الاثنين، 24 سبتمبر 2007

غياب

قررت أن أغيب في الغد عن العمل ،وأن أعمل من المنزل، سيخصمون يوما ، لا بأس ، المهم أن أفعل ما يمليه علي احترامي لنفسي ، ورفقي بذاتي، بجانبي كتاب ( عصرنا والعيش في زمانه الصعب) وعدت مديرتي أن أعيده لها غدا ، سأرسله مع السائق ، تصفحته اليوم ، لم أجد فيه ما يشدني ، معلومات مكرورة ، لكن قراءتي للأستاذ بكار علمتني أن قطعه الذهبية تكون متناثرة في ثنايا حشو كثير ، وأحيانا لا يحوي الكتاب سوى قطعة أو قطعتين ، لكنهما تكونان ذهبيتان حقا ، لن أنام – إن شاء الله – حتى أعثر على القطع الذهبية لـ( عصرنا والعيش في زمانه الصعب ) .. ولعلي أحكي لكم عنها .. بالمناسبة كنت منذ ساعات في أحد الكافيهات برفقة ( العيش في الزمان الصعب) وبينا أنا مستغرقة في تصفح الكتاب بحثا عن القطع الذهبية ، إذا بموسيقى التهنئة بعيد الميلاد تصدح في القاعة ، رفعت رأسي فهزت روحي نظرة في عين الفتاة التي فاجأها رفيقها – أخ أو زوج أو صديق لا أعلم- كانت نظرة صدق حيية وفرحة بلا تكلف أو بهرجة ، مثل هذه اللمسات التي يهديها القدر للوحة الحياة التي أحياها تجعلني أشعر بالامتنان .. وتصبحون على خير

السبت، 22 سبتمبر 2007

تميسو

حسنا إنها جدة .. بجسرها الجميل على الكورنيش ، وجلساته العائلية التي تجمع بين البساطة والنظافة والكلفة الزهيدة، لم أكن أود أن أخرج لولا إلحاح آلاء ، خرجنا سويا أنا وإخوتي وبنات خالتي، ونزلت عن الجسر لأتمشى على الشاطئ ، لفتت نظري لوحة لمحل يبيع فول وتميس ( خبز أفغاني ) ، مكتوب عليها (تميسو) أحببت الاسم وأحببت اللون الأزرق الذي كتبت به لوحات المحلات على الشاطئ ، كم أنت جميلة يا جدة، جميلة بهدوئك وصخبك ، هو ذلك المزيج من الهدوء الصاخب ، أو الصخب الهادىء ، كانت صديقة تحكي لي أنها كانت وخطيبها يقطعان الكورنيش جيئة وذهابا ، ولأن خطيبها في مقتبل حياته العملية ، فقد كان صحن الترمس رفيقهما دوما ، وإذا أرادا أن يمارسا الترف ، فلا مانع من كوب كابتشينو في إحدى الكافيهات الفاخرة من شهر لآخر
إنها جدة .. ستجد فيها مأوى لحلمك فقط إن عرفت كيف تحبها وكيف تستمع لنغمات بحرها ، وسماها ، وأرضها
أعود لـ ( تميسو) وقفت أمام اللوحة وأنا أبتسم ، أحسست أنها تود أن تخبرني شيئا ، أو أني من أردت أن أبثها شيئا ، أحببت الاسم ، وأحببت الخط الذي كتب به ، وأحببت شغب الهدوء الذي يغلفه ، وأحببت أني تعرفت إليه في ليلة من ليالي رمضان لم أشتر من ( تميسو ) ليلتها – الخميس الفائت – كنا قد أحضرنا ساندويتشات من (شاكر ) معنا
ولم يكن هناك مجال لطعام آخر تستقبله معدتي، وشاكر لمن لا يعرفه ، هو من أشهر محلات بيع الشاورما في جدة في منطقة ( البلد) في وسط جدة ، وهو رغم تغير اسمه ( لا أذكر الاسم الجديد، الاسم القديم منذ أكثر من عشر سنوات)، لا زال مهوى أفئدتنا وبطوننا من حين لآخر وجدت عاملة الحمام تقرأ في كتاب، سألتها بعد أن حييتها .. ماذا تقرأين ؟ قالت :اقرأ في قاموس لغة انجليزية .. أراجع لغتي ، قلت لها : من وين أنت ؟ قالت : من الحبشة . قلت لها : فتح الله عليك ، ادعيلي ، ابتسمت بطيبة وقالت : شكرا ، أنت أيضا
كانت ليلة بسيطة في تفاصيلها ، ورغم الحزن الذي كان يغلفني ، إلا أن شيئا ما مس روحي هل هو تميسو ؟ نعم ، الفتاة الحبشية أيضا أهدتني نورا ، أحسست أنها لن تظل في مكانها هذا وأن إصرارها على أن تكون أفضل لن يضيع عند الله وأحسست أن رؤيتي لها في هذا الوقت رسالة من الله لي
عدت إلى البيت ، و قد غدا حزني أكثر صفاء ، وتذكرت كلام صديقتي فوز ، عن الأنس بالله ، وأنها إذا ما أوت إلى فراشها ، كان هو جليسها ، تبثه شأنها كله ، وتحكي له ، دعوت لفوز ، وبثثت ربي ما في صدري .. ونمت

