الخميس، 31 ديسمبر 2009

صديق المراهقة

اصطحبته معي في نزهة المشي اليومية إلى ذلك المكان الصديق ، وهناك اشتريت قارورة ماء من البيك ، وأنا أبتسم -كما كل يوم- لسؤال البائع الباكستاني ( مويا عادي ولا حراق ؟ ) ॥ جلست برفقته لساعة كاملة ॥لقد استغرقتني قراءة الكتاب تماما.. وقطعت وعدا لنفسي وله أن أكتب عنه لأنه يستحق، ولأنال بعضا من فضل بالإشارة إلى هذا العمل ، فلعل الله يهب به أسرة ما أمانا واستقرارا॥

كتاب ( منهج عملي في تربية المراهقين والمراهقات في الأسرة السعودية ) من تأليف العميد الدكتور محمد بن إبراهيم السيف ، أستاذ الدراسات الاجتماعية ومناهج البحث في كلية الملك فهد الأمنية ، هو حقا صديق جيد لمراهقة آمنة ، فهو يقدم أفكارا وأساليب عملية لتعامل متزن وناجح مع الأبناء في فترة المراهقة ।
يؤكد الكتاب على أن التربية الناجحة للمراهق أساسها أمران : أحدهما : أن يكون الوالدان لديهما رؤية واضحة في التربية تقوم على أسس من الاحترام المتبادل للعلاقة الزوجية ، وتفهم الاحتياجات النفسية والعاطفية لكل فرد من أفراد الأسرة ، والمشاركة في القيام بالشؤون الأسرية بما يحول بين تحمل أحد الأطراف لأعباء نفسية أو جسدية أو مالية لا يطيقها .. هذه الأمور قد لا تبدو لصيقة بالتعامل المباشر مع المراهق ، لكنها في الحقيقة كذلك ، لأنها توفر مناخا مناسبا للتواصل القائم على الاحترام والتقدير والود . والثاني : أن يعد المراهق لتحمل مسؤلياته في الحياة على المستوى الشخصي والأسري والاجتماعي ، ويكون مؤهلا لذلك نفسيا ومهاريا ।
يتحدث الكتاب عن أن المشكلة الأساس في تربية المراهقين في الأسرة السعودية هي مشكلة الآباء والأمهات ، لا مشكلة الأبناء، إذ أن هناك تشويش في فهم طبيعة العلاقة بين الزوجين وأنها قائمة على " قيم الاحترام والتوافق الزواجي ، بدلا من قيم القوة والرئاسة والمثالية والتبعية " ، وبالتالي هناك تخبط ورؤية غائمة حيال ماذا يراد من المراهق ذكرا كان أو أنثى . هذه النتيجة يصل إليها المؤلف من دراسة اتبعت منهجا علميا منضبطا ، يشرحه شرحا موجزا وواضحا في الصفحات الأولى من الكتاب ، ليقودنا بعد ذلك عبر نماذج مختلفة ومثرية إلى حلول عملية للمشكلات .. وتتميز هذه الحلول بأنها خرجت إلى حيز التطبيق والتفعيل .. من ذلك مشكلة أصدقاء السوء لدى المراهق، يطرح الكتاب حلا عمليا لمعالجة هذه المشكلة في مستوياتها المتقدمة ، ويتلخص هذا الحل في اصطحاب المراهق إلى دار للأحداث، ليقابل فتيان في مثل عمره كان أصدقاء السوء سببا في إيداعهم لدار الأحداث ، ونجد في الكتاب أن هذا الحل قد طبقه بالفعل بعض الآباء ونجح في ردع أبنائهم عن أصدقاء السوء।
ولعل أهم ما يميّز الكتاب في تقديري أنه قدّم طرحا يزاوج بين إعادة تشكيل مفاهيم تتعلق بالحياة الأسرية وبين طرق عملية لتطبيق هذه المفاهيم، والتعامل مع تفاصيل واقعية يواجهها الوالدان في تعاملهما مع أبنائهما، في أسلوب بسيط ، استطاع أن يحمل الكثير من الأفكار العميقة ॥
الكتاب كتاب فكر وعمل ॥ وسطوري هذه إشارة مقصودها التأكيد على أن هذا الكتاب هو بحق صديق مهم ليس فقط لمراهقة آمنة لكن لعلاقة أسرية ناجحة .. والكتاب من منشورات الجمعية الخيرية لتيسير الزواج والرعاية الأسرية والاستشارات الأسرية في عنيزة .. ولطلب نسخ للتوزيع الخيري ترسل رسالة إلى : جوال: (0553634050 ) .. وقبل أن أترككم مع مقتطفات مختارة من الكتاب لا بد من التنويه بالعمل المحترم حقا الذي ترعاه الجمعية المذكورة ، والذي يستثمر الطاقات العلمية المتميزة في المجتمع ، كما أن الجهد الذي قدمه الدكتور السيف في الكتاب هو نموذج حقيقي لخدمة العلماء لمجتمعهم عبر العلم الذي كرمهم الله به .. أسأل الله لهم السداد والتوفيق وأن ينفع الله بهم ويبارك في عملهم ..
مقتطفات مختارة من الكتاب:
" إن الصراع الأخوي ليس بالضرورة أمرا سيئا ، بل قد يكون الأرض الخصبة لاكتساب مهارات اجتماعية قيّمة ترتبط بالوسطية والتفاوض والعاطفة ।"
**" إن أول خطوة في علاج الرد الوقح من أحد أبنائك أو من بناتك هو أن تبدو هادئا عندما تتعرض لكلمة أو جملة وقحة منهم ، ولا تشعرهم في حينها أنك في مركز قوة أو أن هذا يستثير غضبك كأب أو كأم . لكن يجب أن تبادر الأم وكذلك الأب بمطالبة الولد الوقح في حديثه بنفس اللحظة ومباشرة بتفسير كلامه ، مثلا تقول الأم ( كيف تصفني بأني بخيلة ؟ هل قصرت عليك بشيء)... إن مبادرة الوالدين بطلب من الولد بتفسير ما قاله من كلمات وقحة تجعله يفكر مرة أخرى في معاني الكلمات التي يستخدمها مع والديه ..... " ينظر بقية العلاج ص41، 42.

" وإليكم ما ذكره بعض الآباء وبعض الأمهات كيف استطاعوا التخلص من صداقات مراهقيهم السلبية ورفقة أولادهم السيئة ... علمت أن ابني يصاحب في المدرسة طلابا غير مرتبين ، وسلوكهم عنيف حسب قول الأخصائي الاجتماعي، طلبت من ابني ترك مصاحبتهم ولم يقتنع ، أخذته في عصر أحد الأيام إلى مركز الشرطة، واتفقت مع الضابط أن يريه التوقيف ، ويوضح له بعض القضايا التي تورط فيها صغار بحسن نية، وفعلا كان هذا درسا مفيدا فقد بدأ يفهم الحياة ... ( عبد العزيز- 45 سنة) " ।
**" لا محيد عن التركيز على الحوار، وعدم الاعتماد على المواعظ فقط في التربية الجنسية ، وعلى الآباء والأمهات أن يتحدثوا مع أولادهم من خلال الحوار الهادف عن الحب والجنس والزواج، فالحوار في هذا الجانب أكثر تأثيرا من الموعظة..." ينظر تفصيلات مهمة حول التربية الجنسية للمراهق من 50 إلى ص 58 ।
**" من أفضل الطرق لتعليم أبنائنا وبناتنا كيفية احترام غيرهم أن نعلمهم وندربهم على اتخاذ قراراتهم وأن نساندهم ونتعاون معهم على نجاحها، ثم نحترمها أخيرا، حتى ولو كانت نتائج تلك القرارات تختلف عن توجهانا حتى لا نطالبهم أن يكونوا نسخا منا وبالتالي نعودهم بأن لا يطالبوا شريك الحياة بأن يكون نسخة منهم ।"

الجمعة، 11 ديسمبر 2009

جدة .. أما قبل

جدة .. كالمؤمن يألف ويؤلف .. من أهل الألفة والود هي جدة .. تنتقل فيها عبر الزمان والمكان فلا تشعر أنها تضيق بك .. ربما تضيق بك الحياة فيها .. لكنها لا تضيق هي بك ..بل تظل تعتذر إليك عن ذنب لم تقترفه ..

جدة .. تألمتِ كثيرا الأيام الماضية .. ولا زلت تتألمين .. تعلمين أن أهلك المحبين حولك ومعك ، فلطالما احتضنتهم ، واستمعت لآلامهم وآمالهم .. أريد يا جدة أن أتذكر اليوم معك ما كنتِه لي ، وفاء ، وتجديد عهد ، وتذكيرا لجيلي ولأجيال قادمة أن نقدّم لك جهدنا في العطاء ، والعناية بك كما نعتني بأنفسنا ورغباتنا وطموحنا .. لأنك صنعتنا .. وصنعت كثيرا مما ندين لك به من روح وفكر وعاطفة .. ولأن أحلام أبناء جدة إن لم تكن بها ولها .. فسيخسرون الكثير إذا خسرت جدة ..

والعطاء يتنوع بحسب كل أحد وما يحسنه ॥ يحرص فقط أن يكون من أهل الإحسان والإتقان فيما يعرف ولا يجاوز ذلك إلى عاطفة تجعله يقتحم ما لا يحسن فيفسد أكثر مما يصلح ..

أتذكرين يا جدة ؟ أتذكرين سنوات مضت ॥ أتذكرين ولادتي في ذلك الحي الجنوبي المفعم بالحياة .. حيث تتجاور العمارات مع البيوت الشعبية البسيطة مع الفيلات الفخمة .. كان ذلك الحي مفعما بالحياة كما أفهمها في عمري الصغير .. بقالات مليئة بالحلويات .. وعربات الخضروات والفواكه المتنقلة .. وجيران يجعلون الحياة أكثر إثارة .. جارتنا ( خالة ج ) – رحمها الله رحمة الأبرار- صاحبة الهيبة .. التي كنا لا نجرؤ على الفوضى والكلام بصوت عال لئلا تغضب .. لا أدري لماذا كنا نخاف منها .. لا أذكر أنها عاقبتنا يوما .. لكننا كنا نهابها فحسب وكنا نظن تلك الهيبة خوفا .. وبناتها بحكاياتهن المبهجة والمسلية ..وجارتنا الأخرى التي كان زوجها يملك محلا للألعاب .. فلا نزورها إلا ونعود محملين بألعاب تجعلنا نمتلىء حماسا .. وجارتنا الهادئة الأستاذة مريم التي كنا نأنس بها ولها .. كنت أذهب إلى المدرسة مشيا على الأقدام أنا وأختي آلاء.. وكانت الرحلة إلى المدرسة لا تمر أحيانا بسلام مع الكلاب التي تصر أن تعترض طريقنا أو نحن من نصر على أن نعترض طريقها .. لكن الكلاب اختفت بعد ذلك ..وقد ذكر والدي محمد علي الجفري- حفظه الله- في مقالة له في جريدة عكاظ ( بتاريخ 27/8/1996) عن السيد علي حسن فدعق .. أنه لما كان مسؤولا عن بلدية جدة أمر بتسميم جميع الكلاب الضالة .. لكن السيد فدعق تولى مسؤولية البلدية عام 1384هـ أي قبل ولادتي بعشر سنوات .. من كان المسؤول إذن عن اختفاء الكلاب في حارتنا العزيزة .. لا أعلم -ربما هو الأستاذ خالد عبد الغني- فقط ما أعلمه أنها اختفت فجأة .. الشائعات تقول إنهم الكوريون .. كانوا يأكلون الكلاب الضالة ..ذات الشائعة التي انتشرت في عهد السيد فدعق رحمه الله..

