الجمعة، 2 يناير 2009

علم التخاطب الإسلامي / دراسة لسانية لمناهج علماء الأصول في فهم النص .

طرحت على شيخي فكرة أن أبحث في مرحلة الماجستير تأويل النص بين المنهج الأصولي والمنهج الفلسفي – إن صحت المقابلة بين فصرفني شيخي عنها لأسباب اقتنعت بها . لكن كان الأمل قائما لدي أن أنفذها يوما بعد دراسة متخصصة لعلم اللسانيات .
لا أدري أي همة بعثتني للذهاب إلى مكتبة جرير صباح الخميس ، كانت الساعة التاسعة والنصف ، ووقعت هناك قدرا على كتاب لازالت تصاحبني فرحة اكتشافه : " علم التخاطب الإسلامي – دراسة لسانية لمناهج علماء الأصول في فهم النص "والمؤلف هو الدكتور محمد محمد يونس علي أستاذ اللسانيات المشارك بجامعة الشارقة ،والحاصل على الدكتوراة في اللسانيات من جامعة أدنبرة ، وعلى جائزة أفضل دكتوراه في الجامعات البريطانية 96/ 1997م . والكتاب من منشورات دار المدار الإسلامي : 2006م .
تحمست جدا للكتاب ، ولم يخفت حماسي أبدا بعد تصفح سريع له . وزادني تقديرا للمؤلف وعلمه تلقيه علم أصول الفقه على مشايخ متخصصين كتب عنهم كلاما ينبض وفاء وأدبا : وسأنقل بدوري كلامه عنهم هنا تقديرا لفضلهم ، وتأسيا بأدب ووفاء تلميذهم : " وأضيف بمناسبة صدور الطبعة العربية للكتاب أسماء أخرى كان فضلها علي فضل المداد الذي زود به القلم الذي كتب هذا الكتاب ، وربما كانت البداية مع شيوخي الأفاضل الذين درست عليهم أصول الفقه وغيره من العلوم الإسلامية والعربية بمعهد مالك بن أنس الديني بطرابلس ، ومنهم على سبيل التمثيل لا الحصر الشيخ عمر الجنزوي، الشيخ أحمد الخليفي، الشيخ خليل المزوغي رحمة الله عليهم ، وكذلك الشيخ محمد الطشاني، والشيخ محمد البوعيشي ، والشيخ الصادق غانم ، وغيرهم كثير. والشكر موصول لأساتذتي في كلية التربية بجامعة الفاتح كالدكتور محمد منصف القماطي ، والدكتور سعدون السويح ، والاستاذ عبد الله الهوني – رحمه الله - ، والأستاذ علي جوان ،والدكتور فاتح زقلام ، والدكتور عبد السلام أبو ناجي ، والدكتور إبراهيم إرفيدة –ر حمه الله – وغيرهم من كبار العلماء الذين حال تواضعهم الجم دون الحصول على الشهرة التي يستحقونها مع أنهم من أعلم من عرفت في حياتي . " سأختم حديثي عن الكتاب بنقل السطور التي حفزتني ابتداء لاقتنائه ، وهي من مقدمة المؤلف للطبعة العربية ، ولعلي أعود إلى حديث آخر عن الكتاب وحوله :
" إن فكرة إفراد علم إسلامي خاص يبحث مجال التخاطب ربما لا تروق لفئتين من المهتمين بالموضوع : الفئة الأولى : هم أولئك الباحثون الذين يفضلون المنهج الباطني في دراسة النص متجاوزين عنصر ( القصد) ، أو ( المراد ) من الخطاب وهؤلاء لهم منهجهم الخاص في التعامل مع النص يختلف اختلافا جوهريا عما هو معهود في البراغماتية الحديثة التي تجعل من مراد المتكلم .... محورا للدراسة .
أما المنهج البراغماتي فيقوم على فكرة مبادىء التعاون التي تعني أن للمتخاطبين مصالح مشتركة في حصول التفاهم بينهما ، وهو ما يؤول إلى القول بوجود أصول للتخاطب ، منها مثلا تلك التي صاغها بول قرايس ... في براغماتيته الشهيرة ، كمبدأ الكم ، ومبدأ الكيف، ومبدأ صدق المتكلم ، ومبدأ الأسلوب ، ومبدأ المناسبة ، ومنها تلك التي عرفها الأصوليون ، وقدمت لها صياغة نظرية تأصيلية في هذا الكتاب، كمبدأ بيان المتكلم ، ومبدأ صدق المتكلم ، ومبدأ الاستصحاب، ونحو ذلك ، فضلا عن الأصول التخاطبية التي تصف طبيعة الخطاب المثالي، كأصل الحقيقة ( القول بأن الحقيقة هي الأصل) ، وأصل الترتيب ، وعدم الاشتراك وغيرها
وأما المنهج الباطني ، الذي نجد له جذورا في التاريخ الإسلامي عند الفرق الباطنية ، وبعض طوائف الصوفية ، والمذاهب الغنوصية ، وسار على دربه ( في إطار ما يمكن تسميته بالباطنية الجديدة ) ثلة من المحدثين يتزعمهم علي حرب، ومحمد أركون ، ونصر حامد أبو زيد مع تفاوت بينهم في مدى التمسك بهذا المنهج ، فيقوم على مبادىء مغايرة تماما لمبادىء المنهج البراغماتي ، وهي مبادىء تقوم في مجملها على فكرة أن المتكلم لا يقول الحقيقة ، بل هو مخادع مضلل، وهذا المنهج ، وإن صلح لدراسة النصوص الأدبية المستغلقة وما شابهها من الفنون ، فلا أظن انه يصلح لدراسة النصوص الدينية والقانونية ونحوها مما ينتمي إلى النصوص المقاصدية
الفئة الثانية : وهم أهل التقليد الذين يغلقون باب الاجتهاد ، ويسدون منافذ العقل والعلم ، ويشككون في كل محاولات التجديد والتطوير ، والانفتاح على مصادر المعرفة غير التراثية
ولعل الفرق بين الفئتين : فئة الباطنيين الجدد ، وفئة المقلدين أن الخلاف مع الفئة الأولى خلاف منهجي وجوهري ومبدئي ، لا يتوقع معه الاتفاق إلى بالعودة إلى المنهج العلمي في دراسة النص ، وليكن المرجع في ذلك الدراسات اللسانية بمدارسها المعتبرة التي تقوم على الموضوعية ، بعيدا عن أهواء بعض اللسانيين الفرنسيين الذين يصفهم تشومسكي بأنهم زمرة من الهواة يضيعون أوقاتهم في مقاهي فرنسا
أما الخلاف مع الفئة الثانية فهو خلاف ثقافي اجتماعي لا يحتاج حله إلا إلى وقت للتأمل ، يدرك فيه هؤلاء أهمية الامر ، وصدق النوايا ، ويتذكرون فيه أن علم أصول الفقه ماكان ليأخذ هذا الشكل المطور لولا إفادة علمائه من الفلسفة والمنطق اليونايين ، وأنه لا خشية على الإسلام وعلى الشريعة من التمسك بالعلم الموضوعي "
الكتاب جدير بالقراءة حقا .. أرجو لي ولكم قراءة ممتعة ومفيدة ..

ليست هناك تعليقات: