الخميس، 5 نوفمبر 2020

في فقه السعة (2)

 

لكل عصر روحه الخاصة به ، وروح هذا العصر أن يتحقق المرء بأقصى قدر من الحرية ، أو لأقل إن حاجتنا الإنسانية إلى التحقق بالحرية كقيمة قد تجلت في عصرنا أكثر من العصور السابقة ، ولذلك فإن أي فكر لا يراعي هذه الحقيقة سيصد الناس عنه ..

يقصد الشرع الشريف إلى تحقيق مصالح العباد ، وهذه المصالح تتحقق بأن يكون المسلم في حال من التصالح مع ثقافة عصره .

نحتاج أن نستثمر كمسلمين الثروة الفقهية الواسعة التي تزخر بها مدوناتنا الفقهية في مساعدة المسلم المعاصر على عيش حياة فيها أقصى مساحة من رفع الحرج ليبقى التقييد المرتبط بالقطعيات الأساسية هو علامة انتمائه لهذا الدين وهو الحد الذي يحفظ له الطمأنينة التي هي مقصد التحقق بحريته إذ أن الحرية المطلقة شتات ومفسدة تحرم المرء سكونه النفسي المرتبط بوجود قدر أساسي من القواعد في حياته.

نعم استثمار هذه السعة لابد أن يكون منضبطا علميا عبر خطاب رصين يحترم حق الناس في صياغة الطريقة التي تناسبهم في رحاب دينهم لا خروجا عنه ..

نحن نحصد الآن ثمرة خطاب دعوي غاب عنه العلم الأصيل ، والفقه بواقع الناس وحاجاتهم لصالح وعظ مشوش غير ناضج .

فلنجمع الناس على دين الله ، ولتكن القطعيات الحصن الحصين ، والربط بمعنى التعبد هو الأساس لخطاب دعوي منهجي لا يصدّر الحِكَم الظنية ويقيمها مقام العلل التي يدور معها الحُكْم وجودا وعدما في خلط ظاهر بين الأحكام التعبدية والأحكام معقولة المعنى.

الإسلام دين يحترم المنهجية العلمية ، ويحترم حاجات الإنسان ، والرحمة هي جوهر تشريعاته ..

والخطاب الدعوي يحتاج لعلماء وطلبة علم متمكنين لديهم رؤية مقاصدية حكيمة واطلاع على واقع الناس وثقافة العصر مع تواضع وحسن خلق وضبط للنفس وسماحة فإن كنت عاميا أو طالب علم مبتدئا أو اقتصر طلبك على الحفظ والفهم القريب لا المتعمق وإن كنت بعيدا عن واقع الناس وثقافة العصر وإن لم يكن خلقك السماحة فلا تتصدر للدعوة ولا تفسد على الناس دينهم .

                                                                                حرر في : 3/11/ 2020م

 

الاثنين، 19 أكتوبر 2020

في فقه السعة

 


القطع هوأصل ( الحكاية) :

          الإسلام دين منضبط بمبادىء أخلاقية كلية ، وتشريعات قطعية ، تمثل رؤية المسلم التي تحكم تعاملاته مع نفسه والناس والمخلوقات .

          وهذه القطعيات الفقهية حلالا وحراما مما اتفق أهل العلم على حكمها بحيث إن المسلم يجب عليه الالتزام بها إن تحققت شروطها ، وانتفت موانعها ، ولم يعرض عارض من ضرورة أو حاجة تقوم مقامها .

          والحكم الفقهي القطعي هو ما دل عليه الدليل الثابت من حيث المصدر، وكانت دلالته غير محتملة احتمالا معتبرا .

          والأحكام الفقهية القطعية غالبا معلومة مشهورة  كوجوب العدل، وحرمة الظلم .

وفهم فكرة القطع هو أساس فهم أن الإسلام دين منهجه قائم على السعة التي  لا ترتبك أمام تجدد الحضارة الإنسانية، ولا تفاجئها تقلبات الحياة ، بل تستوعبها بما يرفع الحرج ، ويحقق التوازن بين قيم الإنسان وحاجته بل وضعفه وانكساراته .

          وبالتالي لا يصح أن نقول عن مسألة ما إنها قطعية إذا كانت دلالة الدليل تحتمل معان متعددة يصح الاعتداد بها .

 ولا يصح أن نقول عن مسألة إنها قطعية مع تعارض الأدلة بحيث يختلف اجتهاد العلماء في الترجيح بينها كأن يرى عالم إن النص يخالف قاعدة قطعية مستفادة من استقراء جملة النصوص الشرعية ويخالفه عالم آخر في فهمه هذا ويرى العمل بالنص الجزئي.

           إن الحكم بالقطع هو حكم من حيث ما يدل عليه الدليل أصالة  لكن يخرج الحكم من  القطع إلى الاحتمال والظن إذا عرض عارض يصح اعتباره عند تنزيل المسألة على الواقع .

 

 

 

 

إشكال القطع والظن وأثره على فقه السعة:

 

الإشكال الذي يقع فيه بعض طلبة العلم هو أنهم يجعلون الحكم الفقهي الظني الذي دل عليه دليل محتمل من حيث السند والدلالة في منزلة الحكم الفقهي القطعي. والذي يوقعهم في هذا الإشكال هو جعلهم غلبة الظن في منزلة القطع ، وعدم تفريقهم بين القطع الخاص الذي يقع في نفس الباحث من ترجح فهم ما في المسألة وبين القطع المتصل بكون المسألة  قطعية أصالة . وتوهمهم أن  اعتراضات العلماء على بعضهم في المسائل الظنية يخرج المسألة من الظن إلى القطع .

          والخروج من هذا الإشكال يحصل بتحرير فهم مسألة القطع تحريرا ينزل الأحكام الفقهية  منزلتها وأن لا يتأثر الباحث بغلبة الظن الناتجة عن طول النظر والتي تجعله يخلط بين التأصيل والتنزيل ، وبين القطع الأصلي والقطع بالرجحان.

          ويترتب على هذا الإشكال خطأ منهجي يضيّق مساحات الظن ، ويهمل أقوالا فقهية قد تدعو حاجة الناس إلى العمل بها ، بل ويشوّش على الرؤية الكلية للدين المرتبطة بالمرونة والسعة في المسائل التي يتم نقلها خطأ من الظن إلى القطع .

 

مدار قبول القول الفقهي :

 

          لقد أمرنا القرآن الكريم بسؤال أهل الذكر وهم أهل العلم المؤهلين الذين امتلكوا أدوات الفهم والاستنباط ، فمدار قبول القول الفقهي في المسائل الظنية المختلف فيها هو أن يكون القائل به من أهل الاجتهاد فقد أمرنا القرآن بسؤال من كان مؤهلا  ولم يقيد ذلك . وقد كان الصحابة يستفتون العلماء دون تحر لمسألة المفاضلة بينهم . أما من يعترضون بخفاء الأدلة على بعض العلماء فهذا اعتراض يرده ثراء الحركة العلمية وشيوع المراجعات بين العلماء منذ عهد الصحابة الكرام  - رضوان الله عليهم – إلى عصر استقرار المدارس الفقهية.

هل اختار الأسهل ؟  

كيف نتعامل مع اختلاف أقوال العلماء في المسائل الفقهية ؟ وهل اختيار الأسهل بالنسبة لي من هذه الأقوال هو اتباع لهوى النفس المذموم ؟ . وللجواب عن هذا السؤال – كما ترجح عندي- فلنعد إلى ( أصل الحكاية ) ، أليست هذه المسائل ظنية وليست قطعية ، وأليس القائلون بها من أهل الاجتهاد؟   وأليست أقوالهم كلها في منزلة واحدة من حيث انتفاء القطع بصحتها؟

وهنا كلام  للإمام القرافي المالكي في نفائس الأصول يساعدنا على مزيد فهم : قال : وقد نزل الله ظنون المجتهدين – وكلها طرق إلى الله وأسباب السعادة الأبدية – منزلة أحوال المكلفين من الاضطرار والاختيار ، فيكون الفعل الواحد حراما حلالا بالنسبة إلى شخصين ، كما تكون الميتة حراما حلالا بالنسبة إلى شخصين : المختار والمضطر.  اهـ.