أحيانا كنا نوصل بعض صديقاتنا إلى بيوتهن ثم نذهب نحن إلى البيت ॥ لا أدري إن كانت صديقتي السورية تتذكر ذلك .. لقد كنت أراها وأسرتها مثالا للصمود .. والإيمان بالحياة.. فوالدها معتقل في سوريا وهم لم يفقدوا الأمل أبدا أن يعود إليهم .. شيء كان في داخلي يجعلني أشعر أني أكبر سنوات كثيرة حين أستمع إلى حديث صديقتي الصغيرة الكبيرة..عرفت بعد ذلك حين كبرت أبعادا أخرى عن الإسلام والسياسة أبعادا جعلتني أدرك عدم نضج رؤيتي ، وطفولتها تلك الأيام .. كان معرض الكتاب الذي يعقد فيك سنويا بمثابة رافد مهم من روافد تفكيري..

أتذكرين يا جدة يوم الخميس ماذا كان يعني لي ؟ قطعا تذكرين كيف كان هو الموعد المرتقب الذي أقدم فيه تحويشة الأسبوع هنيئة مريئة لشراء مجلة ماجد ، وألغاز المغامرين الخمسة ( تختخ ونوسة ولوزة ومحب وعاطف )، أو الثلاثة ( محسن وهادية وممدوح ) ، وقصص المكتبة الخضراء॥ كنت أستيقظ الثامنة والنصف وأستعد للجري في الزقاق بجانب عمارتنا لأصل إلى المكتبة ، وأنا أبحث عن لغز جديد .. أذكر أني قرأت لغز (أم الشعور) وكنت أرتجف رعبا .. هناء بنت خالتي كانت تقرأ معي اللغز ليلتها .. وكانت خائفة هي الأخرى .. لما زرت القاهرة لأول مرة وجدت شجرة تشبه (شجرة أم الشعور) ولا تسل عن فرحتي بها ..

تذكرين يا جدة كيف كان حينا أيامها ؟ كان طيبا مثلك ॥ صديقا مخلصا مثلك .. وفيه بدأت حفظي للقرآن الكريم مع أستاذتي الطيبة فاطمة الحازمي.. كم كانت تصبر على تقصيري أحيانا في الحفظ .. ونعاسي في الدروس ..

ثم أتذكرين كيف عشت فيك بعد أن غادرت حينا الطيب ؟ كان سنوات المراهقة وأيام الشباب الأولى حافلة بحياة أخرى مختلفة ॥

أتذكرين يا جدة كيف اختزلت حياتي فيك في السباحة الفكرية॥ مدارس تحفيظ القرآن الكريم .. والمعاهد الشرعية .. وقسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك عبد العزيز..السباحة في بحر كثيف من الأفكار المتلاطمة .. والتصنيفات الحادة .. والمناطق الرمادية .. التي ظلت تحيرني طويلا .. ثم بداية النور بدراسة الفقه على يد د। شادية كعكي .. العلم الراسخ .. والخلق المتين .. حفظها الله .. كان والدي حفظه الله حريصا على تنوع قراءاتي .. وكان صلاح جدي – رحمه الله- وخلقه الكريم وهو الفقيه المتصوف حاجزا لي عن الانغماس في الفكر المتشدد .. لأقترب من الاستقرار الفكري الفقهي إن صح التعبير مع الدكتورة شادية كعكي بمنهجها الفقهي الأصيل ..

أتذكرين يا جدة كيف أهديتني بناء متوازنا بعد تقلبات عديدة .. كيف أذقتني طعم الاستقرار بعد الكثير من التيه ؟ أتذكرين؟ ثم بعد عودتي من الدراسة في جاكعة الأحقاف في المكلا استقبلتني يا جدة بحفاوة ॥وبدأت أكتشفك من جديد .. مدينة تقترب من النضج الحضاري .. مساحات الوعي تتجدد وتتسع .. ومساحات العطاء الشعبي والفكري تتنوع وتتداخل .. وقد ظهرت بقوة في هذه الأيام التي مس بعضنا( إذ كلنا جسد واحد ) فيها الضر والأذى ..

لقد كنتِ دوما عروسا تزهو بجمال روحها قبل شكلها ॥ نعم هناك الكثير من الألم والحزن والخطأ الموجع ॥ لكن الأزمة التي حدثت أراها ستكون سببا في عافيتك ॥ ولعل الأرواح التي ذهبت عند الكريم الرحيم ستكون فداء لقيم تستعيد قوتها بما يليق بك ॥ قيم المسؤولية .. والأمانة التي تحمي الحاضر والمستقبل .. الثمن غال .. ولذلك لا بد للتغير أن يكون بحجم الثمن .. بحجم الحب والفكر والدفء والأفق البعيد الذي أعطته جدة لأهلها .. وسنقول لمقبل الأيام : أما قبل .. لنظل نتذكر أن ما سيأتي لا بد أن نفيك به حقك من الحب الذي منحتنا إياه .. ولن نفي .. وأن نكفّر به عما مضى منا من تقصير في حقك .. والله خير الحاسبين ..

* ( أما قبل) عنوان أحد رسائل الرافعي لمي زيادة في أوراق الورد.

الاثنين، 7 ديسمبر 2009

لأجل جدة ..جزء من الواجب .. وبعض من الحب

وصلني اليوم الإيميل التالي : السادة والسيدات الكرام، نرجو منكم نشر هذه القائمة الخاصة بالاحتياجات العينية للمتضررين من كارثة جدة، وإيصالها إلى كل من تعرفونه قدر استطاعتكم فما زال هناك احتياج مستمر ويومي لتوفير هذه الاحتياجات الأولية والغذائية وعلى مدار الساعة، علما بأننا نستقبل التبرعات العينية في مقر معرض الحارثي الواقع في تقاطع طريق المدينة مع شراء حراء، وذلك من العاشرة صباحا وحتى الثامنة مساء كل يوم للمزيد من الاستفسارات يرجى الاتصال بالرقم التالي 0545661717 تفضلوا بقبول وافر التحية،، الحملة الوطنية لإنقاذ مدينة جدة http://www.savejeddah.com/

المواد الغذائية وجبات خفيفة وحلويات زيوت مكرونة + أندومي معلبات دقيق + أرز + تمر أجبان و حليب عصيرات مياه وجبات جاهزة استهلاكيات شخصيه حفائض أطفال حليب أطفال مستلزمات نسائية بطانيات + لحف مخدات مراتب سرر مستلزمات المنزل كنب و أثاث منزلي معدات ذوي الاحتياجات الخاصة مناشف و ملابس بلاستيكيات أنابيب وأجهزة مطبخ أدوات نظافة صحون وملاعق و بلاستيكية مواد تنظيف أجهزة طبية مستلزمات صحية

ضحكة جارتنا

انطلقت ضحكة إحدى جاراتنا .. التي لا أعرفها .. لتجعلني أبتسم .. هكذا ببساطة .. نعم .. ضحكة عالية مرحة طيبة مليئة بالحياة .. جعلتني أشكر القدر الذي صفا لجارتنا فأهداها كل هذا الصفاء .. وجعلتني أدعو لها بأن يجعل أيامها حلوة ، ودودة ، كضحكتها ..

حسنا أشعر بهدوء نفس تصاحبه قوة تسامح ، وتصالح مع الحياة ، أفتقده منذ زمن ॥ لماذا ، أهي ضحكة جارتنا التي لا أعرف أي بيت تسكنه من البيوت المحيطة ببيتنا ؟ نعم،وأشياء أخرى ..
لحظة تفهم من صديق تثق بحكمته وصدقه لألم تمر به ربما يغني عن كلام كثير ، وتحليلات أكثر ॥ هذا التفهم يحتضن ألمك فيعود يشعر بالسلام ، ويشعرك بالسلام ॥
أو قراءة لرواية تجعلك تشعر أن عالما ما ينتظر أن تقدّم فيه وله شيئا يجعله أفضل .. ( الكرنك) للأستاذ نجيب محفوظ ..جعلتني أشعر بذلك .. بكم الحزن والألم الذي شعرت به وأنا أقرأها .. لكنه ذلك الحزن الذي يجعلك تصر على المضي قدما .. لماذا ؟ لا أعلم .. لم أتمها بعد .. ربما أكتشف ذلك حين أتم قراءتها .. أراكم على خير

عن الخطأ .. رفيق العمر

الملائكة تغيب عن حياتهم الأخطاء ، كما تغيب الحاجة عندهم إلى الطعام أو الشراب، نحن كبشر نعترف بحاجتنا إلى الطعام والشراب، ولا نعدها أمرا مشينا ، لكن بعضنا لا يعترف بالخطأ كجزء لا بد من حضوره في حياته أو حياة غيره.. الخطأ رفيق لنا رحلة عمرنا، لنتحقق ببشريتنا ، وانكساراتنا ، ورقة قلوبنا ، وقربنا من المولى عز وجل تسليما له بالجلال والكمال، وإقرارا بقصورنا ونقصنا ، لنرتقي في سلم الكمالات بأخطائنا كما نرتقي فيه بصواب أعمالنا..
الخطأ والفرح
يغفر الله لنا أخطاءنا لكن جهازنا العصبي لا يغفرها لنا أبدا§॥ ونظل نجلد أنفسنا بأخطائنا ॥ فنقع من حيث لا نشعر في اليأس ॥ واليأس بعد عن الله .. وبعد عن النفس السوية .. يعلمنا الدين أن نفرح بالله .. وبفضله وكرمه ورحمته بنا .. وأن نسير إليه عرجا ومكاسير .. ونصر أحيانا على أن نحرم أنفسنا الفرح لأننا نصر على تجاهل أن الكمال في حقنا مزيج متناغم من الخطأ والصواب
قبيل الفجر
تبدو أحيانا الحياة مستحيلة معهم ، كأنهم لا يحسنون شيئا في الدنيا سوى أن يكونوا ناشطين فاعلين في كل ما يثير ضيقنا ، ويحرمنا السكينة ، لكن إذا ما اقترب الرحيل ، فهمنا فجأة أن أخطاءهم كانت ببساطة اختلافا لم نستطع استيعابه ، فحرمنا أنفسنا رؤية جمالهم ، وطيبة قلوبهم ، وضعفهم ، وحاجتنا لهم ، وحاجتهم إلينا .. ولو فهمنا لكان عتابنا لهم كما قال الشاعر : عتبتم فلم نعلم لحسن حديثكم أذلك عتب أم رضى وتودد لكننا أحيانا لا نفهم إلا في أوقات متأخرة ، ربما نحتاج أن نتأمل دوما في علاقاتنا ، ونستشير من نثق بحكمتهم ، ونقاء سريرتهم ، ونحتاج أيضا إلى القراءة لمن عبروا الدنيا بخلق حسن ، وصيت حسن، وعرف فضلهم وحكمتهم أهل البصيرة ،وانتفع الناس منهم أحياء وأمواتا . في أصداء سيرته الذاتية كتب الأستاذ الكبير نجيب محفوظ – رحمه الله- سطورا بعنوان : قبيل الفجر: وليس أجمل من السطور إلا عنوانها .. قبيل الفجر .. أي فجر يا أستاذ؟ .. أهو فجر الحقيقة .. والموت من أكبر الحقائق في حياتنا .. أم هو فجر الصفاء حينما يتجرد المرء من تشويشات الهوى .. أم هو فجر لقاء الله عز وجل الرحيم الحكيم .. أم هو فجر الفهم حينما يمن الله على الإنسان بنور الحكمة.. أم هو كل ذلك ؟ قال الأستاذ : "تتربعان فوق كنبة واحدة . تسمران في مودة وصفاء . الأرملة في السبعين وحماتها في الخامسة والثمانين . نسيتا عهدا طويلا شحن بالغيرة والحقد والكراهية .والراحل استطاع أن يحكم بين الناس بالعدل ، ولكنه عجز عن إقامة العدل بين أمه وزوجه ، ولا استطاع أن يتنحى . وذهب الرجل فاشتركت المرأتان لأول مرة في شيء واحد وهو الحزن العميق عليه.وهدهدت الشيخوخة من الجموح ، وفتحت النوافذ لنسمات الحكمة . الحماة الآن تدعو للأرملة وذريتها من أعماق قلبها بالصحة وطول العمر . والأرملة تسأل الله أن يطيل عمر الأخرى حتى لا تتركها للوحدة والوحشة ."§
ليغدو المستقبل الملثم آمنا

