأمين على سياراتهم! وكلهم (فقراء!)، وهذا يجعل من المؤكد أن الحياة فقيراً في بلد غني، أفضل بكثير من الحياة غنياً في بلد فقير، على الأقل فإن شبحي الجوع والمرض غائبان عن قائمة مخاوف الفقراء في أمريكا تماماً، بينما يظلان الكابوسين اليوميين لفقراء الكونغو. هذا ما يقوله المقياس الاقتصادي بالطبع، ولكن ماذا يقول المقياس السوسيولوجي هنا؟
إن الفقر في أمريكا يظل وصمة اجتماعية معيبة، والحياة التي يعيشها الجبلي الأمريكي في القصة أول المقال ليست سعيدة جداً، رغم توفر حاجاته الأساسية مجاناً، لأنه موصوم بالفشل في كل الأحوال، ومن أغلب فئات مجتمعه، وهذا عامل مؤثر جداً في سعادته النسبية. بينما الفقير في الكونغو لا يشعر بأي عار وهو يعيش في كوخ من القش، لأن جميع من حوله يعيشون في أكواخ شبيهة، وهذه منطقة أمان اجتماعية تضع بعض الحواجز أمام حضور التعاسة، بينما تحوم هذه التعاسة فوق رأس الفقير الأمريكي بمجرد خروجه في نزهة قصيرة وسط المدينة، ليرى بنفسه كل ما هو محروم منه.
إن الأميال، والمقاييس الطولية الأخرى، هي وحدها التي صارت تقرر كيف يعيش البشر في النقطة (أ)، وكيف يعيش البشر في النقطة (ب)، رغم أنهم جميعاً بشر، ورغم أن النقطتين كلتيهما على سطح كوكب واحد!، كم هذا غريب ومنفر. ولكن الشواهد صارت من الكثرة بحيث تعودنا عليها، فلم تعد كما هي في الأصل، غريبة ومنفرة، ولعل هذه الدراسة الأمريكية الإفريقية لا تختلف نتائجها كثيراً لو أنها تناولت واحدة من دول الخليج في الطرف الغني، عندما يتقاضى الجندي في السعودية أكثر مما يتقاضاه اللواء في بعض الدول العربية الأخرى، وفي كوبا، تأكل الحرة بثدييها وبقية جسدها حفنة دولارات ينفقها طفل أوروبي في مطعم المدرسة، وعلى الحدود الأمريكية المكسيكية في كاليفورنيا يمكنك أن تتناول العشاء على الجانب الأمريكي، ثم تتجاوز الحدود إلى المكسيك لتعيش شهراً كاملاً، تتناول فيه ثلاثين عشاء، بنفس المبلغ الذي دفعته للعشاء الأمريكي ذاك. يعيش العالم هذه التناقضات الاقتصادية الهائلة بشكل يومي، ثم يتساءل عن أسباب انتشار الجريمة المنظمة، وتجارة البشر، والرق الجنسي، وكثرة الميليشيات العسكرية في الدول الفقيرة، وتهريب المخدرات في الأحشاء، وكيف يتعلق شابٌ بنغالي بعجلات طائرة متجهة إلى السعودية، ليصل إليها جثة زرقاء متجمدة!
الخميس، 7 يونيو 2007
هوى
(سيروا إلى الله عرجا ومكاسير )سمعت هذه العبارة لأول مرة من أستاذ مادة (السلوك) في الجامعة : زين بن عقيل ، جزاه الله خيرا، ولا زلت أتذكرها كلما غالبتني نفسي فغلبتني ، وكلما تثلم عهد حبي لربي ، ولم أتحقق بمعنى البيت الذي نسب إلى الإمام الشافعي:
أصون ودادي أن يدنسه الهوى / وأحفظ عهد الحب أن يتثلما
مساحات الحلال واسعة ، لكن سعتها ليست لأجل أن يترك الإنسان نفسه ترعى في مراعيها دون قيادة ، وضبط ، لأنه لو تركها سائمة لم تلبث أن تأنف من الانقياد ، فتقود صاحبها بدل أن يقودها ، فتفسد عليه صفاء قلبه ، و أنسه بربه ، وتحققه باسم الله العلي ، فلا يكون حاله العلو عن الشهوات بل غارقا فيها، وسقم فهمه يجد له مسوغا في أنه إنما يتحرك في مساحات الحل ، وليس يفقه أن هذه المساحات منها ما يحبه الله ، ومنها ما يبغضه ، وأن النهج القويم هو في ترك ما لا بأس فيه خشية ما فيه بأس ، هذا الضابط أراه ضابطا خاصا جدا ، يأخذ كل امرىء منه بحسب ما يصلح به حاله مع ربه ، ويكون فيه مالكا لأمر نفسه ، فالأعرابي الذي ذكر لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيقتصر على الواجب ، ويجتنب الحرام ، قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلح إن صدق . ولكأن الاقتصار على الواجبات وترك المحرمات مما يشق على المرء إن لم يستعن على ذلك بترك المكروهات، وفعل المندوبات ، لتتعود نفسه أن تقاد فيسهل عليه ردها إلى الواجب ، وكفها عن الحرام .
ومع ذلك فلو غلبت الإنسان نفسه ، ولا بد لها من أن تغلبه أحيانا : (وسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ{133} الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{134} وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{135} أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ{136})
فحينئذ عليه أن لا يسمح لليأس أو الإحباط أن يتملكه ، لأنه- كما نبه ابن عطاء في حكمه - ليس الذي يقربه العمل الصالح ، وتبعده المعصية ، بل الله هو الذي يقربه حقيقة ، لأنه هو الذي يتقبل صالح العمل ، ويعاقب على سيئه ، وهو الذي وفقه لصالح العمل بكرمه تعالى ، فلا يجعل أعماله صلحت أو فسدت تحجبه عن الله عز وجل ، ولا يلتفت إليها بقلبه ، بل تكن وجهته إلى الله عز وجل ، طمعا في رحمته ، وتوفيقه إياه إلى التوبة ، وقبولها منه ، فيسير إلى الله عز وجل وإن اختلط قلبه ، وتعثر في ضعف نفسه ، و يفرّح نفسه بالله ، فرحا يجعله يقبل إقبال الطائعين ، ويجاهد نفسه مجاهدة المحسنين ، والله المستعان . فلنسر إلى الله عرجا ومكاسير .