السبت، 18 يوليو 2020

الوالدية عطاء جميل ودين مستحق


إنهم يتحدثون عن واجبنا المثالي كآباء والذي ينبغي أن لا نرتجي منه جزاء ولا شكورا ، وأن هذا الواجب هو حق خالص للابن ، ليس لنا عليه منة فيه، وأننا إذا تعاملنا مع الأبناء بهذه النفسية فإننا سنحصد حسن معاملتهم ، وسخي عنايتهم .
ولعل هذا الكلام ينطلق من المرارة التي يقاسيها بعض الأبناء من عقوق آبائهم لهم صغارا ومراهقين ، وجلدهم إياهم عبر السنوات بسياط المنة والأذى ، وصنوف التحكم بخياراتهم المستحقة لهم بدعوى أن ذلك هو حقهم كآباء ، ويزيد الأمر تعقيدا هو استدعاء الأدلة الدينية على وجوب بر الوالدين في سياقات لا يقرها الشرع الذي وازن بين الحقوق موازنة تحفظ لكل ذي حق حقه .
الحياة المستقرة جوهرها هو الامتنان ، أن يشعر الناس فيها بالامتنان لبعضهم على أداء العدل قبل الفضل. وبدون هذا الامتنان لا يتصور أن تستقيم العلاقات في صورة تلائم الطبيعة الإنسانية التي تنتهض بمعاني الألفة والود وتوحشها الجفوة والغلظة .
                لا يمكننا أن نجرد فكرة الواجب عن عمقها الإنساني المرتبط بالوصول إلى علاقات صحية ومتكاملة وعادلة وذلك لا يمكن تحقيقه إن لم يشعر القائمون بالواجب أن ما يقومون به هو محل تقدير وإكرام ، ليس فقط لأجل تحفيزهم، ولكن لأن أداء الواجب هو لب تحقيق العدالة وهي جزء من المقصد الأسمى للحياة الجيدة.
                نعم، من حق الآباء أن يشعروا بالتقدير لأنهم يقومون بواجبهم تجاه أبنائهم ، والخلل الذي يتطرق إلى العلاقة بين الآباء والأبناء ليس من حيثية حق الآباء في أن يشكروا على فضلهم في أداء واجبهم ، وإنما يحصل الخلل عندما يكون تصور الآباء لحقوقهم هو تصور فاسد بحيث لا يثقفون أنفسهم ثقافة تمكنهم من إدراك حقوق الأبناء .
                الآباء الصالحون بشر يفرحون بمشاعر الامتنان والتقدير لكنهم لا يمنّون على أبنائهم بما فعلوه، ولا يتخذون أداءهم لواجباتهم الوالدية ذريعة للتحكم في حق الابن في خياراته الحياتية التي تختلف مساحتها في كل مرحلة عمرية لتبلغ كمالها في مرحلة الرشد.
والتوجيهات القرآنية والنبوية الكريمة المتعلقة بطاعة الوالدين مقيّدة لا مطلقة ، وهي لا تتعارض مع حق الأبناء الراشدين في حياة لا حرج فيها .
                بقي أن أقول إن المعاملة الوالدية الجيدة لا يكفي فيها العطف والرفق بل لا بد معها من الحكمة لتربية الأبناء تربية صالحة . فالقول بأن الرفق بالابن  ومعاملته بإكرام سيجعل الابن يعامل أبويه معاملة حسنة فيه تجوّز . ولذلك أعود فأؤكد على مسألة تثقيف الوالدين لأنفسهم تربويا ليكون عطاؤهم عطاء يحفظ لنفسية الطفل توازنها .
                إذا تعود الطفل على أن يكون والداه هما مصدر العطاء ، فإذا ما قام بإكرامهم بهدية بسيطة من صنع يديه -كبطاقة ملونة مثلا – قابل الوالدان ذلك بعبارة : لماذا أتعبت نفسك يا حبيبي  .ثم يكون هذا رد فعلهم تجاه أي فعل جيد يقوم به الطفل لأجلهم في مناسبة مهمة . أو عوّد الوالدان الطفل – في السابعة مثلا-  على أن يقوما بخدمته أو يخدم نفسه – في أحسن الأحوال-  دون أن يشارك في الاهتمام بوالديه كفرد في العائلة ، تعوده الأم مثلا على أن يجهز لنفسه ( ساندويتش ) على الفطور لكنها لا تطلب منه أن يعد لهما الفطور معا . يجعله أبوه ينتظر في الظلال ريثما يمشي الأب تحت أشعة الشمس القوية إلى مركن السيارة ليعود إليه ويحمله فيها دون أن يعرّضه للعناء . وهكذا يعتاد الطفل على الأخذ دون أن يدرك وجدانا مسؤوليته في العطاء والمشاركة والإكرام واحترام معنى ( العائلة ) . ( هذه الفكرة اقتبستها من الكتاب التربوي المهم : طفلك مزعج وأنت السبب. إلين روز جليكمان . مكتبة جرير ) .
بناء معنى الانتماء للعائلة ومايرتب على ذلك من مسؤوليات في وجدان الطفل هو ضرورة نفسية تهيئه لعلاقة متوازنة مع ذاته ومع الناس عموما . وذلك يعد جزءا مهما من مهارات الحياة المتعلقة بالذكاء العاطفي والتي يحتاجها أطفالنا ليكونوا أشخاصا أسوياء.
وإذا قلنا إن الحياة الطيبة جوهرها الامتنان ، فإن شمس الامتنان لا تشرق في القلوب إن لم يبر الآباء أبناءهم بحسن تربيتهم بالعطف والرفق والحكمة ، وإن لم يبر الأبناء آباءهم بحسن الإكرام والمراعاة والعناية.  ومنظومة الحقوق والواجبات إنما تتحقق غاياتها إن حفت بمعاني المكارمة لا المشاحة.