تضيق أحيانا الحياة بأحدنا ॥ فيجد نفسه أمام خيارات الخطأ .. فيحجز نفسه عنها .. ليتردى في مزيد من الوجع .. والضيق .. والكرب ..وتراه كدمعة حائرة تأبى أن تتخذ قرارا ما .. ويغفل عن استشارة فقيه نفس .. جمع بين الدين والحكمة .. ليتدارس معه مآلات الخطأ، ومآلات الصواب .. ليغدو " الحاضر الثقيل هينا ، والمستقبل الملثم آمنا"§ إذا استقبله المرء بانشراح صدر ، وصفاء نفس ، ووضوح رؤية .. لكننا كثيرا ما نقع من حيث نعلم أو من حيث لا نعلم في فخ الأفكار المطلقة .. خطأ مطلق .. أو صواب مطلق .. وما هكذا علمنا الدين .. وما هكذا يحكم أهل العقل والبصيرة .. تكلم الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه جامع العلوم والحكم عن معنى يقارب ما نحن فيه ، قال : يفتي المفتي الثقة بعض العوام بحكم شرعي فيه تخفيف ورخصة ، فيرفضون قبول قوله ، ويستدلون جهلا بحديث : " استفت قلبك وإن أفتاك المفتون " ، وإنما ورد هذا الحديث فيمن شرح الله صدره بنور المعرفة ، والإيمان معا، وكان المفتي يفتي له بمجرد هوى من غير دليل شرعي ، وهذا لا يتحققه غالبا من لا يملك أدوات التخصص الشرعي، قال الإمام ابن رجب الحنبلي:" فأما ما كان مع المفتي به دليل شرعي فالواجب على المستفتي الرجوع إليه وإن لم ينشرح صدره ، وهذا كالرخصة الشرعية مثل الفطر في السفر والمرض وقصر الصلاة في السفر ونحو ذلك مما لا ينشرح به صدور كثير من الجهال ، فهذا لا عبرة به."§ فهؤلاء الذين تحدث عنهم الإمام ابن رجب الحنبلي يتبنون فكرة التشديد على أنفسهم على أنها دين في كل حال ، هي عندهم فكرة مطلقة، لا تتغير بتغير الأحوال، فأخطأوا مرتين مرة بتشوش فهمهم لسعة الشرع ، ومرة بعدم تأدبهم مع العلماء الثقات واتباعهم لمن أمرهم الله عز وجل بأخذ الأحكام الشرعية عنهم .
نسبية الكمالات
قد نرفض خطأ مرتبطا بفضيلة هي كذلك في حق غيرنا وليست كذلك في حقنا ॥ فليست كل النفوس تقوى على جميع الكمالات .. و ما قد يكون كمالا في حق إنسان باعتبار قدرته على الثبات عليه دون حرج أو ملل ، لا يكون كذلك في حق من يكلفه هذا الكمال حرجا، يصده عن تذوق لذة القرب من الله عز وجل ، فيكون الكمال الذي يتوهمه في حقه نقص وجفاء ..
الفضل بما لا يخل بالعدل

وتغيب هذه المعاني عن بعض من يريدون الخير بالناس ॥ فتراهم يجعلون المعاني النسبية معان مطلقة، وهم يغيبون بعملهم هذا قيما أساسية كالعدل مقابل التأكيد على التسامح المطلق أو الصدق المطلق أو العطاء المطلق فلا يعود الأمر دائرا بين العدل والفضل بل يعود ترسيخا للظلم ، وقضاء على الفضائل ، حيث غابت حقيقة أن التوازن بين الأخلاق المتعددة هو سبيل لحفظها كلها .. وأن الإخلال ببعضها إخلالا كاملا هو تضييع لها كلها ..
الأداء الجميل والذكي مع النفس ومع الناس

ليست سطوري هذه دعوة للخطأ لكنها دعوة لاحترام بشريتنا ، والتعامل باتزان حيال أخطائنا، أو ضعفنا ، فإن كان لبشر علينا حق أديناه إليه أداء جميلا ، وذكيا ، يحافظ على علاقتنا به ، بما لا يخل بحقنا وبما يرد إليه حقه بالحسنى وزيادة ॥ هي فقط خطوات تجعلك أفضل .. اعط نفسك حقها عدلا وفضلا بما لا يخل بحقوق الآخرين.. وتذكر أن الدين يريد منك أن تعترف بالخطأ كضرورة .. وتسأل الله تعالى مع ذلك حسن الختام.. عاملها كأفضل صديق .. تقبّل أخطاءها .. وعيوبها .. وسامحها .. تصالح معها .. لتستطيع أن تتصالح مع الحياة .. وتقبل عليها ودا وفضلا قواما لا شطط فيه ..
§ قرأت هذه المقولة مرة في أحد كتب أستاذ عبد الوهاب مطاوع رحمه الله।
§ أصداء السيرة الذاتية । نجيب محفوظ .
§ اقتبست هذا التعبير من الأستاذ يحى حقي رحمه الله في رائعته : خليها على الله।

§ جامع العلوم والحكم للإمام ابن رجب الحنبلي . شرح الحديث السادس والعشرين .

الجمعة، 27 نوفمبر 2009

عن " قالت ضحى "

أهدتني الرواية صديقتي العزيزة هدى الصاوي قبل شهرين تقريبا ॥ " قالت ضحى" لبهاء طاهر॥ ॥ وجدت الليلة قدرا أني كتبت سطورا عن الرواية بعد أن قرأتها ॥ لم أنشرها في حينها رغبة في أن أكتب شيئا جيدا ॥ لكن يبدو أني لن أفعل ॥ فلأترككم مع تأملاتي التي رافقت قراءتي للرواية ॥، وكذا إتمامها ... قالت صفية : "لم أحب ضحى ॥ أحبها بطل الرواية لأنها تمثل اكتمال الحياة في صورتها المادية ॥ لم أشعر أنها إنسانه حقيقية ॥ ما شعرت به أنها خلق يشبه الإنسان .. خلق أكثر جمالا في الصورة لا في الروح .. روحه تحتاج إلى الكثير لتفهم وتشعر وتحس .. ما اسم بطل القصة ؟ لا أتذكره الآن .. لكني أحترم حتى سقطاته لأنه لم يكن أبدا متبجحا بها .. هو إنسان حقيقي .. لقد عرف قدره فوقف عنده .. لم يدع بطولة لا يمتلكها .. عرف قدره فوقف عنده لأنه علم أنه إن جاوزه كان ظالما .. ظالما لنفسه ولمجتمعه .. احترمت ضعفه جدا .. لم أكرهه لما خان أصدقاءه .. لكني لم أحب ضحى أبدا.. ولم اشعر بأي تعاطف معها .. هي تظن نفسها محور العالم .. محور الرقي.. يبدو أن الشخصيات الضعيفة من الممكن أن تخضع نفسيا لمثل ضحى .. رغم أن بطل الرواية كان خانعا لكنه في آخر الأمر استيقظ إلا من الخنوع لضحى .. أما ضحى فاستيقاظها لأنها أوشكت على السقوط .. ربما " الله " أرحم بها من حكم بشر مثلي! أحببت سيد القناوي في الرواية كان طاهرا .. صادقا .. قويا .. وهو لا يرى لنفسه قدرا .. مع أنه أشرف شخص في الرواية .. كم هي قاسية الحياة !"

الأحد، 21 يونيو 2009

عنهما .. ( مذكرات أصولية)

زارني اليوم شيخي في المنام ، كنت أفكر أنه غاضب مني لسبب أو لآخر ، لكنه لم يكن كذلك اليوم ، كان هادئا كعادته ، ويحدثني باهتمام وطيبة
سألني : ماذا كتبت ؟ كدت أن أقول له : دعني أتمم المبحث الأصولي أولا يا شيخي ثم أرسله إليك ॥ تذكرت أن تلقائيتي قد أفقدتني إتمام حوار مهم مع الإمام الرازي بالأمس ॥
ما أن هممت بالإجابة على سؤال شيخي حتى أيقظتني خديجة بنت أختي لتطلب مني أن أشتري لها : مجلة " فتيات" ॥

