الاثنين، 28 مايو 2007

موازنات في الشر

الاقتراب من الشر كخلق وسلوك ، ليس قرين القوة وحدها ، فالضعف أحيانا يجعلنا أكثر شرا وضلالا ، يعتدي معتد على أخيه بكلام مسيء ، فلا يرد عليه عجزا ، أو يدعي التسامي فيقول له : سامحك الله ، أو سامحني إن كنت المخطىء ، يقولها بقلب مليء بالمرارة، التي لا تلبث أن تتحول حقدا ، يمرض صاحبه نفسا وجسدا ، ويجعله يستصحب كل المواقف السيئة المماثلة التي جرت له مع ذات الشخص من قديم وتجاوز عنها ظاهرا ، ولكنه لم يحرر شعوره من الإحساس بالقهر والضيم ، هذا الإحساس الذي يخلق بداخله ماردا ضخما من الضغينة يتغذى من إدعائه لفضيلة التسامح دون تحقق بشرائطها ، فالصفح إن لم يكن عن علو نفس حقيقي ، كان تخليطا يردي بقلب صاحبه إلى مهاوي الدونية وتحقير النفس والتخبط في الحقد والعجز .

التصرف مع الآخرين بنفسية الضحية ليس فقط تخليا عن المسؤولية في نصرة أنفسنا حيال التصرفات غير الملائمة أو الظالمة ، لكنه يدمر قيمنا النبيلة ، ويجعلنا صورة جديدة من صور الشر والاعتداء ، على أنفسنا بترديتها في المذلة والغل ، وعلى الآخرين بتضخيم عيوبهم ، ومساعدتهم على تأكيد تصرفهم غير الجيد تجاهنا ، ومهما حاولنا أن نحسن علاقتنا بهم فذلك لن يحصل على وجه الصفاء من قبلنا ابتداء ما دمنا لم نحرر أنفسنا من قيودها ، بل إنهم ستترسخ لديهم مشاعر أكثر سوءا فمرآة قلوبنا لا تعكس إلا المشاعر السلبية والاتهام .

وعلى مستوى آخر التصرفات التي نقدم عليها ونحن نشعر بالألم لأن الطرف التي نتوجه بها إليه لا يقدرها ، قد توقعنا في هوة شر ، تفريطا في حق أنفسنا في المعاملة الكريمة لها من قبلنا ، وكذلك في لوم ساذج وشرير للآخرين على عدم تقديرنا ، ونحن الذين تسببنا في ذلك بعدم تقديرنا لأنفسنا ، قد لا ننتبه إلى كون هذا اللوم شريرا لكنه كذلك ما دمنا ندمر به نفسيتنا ونحمل الآخر مسؤولية تصرفاتنا غير الحكيمة .

الخميس، 24 مايو 2007

الحسم والقولبة

كنت أقلب في أوراقي الالكترونية ، ووجدت أني نقلت منذ زمن نقولات من كتاب " كن حاسما " ، تأليف : جيل ليندنفيلد ، ومن منشورات مكتبة جرير . ومن المهم التنبيه على أن ما يرد في هذا الكتاب وأمثاله من الكتب التي تتناول العلاقات الإنسانية ليس قانونا غير قابل للنقض والمداولة ، ولا يصح اعتباره القالب الأوحد للعلاقة الإنسانية المثلى مع النفس أو مع الآخرين ، فكل حالة إنسانية لها لبوسها ، وفقا لظروفها الظرفية والمجتمعية والنفسية أيضا ، مع التأكيد على الثوابت الأخلاقية في ديننا الحنيف . فبهذه العين اقرأ السطور القادمة :

الحسم :

هو السلوك الذي يساعدنا على توصيل رغباتنا واحتياجاتنا ومشاعرنا بوضوح وثقة للآخرين دون الإساءة بأي شكل من الأشكال إلى حقوقهم الإنسانية .

إذا أردنا أن نكون حاسمين ، يجب أن :

* نحدد ما نريد .

* نحدد إذا ما كان هذا المطلب عادلا .

* نطلبه بوضوح .

* لا نخشى المجازفة .

* نكون في حالة هدوء واسترخاء .

* نعبر عن مشاعرنا بصراحة .

* نوجه المجاملات للآخرين ، ونتلقاها بسهولة ويسر .

* نوجه النقد البناء للآخرين ونتحمله منهم .

ولا ينبغي أن :

* نحوم حول الموضوع .

* نخون الآخرين .

* نستأسد على من هم أضعف منا .

* نوجه عبارات الإهانة للآخرين .

* نكبت مشاعرنا .

حقوق الإنسان الحاسم

1. الحق في أن نطالب بما نريد ( مدركين حق الطرف الآخر أن يقول : لا ).

2. الحق في أن يكون لنا رأي وأحاسيس وعواطف وحق التعبير عنها بشكل ملائم .

3. الحق في قول عبارات ليس لها أساس منطقي ، ولا نكون مضطرين لتبريرها ( مثل الأفكار والتعليقات البديهية ) .

4. الحق في اتخاذ قراراتنا ، وتحمّل عواقبها .

5. الحق في اختيار ما إذا كنا نرغب في التورط في مشكلة شخص آخر أم لا .

6. الحق في عدم معرفة شيء ما أو عدم فهمه . مثال (3،6) : " غالبا ما تخطر لي أفكار جيدة ، ولا أعرف لماذا أعتقد أنها ستنجح ، ولا أقول شيئا منها حتى إذا كنت أعلم أنها سوف تنجح ".

7. الحق في ارتكاب الأخطاء .

8. الحق في تحقيق النجاح .مثال : " أنا أذهب إلى العمل في تاكسي ، ولكنني أجعله يتوقف في زاوية الشارع لئلا يراني أحد " .

9. الحق في تغيير آرائنا . مثال ( 7، 9 ) : " شعرت أني مضطر لإكمال الفصل الدراسي رغم علمي بعدم فائدته لي ".

10. الحق في أن نتمتع بالخصوصية. مثال : " لا أجد وقتا خاصا أقضيه بمفردي ، فهناك شخص آخر دوما بالمنزل ."

11. الحق في قضاء الوقت بمفردنا ، وأن نكون مستقلين عن الآخرين . مثال: " دائما نقضي العطلات معا ، على الرغم من علمنا أننا نحتاج إلى أن نبتعد عن بعضنا لبعض الوقت ".

الحق في تغيير ما بأنفسنا ، وأن نصبح أشخاصا مؤكدين لذاتهم .

السبت، 19 مايو 2007

أوهام مصرية عن المرأة السعودية

كتبت عن هذا الموضوع في " أنا بين جدة وحضرموت ومصر " وها أنا ذي أعيد الكتابة فيه تفصيلا ، بعد أن دفعني لذلك حماس العزيزة " كوثر الخولي "-المحررة المسؤولة عن النطاق الاجتماعي بشبكة إسلام أون لاين – لفكرة "الأوهام المصرية عن المرأة السعودية"

وهذه هي المقالة التي نشرت اليوم في صفحة حواء وآدم في إسلام أون لاين

أوهام مصرية عن المرأة السعودية

كان خبير (المكياج) -في برنامج يعنى بالزينة في قناة مصرية خاصة -يضع طبقات كثيفة من الألوان على عيني ( الموديل ) ، باعتبار أن الفتاة الخليجية تغطي وجهها عدا منطقة العين ، ومن ثم تهتم بإبراز هذه المنطقة وتجميلها ،وكانت إضافة الألوان تتم بصورة بدت لي لا نهاية لها ! إلى أين يمضي ؟ وأي صورة هزلية يحملها هذا الخبير عن الفتاة الخليجية ؟ . في السعودية الخروج بمكياج للعين بهذه الصورة يعد خروجا على الآداب العامة، بل السائد إما كشف الوجه أو تغطيته عدا العينين مع مكياج خفيف للعين إن وجد . ما يحصل من بعض المصريين هو اختصار الفتاة السعودية في نمط معين ، وقالب جامد، في تغييب للحكم المنصف، والتعامل مع الثراء الإنساني الخاص بكل فرد

