الأربعاء، 28 ديسمبر 2022

وماذا أيضا أيها القدر؟

 

في ديسمبر 2021م قرأت كتاب: " الكاتبات والوحدة" للأستاذة: نور ناجي، كان الكتاب ثقيلا بالألم، والخذلان، وقسوة الانكسارات، ووجدتني أكتب عن أثر الرؤية التي يعتنقها المرء في صلابته في مواجهة ظلمة الأيام، وكان القدر يراقبني بصمت ليعلمني درسا جديدا في التواضع أمام تجارب الناس ومعاناتهم.

كنت قد سرت عاما كاملا في طريق خلقت فيه رؤيتي الجديدة لنفسي وللحياة، كنت ممتلئة بما تعلّمته، وأيقنت – وقتها-  أن العقل إذا ائتلف مع الوجدان معرفيا استنار الطريق فلا كدر ولا غبش.

وخرج القدر عن صمته، وأهداني امتحانا جديدا لإنسانيتي، كان امتحانا قاسيا، جعلني أسقط في هوة نفسية مؤلمة، ووجدتني أتعامل مع المنطقة العمياء في روحي من جديد. أين كل ما تعلّمته؟ أين القوة التي كانت تملأ قلبي؟ أين الفهم الذي كنت أظن ألا ظلمة بعده؟

كل ذلك كان حاضرا، لكنه كان عاجزا عن مساعدتي لحين. كان القدر يريد مني أن أعيش الحياة بنفسية المتعلّم التي يزيّنها التواضع، والذي لا تغيب عن قلبه دهشة الأسئلة.

يقول ستيفان زفايغ في كتابه عن ماري انطوانيت: " ما يقرر العلاقات إنما هو المهارة لا القوة، وعلوّ الإرادة لا سمو العقل".

لا يكفي أن تمتلك عقلا راجحا، وفهما ناضجا، وإنما يجب أن يرافق ذلك امتلاكك للمهارة والإرادة بما يمكّنك من إدارة علاقتك بنفسك والناس والحياة.

كان هذا هو أهم درس تعلّمته في عام 2022م، لا ليس أهمية الاجتهاد في سياسة النفس للتحقق بالمعاني التي نؤمن بها أو ما أسميه: (ما بعد الشفاء بالمعنى)، نعم، هذا درس مهم أهداني إياه القدر هذا العام، لكن الدرس الأهم هو ألا يغرّني فهم ولا نضج ولا تحقق وأن أعيش أيامي بقلب يرافق الأسئلة وترافقه، وعقل يحترم عقول الناس وآرائهم ومواقفهم دون أن يحاكمها أو يتخذ من قطعياته قاضيا وخصما.

الخوف من الخمسين:

       نعم، لقد بقي عامان وأدخل بوابة الخمسين – اللهم عفوك وعافيتك-، لقد ظللتني هذه الفكرة طيلة هذا العام بأسئلة وجودية مربكة، كيف مرّ العمر، ومتى؟ كنت أظن أني سأبلغ هذه المرحلة بوصف نفسي مختلف، لكني أعيش وجدانا تتخلق فيه الأسئلة وتتجدد.

       كتبت أريكا يونغ عن " الخوف من الخمسين" واقتنيت كتابها لعلي أجد فيه حديثا يؤنسني ويعلمني، لكني وجدت فيه تجربة لا تشبهني ولا تقترب من روحي وعقلي، وعزمت أن أعيش تجربتي بطريقتي.

العمر ليس مجرد رقم، نحن ندرك ذلك جسدا، وندركه عقلا، وندركه تجربة وشعورا، لكن العمر هو وسيلتنا إلى الامتنان لهدايا القدر من الفهم، والنضج، والوعي، والتواضع؛ لنكون سندا لمن حولنا، وأمانا لأحبتنا، وأكثر إدراكا لقيمة أن نعيش الحياة أكثر اتساقا مع قيمنا، وأكثر صدقا، وأكثر هدوءا، وصبرا، ورحابة، ومع ذلك كله وقبله وبعده أكثر تسامحا وتعاطفا مع أنفسنا والآخرين.