فأقوال المجتهدين كلها طرق إلى الله وأسباب للسعادة الأبدية ، فهواك هنا هوى لما يوصلك إلى الله ، ولما يكون سببا إلى سعادتك الأبدية ، وكيف يكون اختيار الأسهل إثما ، وأنت تختار بين طرق توصلك إلى الله ؟

فإذا استشعر القلب أن القول الأشد أقرب إلى الشرع  قال بعض العلماء يأخذ بما يميل إليه قلبه . وقال الإمام ابن الهمام الحنفي في شرح فتح القدير: وعندي أنه لو أخذ بقول الذي     لا يميل إليه قلبه جاز لأن ميله وعدمه سواء ، والواجب عليه تقليد مجتهد وقد فعل أصاب ذلك المجتهد أو أخطأ .  اهـ.

وذهب الإمام ابن الهمام أيضا إلى جواز أن يأخذ العامي في كل مسألة بقول مجتهد يكون قوله أخف عليه: قال في التحرير : وأنا لا أدري ما يمنع هذا من العقل والسمع ، وكون الإنسان يتبع ما هو أخف على نفسه من قول مجتهد مسوّغ له الاجتهاد ما علمت من الشرع ذمه عليه .وكان صلى الله عليه وسلم يحب ما خفف على أمته . اهـ.

 

في حمى المذهبية :

          الكلام عن التيسير والأخذ بالأخف من الأقوال لا يتعارض  مع القول بالتمذهب وهو أن يتبع الإنسان في الأصل مذهبا فقهيا معينا لأن من أجازوا الأخذ بما يراه الإنسان سهلا عليه من أقوال العلماء اشترطوا لذلك  أن لا يأخذ بقول أكثر من عالم في مسائل يتصل بعضها ببعض بحيث تكون النتيجة تعود على أصل المسألة بالبطلان .

          والتزام المسلم بمذهب معين في المسائل المركبة يجنبه الوقوع في التعارض وهو       ما سماه العلماء بالتلفيق. ولا بأس أن ينتقل من مذهب إلى مذهب مادام ضابطا للمسائل التي ينتقل فيها.  

          جاء في حاشية إعانة الطالبين من كتب الشافعية: " قال ابن الجمّال: اعلم أن الأصح من كلام المتأخرين كالشيخ ابن حجر وغيره أنه يجوز الانتقال من مذهب إلى مذهب من المذاهب المدوّنة ولو بمجرد التشهي سواء انتقل دواما أو في بعض الحادثة وإن أفتى أو حكم وعمل بخلافه ما لم يلزم منه التلفيق ." .

المذهبية حفظت لنا العلم بصورة منضبطة ومقننة عبر حركة علمية حية وثرية ومتقدة بالنقاش الحر ولذلك  نجد في المذهب الواحد أقوالا متعددة نعلم قيودها وضوابطها وسياقاتها بما يجعل الاستفادة منها حاصلة على أسس قوية واضحة .

ولذلك فإن الأخذ بقول ما يكون في إطار منهجي غير مضطرب ما دمنا درسنا قواعد المنهج ، وعرفنا ترجمة علمائه وأهليتهم للنظر والاجتهاد.

بل تعبدا وطاعة :

       الشريعة جاءت لتحقيق مصالح الناس، ورفع الحرج عنهم، والاستجابة لضروراتهم الإنسانية، فما جاءت الشريعة بإيجابه أو تحريمه قطعا، بحيث حصل إجماع العلماء على أن هذه المسائل هي محكمات الشريعة ، فنحن نعلم أن المصلحة متحققة بها علمناها أو جهلناها ويبقى تنزيل هذه المحكمات على واقع الناس محل نظر واجتهاد في تحقق شروط تلك الأحكام ،وانتفاء موانعها، وعدم وجود ضرورة أو حاجة تنزل منزلة الضرورة تدعو إلى اعتبارها.

    أما عدا المحكمات القطعية فالخلاف فيها معتد به إذا صدر الاجتهاد ممن هم أهل له، وكلها طرق إلى الله وأسباب للسعادة الأبدية كما نقلت عن الإمام القرافي .

    وهذا الفهم المحرّر لقضية القطع والظن وصلتها بحياة المسلم ، هي السبيل لأن تكون علاقة المسلم مع نفسه علاقة متوازنة، لا حرج فيها ، وهو في ذلك يعبد الله على بصيرة ،ويعبد الله وقلبه منشرح بخياراته الواسعة في هذه الحياة، وهو متصالح مع نفسه ومع الحياة لا في حالة صراع وكمد مع استحضاره أنه إنما يختار مما شرع الله له أن يختار منه من أقوال أهل الذكر الذي أمره الله بسؤالهم ، فهو يختار من الحلال الطيب الذي أحله الله له ، ويختار منه ما يجعله يقبل على حياته وهو في سعة وسلام ، وهل الدين إلا رحمة ويسر وسعة؟ وهل شرع حفظ الضروريات والحاجيات والتحسينيات إلا لأجل رفع الحرج وتحقيق مصالح العباد لا التضييق عليهم وإعناتهم .

                                                                 حرر في : 19/10/2020

 

 

الخميس، 8 أكتوبر 2020

طفلك والمفاوضات المعقدة . رحلة تربوية .

 

رعاية لا ندية :  

في قصة بعنوان : ( أمي والتدخين ) تحكي المؤلفة عن طفلة اتخذت كافة الوسائل لكي تتوقف أمها عن التدخين . تبدأ تلك الوسائل بإظهار التأذي من تدخين الأم في الغرفة لتنتقل الأم إلى التدخين في الشرفة . وتذكر المؤلفة على لسان الطفلة أنها ستفعل كل ما في وسعها لتمنع أمها من هذه العادة الضارة كما أن أمها تمنعها من الأفعال الضارة والسيئة  وتنفذ الطفلة ما عزمت عليه بتخبئة ( علب السجائر ) و (القداحات ) لتضطر الأم كل مرة إلى البحث ثم الشراء عند عجزها عن أن تجد ( سجائرها ) و( وقداحاتها ). وتكتب الطفلة رسالة لطيفة إلى الأم ترجوها فيها أن تبتعد عن التدخين وتعدها أمها بالمحاولة الجادة .ثم بعد فترة تكتشف  الأم مخبأ عشرات ( السجائر ) و ( القداحات ) في أحد الدواليب  فتضحك وتحتضن طفلتها وترمي ( السجائر) و( القداحات ) في سلة المهملات . وتتوقف بعدها عن التدخين بفضل طفلتها .           ( أمي والتدخين . سمر محفوظ برّاج . )

يغيب عن هذه القصة مبدأ تربوي مهم ، وهو أن الطفل كما هو بحاجة إلى تعامل يحترم عقله ومشاعره واستقلاليته هو أيضا بحاجة إلى أن يتعلم أنه في سن التوجيه والرعاية، وأن عليه أن يحترم سلطة والديه،وأنه ليس ندّا لهما ،  وإدراكه لهذين الأمرين سيحفظ توازنه النفسي، وشعوره بالأمان، ويعلمه احترام خيارات الآخرين  ، ويحميه من آفات الأنانية، والتلاعب .

الدلال المفرط  والابتزاز العاطفي  :

                لا شك أنه من المهم أن تستمعي إلى طفلك، وتمكنيه من الدفاع عن نفسه ، كل ذلك في إطار احترامه لسلطتك كأم ، وإدراكه أنك المتحكمة في زمام الأمور ، وأن التزامه نحوك يقتضي احترامه لأوامرك. أما إذا وجدت أن توجيهاتك لطفلك تتحول إلى سبب لبدء مفاوضات طويلة ومعقدة ، وعندما ترغمين نفسك على محاولات تبرير قرارات أساسية بالنسبة إليك كأم لطفل في التاسعة من عمره ( مثلا) . ويبدأ الطفل بالتلاعب بالمبادىء التي علمته عبر سنوات أهمية احترامها ، مبادىء الحوار، والإنصاف ، والعدالة ، والثبات ، ليجعل هذه المبادىء سبيلا للتملص من واجباته ، والمواقف التي لا تعجبه دلالا وتنمرا  حينها       لا بد أن يتوقف الحوار  و هذه هي اللحظة المناسبة لكي تقولي ( لأنني قلت ذلك )  بثبات مصحوبا بابتسامة بسيطة تتبعها حركة من حركات لغة الجسد التي تشير إلى أنك انتهيت من الحديث عن الموضوع .