أنهيت مكالمتي المحمولية مع خديجة وإخوتها سوى عمر ॥ ابن أختي البالغ من العمر سبع سنوات .. الذي اعتذر عن الحديث معي لأنه " يفكر" ولا يستطيع أن يتحدث الآن!
وشكرت خديجة في سري لأنها أيقظتني ، فلم أكن أريد أن أطلع شيخي على ما كتبت الآن ॥ أريد أن أكمل البناء أولا ثم أناقشه بعد أن تكتمل " أفكاري" يبدو أني ك" عمر" ابن أختي أو هو مثلي ربما ..
الكتب كما البشر بعضها يألف ويؤلف وبعضها " غلس ودمه تقيل" ॥ وتأدبا سأحكي عن من يألفون ويؤلفون ॥ مشاعر حب عجيبة أكنها للإمامين الجويني ( إمام الحرمين ) ، والغزالي ॥ مشاعر مختلفة عن تلك التي أحسها وأنا أقرأ للإمام القرافي أو لـ" الإمام " .. أحب نفائس الأصول والمحصول لكن حبي لهما حب هادىء .. حب أقرب إلى حب الجيرة الطيبة .. حب يختلف تماما عن الشعور بالصداقة العميقة ، والألفة العقلية والروحية المتجذرة
قد أختلف مع الإمامين الجويني والغزالي ॥ لكنهما يأسرانني ॥ المستصفى للإمام الغزالي ..كتاب رائق .. رائق في طريقة الطرح .. وفي الود الذي تشعر أن الإمام الغزالي يحدثك به .. ليس الود فقط لكنك تشعر أنه يفكر معك بصوت عال .. ويتكلم ويكتب في نفس الوقت .. فتخرج عباراته محكمة وتفريعاته منضبطة .. كأنك تشرب قهوة من نوع ممتاز جدا .. كيف سيكون دماغك حينها ؟
وهو مع ذلك خاشع متأدب مستصحب لمعنى عبوديته لله ॥ ومعنى التلقي عن سلسلة نوارنية متصلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهذه الروح التي يكتب بها والتي تجعل العقل والقلب صديقين حميمين ستجدها أيضا في " الاقتصاد في الاعتقاد " .. حسنا أنا أحبه بجد .. رغم أني لم أقرأ في ترجمته إلا قليلا وكان ذلك من سنوات طويلة .. لكني فعلا مشتاقة للقراءة عنه .. قراءتي للمستصفى جعلتني أشعر أني أعرفه ..كأني أجلس بين يديه وهو يحاضر أمامي محاضرة تأسر عقلي لكنه ذلك الأسر الذي يستفزك للحرية حرية التفكير وحرية النقاش ربما كلمة " الأسر" لا تناسب تماما الحديث عن الإمام الغزالي هو فقط يجعلك تنطلق .. لا يحجر عليك .. كما يفعل أحيانا إمام الحرمين في البرهان .. يناقش قضية ما ويشبعها نقاشا كما يتصور هو ثم يقول إن من لم يقتنع بعد ذلك فذلك لفرط غباوته..
"الإمام" الرازي يفعلها أحيانا يورد اعتراضات المخالفين مفصلة ثم يقول : ما ذكروه تشكيك في الضروري فلا يستحق الجواب॥
لا أملك إلا أن أبتسم حينها ॥ وأدعو لهما .. وأقرر أن أعاتبهما عندما نلتقي .. نعم سأفعل وسيتقبلان ذلك مني دون أن يصمانني بالغباء أعتقد أن الزمن سيجعلهما أكثر رفقا وصبرا ..
الإمام السبكي سمى كتاب " البرهان" لإمام الحرمين لغز الأمة أو كما قال ॥ وأعتقد أن هذه التسمية تصد عن قراءته .. وهو لا يستحق ذلك .. ربما أسلوبه معقد بعض الشيء نسبة إلى أسلوب الإمام الغزالي في المستصفى مثلا .. لكن الكتاب جميل فعلا .. وتعبيرات إمام الحرمين ذكية ورشيقة ، وتفتح آفاقا للفهم لأنها ليست جامدة بل تشعر أن العبارة فيها حركة وصورة .. انظر قوله عن الإجماع المستند إلى الظن : قال إن ذلك لا يمتنع إذا كان " في الجليات التي تبتدرها العقول ابتدار اليقين "
لقد أسكرتني عبارته هذه فعلا ॥ وانظر أيضا إلى كلامه في كتابه " غياث الأمم في التياث الظلم " المسمى ب" الغياثي " يقول إنه لن يحترم نفسه إذا كان فيما يكتبه ترديدا لأقوال السابقين دون إضافة حقيقية بالطبع هو لم يقل العبارة بهذه الألفاظ .. لكني سأنقل لكم عبارته في المدونة القادمة .. لأني تعبت الآن .. ومساؤكم رضا كتبتها في 21/ 9/ 2009

السبت، 20 يونيو 2009

كان جالسا على يميني .. مذكرات أصولية

كان جالسا على يميني .. يكتب ..أختلس إليه النظر فأراه عاقدا حاجبيه عجبا وتأملا وغيظا أحيانا من صولات الإمام الرازي في مبحث الإجماع من "المحصول" ..
يرفع الإمام القرافي عمامته ويردها ثانية في توتر ظاهر॥ أتنحنح فيلتفت إلي بابتسامة فيها الكثير من الرحمة الممتزجة بالوقار ..
أقول له : لا أفهم لماذا يفعل بنا الإمام الرازي هذا ؟ أشعر أني ألهث وأنا أجري وراءه وأتبعه من مبحث إلى مبحث وهو لا يكلف نفسه عناء التوقف ليرحمني من ملاحقته ॥ ويوضح لي ولو بعضا مما غمض علي..
لا تفارقه الابتسامة الطيبة الوقورة وهو يقول مشفقا : إنه " الإمام " يا ابنتي ، فقط التزمي الصبر والأدب وسيفتح الله عليك
॥أتذكر أن الإمام القرافي لا يسمي الإمام الرازي إلا " الإمام " ॥
يلملم أوراقه ॥ ثم يعطيها لي قائلا: هذا هو شرحي لمبحث الإجماع -أردت أن أعطيك نسخة بخط يدي- ادرسيه بتأن ستجدين فيه كلاما مهما .. ماذا تقرئين الآن ؟
قلت : اقرأ كلامك على تعريفات العلم والظن والأمارة । . قال لي: جيد ، بعد دراسة نقدي "لكلام الإمام" راجعي تنقيح الفصول ستكتمل لديك الصورة في المسائل التي تدرسينها॥
قلت : حاضر ॥
قال : تابعي يا ابنتي تابعي ।
رجعت إلى القراءة وابتسامة الإمام القرافي لا تفارقني ॥ الابتسام معد بالمناسبة.. لكنها عدوى جميلة تطيب بها الروح .. ألقي نظرة على الأوراق خطه طيب ووقور كصاحبه। .
" إنه الإمام" تظل عبارة الإمام القرافي عن الإمام الرازي تتردد في ذهني- رغم مرور يومين على حوارنا -كنت أقرأ في المحصول من "اللاب توب"॥
تظهر نافذة من الماسنجر ॥ ( الاسم المستعار) :  " العلم بحر لا ساحل له " ..
يقول لي : أنت أمام خيارين إما أن تستسلمي للمباحث الأصولية وتتقبليها كما هي ॥ وحينها ستخيبين أملي.. وإما أن تعملي فكرك تحليلا وربطا وجمعا ।
لا أراك مخيبة ظني ॥
كنت أقرأ الكلمات وأسمع صداها يتردد في عقلي ॥ صوتها له رنة قوية وواثقة وهادئة ..
أحسست أنه " الإمام" وقبل أن أسأله قال لي نعم يا ابنتي أنا الرازي ॥ لا تخذليني فالجري الذي جعلتك تلهثين بسببه لا أريده أن يضيع هباء ..
سألته : لكن لماذا يا " إمام" هذا التناقض...
لم يرد ॥ رحل فجأة كما ظهر فجأة
॥ هل جاوزت الأدب لما وصفت اختلاف أقواله في المسألة الواحدة تناقضا ؟
كتبت له : أعتذر بصدق عن سوء اختياري للكلمات ॥لم يرد ॥ لقد رحل ॥
لكنه سيعود ॥ أنا واثقة من ذلك ॥ هو يعلم كم أقدره ॥ وكم أنا معجبة بعقله॥
الإمام القرافي سيعود أيضا ॥ أشعر بروحه ترافقني الآن فعلا ॥
أنا فعلا أشعر بالشوق إليهما ... وأتوق إلى مجالستهما ॥
أعدكما لن أكثر الأسئلة .. سأستمع أكثر .. لكني أيضا سأسأل.. فقط لن أكثر الأسئلة .. هذا ما أعدكما به .. كتبتها في 20/ 6/ 2009 .

الأربعاء، 18 مارس 2009

السياسة والدين في النادي الأدبي الثقافي أمس

قلت لكم لعلي ॥ لعلي أجد شيئا جديدا إذا ذهبت إلى محاضرة الأستاذ الدكتور محمد عمارة .. وقد وجدت ما هو جديد ومستفز للتفكير معا ..