الجمعة، 17 يوليو 2020

متعلق الأحكام الشرعية الخاصة بالذكر أو الأنثى: وكلام نفيس عن متعلق حق الوعظ والهجر والضرب في آية النشوز الشيخ/ مولود السريري





 هذا نص مهم لفضيلة الشيخ مولود السريري قرر فيه أن آية النشوز التي ورد فيها الوعظ والهجر والضرب ليست خاصة بالرجال وأن متعلقها النشوز لا الذكورة أو كما قال . وقد تكرمت بنقل النص الصوتي كتابة طالبة العلم الفاضلة : طروب الجفري . فجزاها الله خيرا .


"الأنوثة والذكورة لا تُعلّق بها الأحكام من حيث هي، وإنما تُعلّق بلوازمه؛ فمثلاً إذا وجدنا الشرع قد أعطى أموراً للرجل وأموراً للمرأة وأراد البعض أن يعلّقها بالأنوثة والذكورة، يُقال الذكورة والأنوثة ليست من مناطات الأحكام، إنما لوازم الأنوثة ولوازم الذكورة هي المعتبرة.

 لماذا المرأة يُعطى لها الولد ويُنزع من الوالد مع أن الوالد قد يكون أصلح له، وحنانه أشد من حنان أمه، هذه الأمور غير صحيحة!
لأنه ليس المرأة هي التي أُعطي لها هذا الحكم باعتبارها أنثى، بل أُعطي لها باعتبار أنها أكثر شفقةً في الغالب، وحناناً في الغالب، ولذلك لازم الأنوثة هنا الشفقة والحنان.

وهكذا كل المسائل التي يكون فيها للرجل اختصاص أو للمرأة اختصاص، فذلك ليس باعتبار الأنوثة ولا باعتبار الذكورة، وإنما باعتبار ماذا؟
خصائص أخرى تُلازم الذكورة والأنوثة فاعتُبرت في الفقه.

ومن الغلط أن يظن البعض بأن المعتَبر هي الأنوثة أو الذكورة, وأنت تجد أن هذه الذكورة توجد والأحكام تسقط!
والدليل على ذلك أن الأنوثة توجد والأحكام تزول إذا وُجد ما يرفع تلك الصفة المعتبرة في الحكم. لو فرضنا مثلاً أن امرأة أُعطيت لها الحضانة، فثبت بالدليل والبرهان أنها غير صالحة لهذا الولد لأنها تظلمه وتعتدي عليه، أو لا تحنو عليه، لا تشفق عليه وإنما تؤذيه، تُنزع منها الحضانة، الأنوثة باقية! لأن الحكم أصلاً لم يتعلق يوماً بالأنوثة، وإنما تعلق بوصف لازم للمرأة بطبعها بخَلقها بفطرتها، فاعتُبر في الحكم.

الرجل بيده عقدة النكاح، لكن إن أخذ هذه الولاية بطريقة غير شرعية ثبت بأنه غير أهل لهذه الولاية تُنزع منه، فتُطلق عليه المرأة إذا ثبت بأنه لم يقم بالولاية الشرعية على وجهها. ها هي الذكورة موجودة والولاية زائلة! أو مزالة عنه بالشرع!
فين هي الذكورة والأنوثة؟!