إن لم يتعلم الطفل أن رغباته يجب أن تكون منضبطة وفقا لمصلحته ، ووفقا لقواعد التعامل السليم مع الآخرين ، فسيفقد إحساسا مهما بالثقة بكفاءتك ، وسيحرم شعورا بالأمان يحتاجه إذا واجهته مشكلة حقيقية . ( طفلك مزعج وأنت السبب. إلين روز جليكمان .) .

الدلال المفرط يجعل الطفل غير قادر على التعامل مع الحرمان والإخفاقات ، وتتكون لديه توقعات غير واقعية عن أن الحياة ستقدم له ما يريده دون تنازلات منه ، وهذا يجعله غير متوازن عاطفيا ، بل وقد يكون مدار علاقته بالآخرين هو الابتزاز العاطفي لتحصيل ما يريده منهم لحماية نفسه من حرمان لم يتعود التعامل معه .  (الابتزاز العاطفي . د. سوزان فورورد )  .

العقاب الانفعالي :

                التأديب هو الطريق الأمثل لتنشئة الأطفال تنشئة صالحة ، وهذا التأديب إن لم يكن منضبطا بعقل واع ، وقلب حاضر ، يصدر منهما تصرّف المربي فإنه ينقلب إلى عقاب انفعالي لا يسلم الطفل من ضرره .

                والأطفال العنيدون لديهم قوة احتمال عالية للصراعات، وغالبا ما يكون الصراع نفسه مكافأة ومنحة لمثل هؤلاء الأطفال . فإذا كان انضباط المربي في تأديبه للطفل مطلبا ضروريا في حق جميع الأطفال فهو في حق الأطفال العنيدين أشد ضرورة .

                إن الانفعال الزائد يعزز عناد الطفل ، كالإسفنج الذي يمتص الماء . ولذلك فاتخاذ القرار التأديبي ينبغي أن يكون في حال هدوء المربي ، ولا ضير في أن يؤجل المربي اتخاذ القرار  فذلك أفضل من قرار آني غير حكيم . والطفل تعلمه ليس شرطيا ، والتأخير سيجعل الأمر أكثر تحققا بالاحترام اللائق برصانة والديه.         ( حاول أن تروضني . راي ليفي وبيل أوهانون . ) .

وقت كمي أيضا :

                قضاء وقت نوعي مع الطفل مهم جدا في بناء علاقة متينة ، وذكريات جيدة ، تساعد الطفل على التوازن ، واستدعاء البهجة في أحلك الأوقات . لكن الوقت النوعي غير كاف للقدرة على التربية المتوازنة للطفل العنيد بل يجب على المربي قضاء وقت جيد طويل مع طفله العنيد لكي يكون لديه في نفس الطفل رصيد كاف يسمح له بتوجيهه بما يتسق مع طبيعته . ( حاول أن تروضني . راي ليفي وبيل أوهانون . ) .

 

التعاطف والعاقبة الأخلاقية:

                الطريقة المثلى لتعديل سلوك الطفل العنيد هو جعله يتحمل عواقب أفعاله ، فإذا ما حرم الطفل من مميزات معينة بسبب عناده فإن هذا الحرمان سيكون هو الخبرة الكافية التي ستعلمه كيف  يكون إنسانا صالحا ، وحينها فإن التعليق بعبارات التعاطف الصادقة والحازمة حيال وطأة عاقبة تصرف الطفل هي التصرف اللائق بحفظ كرامته لا  اللوم  الذي قد يفسد  علاقة الطفل بالمربي، وكذلك يحول بين الطفل وبين الانتفاع بهذه الوسيلة التأديبية .  ( التهذيب الإيجابي . جان نيلسن ولين لوت وستيفن جلين) .

اختلاف فلسفة التربية بين الزوجين :

                يظن البعض أن اتفاق الزوجين في فلسفة التربية هو أمر أساسي ولا شك أنه أمر محبذ لكنه           لا يشكل عائقا أمام التربية المتوازنة إن اتفق الزوجان على احترام طريقة كل واحد منهما  ما دامت الطريقتان ليس فيهما عنف أو أذى للطفل .  وعلى الوالدين أن يحدثا الطفل عن أنه ينبغي أن يستجيب باحترام لكلا الطريقتين . ويستطيع الطفل أن يتأقلم مع أكثر من أسلوب تربوي. وهذا الأمر يكثر قلق الوالدين منه حال الانفصال خاصة ولا ضرر منه مادام التعامل بين الوالدين قائما على الاحترام كما تقدّم.   ( حاول أن تروضني . راي ليفي وبيل أوهانون . ) .

رحلة طويلة :

                التعامل مع الطفل العنيد هو رحلة طويلة تحتاج من الأبوين إلى كثير من الصبر ـ، والتعلم ، وقد حاولت في هذه المقالة تسليط الضوء على بعض القواعد التربوية المهمة التي يحتاجها الوالدان للتعامل مع طفلهما العنيد . والمراجع التي ذكرت في المقال فيها معلومات وقواعد وأساليب  لا غنى للوالدين عنها لإنارة رحلة تربية طفلهما . ولا بد أن نذكر أنفسنا كآباء أننا بشر ، نخطىء ونصيب ، لكن حسبنا أننا نبذل جهدنا لنؤدي واجبنا ، ويجب أن نتعلم أن نعذر أنفسنا ، وأن نعلم أطفالنا احترام جهودنا وعواطفنا . والله الهادي لنا ولهم.

               

 

               

 

 

الأحد، 23 أغسطس 2020

عاقبة لا عقاب

 ‏"عندما يخطىء طفلك وترتب على خطئه عاقبة كحرمانه من شيء يحبه لبعض الوقت من المهم أن لا تلقي عليه حينها محاضرة للنصح أو العقاب بل أظهر تعاطفك معه فهذا يزيد من تعلمه من خطئه بشكل أكبر ويعزز فكرة أنك تعلمه بحب ولا تنتقم منه أو تقصد إهانته." منقول بتصرف من كتاب التهذيب الإيجابي.ص١٢

الجمعة، 14 أغسطس 2020

مراجعات في فقه المرأة ، مسألة التعطر و العدة نموذجا.

سأضع بين أيديكم نقلا كتابيا لكلام نفيس لفضيلة الشيخ مولود السريري . قامت بالنقل الأخت الفاضلة : طروب الجفري . يتحدث الشيخ السريري عن أهمية وجود عالمات مجتهدات في الفقه وذلك لأجل عمل مراجعات لما تقرر من أحكام اجتهادية تتصل بحياة النساء . ووجه الحاجة إلى المراجعة هو أن بعض هذه الأحكام قرر بعيدا عن فقه الضرر لأن من قرره فقهاء لم يحصل عندهم تصور مكتمل لهذه المسائل لأنهم لم يستشعروا الضرر المتصل بهذه المسائل فجاء تقريرهم لأحكامها بعيدا عن مراعاته وفعلهم هذا ليس تحيزا ظالما وإنما نتج عن قصور في إدراك البعد النفسي – والاجتماعي- المتعلق بهذه المسائل . والبعد النفسي -والاجتماعي- الذي يترتب عليه ضرر بيّن معتبر شرعا .

 

يقول الشيخ السريري : ( لأن الإحساس بالضرر لا يكون إلا لمن لَحِق به، وليس ممن يقرره، لأن من يقرره قد يرى أنه غير موجود، ولكن إذا جاء من يحس به فسيثيره ويبيّنه.)..