المحاضرة كانت بعنوان : " الاستشراق وأثره في الثقافة العربية " لكن ما كان أهم من المحاضرة في تقديري هو مداخلات الحاضرين ॥ يتحدث أ/ رائد السمهوري عن أن ابن تيمية تحدث في أحد كتبه لا أذكره الآن للأسف عن بعض فقهاء الكوفة أو جلهم وأنهم كانوا يفصلون الدين عن السياسة ॥ وتعليق ابن تيمية على فعلهم هذا بأنه خلاف السنة ॥ ولم يقل كما قال الأستاذ رائد إنهم خارجين عن الدين ॥
الأستاذ رائد كان يتحدث بلغة قوية ومستحضرة للنصوص بحيث كانت مداخلته وحدها كفيلة بإعطاء ثقل حقيقي للأمسية ॥ النفس الاعتزالي الذي كان يتحدث به كان نفسا يستحق الوقوف عنده والذي اختتمه بسؤال للدكتور عمارة أين أنت من الاعتزال ، هل تعتنق الفكر الاعتزالي أو كما قال ॥
حسنا لا أفضل أن يسأل الناس آخرين أسئلة ملغومة كهذه لا سيما في وسط ثقافي ملغوم ॥ كما لا أفهم لماذا عد الدكتور بكر باقادر انتقال الدكتور عمارة من توجه فكري إلى توجه فكري آخر أمرا معيبا ॥
ما المشكلة في أن يغير الإنسان آراءه تبعا لما يستجد له من فهم وبحث ؟
وجاء سؤال الدكتور عادل با ناعمة هادئا ومثيرا للتفكير : ألا ترى أن نهج ( شهد شاهد من أهلها ) قد حال بيننا وبين الإبداع في إيصال رسالتنا إلى الغرب ؟
ولعل هذا السؤال الهادىء كان مهما بعد المداخلة العاصفة للدكتور بكر باقادر التي ركزت على أن ما طرحه الأستاذ الدكتور عمارة كان مسطحا ومجتزأ وتجاوزه الطرح الغربي في التعامل مع الآخر اليوم ॥ وكنت أود لو أن الدكتور باقادر ذكر مثالا واحدا يؤيد ما يقوله ॥ كما كنت أرجو أن يكون أكثر هدوءا وهو يرفض كلام الدكتور عمارة عن كون الأفغاني ليس ماسونيا ॥
لقد كان الدكتور باقادر مقنعا في تقديري وهو يقول : إن ماسونية الافغاني التي توجد دلائل لا يمكن نفيها عليها –رغم أنه لم يذكر تلك الدلائل- ليست تهمة لأن موقفه في عصره ووفقا لما هو متكشف من الأمور كان موقفا نزيها ॥ لكن ما لم أره مقنعا ليس فقط حدته وإنما عدم تقبله أن يكون للدكتور عمارة قراءة قد تختلف عن قراءته ॥
ظللت طيلة الطريق من النادي إلى المنزل بعد الأمسية أفكر في محاضرة الدكتور عمارة ॥ هناك خطأ ما لم أستطع التقاطه ॥ وظللت أستحضر ما قاله المحاضر ॥ وأفكر في المداخلات ॥ إلى أن أشرقت في ذهني الفكرة ॥ وأجدني أتساءل هل كانت ستشرق لو لم أستمع إلى الكلام المنمق الرائق للأستاذ حسين بافقيه ॥ الذي خاطب فيه الدكتور عمارة .. ذكر الأستاذ بافقيه أنه تتلمذ على فكر الدكتور عمارة زمنا ثم صد عنه لما فيه من روح السجال ..وانتقل لقراءات أخرى تتسم بالنهج الأكاديمي .. لكن الأيام جعلته يكتشف أن النتيجة التي وصل إليها من المنهجين السجالي والأكاديمي كانت واحدة
كانت روحا من الحفاوة تشرق في كلامه ॥ تختلف عن تلك الروح الصارمة التي تحدث بها الأستاذ عبده خال .. والذي عقب بها على قول الدكتور عمارة بأن العقل الإسلامي هو عقل تجريبي
॥ قال الأستاذ عبده خال : بل العقل الإسلامي عقل تجريدي وليس تجريبيا॥ حسنا لم أفهم تماما مقصود الرجلين ॥ لعلهما كانا يتكلمان عن ارتباط الطرح الديني بواقع الناس ॥ فإذا كان الأمر كذلك فأعتقد أن العقل الإسلامي كان تجريديا وتجريبيا معا ॥ بحسب المتصدين لمخاطبة الناس من العلماء مرونتهم وإدراكهم لواقعهم ॥ هل فهمت جيدا ؟ ربما !
المعلومة المهمة بالنسبة لي التي استفدتها من كلام الدكتور عمارة هو قوله إن آية الجزية نزلت في المستعمر الكسروي أو القيصري وليس كل دولة لا تدين بالإسلام تسري عليها هذه الآية ॥ طبعا أحتاج إلى تحقيق ذلك .. لكن الفكرة جديدة علي تماما .. وهي تحل الإشكال لدي بخصوص آية الجزية ।
بقي أن أقول إن ( الشيء المشكل ) في طرح الدكتور عمارة بالأمس ॥ والذي لم أكن قادرة على التقاطه إلا بعد تفكير طيلة طريق عودتي إلى البيت هو أنه عد كل رفض أو تشكيك أو نقض لما جاء به الإسلام من المستشرقين هو عمل غير نزيه وغير أخلاقي – إن صح التعبير- والأمر كما أفهم فيه فرق دقيق بين باحث لم يتبين له الحق كما نراه وبين باحث لم يلتزم النزاهة العلمية فيما يطرح ॥ أعتقد أن هذه المشكلة التي جعلت طرح الدكتور عماره يبدو تسطيحيا في بعض جوانبه
॥ أيضا هو لم يفرق – كما فهمت- بين منهجية في الطرح نقدمها للآخر ليقتنع بها وبين كلام قاله مستشرق يعلن به إسلامه ॥ فالكلام الذي ختم به محاضرته لأحد المستشرقين الذين قضوا في عام 2006م كان كلاما هو في الواقع إعلان إسلام لا حجة يحتج بها على صدق النبوة ॥
ثم إني أتساءل هل العبرة في الكلام بمن قاله أم بما يقال من حيث المنهجية والدقة والضبط والعمق ؟
كما أني أتساءل لماذا لم يقل لي الدكتور عمارة أنه لا يتذكر من أين نقل النص الذي نقله عن ابن رشد في التأويل ॥ لقد أحالني إلى كتب مختلفة ॥ لكن سؤالي كان واضحا ومحددا : أين أجد النص يادكتور؟ ولو قال لي أنه لا يتذكر ولعله هنا أو هنا أو هنا لكانت إجابته أكثر احتراما لسؤالي ॥ لكني شكرته في سري مع ذلك فقد علمني موقفه أن أتنبه فيما لو نقلت شيئا للناس ، أكون صريحة معهم حال قصوري ..
حسنا كانت ليلة مختلفة حقا بالنسبة لي .. ثراء وتحفيزا .. وأجدني بعدها أجد جدة أكثر جمالا !

الثلاثاء، 17 مارس 2009

في نادي جدة الأدبي هل ستكون الليلة جيدة ؟

يستضيف النادي الأدبي في جدة الليلة بعد صلاة العشاء الأستاذ محمد عمارة ॥

حسنا لا أميل إلى أسلوب الأستاذ محمد عمارة في الطرح

॥ وبالتالي لم أتح لنفسي أن أسمعه جيدا

॥ وعليه لم أتحمس للذهاب ابتداء

॥ لكني فكرت بعدها أن سماع إنسان جاء من بيئة ثقافية غنية كمصر

يستحق أن ( أتحمس ) له ॥

رؤية الناس أيضا وسماع النقاش لعله يفيد بشكل ما

॥ سألوم نفسي إن أضعت هذا كله ॥

إذن سأذهب الليلة بمشيئة الله ولعلي ॥ لعلي أجد جديدا ॥

الجمعة، 13 مارس 2009

كتابه ساعدني يوما ما .. رحمك الله يادكتور حسن هويدي

عرفت من إيميل وصلني قبل قليل وفاته فجر اليوم الجمعة ।

رحمه الله رحمة الأبرار । فقد علق اسمه في ذاكرتي لأن كتابه " الوجود الحق"

كان مستقرا لي قبل سنوات طويلة بعد شتات قراءات عبثية ॥

الكتاب متوسط الحجم ॥ لا أذكر أني وجدت صعوبة في قراءته॥

وقد أقنعني أيامها

॥كنت وقتها في التاسعة عشرة من عمري ॥

أفكر الآن كيف يمكن للكلمة أن تكون أغلى من كنوز الدنيا أثرا

॥ وكيف أن العلم الذي ينتفع به يمكن أن يكسبك أناسا يحبونك ويتذكرونك

ويحزنون لفقدك وإن لم تعرفهم ॥ رحمك الله يا دكتور حسن هويدي ..

الجمعة، 27 فبراير 2009

عن الجانب الجسدي أتحدث / تأملات عن الحب والدين والزواج 2

عرضت تدوينتي ( تأملات عن الحب والدين والزواج ) على صديقة ، فقالت : أعرف كثيرات في مجتمعنا يقدمن على الزواج لأجل العلاقة الخاصة وكفى ॥
قلت لها : وكفى ؟ دون تفكير بما يترتب على الارتباط من مسؤوليات ، وبما يكتنفه من تغيير ، وما يتطلبه من مبادرات ، وخطط ॥ قالت نعم
ذكرني كلام صديقتي بما نص عليه بعض الفقهاء من وجوب الزواج حال خشية الزنا* ، وبالفتاوى التي تحلل الزواج بنية الطلاق ، وهو فيما يحضرني مذهب عامة أهل العلم - انظر تفصيلا حسنا في ذلك هنا -
قلت لها : إن من الخطأ أن نتوقف عند القراءة المجردة للأحكام التي ينص عليها الفقهاء ولا نتنبه إلى السياقات المستقاة من النصوص الفقهية في موضوع الزواج فضلا عن النصوص الشرعية ، ومقاصد الشريعة।
اختصار الزواج في ( العلاقة الجسدية) أراه أمرا كارثيا ، لا سيما في عصرنا المعقد هذا ॥ و (خشية الزنا) لم يعد التغلب عليها معضلة ॥ بل لقد تحدث الفقهاء قديما عن أدوية تخفف من وطأة الشعور الضاغط بالحاجة إلى العلاقة الجسدية لمن ليس لديه الاستعداد المادي للنكاح ।
والسؤال هنا : أليس الاستعداد النفسي والتأهيلي للزواج كعلاقة مقدسة دائمة هو لا يقل أهمية عن الاستعداد المادي ؟
بل إن الحديث حول حرمة العادة السرية قد تجاوزه بعض المفتين اليوم في وعي بطبيعة الضغوطات في عصرنا ..
فصاروا يذكرون ما في المسألة من سعة - كما سمعت من الشيخ سلمان العودة في برنامجه (الحياة كلمة )- أرى أنه يجب أن لا يغيب عنها التأكيد على الأبعاد النفسية المرتبطة بممارسة هذه العادة ، فضلا عن وضع هذه الممارسة في إطارها الصحيح بحيث لا تكون تكريسا لتفكير يكون الجنس هو محوره وغايته.
لن أجنح فأقول إن ( نكاح المتعة ) عند الشيعة الأمامية هو حل قد يكون أكثر نزاهة وعدلا وشجاعة -فالتنصيص على تأقيت الزواج يكون واضحا بلا مواربة -
وذلك إذا أردنا أن نعترف بالحاجات الجسدية بشكل مستقل عن متطلبات الزواج غير المؤقت ، لأن ( نكاح المتعة ) إن لم ينشأ في ظروف ملائمة ، فلا بد من أن مفاسد الإقدام عليه ستكون كارثية في مجتمع يرفضه ، ويعده جريمة شرعية ।
وهذا الرفض المجتمعي مستند إلى مذهب جمهور أهل السنة في عد زواج المتعة حراما يشذ من يعتد به عن الحق ، وينقل بعضهم الإجماع على ذلك ।
الحل السني – أنا هنا أتساءل ولا أقرر- قد يكون بالتصريح بنية الطلاق على أن لا يتضمنها العقد ، فيكون ثمة اتفاق بين الطرفين على تأقيت الزواج -كما هو مذهب الشافعية في الجواز-تجنبا لمفاسد التكتم على النية المبيتة عند الرجل فضلا عن ما في ذلك من غش وخداع ॥
وبقيت هنا فكرتان : إحداهما : أن الكلام عن حل الزواج بنية الطلاق بالنسبة للرجل دون تحميل الرجل مسؤولية التواصل الصادق مع المرأة وأهلها -وهو ما نقل عن الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله- في كلام يستحق التقدير حقا وستجدونه في هذا الرابط- هو تكريس لتفكير يغيب المرأة كإنسان وكشريك في العلاقة الزوجية مؤقتة كانت أم دائمة।
والثانية : أن الحديث عن وجوب أو استحباب الزواج حال خشية الوقوع في الزنا لا يختص به الرجل ، بل يشمل المرأة أيضا ، أتذكر أني تساءلت مرة لما قرأت هذا الكلام في أحد الكتب الفقهية القديمة ، وهل الزواج بيد المرأة لكي يتحدث الفقهاء عن وجوب أو استحباب الزواج في هذه الحال ، قالت لي شيختي د.شادية كعكي : تتحدث مع أهلها .
وهنا أجد أن المجتمع بحاجة إلى ثقافة جديدة ، ليست فقط على صعيد الحوار الأسري، لكن على صعيد التمسك بجعل الزواج هو خيار يتفرد به الرجل ، ولهذا حديث آخر ، وتأملات أخرى ॥

* الشافعية في معتمدهم نصوا على استحباب الزواج حال التوق إليه وفقدان متطلباته المادية قالوا لأن الأمر مرتبط برضا الزوجة أو وليها ، وهذا تنصيص في محله . ( مغني المحتاج ج3/ص 168)