كتب وأشياء أخرى

       الكتابة بالنسبة لي فعل وجودي فليس من السهل عليّ مثلا أن أكتب قراءة في كتاب لم يلمس روحي أو يهدي عقلي إشراقة ما، لذلك أعد القراءات التي أقدمها في مجلة الجوبة نصوصا وسيطة، وأحيانا تكون أقرب لأن نسميها نصّا في أفياء الكتاب أو على شاطئه كما في قراءة كتاب: " توقف عن البقاء وحيدا " لكيرا آساتريان.

       وفي هذا العام 2022م بدأت الكتابة مع موقع: حجرة ورقة مقص وهو موقع يقدّم مقالات رصينة فكرية ونفسية واجتماعية. أهمية تجربتي مع هذا الموقع تنبع من أني قدّمت مقالات تمزج بين الإنساني والشرعي وفقا لرؤية رحبة مرتكزها السلام         لا الصراع.

       وفي هذا العام أيضا بدأت طريقا مهنيا جديدا عبر تحرير الكتب مع إحدى شركات المحتوى، مستمتعة بالتجربة لأنها تصب تماما فيما أحب عمله، صحبة المعاني، وإعادة خلقها وتشكيلها منهجا وصياغة.

آمنة وإثراء

       هل نفخر بنجاح أبنائنا لأننا جزء منه؟ الأمر ليس مطلقا، لكن إذا كنا جزءا من الرحلة الخاصة لنجاح معيّن أكرمهم الله به، فيحق لنا حينها أن نفخر بثمرة جهد وفقنا الله إليه، ووقت قمنا فيه بواجبنا بحب وصبر ومثابرة.

       ترشحت آمنة للمرحلة الثالثة من مسابقة (أقرأ) التي ينظمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي (إثراء)، وسافرت معها إلى الخبر لحضور المخيم الإثرائي، وكانت تجربة أضافت إلى آمنة إنسانيا وثقافيا، وخلقت هذه التجربة مساحة مشتركة جديدة بيني وبينها، مساحة خلقتها أياما عشناها خارج السياق اليومي المعتاد، وأنسنا بأوقات ثرية بالاحترام والثقة والمساندة والحب. وكانت بداية المخيم الإثرائي في يوم 26 نوفمبر يوم ميلاد آمنة لعامها العاشر ولكأنه إشارة من القدر إلى أن المخيّم هو هديّة ربّانية تعيننا على حسن الظن برب كريم لطيف خبير.

       أحببت الخبر، أحببت هدوءها ورقيّها، وطيبة أهلها وروحهم الودودة والمضيافة، وعشت تغييرا كنت بحاجة إليه، وكسبت صداقات أعتز بها.

قرارات مؤجلة

       لا أحب المساحات الرمادية؛ لكن الأيام علمتني أن الرمادي هو لون الحكمة أحيانا. الصبر قوة وطيبة، أذكر نفسي بذلك كلما أرادت أن تتعجّل.

ولا زلت أحاول

       جوهر إنسانيتنا هو المحاولة، المحاولة لفعل ما نتيقن أنه صواب، أو ما نرجح أنه صواب. والرجحان كاف وطلب اليقين قد يؤدي بنا إلى ظلم أنفسنا.

الخطأ لا يعرّفنا ولا يلطخنا ما دمنا لا نتكبر عن الاعتراف به، وما دامت أخطاؤنا ليست ظلما نرد الحق به، أو نحتقر به الآخرين، ونصد تجبّرا عن إيفائهم حقوقهم.

       شرف المحاولة هو شرفك الإنساني الذي تشرق به نفسك وتتجدد. اللهم توفيقك إلى محابّك من الأعمال، وعفوك، وعافيتك.