في مكتبه بدار الإفتاء، طرحت عليه تساؤلات كثيرة، سمعها مني بصبر وتؤدة وسعة صدر، وكان كلامي إليه يحمل ما يموج في عقلي من تساؤلات في قضايا تحتاج إلى تحقيق علمي، وبيان، هدوؤه جعلني أهدأ، وجعل الطمأنينة تسلل إلى عقلي.
لم يجب عن جميع تساؤلاتي ، لكن شيئا ما أشرق في عقلي وقلبي معا ، وآفاق فهم عميق بدأت تتبدى لي ، وتعطيني إشارات السكينة الفكرية .
كنت قد حرصت أن أرسل إليه بمقالاتي ليجيزها، وقد فعل، فلما قابلته، كان أول ما قاله لي: أنت لم تخرجي عن الموروث، وتقفين عنده دوما. فقلت له : الخروج عن الموروث يا شيخي له أدواته ، ولست أمتلكها. أوصاني بدراسة التاريخ ، وعلم الاجتماع ، وقراءة ميزان الشعراني وغيره .
وبعد لقائنا هذا تواصلت مع سكرتيره العلمي الأستاذ الفاضل محمد مصطفى ، و الذي كان لا يبخل علي بمناقشة علمية عندما تشكل علي مسألة في تحضيري لدرس الأربعاء وأحتاج إلى عقلية فقهية جيدة تناقشني، جزاه الله خيرا ، وكان أستاذ محمد ينقل إلى فضيلة المفتي المقالات التي أطلب منه أن يجيزني فيها قبل نشرها ، أو اطلب منه قراءتها بعد نشرها، و الحمد لله فقد أجازني في ما نشر ، وما سوف ينشر بحوله تعالى مما كتبته إلى الآن . وسأبين ذلك في حينه إن شاء الله.
ثم إن فضيلة المفتي نقل مشكورا في مقالته في الأهرام اليوم ، جزءا من المقالة التي نشرتها في إسلام أون لاين بعنوان : " في فقه المخالطة بين الرياض وجدة "، وأثنى ضمنا على الكاتبة – أسأل الله السداد والقبول -، وهذا دعم من عالم قدير، بارك الله فيه ، ورزقه وإياي صلاح الحال ظاهرا وباطنا مع الرضا والعافية .
فضيلة المفتي لم يشر إلى أن المقالة نشرت في إسلام أون لاين ، والتقصير في هذا مني ، لأني لم أذكر ذلك له في المقالة التي أرسلتها ، إذ لم يخطر ببالي أنه سينقل عنها ، وقد أرسلت إليه أبين له ذلك ، وهذا حق إسلام أون لاين الذين نشروا المقال .
وأنقل هنا مقالة فضيلة المفتي وهي بعنوان : رسالة في أدب الخلاف .
" قام بدولة الكويت منذ فترة المركز العالمي للوسطية, والذي تولي أمانته العامة الأستاذ الدكتور عصام البشير وزير الأوقاف السوداني السابق, وهو من المفكرين العلماء الذين لهم باع كبير, وقبول عام في العالم الإسلامي كله, جمع بين الأصالة والمعاصرة, وبين الفكر المستنير, والعلم الملتزم, دعا إلي مؤتمر حول الإفتاء تحت عنوان منهجية الإفتاء في عالم مفتوح والذي عقد بدولة الكويت في الفترة من26 إلي28 مايو, وحضره كثير من المفتين, والعلماء, والمتخصصين, والباحثين, قدم فيه أكثر من عشرين بحثا تناولت الإفتاء, ومنهاجه, ومشكلاته مع ظهور الفضائيات وتصدر غير المتخصصين, ومدي مؤسسة الفتوى في العالم الإسلامي, ودور الفتوى الاجتماعي, وغير ذلك كثير.
ولقد نجح هذا المؤتمر, حيث حضره ممثلون من كل المذاهب الإسلامية المتبعة في عالمنا اليوم, وتم النقاش بينهم بأسلوب هادئ, وقلب مفتوح, ما كنا نتصور مثله, منذ خمسين عاما, بل أقل من ذلك بكثير.