تنميط مصري

تعاملت مع مصريين على عدة مستويات ، ومن أجيال مختلفة ، بعضهم يعيش في جدة وبعضهم في مصر ، وكان القاسم المشترك بين بعضهم هو الذاتية المصرية – إن صح التعبير - تلك الذاتية التي تحجزهم عن التواصل المستكشف الذي يقدر الاختلاف، ويحتفي به، فضلا عن عدم قدرتهم على تجاوز رؤيتهم الخاصة للحياة باعتبارها الرؤية الأمثل التي ينبغي أن تحاكم إليها ثقافات الآخرين. وهذا نجده حتى عند بعض المصريين الذين يعيشون في المجتمع السعودي ، والجهل عند هؤلاء يكون مركبا ، لأن الصورة التي ينقلونها تكون مستندة إلى اعتقاد النظرة العليمة بتفاصيل الحياة في المجتمع السعودي ، وهم في الحقيقة لا يرون إلا أمورا مجتزئة ، يصدرون من خلالها أحكاما تعميمية. على مستوى التعليم مثلا ، كيف يمكن للأستاذة الجامعية أن تؤثر في طالباتها إيجابا وهي تتعامل معهن على أنه لا فائدة ترجى من توجيههن ، لأنهم لا يهتمون إلا بما هو سطحي وفارغ المضمون، ولأنهم نتاج بيئة جاهلة ومتخمة ماديا أفرزت نفسيات لا أمل في إصلاحها ،هكذا كنت أرى تعامل بعض الأستاذات المصريات في إحدى الجامعات السعودية(ولا يعني ذلك عدم وجود نماذج ممتازة من الأستاذات المصريات خلقا وعطاء علميا)، نعم هناك تجاوزات من الطالبات ، وهناك خلل في المفاهيم عن التعليم وأهميته كغذاء للروح والعقل ، لا شك في ذلك ، لكن ما هو دور المعلم ، أليست التربية هي الدور الأساس ؟ وكيف يمكن القيام بهذا الدور إذا كان المعلم يتعامل بنفسية مترفعة ، مزدرية للطالب ؟ وقد جمعتني دورة تدريبية بإحدى الفتيات السعوديات ، كانت أكثرنا تألقا بذكائها ودأبها ، وعرفت فيما بعد – من غير طريقها- أنها تعول أسرتها لوفاة الأب ، وتقوم بالادخار من مرتبها لتطوير قدراتها ، قالت لي : كنت فيما مضى لا أكن احتراما للمصريين ، ففي الجامعة صادفت نماذج تعاملنا بترفع، صدني عن الاستفادة والتعلم الحقيقي، وهذا لم يكن صوابا بالطبع ، لكني لم أدرك ذلك حينها ، ثم غيرت نظرتي إلى المصريين الفضائيات المصرية ، متابعتي لها علمتني أن أحترم هذا الشعب ، ولا أقع في التعميم ذاته الذي ظلمني ، والذي عوملت وفقا له كجزء من صورة تنميطية كل السعوديات يشتركن فيها .