الخميس، 20 سبتمبر 2007

من الأسرار

جاء في كتاب إيضاح أسرار علوم المقربين للسيد محمد العيدروس- من منشورات دار الحاوي- مانصه : " إذا أردت أن تعرف منزلتك عند الله تعالى ، فاعتبر ذلك بمنزلته عندك ، وانظر إلى شدة تعلق سرك به ، واهتمامك بمراضيه ، وكرهك لما يكره، وموالاتك لأصحابه ، ومجانبتك لشرار خلقه ، ابن الأمر على هذا فهو الأصل المعتبر ، ولاتبن الأمر منك ، ولا من غيرك على الأعمال الظاهرة إذ لا اعتبار بذلك ، لأنها قد تكون في الأبرار والفجار ." انتهى

الحقيقة المطلقة

كتبت مرة قالت لي أختي : قرأت الجزء الأول ( ذاكرة الجسد ) فلم يعجبني ، ولم أتمه .. ليست رواية ، ليس هناك حدث قلت لها : هي خليط من الرواية والمقالة والتأملات و النقولات الجديرة بالوقوف عندها .. هي تجليات لمشاعر وقيم ووقائع متنوعة في تطرفها و اعتدالها .. عمقها وهشاشتها.. صلاحها وفجورها .. رقيها وفسادها .. أحس أن قراءة كل ذلك يعطيني نضجا وفهما وخبرة أكبر .. قد يقول البعض ما تكتبه أحلام مستغانمي فساد محض .. لكني لا أوافقهم على ذلك كما لا أوافقها في منطلقاتها أو بعضها .. لكن ما تقدمه أدب حقيقي يجعل الإنسان أكثر عمقا ، ويضيف إلى رصيده فقط لو أحسن التأمل والاستفادة والحكمة ضالة المؤمن وأجدني اليوم أراجع ما كتبت ، فأجد أن إطلاقه فيه تخليط ، فتجسيد الفجور ليكون حيا ، نابضا ، بتفاصيله ، وخصوصيته ، قد يشوش على صفاء التفكر ، وتختلط حينها المعاني فكرا ، فالخطأ السلوكي يغدو ضعفا إنسانيا مبررا للتهاون في ضبط النفس عن الانغماس في الهوى، والقيم المغايرة لقيم ديننا تبدو قريبة للنفس ، يغيب قبحها ، ولا نرى سوى اختلافها ، والتخليط أن نقرأ بفكر يستمد مرجعيته في التحسين والتقبيح من ذاتيته لا من مرجعيته العقدية بأي عين نقرأ ، بل بأي عقل نقرأ ، عقل ينطلق من نموذجنا المعرفي الخاص ، أم عقل تاه في طروحات احترام ظنيات قضايا الفكر والممارسة الإنسانية. ومن ثم نقرأ ونسمع من شباب ينسب نفسه إلى التدين كلاما عن احترام اختيارات الشاذين جنسيا ، والتعاطف معهم فيما يدعونه من حق في اختيار الطريقة التي يمارسون بها حياتهم نموذجنا المعرفي الخاص عقيدة ، يجعل لنا قطعيات لا نخجل من أن نقول لمن يخالفنا فيها أنت مخطىء ، ونحن لا نحترم خياراتك ، ومخالفتك فيها ، والحقيقة التي نعتقدها نعتقد بكونها مطلقة ، هذا هو مقتضى كونها عقيدة آمنا بها ، نحسن ما تحسنه ، ونقبح ما تقبحه ، ولا نترك التحسين والتقبيح لمتغيرات أحكام العقل المتحرر من الضابط العقدي ، والأمر ليس سهلا ، لأن تفعيل محاكمة الحسن والقبح إلى العقيدة في قلوبنا وعقولنا وحياتنا يحتاج إلى شجاعة حقيقية ، ويقظة دائمة ، وإدراك للتمايز ، تحضرني الآن الآية الأولى في سورة الأنعام :الحمد لله الذي خلق السموات والأرض ، وجعل