الخميس، 26 فبراير 2009

تأملات عن الحب والدين والزواج

الزواج كشراكة
كان حوارا طويلا دار بيني وبين إحدى الصديقات ، كنا نتحدث عن ( الاحتياج للشريك ) ، الإحساس بهذا الاحتياج ، وكيف نتعامل معه ، وكيف نفعله بحيث يكون حافزا للحصول عليه ، لاحظت أننا في حديثنا ابتعدنا غالبا عن وصف ( الزوج ) واستبدلناه بوصف ( الشريك) ، حسنا لم ألاحظ ذلك أثناء الحوار الممتد لثلاث ساعات تقريبا ، لكن اليوم وبعد استرجاعي لأجزاء من الحوار لاحظت ذلك ، ووجدتني أقول : يبدو أن كلمة (الزوج ) أصبحت ملتبسة- في واقعنا السعودي على الأقل- بمعان لا تغلب عليها الشراكة بل الحصول على مساحة أكبر من الاختيار بشكل ما ، من حيث تسلم إدارة الشؤون المنزلية ، والحصول على فرصة أكبر للسفر والخروج .. ناهيك عن ظلال القوامة بما تعنيه في واقع الحال من تسلط بشكل أو بآخر .. كنت أفكر لماذا ترغب إحدانا في الزواج ؟ أ لأجل المساحات الأوسع التي تحصل عليها بشكل ما ؟ وجدت أن فكرتي عن الزواج ملتبسة فعلا ، وبدأت أحررها بداخلي، أكتشف حاجتي الحقيقية .. المساحات الأوسع يمكن الحصول عليها بمزيد من الاستقلال المادي ، ومزيد من الحكمة في إدارة العلاقة مع الأهل .. لا أقبل أن يكون الزواج هو وسيلتي لتحقيقها ، لا أعيب من تقرر أن الزواج هو وسيلتها لذلك ، هذا خيارها ، ونظرة الناس إلى ترتيب شؤون حياتهم وخياراتهم مختلفة ، لكني ك(أنا ) وجدت أن فكرة الزواج بعد تحريرها عندي تصب في مسألة ( الشراكة ) ، هل أنا مستعدة لاقتسام حياتي ومكاني واحتياجاتي وشؤوني مع شخص آخر ؟ هذا هو السؤال الأساس بالنسبة لكل من تريد علاقة ترتبط بجوهر فكرة الزواج ، وتقول الدكتورة شيري كارتر سكوت في كتابها الذي أجده قيما :" إذا كان الحب لعبة فهذه هي قوانينها " أن الصدق مع النفس في إجابة سؤال كهذا مهم جدا لضمان نجاح الزواج .. رافقني كتاب د. سكوت لأيام ، ورغم أني قد قرأته قبلا ، إلا أن القراءة الجديدة له هذه الأيام ، أمدتني بمعان مختلفة ، من الكتب ما يكون في تكرار قراءتها مزيدا من الاكتشاف لمعان جديدة ، أو فهم معان قديمة لديك بطريقة مختلفة ومؤثرة ، ولعل هذا مرتبط تماما بجهد الكاتب ، وعمق تحضيره لمادة الكتاب ، بحيث لا تكفيها قراءة واحدة ..

لا بد أن تحب ذاتك أولا

القانون الأول التي تتحدث عنه د। سكوت هو أنك لتستطيع أن تحصل على حب شخص آخر لابد أن تحب ذاتك أولا ، حب الذات يكون بتقديرها بحيث تعطيها ما تستحقه من وقت ومال واهتمام ، إذا اهتممت بذاتك بشكل كاف فستجد شريكا يهتم بها ، لأننا نعطي الآخرين النموذج الذي يتعاملون به معنا من خلال تعاملنا مع ذاتنا ॥ مزيد من الوقت والاهتمام والمال بشكل متوازن ، لا يجنح نحو التضخم ، هذه إضافة صديقتي أروى الدرويش .. لو تعاملنا مع تقصيرنا في جو ملىء بالاتهام ، فسيعاملنا الآخرون كذلك ، ولو لم نحترم رسائلنا الداخلية ونقدرها فلن يحترمنا الطرف الآخر .. تتحدث د. سكوت عن أن الحب ينجذب لأولئك الذين يرغبونه لا إلى الذين يحتاجونه . الاحتياج التي تعنيه د. سكوت هنا هو أن يحتاج المرء شريكا يعطيه ما تقاعس هو أن يعطيه لذاته من اهتمام وعناية وتقدير واحترام. الحب المقدم من الشريك لا يمكن أبدا أن يحل محل حب المرء لذاته وعنايته بها .. الكتاب ثري .. وما حدثتكم عنه هو صفحات قليلة من صفحاته البالغة (253) صفحة .. وأرى أن اسمه قد ظلمه بشكل ما ، لأنه أكثر ما يكون ابتعادا عن ابتذال فكرة ( الحب) أو احترام قداستها في حياة الإنسان .. قالت لي صديقتي : المشاعر أقدس من الجسد ॥ أفكر الآن في كلمتها التي لم أناقشها فيها في حينها .. المشاعر أقدس ممن الجسد لأن تقديسها وعدم بذلها إلا بعد وعي تام بكونها صادقة ، وبكونها لا تعارض مع احترام المرء لذاته ، وبكون الطرف الآخر يستحقها حقا .. عدم بذلها إلا بعد التأكد من ذلك كله سيقود تبعا إلى التعامل مع الجسد بقداسة

الدين والحب

الكلام عن الحب قد يكون جريمة وتفسخ عند بعض الناس أو كثير منهم ، وأرى ذلك في عصر كعصرنا هو مجافاة للغة فرضت نفسها ، وبات الاحتشام عن الخوض فيها بما تستحقه من فكر ونظر واحترام ، هو احتشام في غير موضعه ،،ووضع الشيء في غير موضعه ظلم ، هو ظلم للدين ، وتكريس للانقسام بين طبيعة الحياة في هذا العصر وبين الدين أشعر حقيقة بالمسؤولية التي تجعل تخصصي الشرعي حملا ثقيلا أنطلق منه تحديدا للحديث عن موضوعات معجونة بهموم الناس وحياتهم ، ويتغاضى عنها الخطاب الديني أو يتحدث عنها بطريقة خجلة أو متحفظة ، وأتساءل مما نخاف ؟ هل نخاف من الناس الذين يرفضون أن يصدر الحديث في مثل هذا الأمر من منبع له ارتباط بالدين ؟ أليس الخوف يؤكد بعد الناس عن الدين ، ونظرتهم إليه كأنه يتسامى عن احتياجاتهم ، وهل جاء الدين إلا بمراعاتها واحترامها ؟