التغيير لا ينافي التقبل

وعلى مستوى الاستشارات الأسرية والاجتماعية ، نجد أن الصورة التي تعالج على أساسها المشاكل الواردة من السعودية عند بعض المستشارين المصريين هي ذات الصورة التنميطية ، وهذا لا يضر فقط بفهم المستشار وحكمته ، ولكن يضر بالمستشير حين يجد نفسه تبعا للحلول التي تقدم من مستشارين لهم ثقلهم متخاصما مع بيئته الخاصة ، وثقافته ، وسعيه للتواصل معها هو سعي الناقم عليها ، لا المتقبل لها- وتقبل وجود الخلل لا يعني الرضا عنه أو عدم السعي لتغييره - المدرك لجمالها كما ارتباكاتها . من ذلك الصورة السائدة عن المجتمع السعودي من حيث ضيق أو انعدام مساحة المجال العام الذي يتعارف فيه الجنسان بالضوابط الشرعية ، هذا موجود نعم وإن كانت هذه المساحة اتسعت في الأعوام الأخيرة ، مع اتساع مجالات عمل المرأة ، وكذا كثرة النشاطات التطوعية والثقافية التي يشترك فيها الجنسان ، الفكرة التي يتم طرحها غالبا هي وجوب الوصول بالمجتمع السعودي إلى هذه الصورة (صورة المجال العام ) ، وشقاء الشباب من الجنسين إلى أن يوفقوا إلى تغيير طبيعة مجتمعهم ، وهذا غير حكيم في تقديري ، رغم أني أعتقد أن فكرة المجال العام هي النموذج الإسلامي الصحيح وعدم تمكنها في شرائح كثيرة في المجتمع السعودي هو خلل إلا أن هذا الخلل يمكن التعامل معه بعيدا عن الدرامية والتضخيم ، الذي يفقد الشباب توازنه ، وقدرته على التعامل المتبصر معه دون سخط يمنعه من الإحساس الإيجابي بحياته ، والمرونة في تغيير ما يراه سلبيا كما هي الحياة في كل المجتمعات . كثيرات من السعوديات يرفضن التضييق في حقوق لهن فيها سعة شرعا ، لكن هذا التضييق هن يفقهن تماما أنه جزء من حياة يحببنها ، ويحببن أن يتعاملن مع جوانبها المختلفة التي يرضين عنها وتلك التي لا يرضين عنها ، لأنهن مرتبطات بها وجدانا وملامحا ، ربما لو لم تكن كذلك لم يكن ليحببنها أو يشعرن بهذا الانتماء إليها . في نمط الحياة الجداوي قد تفتقد السعوديات إشراق مساحات فيه لكن هذه العتمة لا تخل بجماله الخاص ، ومساحات الهدوء والألفة ، وعبر هذه المساحات تتكشف آفاقا مديدة عبر مرونة الحياة في جدة، هذه المرونة التي تتجاوب مع من يحسن التعامل معها ، وتحرم من فضاءاتها المتشنجين روحا وفكرا. حقوق بلا سكينة أنا هنا لا أهون من شأن السلبيات الحاصلة في مجتمعنا، لكني أنبه على أن تنميط حياة المرأة السعودية وفقا لها ، فيه جهل مستتر بسنة حياتية لا ينفك عنها مجتمع إنساني ، وهي نسبية الحقوق ، تبعا للثقافة والزمان والمكان، والأهم من ذلك هو العلاقة الوثيقة بين روابط الود والإحسان والفضل وبين الحقوق وتحصيلها، فعدم تطبيقنا لكامل قناعاتنا وتنازلنا عن بعضها تطبيقا لا فكرا أو تعبيرا ، لا يعد كبتا أو غبنا أو قهرا كما قد يلتبس على البعض ، بل قد يكون تحققنا بذواتنا في حفظ ودنا لأهالينا ، واحترامنا لأعراف مجتمعنا ، وترفقنا في الحديث عما نعده توعية وتبصيرا دون اصطدام أهوج أحمق يطيح بالقيم النبيلة ، ويغيب فيه أن لدفاعنا عن حقوقنا وتمسكنا بها ، أخلاقا ، إذا لم نشبث بهذه الأخلاق تشبثنا بحقوقنا ، فإننا سنتحصل على حقوق جرداء لا روح فيها ولا سكينة .