ثم إن فضيلة الشيخ السريري يمثّل بمسألتين – كل ذلك جاء في سياق كلامه على مسألة تطيب الرجل لصلاة الجمعة – إحداهما : مسألة عدة من يتقطع حيضها , والثانية: مسألة تعطر المرأة عند الخروج من المنزل . وسأقتصر هنا على تناول مسألة التعطر ( كما فهمته من كلام الشيخ)  وسأكتفي بمنصوص كلامه في مسألة العدة . يقول الشيخ السريري : إن ندب التطيب عند الخروج لصلاة الجمعة يشمل الرجال والنساء . ولا يصح القول بمنع النساء خاصة من التطيب لكونهن فتنة . لأن الفتنة تحصل من الجنسين للجنسين.   (وما ورد من نهي للنساء عن التعطر فإن ذلك النهي ينبغي أن يكون متعلقا بمن قصدت الإغواء قال : هذه مسألة تحتاج إلى التدقيق الفقهي). فيتحصل من كلام فضيلته - كما فهمته-أن التعطر إنما يحرم على الرجال والنساء إذا  كان على سبيل التبرج والإغواء أما التعطر لأجل التزين الذي تقبله الطباع السليمة فلا حرج فيه – أقول: بل قد يكون مندوبا -. وكلام الشيخ السريري -حفظه الله – يقارب ما قرره شيخنا في فقه الشافعية في جامعة الأحقاف الشيخ علي مديحج – رحمه الله – في مسألة تعطر المرأة عند الخروج وكان يقول لنا : تخرج المرأة بريح طيبة وإنما يحرم تعطرها إذا قصدت الإغواء لما ورد في بعض الروايات : ( ليجدوا ريحها) .

وهنا نص كلام الشيخ السريري – حفظه الله - :

القارئ: "ونُدب طيب لغير نساء في الثلاثة"

 

الحقيقة أورده للرجل لأنه قال: "لا يغتسل الرجل" -لأن المرأة أصلاً لا يجب عليها الجمعة- "ويدّهن من دهنه"، والمرأة أيضاً تذهب للجمعة، لماذا لا تدّهن؟ قال لأنها تفتن الناس، وهذه مسألة الفتنة حتى للرجال في الحقيقة، التهمة يفتنوا النساء.

 

لماذا العلة وردت في النساء ولم ترد في الرجال؟ لأنه لم يكن هناك مجتهدات في الفقه، لو كان هناك عالمات مجتهدات قبل أن تكون المذاهب تعينت لكنّ ناقشنكم في التعليل الذي أوردتموه هنا.

 

(إذا كنا نفتنكم بالطيب، وانتم دايرينه، وبعضكم يشمه من بعضٍ، ونحن نشمه منكم، أنتم لستم فتنة؟

هذا الطيب الذي فيه الفتنة، ستكون فيه الفتنة في كل الأحوال! للرجال والنساء! وإذن فلا بدّ أن نعمم الحكم؛ إما لنا جميعاً وإما أن يُمنع جميعاً، فيكون مباحاً بالأصل، ومطلوباً ... بالأصل، وممنوعاً بعارض الفتنة، من الرجال والنساء).

 

لو كان هناك المجتهدات الفقيهات كثير من هذه العلل التي تنسبونها للنساء سوف تناقش فيها النساء كثيراً، في مشكلة ما عندناش عالمات فقيهات مع إن هذا الشيء مطلوب جداً جداً! لأن كثيراً من خبايا الفقه استترت عن الرجال إلى الآن؛ كثير من الأمور التي لا يمكن أن تفهمها إلا النساء الآن بقيت بدون بيان!

 

بعض الناس يقول لك: لا، إيش هذا اللي تقوله؟ّ

 

هذه هي الحقيقة! .............مثلاً في باب العدّة؛ يقولك المرأة تبقى أربع سنين، وتنتظر العدّة إذا كانت لا تأتيها العادة إلا في عام مثلاً مريضة، تبقى أربع سنين حتى تخرج من العدّة! هل هذا ممكن؟! فين هي قواعد الضرر؟! فين هي ما يترتب على ذلك من تطويل العدّة مع أن الشرع منعها؟! لماذا منع الشرع أن تُطلّق المرأة في حالة العذر إلا من أجل أن تُمنع من تطويل العدة وهم طولوا عليها العدة وجعلوها أربع سنين!

 

السبب في ذلك كله أنه لا يوجد من يُناقش من الجهة الأخرى هذه الأحكام، لأن الإحساس بالضرر لا يكون إلا لمن لَحِق به، وليس ممن يقرره، لأن من يقرره قد يرى أنه غير موجود، ولكن إذا جاء من يحس به فسيثيره ويبيّنه.

 

 

هذه المسائل يجب أن يُنظر فيها؛ أن تُمنع المرأة من ال....... لأنها تغري الرجال، وكيف المرأة لا يجوز لها أن تتطيّب لأنها تفتن الرجال، فلماذا الرجل يتطيب ويخرج للأزقة بأغلى ما في الدنيا من الطيب، ويغري النساء، ويغري الجن والإنس؟!

 

.......................

 

 

سؤال من أحد الحاضرين: ألم يكن الصحابة يتطيبون؟

طيب الصحابة لم يكن بهذه الطريقة، إيش من طِيب عن الصحابة.

الخلق، العنبر والمسك يخلطوها. حتى وإن كان الصحابة يتطيبون، وإن كان النساء، لا بدّ أن تُنزل القواعد الفقهية على كل فرد كيف ما كان نوعه.

 

في هذه المسائل لا يمكن أن يشرّعوا هم الحلال والحرام في محل العلل، العلل هي التي تحكم. لكن هم يديروا على سبيل النقل، والنبي شرع وقرر، وإحنا معرفناش هل استخدم الصحابة الطيب ولا لأ يوم الجمعة؛ لا ندري؛ لا يوجد دليل.

 

 

سؤال من أحد الحاضرين: النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أمر به، أمر بالطيب؛ حثّ عليه؛ كان يحبه، لكن نهى النساء أن يتطيبن! " أيما امرأة خرجت....." الحديث

نهى المرأة أن تفعل ذلك إذا خرجت؛ خرجت لذلك؛ لأن هذه من حالة من تغري الرجال بنفسها.

 

السائل: أي امرأة خرجت فشم رائحتها لا تجد رائحة الجنة.

ولكن هذه المرأة الذاهبة اللي مطلوب منها أن تدّهن يوم الجمعة، لأنه قال وسببٍ دهنه، قالوا: وما علة عدم ذلك هو الفتنة.

أليس هذا الرجل أيضاً قد تكون فيه الفتنة؟

السائل: وهل المرأة تُفتن بهذه الرائحة من الرجل؟

نعم، أيوة تُفتن. تُفتن، والرجل أيضاً يُفتن بالرائحة؟

السائل يجيب: رائحة المرأة، نعم.

الشيخ: رائحة الطيب!

السائل يجيب: إذا صدرت من المرأة نعم.

 

الشيخ: معذور، يعني تفتن تفتن لها ريحة، ....... 

 

السائل: جاء في الحديث من طريق أن الرواية أنه في رواية زادها وتغتسل غسل الجنابة.

هذا أجمع الناس على أنه ... فقه باطل، الإجماع على خلافه.

السائل: إذا مرت بقوم شمّوا رائحتها.....

أجمع الناس على أنه لا يُعمل به، إجماع العمل على خلافه.

 

سائل آخر: استدلوا بهذا الحديث أيما امرأة تعطرّت ثم مرّت على قوم ليجدوا ريحها.....

"ليجدوا ريحها"

هذا يدل على القصد؟

"ليجدوا ريحها" هذه المسألة تحتاج إلى تدقيق فقهي؛ لأنه ما يمكن.......

 

 

سائل آخر: ألا يمكن أن يكون ....... المبادرة، والمبادرة تكون من الرجال ولا تكون من النساء، يعني التجرؤ على الزنا، هذا في الغالب يكون في الرجال؟

كان ذلك يوماً ما! الله يهديكم، ما انتوا عايشين في هذا العالم؟! كل شي متاجر الآن! الله يحفظ ويصافي. إذا معرفتوش في مشكلة.