وما قيل هنا يُقال في الميراث؛ فالبعض ينظر إلى أن المرأة هي التي قُصدت بالنقص، وأن الرجل قُصد بزيادة؛ أبداً! بنية العمل، طبيعة العمل، طريقة الواجبات، طريقة الحقوق مترابطة.
الحقوق والواجبات مترابطة، فالرجل لما كُلّف بالإنفاق، وكُلّف بالواجبات، وكُلّف بكذا.. وكُلّف بكذا، كان الشرع لا بدّ أن يراعي وجود الحقوق عليه، أزيد منها عند المرأة، فلا بدّ أن يعطيها حقا، فلا بدّ أن يعينه على الحقوق، لأنه لم يوجب على المرأة شيئاً.

والبعض يقول بأن الشرع علّق الأحكام بالذكر أو بالأنثى، لا! لوازم الذكورة، لوازم الأنوثة هي التي تتعلّق بالأحكام، وإنما يصرّح الشرع بماذا؟ بالذكر والأنثى لأنهما وصفان ظاهران منضبطان ولم يصرّح بالأسرار الخفية كالحنان والعطف لأن هذه كلها أمور غيبية؛ فلو قال بأننا نعطي هذا الولد إلى المرأة الحنون الشفوق، فسنقلّب الأمر هل هي شفوق أو غير شفوق أو حنون أو غير حنون، وهل ثبت لها هذا الوصف؟ وهذا الوصف هل ثبت؟ ويقع النزاع!
ولكن لا، ربطه بما يرتبط به في الغالب.

النطق حين ربطه بالرضا في البيوع والمعاملات، وصف النطق يدل دائماً على الرضا؟ لا، قد يكون الإنسان مصرحاً بإرادة البيع وقلبه كاره، لكن في الغالب أن الذي يصرّح بشيء يريده، في الغالب.
الذي يقول أردت أن أبيع فعلاً يريد أن يبيع، الذي يريد أن يشتري يقول أريد أن أشتري، فلو عددت الناس في الأسواق بين الذي يقول أريد أن أشتري، وبين الذي يقول أريد أن أبيع، ونظرت في أحوالهم في الرضا لوجدت أن أغلب الناس راضون، لذلك هذه المسائل تُسمّى في الفقه الإسلامي عند من لا يفهمها بأنه يسند فيها الأحكام إلى أوصاف طردية.
ولماذا إذا كانت الذكورة تُلحق بها الأحكام تتغير الأحكام بتغير ما تعلّقت به الأحكام في الحقيقة؟!

كل هذه الأشياء التي تتعلق بالذكورة والأنوثة إنما تتبع أوصافاً مخصوصةً قائمةً بهؤلاء الناس، فلو زالت زالت الأحكام، وهذا مدخل مهم لمعرفة وفهم سبب ربط الشرع الأحكام بالذكر أو الأنثى.
وأنت خبير بأن كل ما أعطاه الله للذكر أعطاه للأنثى، حتى الهجر في المضاجع، حتى الضرب.
(لا، هي للرجل في القرآن)
ولكن الفقهاء قاسوها عليه، فثبّتوا لها الحكم. "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ" الوعظ للمرأة أيضاً، بنفس المقاييس التي عند الرجل، هي نفسها أيضاً إذا رأت من الرجل خروجا عن العدل تعظه، تعطيه مدة، الوعظ بالوسائل التي يقع بها الوعظ، فإذا لم يأتِ منه شيء هجرته في المضجع، هل هي خارجة أو مستثناة من الحديث الذي فيه اللعن؟ نعم، مستثناة.
هل يحق لها الضرب؟ الأصل أنها تشتكيه للقاضي ليوقع الضرب، هي لا تستطيع أن تضربه، لأن لو ضربته قليل ضربها أكثر، الغالب في الغالب. البعض يأخذوا حقهم بلا قاضي بلا حاكم .
هل يمكن أن نعتبر المرأة إذا قدرت على ضرب الرجل تضربه أو لا بدّ  من أن تحيله على القضاء؟
في الغالب يُحال على القضاء حتى يحكم عليه القاضي بالضرب، في مختصر الشيخ خليل ينصّ على هذا الأمر، لكن ...( الكلام غير واضح هنا) 
مناطات ملازمة للذكر والأنثى هي المعتبرة في الحكم، ولما خفيت هذه الأمور على بعض الناس، واغتروا بظواهر الألفاظ، ولم ينظروا في الأحكام كيف تنقلب بصدق مع الذكورة والأنوثة أم مع أمور أخرى ربطوا الأحكام بالذكورة والأنوثة، على حين جهل، فصاروا يصرخون في النوادي المساواة المساواة!"