قناع اجتماعي

تواصلت مرة مع إحدى المفكرات المصريات التي أجد كتاباتهن نموذجا للفكر المتزن، وكنت أحدثها عن مقدار تأثري بكتاباتها التأصيلية ، وفي ثنايا الحديث قالت لي : لم لا تزورينا في مصر، وأضافت بنبرة تجمع بين السخرية والشفقة: أم أن السفر بدون محرم حرام؟ لم أفهم حينها لم تتحدث بهذا الأسلوب ؟ وكيف أنها لا تهتم ولو تجملا بوضع قناع اجتماعي في تعاملها مع قارئة مهتمة بكتاباتها، فتتحدث إليها بطريقة فجة لا ترى فيها عوجا. وبعد تجارب مماثلة حدثت لي ولبعض من أعرف اكتملت لدي الصورة ، هناك خلل حقيقي في النظرة المصرية للمرأة السعودية ، وهذا الخلل نجده عند بعض النخبة أكثر تمكنا، فبدلا من أن توضع سمات المجتمع السعودي، في موضع النظر المتأمل ، والاحترام اللائق بثقافة مختلفة فروعا لا أصولا -نظرا لوحدة الدين- فإن كل هذه الأمور تهدر مقابل التعميمات التي تحجب بغشاوتها نور الفهم عن العقل والقلب . ولو تم التعامل مع المجتمع السعودي بروح التعارف على الجوانب المختلفة لديه ، فإني أعتقد أنهم سيكسبون حينها نظرا أعمق ، وروحا أكثر ودا وجمالا ، ومعلومات أكثر ثراء وتنوعا . والله أعلم

رابط المقالة

http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1178724264930&pagename=Zone-Arabic-AdamEve%2FAEALayout

الأحد، 13 مايو 2007

الحياة تدار ولا تعالج ..وثرثرة أخرى

( الحياة تدار ولا تعالج ) أعجبتني هذه العبارة ، وهي عنوان فصل من كتاب للدكتور فيل، لا أذكر اسمه ، تصفحته في مكتبة جرير ، ولم أجده جديرا بالشراء ، لكن هناك لقطات جيدة فيه ، استمتعت بقراءتها لكن ليس لحد شراء الكتاب .

كنت يومها( الثلاثاء الفائت) أشعر بالملل ، والحاجة إلى مشاهدة الناس ، اتصلت بأختي المتزوجة ( ابتسام ) ، وطلبت منها مرافقتي إلى المركز التجاري القريب من منزلنا ، فوافقت مشكورة ، كانت جلسة ( بالدنيا ) ، نعمة الأخوة هذه من أعظم نعم ( الدنيا ) ، طلبنا (ناجيت) من البيك ، وجلسنا لنأكل وسط صخب الناس ، وتناقشنا حول موضوع الخرافات المصرية عن الخليج ، وحكت لي عن حوار ( منى الشاذلي ) في دريم الثانية مع ( أسامة أنور عكاشة ) عن القومية العربية ، وتراجعه عن رأيه فيها ، وكلام بهاء طاهر الذي كان ضيفا أيضا ، كان حديثا دافئا أشعرني بسكينة جميلة ، ذهبت بعدها إلى مكتبة جرير وتجولت أبحث عن كتب الأستاذ عبد الوهاب مطاوع ، وكذا أتصفح الكتب المترجمة التي تختص بفن إدارة الذات ، وتطوير القدرات ، و أخذت مجموعة من الكتب وجلست أتصفح وأقرأ على مقعد من مقاعد القراءة في المكتبة . ابتسام ذهبت لتشتري بعض الأشياء من (بنده)، السوبرماركت الكبير في المركز .

( الحياة تدار ولا تعالج ) لأن العلاج يعني أن تعيش حياة مثالية ، وهذا ( مثالي ) جدا. هناك أمور كثيرة مهمة قد نتجاوزها لصالح أمور أكثر أهمية ، كأن تظل علاقتنا بمن نحب قوية ومتماسكة ، واللي نحبهم ( يمونوا ) علينا كما يقول أهل الشام ، وحينها فإن دفء العلاقات وسكينتها سيمحوان الكدر والتنغيص ، وستشعر حينها أن هناك أمورا لا بد أن تخسرها لتكسب محبة أهلك وناسك الذين يحبونك ( بجد ) ، وأكيد ربنا سيكرمك بذلك .