 

 

سائل: غالب النصوص التي وردت في الشرع في الفتنة وردت في جهة النساء؛ ما تركت فتنة أضرّ على الرجال من النساء؟

فتنة ......بحالها، والرجال إذن فتنة، كل شيء فتنة؛ "وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً"، فتنة فين ما مشيت.

 إذا نظرنا إلى أصل المسألة سنبدأ من القرآن، قال تعالى: "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ" ، "قُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ" فسوّى بينهم في الحكم، وأمر الجميع أن يترك سبب الفتنة، وسبب الإثارة، ووسائل الوقوع في الفاحشة، هذا أصل، ثم لا بدّ لهذا الأصل أن يكون مُستَصحباً؛ فحيث ما وُجدت الفتنة يجب أن يُعمّم هذا الحكم؛ يجب أن يعمم هذا الحكم! وهذا ......، ولا بدّ أن يؤخذ به في هذه الجزئية أيضاً.

 

إذن الإنسان يدير أمر الذي لا يمكن أن يُضِرّ بالناس من الرجال ومن النساء إلى آخره، هذا هو الوجه في المسألة، والله أعلم.

 

خلاصة الكلام أنه قال أن الدُّهن أيضاً مطلوب، ويمسّ من طيب بيته "إن وُجد" –في بعض الروايات- "إن وُجد" لأن الصحابة لا يوجد عندهم هذا الطيب كثيراً، "إن وُجد" في بعض الروايات."

 

* ملاحظة: تعذر علينا فهم بعض كلام الشيخ بالدارجة المغربية ووضعنا نقاطا مكان الكلام الذي لم نفهمه.  

المصدر: https://www.youtube.com/watch?v=WXCcY1hU53s

 


الأحد، 2 أغسطس 2020

الابتزاز العاطفي (2) / آليات التعامل

الفهم وحده لا يكفي :

                   بعد كلام طويل مع د. سوزان فورورد  مؤلفة كتاب ( الابتزاز العاطفي) فهمت ماريا أن ما يفعله زوجها جاي معها هو شكل من أشكال الابتزاز العاطفي، فأي اختلاف بينهما في الرأي تكون فيه متهمة بأنها لا تقدّر قيمة الحياة الزوجية ، ولا تشكر لزوجها المعروف الذي يقدمه لحياتهما ، وتعلق ماريا دوما في الشعور بالذنب كلما واجهها بنظراته المؤنبة لأنها قالت كلاما لا يوافق عليه ، فتجد نفسها تدور في حلقة مفرغة من التساؤلات عن مدى التزامها الأخلاقي تجاه زوجها ، تساؤلات لا تنتهي وتصطدم بتعنته وقسوة كلماته فلا تصمد أمامها ويزداد شعورها بالذنب رسوخا.

 قالت لها د.سوزان : لقد فهمت الآن يا ماريا أن أساليب جاي تهدف في النهاية إلى جعلك ترضخين لرغباته دون أي احترام لرغباتك, وأنك في سبيل التزامك بواجبك الآخلاقي تجاه زوجك تنسين واجبك الأخلاقي تجاه نفسك وحقها أن تعيش حياة صحية لا تستغل فيها ولا تكون رغباتها المشروعة رهن رغبات الطرف الآخر بشكل غير عادل .

وتابعت د. سوزان : لكن يا ماريا هذا  الفهم وحده لا يكفي ، ولن يسعفك في التصرف بشكل مناسب عندما تتعرضين لضغط الابتزاز العاطفي . لا بد من تعلم آليات محددة تستطيعين من خلالها الاستقبال النفسي الواعي والمتوازن للابتزاز العاطفي والتصرف المنصف حيال ذلك .

أنا أستطيع التحمل :

          تسمي د. سوزان هذه العبارة ( تصريح القوة ) وتعدها الخطوة الأولى في تهيئة النفس في مواجهة المبتز عبر تكرارها في  سرنا.

هذا التكرار يساعدنا على تخفيف التشوش الذي يصيبنا جراء الكلمات الملتبسة التي يوجهها المبتز إلينا والتي تشعرنا بتقصيرنا الأخلاقي . ( نحن ننطلق من المثال الذي أوردته المؤلفة عن ماريا وجاي وهناك أمثلة أخرى لصور مختلفة للابتزاز العاطفي ) .  

          كمسلمين أظن أن عبارة :(أنا أستطيع التحمل ) يمكن أن نضيف إليها : اللهم قوّني في رضاك .

          المطلوب إذن هو التكرار الداخلي لتصريح القوة لتعزيز انتباهنا حيال الكلمات الذي يقولها المبتز كأننا نستعين بها على إزاحة الضباب الذي ينثره في وجوهنا ويضلل به تفكيرنا .

 

تحليل الخطاب :

          وعي ماريا بأنها أمام كلمات ليست صادقة يجعلها  قادرة على رؤية أكثر تبصرا . عقلها يكرر ما أسمته دكتورة سوزان تصريح القوة : (أنا ستطيع التحمل)  وهذا يساعدها على الانفصال  إلى حد جيد عن أثر كلام جاي على مشاعرها ..

          هنا يأتي دور تحليل كلام المبتز إلى ثلاثة محاور : المحور الأول : هو مضمون الكلام، والثاني : هو أسلوب  الكلام ، والثالث : هو ما يترتب على تلبية طلب المبتز من ضرر حالي أو مستقبلي ويتضمن ذلك حماية الصورة الاجتماعية والصحة البدنية والعاطفية والحماية من الاستغلال.

          هذه الإجراءات النفسية والعقلية للتعامل مع خطاب المبتز وهو هنا ( جاي) تجعل ماريا قادرة على اكتساب مسافة عاطفية تمكنها من قراءة تصرفات ( جاي) قراءة واعية .

 تنبه د. سوزان هنا أن الطلب قد يكون مشروعا و لا يترتب على الاستجابة لمضمونه ضرر حالي أو مستقبلي لكن المبتز تحدث بأسلوب مهين أو مزعج أو فيه تهديد هنا لا يصح التغاضي عن ذلك لأن التغاضي يعزز سلوك الابتزاز .

          وتنبهنا د.سوزان إلى أن السماحة مهمة وضرورية في العلاقات المتوازنة أما في العلاقات غير الصحية فإن السماحة فيها تكريس للتعامل السيئ ، واختلال لميزان العشرة الطيبة: تقول في ص 209 ( لا تشكك في حقك في رفض شيء يبدو غير مهم نسبيا. إن الدفاع عن نفسك في المسائل الصغيرة سيعطيك الفرصة لتطوير المهارات التي تحتاج إليها للصمود عندما تكون المخاطر أكبر ) .

أدوات فعّالة :  

          كيف تتعامل مع مبتز غير منطقي التفكير أو سريع الاستثارة أو يعاملك بطريقة تزعجك؟

 لقد تعلمنا التكرار الداخلي لتصريح القوة : ( أنا أتحمل)  كخطوة أولى تكسبك مسافة عاطفية تجعلك قادرا على مواجهة الضباب الذي ينثره  المبتز ويضلل به تفكيرك . ثم بعد ذلك تأتي خطوة تحليل خطاب المبتز لننتقل من مرحلتي التفاعل الوجداني : ( تصريح القوة  ثم تحليل الخطاب ) إلى مرحلة التفاعل الخارجي . وهنا تعطينا  د. سوزان أدوات مهمة تغير ميزان القوى في العلاقة لإنهاء الابتزاز العاطفي . ثم إنها تؤكد أن هذه الأدوات لا يمكن استخدامها في علاقة غير آمنة جسديا ، فإذا كنت تشعرين بخطر محتمل فينبغي أن تغادري إلى مكان آمن .

وسأتعرّض في هذه المقالة إلى أداة واحدة من الأدوات الفعالة لإنهاء الابتزاز العاطفي وهي : التواصل غير الدفاعي .

يفرض المبتز وهو هنا ( جاي )  رغباته بالصراخ والعبوس ولعب دور الضحية والاتهام واللوم ، لكن ماريا ذهنها غير مشوش الآن بعد أن عبرت مرحلتي التفاعل الوجداني إلى مرحلة استعمال أداة التواصل غير الدفاعي .