الظلمات والنور ، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون وأختم بكلام أجده نفيسا أنقله من كتاب :" الطريق إلى التراث الإسلامي ، مقدمات معرفية ومداخل منهجية ". لفضيلة المفتي علي جمعة ... تعليم الإنسان ونقل المعرفة منه وإليه – وكما هو مفهوم من مصادر الشريعة وما عليه المحققون من علماء المسلمين – يجب أن يكون في إطار معرفي محدد ، مصادره الوحي والوجود أما الوحي فهو خطاب الله تعالى للبشر ، وهذا الخطاب مدلول عليه بالقرآن الكريم ، وهو كتاب الله المنقول إلينا بالتواتر بين دفتي المصحف المتعبد بتلاوته ، وبسنة رسوله ، وهو ما صح عنه عن طريق الرواية بصحة الأسانيد ، وثقة الرواة الناقلين ، وبصحة معناه بحيث لا يتعارض مع غيره من أصول الشرع المنقولة المستقرة أما الوجود ففرق العلماء والمفكرون بين الواقع ونفس الأمر ، فالواقع هو ما يدرك بالحواس البشرية، والملاحظ أنه ثابت عبر الأزمان ، فما زال الماء سائلا لطيفا يسبب الري ، وتقبله الفطرة للطهارة والاستعمال، ومازالت الشمس ترى تسير في السماء من المشرق إلى المغرب ، وهكذا ومن الملاحظ أن الوحي وهو يخاطب الجميع يخاطبهم طبقا للواقع ، أي ما تدركه الحواس البشرية من غير واسطة ، بل يبني أحكامه على ذلك ولا يعارض ولا ينهى عن معرفة نفس الأمر أما نفس الأمر فهو مختلف وغير ثابت ، فالمقصود بنفس الأمر ما وراء الحواس البشرية ، أي الحياة المجهرية سواء الميكروسكوبية ، أو التلسكوبية ، فإن نقطة الماء تحت الميكروسكوب ستظهر بما فيها من آلاف أو ملايين البكتيريا مما تعاف النفس البشرية أن تقدم على شربه لو اطلع عليه عموم الناس. والقمر الذي تغنى بجماله الشعراء سطح مخربش قبيح تحت نظر التلسكوب ، وهاتان الصورتان للماء والقمر ليستا نهاية المطاف ، فإن ذرة الايدروجين فيها نواة ، وإلكترون يسير حولها ، والنواة لها مكونات .. وهكذا فإن الحقيقة التي عند الله في وجوده يكتشف الإنسان كل يوم منها ، ولا يحيط بها ، فإن قلنا إن نفس الأمر هو ما عند الله فإن الطريق بين الواقع المشاهد المحسوس بالحواس البشرية وبين نفس الأمر سيمر الإنسان فيه من مرحلة إلى مرحلة ومن اطلاع إلى اطلاع قال تعالى :وفوق كل ذي علم عليم ومن هنا كان لا بد للقيم الأخلاقية والاجتماعية أن تكون أقرب إلى الواقع المعيش الذي يتعامل معه الإنسان لا مع ما أدركه من نفس الأمر ، وكان لا بد أن تكون معرفة الإنسان مقيدة بالوحي والوجود معا ، فالوحي يرشد إلى خير نظام ، لأنه صادر من عليم بنفس الأمر دون أن يجعل نفس الأمر موضوعا ينظره المفكرون ، ولقد أخطأت الفلسفة الغربية حين انهارت أمام نفس الأمر وتشككت في قدراتها في القرن التاسع عشر حتى لم يبق للحقائق معنى ولا ثبات ، فالحق أن الواقع حقيقة ثابتة ، وأن الطريق إلى معرفة نفس الأمر هو المتغير