كنت أقرأ بالأمس في أحد كتب الأستاذ عبد الوهاب مطاوع ، لا أذكر اسمه الآن ، فقد تصفحت عدة كتب له – رحمه الله رحمة الأبرار- ، أعجبتني جدا مقالة له بعنوان : اصعد السلم المتحرك ، وفيها يحكي قصة ممثلة شهيرة ، كلما ضاقت بها الدنيا ، رافقتها صديقتها إلى مصعد متحرك في أحد المراكز التجارية المكتظة بالناس ، وحينها فإنها تعود إليها روحها المشرقة ، لأنها تلتقي بجمهورها الذي يحبها ، ويقدرها . يقول الأستاذ عبد الوهاب مطاوع: وهكذا إذا ضاقت عليك نفسك فعليك بأهلك وأصدقائك الذين يحبونك ، ويقدرونك ، فهم الكنز الحقيقي الذي يهبك البهجة والسكينة ، وابتعد عمن يسمم روحك ، ويكدر عليك نفسك ، لأنه لا يحس ولا يقدر جمالك الخاص ، أو تجعلك علاقتك به غريبا عن روحك وحقيقتك ، ولهذا المعنى حديث آخر قد أتناوله يوما

الاثنين، 7 مايو 2007

أنا بين جدة ومصر

قرأت أختي فاطمة مدونة الأمس ، وقالت : كلامك عن مصر مناقض لما أكدته من فكرة التوازن الذي نعيشه في جدة. والسؤال الذي تبادر إلى ذهني عندما أعدت قراءة سطوري ، لماذا نفترض دائما أن بعض القصور في جوانب حياتية إجرائية – إن صح التعبير – يعني خلل حياة الناس وارتباكها ، هذه الفكرة تحتاج إلى مراجعة حقا .ما أفتقده في نمط الحياة الجداوي لا يخل بجماله الخاص ، ومساحات الهدوء والألفة التي تعطيها جدة لساكنيها ، هي معاني نشعر بها وقد لا نستطيع تحديدها بدقة ، وعبر هذه المعاني تتكشف لنا آفاقا مديدة عبر مرونة الحياة في جدة ، هذه المرونة التي تتجاوب مع من يحسن التعامل معها ، وتحرم من فضاءاتها المتشنجين فكرا أو روحا .

أنت في جدة ، إذن أنت في بلد يجعلك تكتشف قدراتك على التواصل الممتد الذي تتجدد فيه الحياة ، تجددا يجمع بين الانسيابية والتألق .

الأحد، 6 مايو 2007

أنا بين جدة وحضرموت ومصر

من جدة إلى حضرموت

الحديث عن ملامح حياة المرأة في جدة ، لا يمكن تنميطه أو اختصاره في ( الأوهام ) العربية عن السعودية ، هناك أطر عامة ، مثل غرابة ركوب المرأة للحافلات العامة مثلا، وكون خروجها إلى الشارع سيرا على الأقدام لقضاء احتياجاتها أمرا غير شائع وإن وجدت (فلول) من النسوة يسرن هنا وهناك ، مع استثناء الشوارع التي تسمى (شوارع الحوامل ) والتي تسير فيها الحوامل وغيرهن ارتياضا ، أو السير على شاطىء البحر مع كون الغالب أن مثل هذا السير يكون للتنزه من حين لآخر وليس جزءا حيويا في حياة المرأة السعودية .

أذكر في هذا السياق كلام الدكتور يحى الرخاوي في حديث له إلى إذاعة إسلام أون لاين حول كتاب ( ماذا حدث للمصريين ) للدكتور جلال أمين ، وأن الكتاب لا يعدو انطباعات شخصية لا يمكن اعتمادها بشكل كامل علميا ، أو كما قال ، فإذا قيل ذلك في حق الدكتور جلال أمين ، فمن باب أولى يجب علي أن أؤكد هنا أن سطوري هي ملاحظات شخصية بحتة.