السبت، 7 فبراير 2009

البرابكاند .. حوار مع متخصص

هذا حوار نشر في موقع aljazeeratalk مع الأستاذ أمين صوصي العلوي حول تخصصه في البرابكاندا .. الحوار فيه معلومات جديدة بالنسبة لي .. وهو فوق ذلك كلام من متخصص وأستاذ في هذا العلم .. أرجو أن تجدوه مفيدا وممتعا كما وجدته .. http://www.aljazeeratalk.net/portal/content/view/3992/82/
لماذا اتجهت إلى علم البرابكاندا؟
تخصصي الأصلي هو إخراج أفلام الكرتون، وما كنت أتوقع أن هذا الفن الذي يشكل الأطفال غالبية جمهوره سيقودني إلى البحث وراء الايديولوجيات والأدب السياسي ! بدأت المتاعب والعراقيل تواجهني في الدراسة حين قررت إخراج فيلم كرتوني عن الأندلس, لم يكن تصوري لحجم الإشكال آنذاك واضحا ولم أكن أعتقد أن الغرب الذي يحارب الرقابة على ثقافته في كل أنحاء العالم هو من يمارسها فعليا على ثقافة الآخر. بعد تخرجي قررت الاتجاه إلى الدراسة النظرية المعمقة في السينما وهنا بدأ اكتشافي لشيء اسمه البرابكاندا, علم له أصول وفروع ومنظرون أسسوا له ووضعوا له القواعد بناءا على تراكمات بحثية خرجت من رحم هيئة باسم Commisson Creel أنشئت بأمر من الرئيس الأمريكي الديموقراطي وودروو ولسن الذي قرر استمالة الرأي العام لقبول دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب ضد الألمان. قام الصحفي الشهير والتر ليبمان، وابن اخت فرويد السايكولوجي إيدوارد بيرنايز بطلب من الرئيس ولسن بممارسة برابكاندا ممنهجة خلال ستة أشهر أدت إلى هستيريا ضد الألمان أدهشت صانعيها . من هنا ظهرت مصطلحات مثل "روح الجماعة" و"هندسة الإذعان" على يد بيرنايز كأول اللبنات البرابكاندا التطبيقية.
إلى أي حد يمكن التمييز بين البرابكندا والبرابكندا التطبيقية؟
في الحقيقة ليس هناك فرق في الجوهر لكن التمييز يأتي على أساس الآليات التي فجرتها ثورة البرابكاندا التطبيقية إبان الحرب العالمية الاولى।إن أول الصعوبات التي تواجه الباحث عن تعريف لكلمة برابكاندا تكمن في التناقضات الاصطلاحية في المراجع اللغوية والتاريخية والتي مردها إلى التشويش الإيديولوجي المستمر والى قلة الأبحاث والدراسات الأكاديمية التي خصصت لها. هناك عامل آخر يجب الانتباه إليه للتوصل إلى تصور صحيح عن حقيقة البرابكاندا وهو النظر إليها كظاهرة تاريخية بتعقيداتها فكل محاولة للتبسيط توقع لا محالة في إشكالات معرفية. هناك مثلا من يضع الدعاية في اللغة العربية مقابل كلمة برابكاندا, وهذا في نظري خطا محض يحيل الفاعل إلى نوعين من الأخطاء أولهما اصطلاحي يحصر الكلمة في الدعوة إلى فكر أو موقف أو معتقد معين بوسيلة من الوسائل ومن هنا نقع في شرك اعد مسبقا يجعل كل الناس أمام هذه الظاهرة سواء شريطة أن يقوموا بنشر آرائهم! أما الخطأ الثاني فيكمن في فعل الترجمة ذاته حيث أن القائم بذلك يفترض مسبقا أن لهذه الكلمة مقابلا في الثقافة العربية! فيحمله ذلك على الوقوع في إسقاطات غير علمية. للخروج من كل هذه الإشكالات المنهجية يتحتم علينا التدقيق ليس لمجرد الترف الفكري او التقعر كما قد يخيل للبعض إنما تفرضه خطورة الموضوع لتأثيره المباشر في حركة الشعوب واختياراتها. بعد وضع الظاهرة في سياقها التاريخي وبيئتها الثقافية الاجتماعية كاول الخطوات لإدراك أبعادها الحقيقية ـ بغض النظر عن البحث في أصل الكلمة الذي قد نستأنس به في البحث ـ نجد أن انطباق الاسم على المسمى يظهر بجلاء أن للبرابكاندا مدلول ثقافي يربط المصطلح بواقع القارة الأوروبية. فلا يمكن تجاهل أن كلمة برابكاندا ذات الاشتقاق اللاتيني وتعني "النشر" قد وافقت الغرض الذي أسست من أجله مؤسسة بحجم Congregatio de Propaganda Fide بعد حرب الثلاثين عاما على يد بابا الفاتيكان غريغوار الخامس عشر من أجل نشر الكاثوليكية بكل الوسائل بغض النظر عن مدى مشروعيتها. ينبغي التوقف طويلا أمام هذا الحدث من حيث كونه محطة تاريخية مهمة يؤرخ بها لنشأة "البرابكاندا الفعلية" التي نقلت الظاهرة من الممارسة العشوائية إلى طور "المأسسة" فليس لجوبلز وزير البرابكاندا في حكومة هتلر الفضل في إنشاء وزارة بهذا الاسم كما هو سائد. مازالت المؤسسة قائمة بذاتها داخل الفاتيكان بينما انقضى عصر جوبلز وأغلقت وزارته وما تزال دول الحلفاء سابقا تجعل اسمه مرادفا البرابكاندا ! بين غريغوار الخامس عشر و جوبلز قرونا عرفت فيها أوروبا ثورات عسكرية ومدنية وحروبا دينية استيقظت فيها القارة القديمة على واقع جديد أفرزته الثورة الصناعية, نشطت فيه النقابات والأحزاب بشكل واضح وأضحت الضرورة تستوجب آليات جديدة لإبقاء السيطرة على الجماهير. بحلول القرن العشرين بدأ ما أسميه بثورة البرابكاندا التطبيقية وكان للسينما الحظ الأوفر في انطلاقها وخير دليل ما قدمه السينمائي الأمريكي وينسور ماكين في فلمه الكرتوني عن إغراق باخرة لوزيتانيا على يد غواصات الألمان. للعلم فهذه الحادثة التي مات فيها ما يناهز الألف من الركاب ولم يكن بينهم سوى مئتي أمريكي فقط كانت الذريعة التي اتخذها الرئيس ولسن لإقحام بلاده في الحرب العالمية الأولى. يعرف كثيرون أن السينما قد أدمجت منذ بداياتها في صناعة الحدث لكن قليل من يعلم –من غير المتخصصين - أن جزءا كبيرا مما نجده مثلا من وثائقيات رسمية لوقائع كالحربين العالميتين الأولى والثانية مفبركة. لم يتوقف الكذب على التاريخ عند هذا الحد بل تحول إلى مرض مزمن يعدي كل من استلهم أبحاث بيرنايز كجوبلز مثلا لذا فلا غرابة في مقولته الشهيرة اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس.
هل حقا للظاهرة ارتباط ببيئة معينة أم هي ظاهرة عالمية ؟
كل الشواهد التاريخية تؤكد ارتباط الظاهرة "بالغرب " وهنا لا أقصد الغرب الجغرافي بل الغرب ككيان ثقافي ايديولوجي يستلهم التاريخ الإغريقي الروماني ولو تناثرت أطرافه جنوبا وشمالا, فكل من يربط نفسه به ايديولوجيا تنتقل إليه أمراضه।
دعني هنا أقول وبوضوح إن البرابكاندا تاريخيا مرتبطة بالديمقراطية كأسلوب حكم يدعي إشراك العامة " الشعب" في القرار, من هنا وجدت آلية لتوهيمه أن لآرائه قيمة. إن التركة الرومانية التي يتغنى بها فوكوياما وهانتنغتون ويدعوان لتعميمها على العالم ولو بالقوة ! تحمل في طياتها "فيروس البرابكاندا" الذي وبفضل تطور وسائط الاتصال السمعية البصرية الحديثة انتشر حول الأرض ولم يترك بيتا إلا ودخله. قد يظهر من هذا الكلام أني أناقض نفسي بالقول ببيئية البرابكاندا وفي الوقت ذاته بانتشارها حول العالم, أعود فأقول أن الظاهرة من حيث الصناعة هي غربية لكنها تمارس على العالم بأسره بواسطة المؤسسات الإعلامية الضخمة مثل تلك التي يمتلكها روبرت موردوك و تيد تورنر ووالت ديزني... وشركات الإنتاج السينمائية العملاقة التابعة لها التي أصبحت اليوم امبراطوريات أخطبوطية تسيطر على أسواق التوزيع والإنتاج العالمية. إن ربط البرابكاندا "المتطورة" بالعالم الديموقراطي الليبرالي ليس من بنات أفكاري, ولا هو رأي ايديولوجي أنحاز إليه، بل هو نتيجة لأبحاث جادة مثل تلك التي قام بها الأكاديمي ايدوارد هيرمان رفقة عالم اللسانيات الأمريكي نعوم تشومسكي.
كيف يمكن إلصاق البرابكاندا بالديموقراطية, و هي التي تكفل مساحة الحريات لتشومسكي وغيره ليقول ما شاء متى شاء؟!
إن تشومسكي يرد على هذا السؤال بمفهوم جديد يسميه "نموذج للبراباكاندا"propaganda model يبين فيه أن البرابكاندا تمثل بالنسبة للأنظمة الديموقراطية ما تمثله العصا للأنظمة الشمولية। فلا أحد يعبا بما يقوله تشومسكي أوغيره مادامت أقوالهم لا تصل إلى الجماهير।
فلا غرابة إذن حينما يلقب قادة البيت الأبيض مثلا كل من يحاول فضح خداعهم الإعلامي "بأمة الحقيقة الحقيقة" Comunity reality استهزاءا . هم يعلمون أن "قطعان" الجماهير المدجنة تصدق وسائط الإعلام الكبرى, فغرد خارج السرب كما شئت فلن يصدقك احد. داخل هذا النموذج الذي نتحدث عنه لا جدوى من القمع والترهيب لكسب الإذعان الفكري مادمت مسيطرا بشكل كاف على العقول, تدفع بها إلى الاتجاه الذي تريده, في الوقت الذي تريده, هذا كله وهي معتقدة بان اختياراتها ذاتية حرة . إن اختلاف أجهزة الإعلام الديموقراطية عن مثيلاتها في أسوء أيام روسيا الاتحادية أو تلك التي أدارها جوبلز النازي يكمن في استعمالها الذكي لمبدأي الرقابة والرقابة الذاتية وذالك بمحاصرة الخبر وحجبه بشكل جزئي مبتور بحيث أن الجمهور لا يحس بغياب الرأي الآخر. لنفرض مثلا أن المعلومة تسربت بشكلها "الأصلي" للجمهور وتفاعل معها, حينها تعمد وسائل الإعلام إلى السيطرة على الأوضاع بشكل سريع بتكثيف البرامج الحوارية حولها و"الريبورتاجات" لضمان توجيه الرأي العام وأعادته للخط المرسوم له مسبقا ولا عطاء انطباع بوجود الشفافية في الوقت ذاته, وهذا عين ما يعرف "بفن" التشويش الإعلامي .Desinformation
كيف يتم استدراج العقول...؟
في نظري لا يمكن تبرئة أصحاب هذه العقول المستدرجة كليا فهي وافقت ابتداءً على الانصهار في المجموعة بسبب الكسل ما يجعلها في حالة انقياد طوعي للنخب।

تظهر خطورة هذا الوضع بجلاء حينما نقرا مثلا التصريح الخطير للمدير العام السابق للقناة الأولى الفرنسية TF1التابعة للقطاع الخاص باتريك لولاي حيث يقول: " توجد عدة طرق للحديث عن التلفزيون. لكن إذا كان الأمر يتعلق "بالبزنس", لنكن واقعيين : في الأصل مهنة TF1 هي مساعدة كوكا كولا مثلا على بيع منتوجها. […] لكن لكي تكون الرسالة الإعلانية سهلة الالتقاط, يجب أن يكون دماغ المشاهد مستعدا: بمعنى آخر أن تتم تسليته والوصول به إلى حالة من الاسترخاء ليتهيأ بين رسالتين. ما نبيعه لكوكاكولا, هو وقت دماغ إنسان في كامل الاستعداد." يقولها لولاي صراحة "وقت دماغ إنسان في كامل الاستعداد" هذه هي المهمة الحقيقية لمؤسسته. وهم في هذا أيضا عالة على روما القديمة, فالتخدير عبر صناعة التسلية اليوم من التظاهرات الرياضية العالمية إلى الحفلات الضخمة التي يصرف عليها بأرقام فلكية إلى السينما والتلفزيون... ما هي إلا ترجمة بشكل متطور لما عبر به الشاعر جوفينال عن أسلوب الحكم الروماني في زمانه « panem et circenses »الخبز والملاهي.
ما مدى حقيقة قوة البرابكاندا وهل من سبيل للمقاومة ؟!
لمعرفة حقيقة هذه القوة يجب أن ننظر للوقائع: في سنة 1929 قام بيرناز بإنجاز ضخم لصالح واشنتن هل رئيس شركة السجائر American Tabacco. كان الهدف هو التخلص من القيود الاجتماعية التي تفقده نصف الأرباح. بدا بيرنايز باستشارة الأخصائي ابراهام اردن برل الذي نصحه باستعمال السيجارة كرمز لسلطة الرجل, ومن ثم اعتبار انتزاعها من طرف المرأة تحد لهذه السلطة. اختير لهذه الحملة استعراضات عيد الفصح التي تقام كل سنة بشوارع نيويورك. تم تجميع عدد كبير من المصورين والصحفيين أمام مجموعة من الشابات اخفين السجائر تحت ألبستهن, عند سماع الإشارة خرجن السجائر في وقت واحد وأشعلنها. أشغلت صور الفتيات الرأي العام وألهبت النقاشات حولها وبين عشية وضحاها أصبحت المرأة بإشعالها للسيجارة تشعل مشعلا للحرية! لا أخفيك أن مقاومة البرابكاندا شيء صعب لكنه ليس بالمستحيل, فوصفي لها بالفايرس سابقا وتعني السم باللاتيني لم يكن عبثيا, لأن قوتها في قدرتها على اختراق الخلايا والتكاثر داخلها ومن ثم يصعب التخلص منها. لهذا يجب في نظري اتباع أسلوب "طبي" في التعامل مع الظاهرة, يتم التركيز فيه أولا على تقوية المناعة بما يعرف ب "الثقافة المضادة " و ثانيا بصناعة " الترياق" من جنس السم. الترقيع هاهنا لا يفيد, المطلوب هو إنشاء مؤسسات ربحية لهذا الغرض بعكس ما ألفه الناس من تعويل على كل ما هو حكومي. ويكفيني هنا ان أرشد إلى ان النجاح الحقيقي لبيرنايز لم يكن داخل هيئة كريل الرسمية بل بدا بعد ذلك حينما أنشا مؤسسة للعلاقات العامة نقلت أعماله من طور التجربة إلى الصناعة.

