الاثنين، 28 مايو 2007

موازنات في الشر

الاقتراب من الشر كخلق وسلوك ، ليس قرين القوة وحدها ، فالضعف أحيانا يجعلنا أكثر شرا وضلالا ، يعتدي معتد على أخيه بكلام مسيء ، فلا يرد عليه عجزا ، أو يدعي التسامي فيقول له : سامحك الله ، أو سامحني إن كنت المخطىء ، يقولها بقلب مليء بالمرارة، التي لا تلبث أن تتحول حقدا ، يمرض صاحبه نفسا وجسدا ، ويجعله يستصحب كل المواقف السيئة المماثلة التي جرت له مع ذات الشخص من قديم وتجاوز عنها ظاهرا ، ولكنه لم يحرر شعوره من الإحساس بالقهر والضيم ، هذا الإحساس الذي يخلق بداخله ماردا ضخما من الضغينة يتغذى من إدعائه لفضيلة التسامح دون تحقق بشرائطها ، فالصفح إن لم يكن عن علو نفس حقيقي ، كان تخليطا يردي بقلب صاحبه إلى مهاوي الدونية وتحقير النفس والتخبط في الحقد والعجز .

التصرف مع الآخرين بنفسية الضحية ليس فقط تخليا عن المسؤولية في نصرة أنفسنا حيال التصرفات غير الملائمة أو الظالمة ، لكنه يدمر قيمنا النبيلة ، ويجعلنا صورة جديدة من صور الشر والاعتداء ، على أنفسنا بترديتها في المذلة والغل ، وعلى الآخرين بتضخيم عيوبهم ، ومساعدتهم على تأكيد تصرفهم غير الجيد تجاهنا ، ومهما حاولنا أن نحسن علاقتنا بهم فذلك لن يحصل على وجه الصفاء من قبلنا ابتداء ما دمنا لم نحرر أنفسنا من قيودها ، بل إنهم ستترسخ لديهم مشاعر أكثر سوءا فمرآة قلوبنا لا تعكس إلا المشاعر السلبية والاتهام .

وعلى مستوى آخر التصرفات التي نقدم عليها ونحن نشعر بالألم لأن الطرف التي نتوجه بها إليه لا يقدرها ، قد توقعنا في هوة شر ، تفريطا في حق أنفسنا في المعاملة الكريمة لها من قبلنا ، وكذلك في لوم ساذج وشرير للآخرين على عدم تقديرنا ، ونحن الذين تسببنا في ذلك بعدم تقديرنا لأنفسنا ، قد لا ننتبه إلى كون هذا اللوم شريرا لكنه كذلك ما دمنا ندمر به نفسيتنا ونحمل الآخر مسؤولية تصرفاتنا غير الحكيمة .

هناك 7 تعليقات:

Ahmed Hammad يقول...

نعاني في مجتمعاتنا كثيرا من نفسية العبيد التي تبدو متسامحة كما ذكرت إلا إنها تمرض نفسيا وجسديا.
غي أن قيمة التعايش تدفعنا كثيرا للتعايش مع ما يسوؤنا .
إلى أي مدى ينبغي أن أتمرد وأن أتعايش، سؤال صعب أحياه من زمن طويل في مصر وإجتهاد مستمر عسي الله أن يوفقني ويوفق كل المسلمين لما يحبه ويرضاه.

مع خالص تحياتي

Eric Matt يقول...


وقد يولد هذا في النهاية انفجارا يدمر صاحبه أو من آذاه اذا واتته الفرصة

كأن يجد الفرصة للانتقام وبغل مثلا

لا حول ولا قوة الا بالله

اللهم أعنا على أنفسنا

تحياتي لك من ماناساس البلد

صفية الجفري يقول...

مرحبا بكما ، وأعتز بمتابعتكما للمدونة ، تكلمت عن هذا الموضوع في مساحات رمادية وفي ( التسامح فضيلة المتناقضات ) لكن كتبته بالامس من وحي موقف أليم حصل أمامي وجعلني استدعي هذا المعنى وأذكر جوانبا فيه من وحي كتاب ( الرجال والنساء والعلاقات بينهما ) لجون جراي مؤلف كتاب ( الرجال من المريخ والنساء من الزهرة ) . كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اهدنا لاحسن الأخلاق لا يهدي لاحسنها إلا أنت وقنا سيئها لا يقي سيئها إلا أنت . فنستلهم من ربنا القوة في غير كبر أو تجبر والسماحة في غير ضعف أو مذلة .. يارب

غير معرف يقول...

التسامح الظاهري نفاق..ألا يستطيع الضعيف أن يجهر بدعائه على الظالم؟

إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم (يا ظالم) فقد توضع منهم..

صفية الجفري يقول...

التسامح الظاهري ليس بالضرورة نفاقا لكنه قد يكون عن سوء فهم ، وعدم إدراك لمعنى التسامح .. أما بالنسبة للتعامل مع الظالمين ، فالمسألة أوسع من أن نحصرها في العجز عن مواجهة الظالم برفض ظلمه لان ذلك قد يكون عن حكمة كما إذا علم المرء أن الجهر برفض الظلم سيودي به الى الهلاك ، فيكون الأصلح اتخاذ سبلا أقل حدة .. حبذا لو تقرأ قسم الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر في إحياء علوم الدين للإمام الغزالي
شكرا لتعليقك

غير معرف يقول...

بحسب ما أذكر يا أستاذة صفية أن الإمام الغزالي قد أجاز، وحبذ، في مقدمة باب مواعظ العلماء والصالحين للخلفاء والأمراء والسلاطين للمرء أن يجهر بقول الحق حتى لو غلب على ظنه الهلاك (وحده دون أن يجر ذلك على غيره)، مستشهدا بحديث (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله على ذلك)

لقد تكلمت بالأمس فقط مع صديق بهذا الصدد وودت أن أطلعك على طرف من حديثنا، كان مفاد قولي فيه ينصب من حكمة هكذا تشريع في الإسلام، إذ هذه الكلمة لو غابت فنحن في الحقيقة نقتل رفض الظلم في هذا العالم ونجعل منه أمرا طبيعيا..نطبع أحوالنا معه..

نعم أنا أوافقك أن الصمت يكون عن جهل، هذا لو ناقشنا حال الفرد نفسه وحال قلبه، لكنه لا يغير من الفعل نفسه..بمعنى، أنني لو قلت أن فعلا ما هو كفر فليس بالضرورة أن يكون مرتكبه كافرا..وفي المقابل لو قلت أن فعل ما هو نفاق فليس بالضرورة أن يكون فاعله منافقا..ربما كان جاهلا بطبيعة فعله كما أخبرتي، لكن الفعل نفسه هو أنه أخبر بأنه قد صفح في حين أضمر في نفسه أمرا آخر..

شكرا لك على أي حال :)

صفية الجفري يقول...

سيدي الكريم
شكرا لتواصلك .. كلامك دقيق . وبالنسبة لكلام الإمام الغزالي فسأراجعه وأثبت ذلك في موضوع مستقل .. كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أهم المسائل التي حملت هم فهم أطرها .. وعملت بحثا في الموضوع في السنة الثانية في الجامعة ..
وشكرا مرة تانية