وأعود إلى الأوهام العربية عن السعودية ، فقد كنت أتحدث عنها مع أختي بالأمس ونحن نشاهد حلقة من برنامج يهتم بالأناقة في قناة دريم الثانية ، وكانت اللقطة التي شاهدناها سويا هي قيام خبير مكياج بوضع مكياج ( خليجي ) للموديل ، تم فيه التركيز على وضع طبقات كثيفة من الألوان على العين ، باعتبار أن الفتاة الخليجية تغطي وجهها عدا منطقة العين ، ومن ثم تهتم بإبراز هذه المنطقة وتجميلها ، وبالطبع هذه الصورة التي نقلت لا يصح تعميمها أبدا على مناطق الخليج ، وفي جدة بالذات ، فالخروج بمكياج للعين بهذه الصورة يعد خروجا على الآداب العامة ، بل السائد إما كشف الوجه أو تغطيته عدا العينين مع مكياج خفيف للعين إن وجد .

قلت لأختي : سأكتب في مدونتي عن ذلك وأعنون له بـ ( خرافات مصرية عن الخليج ) ، وأضافت : هم يتحدثون عنا بنوع من الفوقية ، فالخليجيات لا يتقن أصول الأناقة ، وهن غالبا سطحيات ، مرفهات ، فارغات . قلت : أضيفي إلى ذلك مشكلاتهن مع عواطفهن المتأججة ، وعدم توازنهن في التعامل معها أو مع الرجل .

تنميط مصري للفتاة الخليجية ، والسعودية خاصة ، يبعث على العجب حقا، فقط لو أحسنوا الاستماع وتعاملوا مع المجتمعات الخليجية بروح التعارف بين ثقافات متنوعة ، فإني أعتقد أنهم سيكسبون حينها نظرا أعمق ، وروحا أكثر ودا وجمالا.

في جدة تتعايش ثقافات عرقية متنوعة يجمعها الإسلام ، وتباين بينها العادات الخاصة بكل عرق ، فهناك الحجازيون الأصيلون ، وهناك من أصولهم مصرية أو تركية أو مغربية أو بخارية ، وهناك العرب من جنسيات مختلفة ، اليمنيون من الشطرين الشمالي والجنوبي، والمصريون ، وأهل الشام ، ثم تتفاوت الطبقات إذا اعتبرنا التقسيم الاقتصادي لتتشكل ملامح كل طبقة من روافد الثفافات المختلفة التي تسكن جدة ، مع الاحتفاظ بالسمات الأساسية لكل ثقافة .

وسأجعل حديثي عن الحضارمة تحديدا كمدخل للكلام عن المرأة في حضرموت ، الحضارمة في جدة أكثرهم متمسكون بتقاليد محافظة جدا ، والتعامل مع المرأة فيه قدر من الشدة من قبل الأهل ، لكن هذه الشدة تتجاوزها الكثير من الفتيات عبر جسور التعليم ، والعمل، وبحكمة غالبا،بعيدا عن الصدام المباشر ، وفي خصوص تعامل الزوج الحضرمي مع المرأة فالانطباع السائد هو كون الرجل الحضرمي من أكثر الرجال رفقا بالزوجة رغم النمط التقليدي للحياة الزوجية .

المرأة في حضرموت

كتبت عن ( المرأة في حضرموت ) في الحلقة الثانية من ( المكلا .. لمحات إنسانية)،لكني هنا أتذكر ملمحا لم أنبه إليه من قبل( كنت في حضرموت فترة الدراسة الجامعية قبل ست سنوات) وهو الأمن الذي تشعر به المرأة في حضرموت لأنها ( امرأة ) ، مهما اختلف في توصيف طبيعة علاقة المرأة بالرجل كأب وقريب وزوج وأجنبي ، فإنه لا يمكن إلا الاتفاق على أن المرأة في حضرموت تنعم بتكريم يجري في دماء الرجل الحضرمي يجعل صيانة كرامتها ، وعدم التعرض لها بأذى أصلا أصيلا في ثقافته ، بل ووجدانه ، ففي سوق المكلا ( وهو سوق شعبي ) لا أجدني متحفزة بسبب نظرات فضولية وقحة تقتحمني ، أنا آمنة تماما في تعاملي مع الرجل الحضرمي ، لا أجد هذا الاطمئنان في بعض الأسواق الشعبية في جدة ، ويمكن أن تكون النظرات المتقحمة من حضارمة يعيشون في جدة ، والفرق لعله طبيعة المجتمع الحضرمي ( المختلطة ) بضوابط وأصول تجعله نموذجا يقترب من النموذج الإسلامي المتزن في ترسيم العلاقة بين الجنسين .