لقد بدأنا نستوعب أدب الخلاف, ونطبقه كقيمة عملية, وهو ما نتمناه في معالجة المسائل الدينية خاصة تلك المعروضة علي الرأي العام, والالتزام بميثاق شرف, يلتزم فيه الكاتب في مناقشته أو نقده بالأدب العالي, لا بالإسفاف بالحديث, وهذه قيمة إسلامية نراها في قوله صلي الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يحب معالي الأمور ويكره سفسافها[ رواه الطبراني في الأوسط والكبير] ومن الخلق النبوي الشريف أنه لم يكن سبابا ولا لعانا ولا فاحشا ولابذيئا, ونهانا الله عن السخرية لأنها لاتؤدي ولاتضيف إلى شيء ملموس وتغبش علي الناس الحقائق فقال:(ياأيها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولانساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن ولاتلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون)[ الحجرات:11]
ولقد تلقيت رسالة من إحدي الباحثات وهي الأستاذة صفية الجفري من المملكة العربية السعودية, التي تحمل هما في قلبها للحالة الثقافية التي نعيشها, قالت في هذه الرسالة التي هي بعينها قد نشرت من قبل بصورة مختلفة, حيث قالت وقد كنت كتبت في العربية نت مقالا حملته تساؤلات عن تفصيلة صغيرة في[ فقه المخالطة] كيف يتواصل المسلم الملتزم مع المرأة غير المتحجبة, وقد يسر الله لي أن أحمل تفصيلتي الصغيرة هذه مع تفاصيل أخري إلي فضيلة المفتي الشيخ علي جمعة في مكتبه في دار الإفتاء, قبل شهر تقريبا, قلت لفضيلته: أليس غض البصر هو لأجل حق الطرف الآخر, فإذا أسقط الطرف الآخر حقه, جاز النظر ما لم يكن بشهوة, وذكرت له نص ابن عابدين الحنفي, وما جاء في الفقه الجعفري, من عدم حرمة النظر إذا لم تكن شهوة أو فتنة, قال لي: هذا الفهم هو جوهر ما عليه جماهير الفقهاء. وذكر لي أنه قد تكلم في هذه المسألة في درس له قبل مدة وجيزة.
كيف نتواصل مع من يخالفنا فكرا لا سلوكا فقط, هذا فقه لم نتعلمه بعد مجتمعيا, كنت أكتب في موقع( مجانين) للصحة النفسية وهو ذو توجه إسلامي, وإذا بي أفاجأ ذات يوم بمقالة منشورة في الموقع للأستاذة بثينة كامل الإعلامية المعروفة, تذهب فيها إلي أن الحجاب مظهر من مظاهر التمييز السلبي, فاجأتني المقالة وكدت اتصل بصاحب الموقع ومشرفه الدكتور وائل أبوهندي أعاتبه على نشر هذه المقالة التي تهاجم الحجاب, ثم توقفت متأملة إلي نفسية الإقصاء التي توجه عقلي, عندها بدأت في كتابة تعليق علي كلامها وحوار وصفته صديقتي الكاتبة( داليا يوسف) بالهادئ, وتعجبت من هذا الهدوء, أذكر أني قلت لداليا: لم نتعود علي حوار المخالفين, لاسيما في قطعيات الدين, نحن نحتاج فعلا إلي تعلم ذلك, ولست أدري فعلا إن كان هدوئي هذا هو الصواب, لكن لماذا نتشنج ونحن نعرض ما نعتقد أنه حق, ولعل مثل هذا الهدوء يكون أكثر نفعا من مقالة حادة.
قد سررت بهذا المؤتمر, وبهذه الروح التي أراها في الشباب الذي نأمل فيه, وهذه العقلية التي دعونا إليها, وبدأت في الظهور عند أولادنا وبناتنا, لقد يئسنا من أن يصل صوتنا إلي المثقفين الكبار, فكثير منهم إلا من رحم ربي قد تكلس داخل ذاته, ونسي أدب الخلاف وحرية الرأي, وجلس يوزع الاتهامات يمنة ويسارا. شكرا للمركز العالمي للوسطية, وشكرا للباحثة صفية الجفري, وندعو الله سبحانه وتعالى أن يغير الحال إلى أحسن حال.
ورابط المقالة في الأهرام هو :
http://www.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=writ6.htm&DID=9237
هناك 4 تعليقات:
لك تهانينا، وجزيل شكرنا أيضا لنقلك المقال..
بارك الله فيك ، دعواتك بالسداد والفتح والقبول. الحمدلله.
طول عمري بقول علماؤنا لهم وزنهم وهم جبال الامة يحفظونها
كم من جاهل أخطأ في حق المفتي بدون وجه علم؟
جزاك الله خيرا ورزقك واياه الجنة وصلاح النية
تحياتي لك من ماناساس البلد
بارك الله فيك أخي عبد الله . هذه قضية خطيرة وهي الجرأة على العلماء من غير المتخصصين ، وعدم تحري بعض المتخصصين لاخلاق الحوار و النقد عند الحديث عن المخالف لهم
والله المستعان
إرسال تعليق