لقد جربت ماريا كثيرا أن تدافع عن نفسها أمام جاي لعله يتغير ويتعامل معها بطريقة منصفة، لكن جهودها كانت تضيع هباء، لأن جاي في الحقيقة لا يركز سوى على مطالبه ويرى في دفاعها تبريرا لرغبتها في الوقوف أمام مصالحه وهو غير مكترث أصلا بمشاعرها واحتياجاتها لأنه يرى أنها تتعارض مع رغباته . نعم المبتز ليس إنسانا نزيها هذه الحقيقة يجب أن تظل ماثلة بقوة .

قالت د. سوزان لماريا : لا بد أن تنتقلي من محاولة تغيير الطرف الآخر عبر الدفاع عن نفسك إلى أن تغيري طريقة الحوار لكي يكون تصرفك فعالا في إنهاء ابتزازه .

ثم ذكرت د.سوزان عبارات تصلح كنماذج لردود غير دفاعية تقال بنفسية هادئة منفصلة عاطفيا عن الموقف بعد اجتياز مرحلتي التفاعل الوجداني :  ( تصريح القوة / تحليل الخطاب) . وهذه العبارات هي لب التواصل غير الدفاعي : ( أنا آسف أنك منزعج / أنا أتفهم الطريقة التي تنظر فيها إلى الأمر/ الصراخ ،التهديد، الانسحاب أساليب لم تعد تجدي نفعا ولن تحل أية مشكلة . وأهم أسلوب غير دفاعي هو : أنت محق تماما من زاويتك لكن نظرتنا للأمور مختلفة ولا تزد على ذلك.

من المهم أن تجعل هذه العبارات جزءا من كلامك ، تدرب على قولها بهدوء ، وأبقها في وضع الاستعداد ولا تبرر أو تدافع عن قرارك كاستجابة للضغط .

ربما يطلب الطرف الآخر منك أن تقدم تفسيرات فتعتقد أن هذه فرصتك لتشرح الألم الذي ألم بك ، وعدم مراعاة الطرف الآخر لمشاعرك ، فالمبتز يقول لك إنه مستعد لسماعك ، وغالبا هو يفعل ذلك لأنه تنبه إلى أنك في سبيل التخلص من تأثير أساليبه عليك ولذلك إياك أن تستسلم وحافظ على تركيزك منصبا على هدفك وهو إيقاف عملية الابتزاز . لن ينتهي الابتزاز إن لم تكسر نمط سلوك المبتز في اللوم والتهديد والاتهام أو الاعتذار بالكلمات دون الأفعال، وكسر هذا النمط يكون بأن توقف رغبتك في شرح مشاعرك أو الدفاع عن نفسك أو مناقشة رغبتك في السلام والإحساس بالأمان.

عندما يقول لك المبتز ما الذي غيرك أو لماذا تتصرف بهذه الأنانية فليكن جوابك أنك لست سعيدا بذلك لكنك لست مستعدا للتفاوض .

لقد شرحت نفسك كثيرا من قبل فلم يزد المبتز إلا إمعانا في أذيتك وحان الوقت لأن تتصرف بطريقة توقف ظلمه لك دون أن تفقد نزاهتك .

وضوح الأمور:

          عندما استطاعت ماريا عبور الضباب ووقف التنمر العاطفي الذي يمارسه جاي عليها ، رحل ارتباكها وتوبيخها لذاتها وحل محلهما إحساس جديد من الثقة واحترام الذات .

          لقد حاولت في هذه المقالة أن أسلط الضوء على بعض آليات التعامل مع الابتزاز العاطفي ، لكن التحقق بهذه الآليات والانتفاع بها يحتاج إلى قراءة مركزة للكتاب الذي اقتبست منه هذه المقالة ، وهو مليء بالقواعد والأمثلة والشروحات والمهارات التي  تساعد على تحرير النفس من أذى الابتزاز العاطفي      واستعادة ثباتها الانفعالي وتقديرها لذاتها وقدرتها على التعامل بحكمة مع المبتز.

السبت، 18 يوليو 2020

الوالدية عطاء جميل ودين مستحق


إنهم يتحدثون عن واجبنا المثالي كآباء والذي ينبغي أن لا نرتجي منه جزاء ولا شكورا ، وأن هذا الواجب هو حق خالص للابن ، ليس لنا عليه منة فيه، وأننا إذا تعاملنا مع الأبناء بهذه النفسية فإننا سنحصد حسن معاملتهم ، وسخي عنايتهم .
ولعل هذا الكلام ينطلق من المرارة التي يقاسيها بعض الأبناء من عقوق آبائهم لهم صغارا ومراهقين ، وجلدهم إياهم عبر السنوات بسياط المنة والأذى ، وصنوف التحكم بخياراتهم المستحقة لهم بدعوى أن ذلك هو حقهم كآباء ، ويزيد الأمر تعقيدا هو استدعاء الأدلة الدينية على وجوب بر الوالدين في سياقات لا يقرها الشرع الذي وازن بين الحقوق موازنة تحفظ لكل ذي حق حقه .
الحياة المستقرة جوهرها هو الامتنان ، أن يشعر الناس فيها بالامتنان لبعضهم على أداء العدل قبل الفضل. وبدون هذا الامتنان لا يتصور أن تستقيم العلاقات في صورة تلائم الطبيعة الإنسانية التي تنتهض بمعاني الألفة والود وتوحشها الجفوة والغلظة .
                لا يمكننا أن نجرد فكرة الواجب عن عمقها الإنساني المرتبط بالوصول إلى علاقات صحية ومتكاملة وعادلة وذلك لا يمكن تحقيقه إن لم يشعر القائمون بالواجب أن ما يقومون به هو محل تقدير وإكرام ، ليس فقط لأجل تحفيزهم، ولكن لأن أداء الواجب هو لب تحقيق العدالة وهي جزء من المقصد الأسمى للحياة الجيدة.
                نعم، من حق الآباء أن يشعروا بالتقدير لأنهم يقومون بواجبهم تجاه أبنائهم ، والخلل الذي يتطرق إلى العلاقة بين الآباء والأبناء ليس من حيثية حق الآباء في أن يشكروا على فضلهم في أداء واجبهم ، وإنما يحصل الخلل عندما يكون تصور الآباء لحقوقهم هو تصور فاسد بحيث لا يثقفون أنفسهم ثقافة تمكنهم من إدراك حقوق الأبناء .
                الآباء الصالحون بشر يفرحون بمشاعر الامتنان والتقدير لكنهم لا يمنّون على أبنائهم بما فعلوه، ولا يتخذون أداءهم لواجباتهم الوالدية ذريعة للتحكم في حق الابن في خياراته الحياتية التي تختلف مساحتها في كل مرحلة عمرية لتبلغ كمالها في مرحلة الرشد.
والتوجيهات القرآنية والنبوية الكريمة المتعلقة بطاعة الوالدين مقيّدة لا مطلقة ، وهي لا تتعارض مع حق الأبناء الراشدين في حياة لا حرج فيها .
                بقي أن أقول إن المعاملة الوالدية الجيدة لا يكفي فيها العطف والرفق بل لا بد معها من الحكمة لتربية الأبناء تربية صالحة . فالقول بأن الرفق بالابن  ومعاملته بإكرام سيجعل الابن يعامل أبويه معاملة حسنة فيه تجوّز . ولذلك أعود فأؤكد على مسألة تثقيف الوالدين لأنفسهم تربويا ليكون عطاؤهم عطاء يحفظ لنفسية الطفل توازنها .
                إذا تعود الطفل على أن يكون والداه هما مصدر العطاء ، فإذا ما قام بإكرامهم بهدية بسيطة من صنع يديه -كبطاقة ملونة مثلا – قابل الوالدان ذلك بعبارة : لماذا أتعبت نفسك يا حبيبي  .ثم يكون هذا رد فعلهم تجاه أي فعل جيد يقوم به الطفل لأجلهم في مناسبة مهمة . أو عوّد الوالدان الطفل – في السابعة مثلا-  على أن يقوما بخدمته أو يخدم نفسه – في أحسن الأحوال-  دون أن يشارك في الاهتمام بوالديه كفرد في العائلة ، تعوده الأم مثلا على أن يجهز لنفسه ( ساندويتش ) على الفطور لكنها لا تطلب منه أن يعد لهما الفطور معا . يجعله أبوه ينتظر في الظلال ريثما يمشي الأب تحت أشعة الشمس القوية إلى مركن السيارة ليعود إليه ويحمله فيها دون أن يعرّضه للعناء . وهكذا يعتاد الطفل على الأخذ دون أن يدرك وجدانا مسؤوليته في العطاء والمشاركة والإكرام واحترام معنى ( العائلة ) . ( هذه الفكرة اقتبستها من الكتاب التربوي المهم : طفلك مزعج وأنت السبب. إلين روز جليكمان . مكتبة جرير ) .
بناء معنى الانتماء للعائلة ومايرتب على ذلك من مسؤوليات في وجدان الطفل هو ضرورة نفسية تهيئه لعلاقة متوازنة مع ذاته ومع الناس عموما . وذلك يعد جزءا مهما من مهارات الحياة المتعلقة بالذكاء العاطفي والتي يحتاجها أطفالنا ليكونوا أشخاصا أسوياء.
وإذا قلنا إن الحياة الطيبة جوهرها الامتنان ، فإن شمس الامتنان لا تشرق في القلوب إن لم يبر الآباء أبناءهم بحسن تربيتهم بالعطف والرفق والحكمة ، وإن لم يبر الأبناء آباءهم بحسن الإكرام والمراعاة والعناية.  ومنظومة الحقوق والواجبات إنما تتحقق غاياتها إن حفت بمعاني المكارمة لا المشاحة.