وأخيرا في مصر

زيارتي لمصر قبل أشهر ، كانت الزيارة الثانية ، زيارتي الأولى كانت من خلال عشقي لمصر الذي اختلط بروحي وقراءاتي وصداقاتي ، والذي جعلني أشتم رائحة هوائها خيالا لأتذكره لما شممته حقيقة .

في مصر نعمت لأول مرة بالتطبيق الكامل لقناعاتي ، وقبل أن أشرح ذلك لا بد من بيان أمر أجده غاية في الأهمية ، هو أن عدم تطبيقنا لكامل قناعاتنا وتنازلنا عن بعضها تطبيقا لا فكرا أو تعبيرا ، لا يعد كبتا أو غبنا أو قهرا كما قد يلتبس على البعض ، بل قد يكون تحققنا بذواتنا في حفظ ودنا لأهالينا ، واحترامنا لعادات مجتمعنا ، وترفقنا في الحديث عما نعده توعية وتبصيرا دون اصطدام أهوج أحمق يطيح بالقيم النبيلة ، ويغيب فيه أن لدفاعنا عن حقوقنا وتمسكنا بها ، أخلاقا ، إذا لم نشبث بهذه الأخلاق تشبثنا بحقوقنا ، فإننا سنتحصل على حقوق جرداء لا روح فيها ولا سكينة .

التطبيق الكامل لقناعاتي في مصر ، جاء عبر تفاصيل صغيرة ، لكنها ملأت روحي حبورا، تحققت بذاتي في طريقة لباسي ، وكان حجابي تعبيرا خالصا عني .

متعة الذهاب إلى البقالة أو سلانترو الزمالك سيرا على الأقدام ، بل والسير على قدمي أيضا إلى محفل ثقافي كساقية الصاوي القريبة من الفندق الذي أقمنا فيه –فضلا عن حضور نشاطات ثقافية مفتوحة للجمهور - متعة لا يحسها إلا من فقدها .

في جدة قد أذهب مع صديقة للسير على شاطىء البحر والتحدث ، لكن فعلا كهذا لا يمكن أن يكون جزءا اعتياديا من حياتي ، في مصر كان إحساسي بالسير على كورنيش النيل -رغم كونه جزءا من رحلتي القصيرة- إحساسا مختلفا و لكأنه جزء مهم لا أتصور يومي بدونه .

الإحساس بأمني كامرأة في مصر يختلف عنه في حضرموت أو جدة ، ففي مصر أنا شعوري بالأمن منبثق من أمني على تطبيق قناعاتي دون حاجة مني إلى حكمة الموازنة بين قناعاتي وثقافة المجتمع الذي أعيش فيه .

هذه الموازنة بين القناعات وثقافة المجتمع ، وبر الأهل ، هي أكثر تعقيدا في حضرموت منها في جدة ، تبعا لاختلاف طبيعة المجتمعين ، والحاجة إلى الموازنة في جدة لا تجعل الحياة فيها قاتمة أبدا ، لكن لا شك أن الألوان الأكثر بهجة -ظاهرا- عرفتها في مصر.

هذه بعض ملامح إحساسي كامرأة في البلدان الثلاثة ، لم أكتب كل ما عندي لاعتبارات قد تغيرها الأيام ، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله ، وشكرا لوقتكم.