هقو

الأربعاء، 21 يناير 2009

جدل حول غزة في الصحافة الألمانية .. مقال يستحق القراءة

ستجدونه هنا http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1232171483360&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture/ACALayout

الثلاثاء، 13 يناير 2009

فلا بد أن يستجيب القدر

" ليس هناك شعب يحمل مثقفوه المقاومة مسؤولية جرائم الاحتلال كما يفعل بعض المثقفين العرب .. بهذا المنطق نقول إن المقاومة في الجزائر هي التي تسببت في مقتل مليون شهيد ،وان ديغول هو سبب خراب باريس لا النازيين " عزمي بشارة في أخبار الجزيرة الليلة

السبت، 10 يناير 2009

أيها الموت خف أنت ، نحن هنا لم نعد خائفين .. تميم البرغوثي

نشرت على إسلام أون لاين بعنوان : بيان عسكري / تميم البرغوثي http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1231223532860&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture%2FACALayout

الخميس، 8 يناير 2009

اكتشافات بعضها خطير وبعضها لطيف .. وكلام في زينة الحواجب

بين البيان والتحصيل لابن رشد ، ومغني ابن قدامة الحنبلي ، كانت اكتشافاتي تلك .. اكتشافات عمقت لدي معان، وأخرى أكدت لدي معان أخرى .. النقاش مع صديق اليوم علمني أننا قد نظلم أفكارا مهمة إذا لم نحسن عرضها بما يتسق مع أهميتها ، لتصل بالشكل اللائق بها ، وعليه فسأكتفي باكتشاف لطيف من اكتشافاتي أعرضه ، ولا أعتقد أن عرضه يظلمه .. لكن لي عودة مع الموضوع ذاته بشكل أكثر توسعا بحوله تعالى .. اكتشافي اللطيف نسائي بحت ، وعليه ، فربما لا يهم الرجال كثيرا حديثي عن مثل هذا التفصيل الأنثوي .. حكم النمص ، القول الذي يذهب إليه كثير من العلماء هو التحريم لظاهر الحديث ، لكن هناك كثير من العلماء يرون أن الحديث ليس صريحا أو قطعيا- كما يردد بعض العوام – في مسألة النمص ، ولكن الأمر مرتبط بعلة ما لأجلها حرم النمص ، ما هي هذه العلة ، هذا كلام طويل ، لست بصدد الحديث عنه الآن .. لكن من أراد الاستزادة فأوصيه بشرح الإمام ابن عاشور لموطأ الإمام مالك ، اسم الكتاب كشف المغطى ، سأكتب بشكل أكثر تفصيلا عن الموضوع لاحقا إن شاء الله، لا سيما أن لدي بحثا مهما جدا كتبته الدكتورة إلهام باجنيد في هذه المسألة وغيرها من مسائل التجميل .. الحاصل ..أني أريد أن أتحدث الليلة فقط في اكتشافي اللطيف الذي هداني إليه تصفحي في المجلد الأول من كتاب مغني ابن قدامة -والتصفح بالمناسبة يهدي إلى صيدات جميلة ومهمة غالبا - وأراه اكتشافا لطيفا لارتباطه بالمذهب الحنبلي ثم لأنه يرفع المشقة النفسية التي تنجم عن عملية تشقير للحواجب .. كثيرا ما تشوه الحواجب .. إن لم تكن متقنة بشكل كاف.. بل حتى وإن كانت متقنة ، فالإشكال أنها تحتاج إلى تزيين مكتمل للوجه -غالبا - إذا كانت الفتاة سمراء البشرة لأجل أن لا يكون اللون نشازا .. طبعا مذهب أحمد في معتمد ابن قدامة في المغني يعتمد ظاهر الحديث ، دون اعتبار للعلة من التحريم ، وهذا معتمد النووي من الشافعية خلافا لكثير من الشافعية الذين يرون أن تحريم النمص معلل .. لكن تمسك الحنابلة في مجملهم -خلافا لابن الجوزي على ما يحضرني- هو تمسك أكثر تسامحا من مذهب النووي في المسألة ، أترككم مع نص ابن قدامة في كتاب الطهارة ج1 / ص 131 : " فصل : فأما النامصة : فهي التي تنتف الشعر من الوجه ، والمتنمصة : المنتوف شعرها بأمرها ، فلا يجوز للخبر ، وإن حلق الشعر فلا بأس ، لأن الخبر ورد في النتف . نص على هذا أحمد " .

السبت، 3 يناير 2009

الله مولانا ولا مولى لهم

لم أجد أفضل من هذه الآية الكريمة التي صدرت بها فوز تدوينتها عن أهلنا في غزة عنوانا لمدونتي هذه ونظرا لأن ميزة التنسيق في المدونة عندي معطلة بسبب عطل ما في جهازي أحيلكم على الرابط التالي من مدونة أختي فوز بارك الله فيهاوفيه خير كثير http://fouz.wordpress.com/2009/01/02/%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d9%85%d9%88%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%a7-%d9%88%d9%84%d8%a7-%d9%85%d9%88%d9%84%d9%89-%d9%84%d9%87%d9%85/

الجمعة، 2 يناير 2009

علم التخاطب الإسلامي / دراسة لسانية لمناهج علماء الأصول في فهم النص .

طرحت على شيخي فكرة أن أبحث في مرحلة الماجستير تأويل النص بين المنهج الأصولي والمنهج الفلسفي – إن صحت المقابلة بين فصرفني شيخي عنها لأسباب اقتنعت بها . لكن كان الأمل قائما لدي أن أنفذها يوما بعد دراسة متخصصة لعلم اللسانيات .
لا أدري أي همة بعثتني للذهاب إلى مكتبة جرير صباح الخميس ، كانت الساعة التاسعة والنصف ، ووقعت هناك قدرا على كتاب لازالت تصاحبني فرحة اكتشافه : " علم التخاطب الإسلامي – دراسة لسانية لمناهج علماء الأصول في فهم النص "والمؤلف هو الدكتور محمد محمد يونس علي أستاذ اللسانيات المشارك بجامعة الشارقة ،والحاصل على الدكتوراة في اللسانيات من جامعة أدنبرة ، وعلى جائزة أفضل دكتوراه في الجامعات البريطانية 96/ 1997م . والكتاب من منشورات دار المدار الإسلامي : 2006م .
تحمست جدا للكتاب ، ولم يخفت حماسي أبدا بعد تصفح سريع له . وزادني تقديرا للمؤلف وعلمه تلقيه علم أصول الفقه على مشايخ متخصصين كتب عنهم كلاما ينبض وفاء وأدبا : وسأنقل بدوري كلامه عنهم هنا تقديرا لفضلهم ، وتأسيا بأدب ووفاء تلميذهم : " وأضيف بمناسبة صدور الطبعة العربية للكتاب أسماء أخرى كان فضلها علي فضل المداد الذي زود به القلم الذي كتب هذا الكتاب ، وربما كانت البداية مع شيوخي الأفاضل الذين درست عليهم أصول الفقه وغيره من العلوم الإسلامية والعربية بمعهد مالك بن أنس الديني بطرابلس ، ومنهم على سبيل التمثيل لا الحصر الشيخ عمر الجنزوي، الشيخ أحمد الخليفي، الشيخ خليل المزوغي رحمة الله عليهم ، وكذلك الشيخ محمد الطشاني، والشيخ محمد البوعيشي ، والشيخ الصادق غانم ، وغيرهم كثير. والشكر موصول لأساتذتي في كلية التربية بجامعة الفاتح كالدكتور محمد منصف القماطي ، والدكتور سعدون السويح ، والاستاذ عبد الله الهوني – رحمه الله - ، والأستاذ علي جوان ،والدكتور فاتح زقلام ، والدكتور عبد السلام أبو ناجي ، والدكتور إبراهيم إرفيدة –ر حمه الله – وغيرهم من كبار العلماء الذين حال تواضعهم الجم دون الحصول على الشهرة التي يستحقونها مع أنهم من أعلم من عرفت في حياتي . " سأختم حديثي عن الكتاب بنقل السطور التي حفزتني ابتداء لاقتنائه ، وهي من مقدمة المؤلف للطبعة العربية ، ولعلي أعود إلى حديث آخر عن الكتاب وحوله :
" إن فكرة إفراد علم إسلامي خاص يبحث مجال التخاطب ربما لا تروق لفئتين من المهتمين بالموضوع : الفئة الأولى : هم أولئك الباحثون الذين يفضلون المنهج الباطني في دراسة النص متجاوزين عنصر ( القصد) ، أو ( المراد ) من الخطاب وهؤلاء لهم منهجهم الخاص في التعامل مع النص يختلف اختلافا جوهريا عما هو معهود في البراغماتية الحديثة التي تجعل من مراد المتكلم .... محورا للدراسة .
أما المنهج البراغماتي فيقوم على فكرة مبادىء التعاون التي تعني أن للمتخاطبين مصالح مشتركة في حصول التفاهم بينهما ، وهو ما يؤول إلى القول بوجود أصول للتخاطب ، منها مثلا تلك التي صاغها بول قرايس ... في براغماتيته الشهيرة ، كمبدأ الكم ، ومبدأ الكيف، ومبدأ صدق المتكلم ، ومبدأ الأسلوب ، ومبدأ المناسبة ، ومنها تلك التي عرفها الأصوليون ، وقدمت لها صياغة نظرية تأصيلية في هذا الكتاب، كمبدأ بيان المتكلم ، ومبدأ صدق المتكلم ، ومبدأ الاستصحاب، ونحو ذلك ، فضلا عن الأصول التخاطبية التي تصف طبيعة الخطاب المثالي، كأصل الحقيقة ( القول بأن الحقيقة هي الأصل) ، وأصل الترتيب ، وعدم الاشتراك وغيرها
وأما المنهج الباطني ، الذي نجد له جذورا في التاريخ الإسلامي عند الفرق الباطنية ، وبعض طوائف الصوفية ، والمذاهب الغنوصية ، وسار على دربه ( في إطار ما يمكن تسميته بالباطنية الجديدة ) ثلة من المحدثين يتزعمهم علي حرب، ومحمد أركون ، ونصر حامد أبو زيد مع تفاوت بينهم في مدى التمسك بهذا المنهج ، فيقوم على مبادىء مغايرة تماما لمبادىء المنهج البراغماتي ، وهي مبادىء تقوم في مجملها على فكرة أن المتكلم لا يقول الحقيقة ، بل هو مخادع مضلل، وهذا المنهج ، وإن صلح لدراسة النصوص الأدبية المستغلقة وما شابهها من الفنون ، فلا أظن انه يصلح لدراسة النصوص الدينية والقانونية ونحوها مما ينتمي إلى النصوص المقاصدية
الفئة الثانية : وهم أهل التقليد الذين يغلقون باب الاجتهاد ، ويسدون منافذ العقل والعلم ، ويشككون في كل محاولات التجديد والتطوير ، والانفتاح على مصادر المعرفة غير التراثية
ولعل الفرق بين الفئتين : فئة الباطنيين الجدد ، وفئة المقلدين أن الخلاف مع الفئة الأولى خلاف منهجي وجوهري ومبدئي ، لا يتوقع معه الاتفاق إلى بالعودة إلى المنهج العلمي في دراسة النص ، وليكن المرجع في ذلك الدراسات اللسانية بمدارسها المعتبرة التي تقوم على الموضوعية ، بعيدا عن أهواء بعض اللسانيين الفرنسيين الذين يصفهم تشومسكي بأنهم زمرة من الهواة يضيعون أوقاتهم في مقاهي فرنسا
أما الخلاف مع الفئة الثانية فهو خلاف ثقافي اجتماعي لا يحتاج حله إلا إلى وقت للتأمل ، يدرك فيه هؤلاء أهمية الامر ، وصدق النوايا ، ويتذكرون فيه أن علم أصول الفقه ماكان ليأخذ هذا الشكل المطور لولا إفادة علمائه من الفلسفة والمنطق اليونايين ، وأنه لا خشية على الإسلام وعلى الشريعة من التمسك بالعلم الموضوعي "
الكتاب جدير بالقراءة حقا .. أرجو لي ولكم قراءة ممتعة ومفيدة ..