الجمعة، 17 يوليو 2020

متعلق الأحكام الشرعية الخاصة بالذكر أو الأنثى: وكلام نفيس عن متعلق حق الوعظ والهجر والضرب في آية النشوز الشيخ/ مولود السريري





 هذا نص مهم لفضيلة الشيخ مولود السريري قرر فيه أن آية النشوز التي ورد فيها الوعظ والهجر والضرب ليست خاصة بالرجال وأن متعلقها النشوز لا الذكورة أو كما قال . وقد تكرمت بنقل النص الصوتي كتابة طالبة العلم الفاضلة : طروب الجفري . فجزاها الله خيرا .


"الأنوثة والذكورة لا تُعلّق بها الأحكام من حيث هي، وإنما تُعلّق بلوازمه؛ فمثلاً إذا وجدنا الشرع قد أعطى أموراً للرجل وأموراً للمرأة وأراد البعض أن يعلّقها بالأنوثة والذكورة، يُقال الذكورة والأنوثة ليست من مناطات الأحكام، إنما لوازم الأنوثة ولوازم الذكورة هي المعتبرة.

 لماذا المرأة يُعطى لها الولد ويُنزع من الوالد مع أن الوالد قد يكون أصلح له، وحنانه أشد من حنان أمه، هذه الأمور غير صحيحة!
لأنه ليس المرأة هي التي أُعطي لها هذا الحكم باعتبارها أنثى، بل أُعطي لها باعتبار أنها أكثر شفقةً في الغالب، وحناناً في الغالب، ولذلك لازم الأنوثة هنا الشفقة والحنان.

وهكذا كل المسائل التي يكون فيها للرجل اختصاص أو للمرأة اختصاص، فذلك ليس باعتبار الأنوثة ولا باعتبار الذكورة، وإنما باعتبار ماذا؟
خصائص أخرى تُلازم الذكورة والأنوثة فاعتُبرت في الفقه.

ومن الغلط أن يظن البعض بأن المعتَبر هي الأنوثة أو الذكورة, وأنت تجد أن هذه الذكورة توجد والأحكام تسقط!
والدليل على ذلك أن الأنوثة توجد والأحكام تزول إذا وُجد ما يرفع تلك الصفة المعتبرة في الحكم. لو فرضنا مثلاً أن امرأة أُعطيت لها الحضانة، فثبت بالدليل والبرهان أنها غير صالحة لهذا الولد لأنها تظلمه وتعتدي عليه، أو لا تحنو عليه، لا تشفق عليه وإنما تؤذيه، تُنزع منها الحضانة، الأنوثة باقية! لأن الحكم أصلاً لم يتعلق يوماً بالأنوثة، وإنما تعلق بوصف لازم للمرأة بطبعها بخَلقها بفطرتها، فاعتُبر في الحكم.

الرجل بيده عقدة النكاح، لكن إن أخذ هذه الولاية بطريقة غير شرعية ثبت بأنه غير أهل لهذه الولاية تُنزع منه، فتُطلق عليه المرأة إذا ثبت بأنه لم يقم بالولاية الشرعية على وجهها. ها هي الذكورة موجودة والولاية زائلة! أو مزالة عنه بالشرع!
فين هي الذكورة والأنوثة؟!

وما قيل هنا يُقال في الميراث؛ فالبعض ينظر إلى أن المرأة هي التي قُصدت بالنقص، وأن الرجل قُصد بزيادة؛ أبداً! بنية العمل، طبيعة العمل، طريقة الواجبات، طريقة الحقوق مترابطة.
الحقوق والواجبات مترابطة، فالرجل لما كُلّف بالإنفاق، وكُلّف بالواجبات، وكُلّف بكذا.. وكُلّف بكذا، كان الشرع لا بدّ أن يراعي وجود الحقوق عليه، أزيد منها عند المرأة، فلا بدّ أن يعطيها حقا، فلا بدّ أن يعينه على الحقوق، لأنه لم يوجب على المرأة شيئاً.

والبعض يقول بأن الشرع علّق الأحكام بالذكر أو بالأنثى، لا! لوازم الذكورة، لوازم الأنوثة هي التي تتعلّق بالأحكام، وإنما يصرّح الشرع بماذا؟ بالذكر والأنثى لأنهما وصفان ظاهران منضبطان ولم يصرّح بالأسرار الخفية كالحنان والعطف لأن هذه كلها أمور غيبية؛ فلو قال بأننا نعطي هذا الولد إلى المرأة الحنون الشفوق، فسنقلّب الأمر هل هي شفوق أو غير شفوق أو حنون أو غير حنون، وهل ثبت لها هذا الوصف؟ وهذا الوصف هل ثبت؟ ويقع النزاع!
ولكن لا، ربطه بما يرتبط به في الغالب.

النطق حين ربطه بالرضا في البيوع والمعاملات، وصف النطق يدل دائماً على الرضا؟ لا، قد يكون الإنسان مصرحاً بإرادة البيع وقلبه كاره، لكن في الغالب أن الذي يصرّح بشيء يريده، في الغالب.
الذي يقول أردت أن أبيع فعلاً يريد أن يبيع، الذي يريد أن يشتري يقول أريد أن أشتري، فلو عددت الناس في الأسواق بين الذي يقول أريد أن أشتري، وبين الذي يقول أريد أن أبيع، ونظرت في أحوالهم في الرضا لوجدت أن أغلب الناس راضون، لذلك هذه المسائل تُسمّى في الفقه الإسلامي عند من لا يفهمها بأنه يسند فيها الأحكام إلى أوصاف طردية.
ولماذا إذا كانت الذكورة تُلحق بها الأحكام تتغير الأحكام بتغير ما تعلّقت به الأحكام في الحقيقة؟!

كل هذه الأشياء التي تتعلق بالذكورة والأنوثة إنما تتبع أوصافاً مخصوصةً قائمةً بهؤلاء الناس، فلو زالت زالت الأحكام، وهذا مدخل مهم لمعرفة وفهم سبب ربط الشرع الأحكام بالذكر أو الأنثى.
وأنت خبير بأن كل ما أعطاه الله للذكر أعطاه للأنثى، حتى الهجر في المضاجع، حتى الضرب.
(لا، هي للرجل في القرآن)
ولكن الفقهاء قاسوها عليه، فثبّتوا لها الحكم. "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ" الوعظ للمرأة أيضاً، بنفس المقاييس التي عند الرجل، هي نفسها أيضاً إذا رأت من الرجل خروجا عن العدل تعظه، تعطيه مدة، الوعظ بالوسائل التي يقع بها الوعظ، فإذا لم يأتِ منه شيء هجرته في المضجع، هل هي خارجة أو مستثناة من الحديث الذي فيه اللعن؟ نعم، مستثناة.
هل يحق لها الضرب؟ الأصل أنها تشتكيه للقاضي ليوقع الضرب، هي لا تستطيع أن تضربه، لأن لو ضربته قليل ضربها أكثر، الغالب في الغالب. البعض يأخذوا حقهم بلا قاضي بلا حاكم .
هل يمكن أن نعتبر المرأة إذا قدرت على ضرب الرجل تضربه أو لا بدّ  من أن تحيله على القضاء؟
في الغالب يُحال على القضاء حتى يحكم عليه القاضي بالضرب، في مختصر الشيخ خليل ينصّ على هذا الأمر، لكن ...( الكلام غير واضح هنا) 
مناطات ملازمة للذكر والأنثى هي المعتبرة في الحكم، ولما خفيت هذه الأمور على بعض الناس، واغتروا بظواهر الألفاظ، ولم ينظروا في الأحكام كيف تنقلب بصدق مع الذكورة والأنوثة أم مع أمور أخرى ربطوا الأحكام بالذكورة والأنوثة، على حين جهل، فصاروا يصرخون في النوادي المساواة المساواة!"





الأربعاء، 27 مايو 2020

عن ( ميرامار)

قال لي والدي –حفظه الله – مرة : هل قرأت رواية ( ميرامار) لنجيب محفوظ ؟ قلت له : لا . قال لي: إذن افعلي فهي في تقديري من أفضل رواياته بعد الحرافيش .
وهكذا فقد اخترت ( ميرامار) لتكون رواية عيد الفطر لهذا العام ولم تخيبني . لقد خرجت قبلها من رواية عظيمة هي ( التحول) لستيفان زفايغ ، وقلت لنفسي هل ستكون ( ميرامار) في قوة التحول من حيث التناول المتين فكرا وعاطفة  ؟
لست في معرض المقارنة بين الروايتين ، لكن ( ميرامار) زاخرة بشخصيات متعددة وحيواتهم وكشف أحاديثهم الداخلية باقتدار  .
الرواية الجيدة تحوّل الأفكار المجردة إلى تجربة شعورية ينفعل بها الوجدان . ولذلك فقد تكون ذات أثر عميق في تهذيب النفس، وقد تهبها بصيرة حكيمة تسترشد بها في مجاهل العلاقات الإنسانية.
و( ميرامار) رواية جيدة وأكثر ، فهي فوق ما قدمته لي من تجربة فكرية وشعورية ، فقد آنستني حقا بلغتها الرشيقة، وبنائها الذكي، ووصفها الجميل للإسكندرية .
إنها رواية تنحاز للقيم النبيلة ، والكفاح الأصيل، ومجاهدة الهوى ، والتحقق بالافتقار إلى الله عز وجل ، كل ذلك دون وعظ ساذج ، بل تتسلل إليك هذه المعاني ضمن انفعالات تفلح الرواية في جعلها تجيش في قلبك ألما، وتساؤلا ، وحيرة ، مع حس إنساني عال، يضع الرحمة في موضعها، والقسوة في موضعها أيضا .
لقد حاولت أن أكتب عن الرواية دون أن أفسد على من لم يقرأها حقه في قراءة بكر أو شبه بكر. فقط أود أن أقول إن شخصية منصور باهي قد حيرتني ، هل هو شبه وغد ؟ أم أن عقله قد تأثر فعلا بأحداث قاسية اختل معها شعوره، وتشوشت بصيرته ؟ فهو من أهل الأعذار لا الأكدار؟






الأحد، 24 مايو 2020

استشفاء

‏( القراءة ) استشفاء . من الممكن لفكرة في كتاب أن تنقلك نفسيا إلى مستوى من الفهم ، يجلو بعض كربك ، ويشرح صدرك ، أو يعينك على التحقق بخلق قد غيبتك تعقيدات الحياة عنه .القراءة وسيلة حقيقية للتغيير إن وفقت لمعان ينفعل بها وجدانك ويستنير بها عقلك معا .

الأحد، 17 مايو 2020

التجربة وأثرها في صلاح الدين والدنيا





ذكر الإمام الغزالي في كتاب آداب العزلة من إحياء علوم الدين سبع فوائد للمخالطة اختتمها بفائدة عظيمة تدل على عمق فهمه للنفس الإنسانية، ولجوهر الدين معا : قال إن المخالطة تفيد فهما أعمق لمصالح الإنسان في دينه ودنياه،وأن هذا لا يمكن استفادته دون تجربة حياتية واسعة ، وأن الذكاء وحده لا يفيد في أن يكون الإنسان مدركا لمصالحه في فهم نفسه، وطبيعتها، وفهم ما يصلح له في علاقته بربه ، وفي علاقته مع الناس والحياة .

ثم نبه على معنى مهم وهو أن الإنسان إن لم يخالط الناس فلن يكتشف أخلاقه ، ونفسيته، ولن يعلم إن كان يحمل قلبا نقيا، أم قلبا مكدرا بعيوب الأخلاق من عجب أو غيرة أو حسد أو حقد، فالعزلة لا تكشف أخلاق المرء ،      ( فكل مجرّب في الخلاء يسير ) . 

       ووجه أهمية اكتشاف هذه الأخلاق الباطنة هو صلاح القلب الذي هو أساس صلاح العمل. وإن بالجهل بخبائث القلب يحبط العمل الكثير، وبالعلم بها يزكو العمل القليل ، ولولا ذلك لما فضل العلم على العمل .

وقد تعجبت لهذا المعنى فقد كنت أظن أن العزلة ستحجب عن الناس شر أفعال المرء لكن الإمام الغزالي بعمق نظره الإنساني والشرعي نبّه على أن عبادة  الله تحتاج قلبا طاهرا ، متواضعا، يبغي الخير للناس ، فإذا اعتزل المرء وقلبه فاسد أدى ذلك إلى فساد في عبادته، إما عجبا، أو حقدا، أو عدم إرادة الخير للناس، و عدم النظر إليهم بعين الرحمة. ولا بد للمسلم من أن يمتحن أخلاقه الباطنة بالمخالطة، ويصلحها بأداء حقوق العباد قبل أن يعتزلهم .

مع كون فصل الخطاب في مسألة العزلة كما قرر الإمام الغزالي هو قول الإمام الشافعي : " يا يونس، الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة ، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء ، فكن بين المنقبض والمنبسط " .

وهذا نص كلامه : " الفائدة السابعة : التجارب : فإنها تستفاد من مخالطة الخلق ومجاري أحوالهم، والعقل الغريزي ليس كافيا في تفهم مصالح الدين و الدنيا، وإنما تفيدها التجربة والممارسة ،    ولا خير في عزلة من لم تحنكه التجارب، فالصبي إذا اعتزل بقي غمرا جاهلا ، بل ينبغي أن يشتغل بالتعلم ليحصل له في مدة التعلم ما يحتاج إليه من التجارب، ويكفيه ذلك ، ويحصّل بقية التجارب بسماع الأحوال، فلا يحتاج إلى المخالطة.

ومن أهم التجارب : أن يجرّب نفسه وأخلاقه وصفات باطنه، وذلك لا يقدر عليه في الخلوة، فإن كل مجرّب في الخلوة يسير، وكل غضوب أو حقود أو حسود إذا خلا بنفسه لم يترشح منه خبثه، وهذه الصفات مهلكات في أنفسها، يجب إماطتها وقهرها، ولا يكفي تسكينها بالتباعد عما يحركها..."
ثم قال : " فالمخالطة لها فائدة ظاهرة عظيمة في استخراج الخبائث وإظهارها ولذلك قيل: ( السفر يسفر عن الأخلاق )، فإنه نوع من المخالطة الدائمة.
وستأتي غوائل هذه المعاني ودقائقها في ربع المهلكات، فإن بالجهل بها يحبط العمل الكثير، وبالعلم بها يزكو العمل القليل ، ولولا ذلك لما فضل العلم على العمل .... " اهـ .