من جدة إلى حضرموت
الحديث عن ملامح حياة المرأة في جدة ، لا يمكن تنميطه أو اختصاره في ( الأوهام ) العربية عن السعودية ، هناك أطر عامة ، مثل غرابة ركوب المرأة للحافلات العامة مثلا، وكون خروجها إلى الشارع سيرا على الأقدام لقضاء احتياجاتها أمرا غير شائع وإن وجدت (فلول) من النسوة يسرن هنا وهناك ، مع استثناء الشوارع التي تسمى (شوارع الحوامل ) والتي تسير فيها الحوامل وغيرهن ارتياضا ، أو السير على شاطىء البحر مع كون الغالب أن مثل هذا السير يكون للتنزه من حين لآخر وليس جزءا حيويا في حياة المرأة السعودية .
أذكر في هذا السياق كلام الدكتور يحى الرخاوي في حديث له إلى إذاعة إسلام أون لاين حول كتاب ( ماذا حدث للمصريين ) للدكتور جلال أمين ، وأن الكتاب لا يعدو انطباعات شخصية لا يمكن اعتمادها بشكل كامل علميا ، أو كما قال ، فإذا قيل ذلك في حق الدكتور جلال أمين ، فمن باب أولى يجب علي أن أؤكد هنا أن سطوري هي ملاحظات شخصية بحتة.
وأعود إلى الأوهام العربية عن السعودية ، فقد كنت أتحدث عنها مع أختي بالأمس ونحن نشاهد حلقة من برنامج يهتم بالأناقة في قناة دريم الثانية ، وكانت اللقطة التي شاهدناها سويا هي قيام خبير مكياج بوضع مكياج ( خليجي ) للموديل ، تم فيه التركيز على وضع طبقات كثيفة من الألوان على العين ، باعتبار أن الفتاة الخليجية تغطي وجهها عدا منطقة العين ، ومن ثم تهتم بإبراز هذه المنطقة وتجميلها ، وبالطبع هذه الصورة التي نقلت لا يصح تعميمها أبدا على مناطق الخليج ، وفي جدة بالذات ، فالخروج بمكياج للعين بهذه الصورة يعد خروجا على الآداب العامة ، بل السائد إما كشف الوجه أو تغطيته عدا العينين مع مكياج خفيف للعين إن وجد .
قلت لأختي : سأكتب في مدونتي عن ذلك وأعنون له بـ ( خرافات مصرية عن الخليج ) ، وأضافت : هم يتحدثون عنا بنوع من الفوقية ، فالخليجيات لا يتقن أصول الأناقة ، وهن غالبا سطحيات ، مرفهات ، فارغات . قلت : أضيفي إلى ذلك مشكلاتهن مع عواطفهن المتأججة ، وعدم توازنهن في التعامل معها أو مع الرجل .
تنميط مصري للفتاة الخليجية ، والسعودية خاصة ، يبعث على العجب حقا، فقط لو أحسنوا الاستماع وتعاملوا مع المجتمعات الخليجية بروح التعارف بين ثقافات متنوعة ، فإني أعتقد أنهم سيكسبون حينها نظرا أعمق ، وروحا أكثر ودا وجمالا.
في جدة تتعايش ثقافات عرقية متنوعة يجمعها الإسلام ، وتباين بينها العادات الخاصة بكل عرق ، فهناك الحجازيون الأصيلون ، وهناك من أصولهم مصرية أو تركية أو مغربية أو بخارية ، وهناك العرب من جنسيات مختلفة ، اليمنيون من الشطرين الشمالي والجنوبي، والمصريون ، وأهل الشام ، ثم تتفاوت الطبقات إذا اعتبرنا التقسيم الاقتصادي لتتشكل ملامح كل طبقة من روافد الثفافات المختلفة التي تسكن جدة ، مع الاحتفاظ بالسمات الأساسية لكل ثقافة .
وسأجعل حديثي عن الحضارمة تحديدا كمدخل للكلام عن المرأة في حضرموت ، الحضارمة في جدة أكثرهم متمسكون بتقاليد محافظة جدا ، والتعامل مع المرأة فيه قدر من الشدة من قبل الأهل ، لكن هذه الشدة تتجاوزها الكثير من الفتيات عبر جسور التعليم ، والعمل، وبحكمة غالبا،بعيدا عن الصدام المباشر ، وفي خصوص تعامل الزوج الحضرمي مع المرأة فالانطباع السائد هو كون الرجل الحضرمي من أكثر الرجال رفقا بالزوجة رغم النمط التقليدي للحياة الزوجية .
المرأة في حضرموت
كتبت عن ( المرأة في حضرموت ) في الحلقة الثانية من ( المكلا .. لمحات إنسانية)،لكني هنا أتذكر ملمحا لم أنبه إليه من قبل( كنت في حضرموت فترة الدراسة الجامعية قبل ست سنوات) وهو الأمن الذي تشعر به المرأة في حضرموت لأنها ( امرأة ) ، مهما اختلف في توصيف طبيعة علاقة المرأة بالرجل كأب وقريب وزوج وأجنبي ، فإنه لا يمكن إلا الاتفاق على أن المرأة في حضرموت تنعم بتكريم يجري في دماء الرجل الحضرمي يجعل صيانة كرامتها ، وعدم التعرض لها بأذى أصلا أصيلا في ثقافته ، بل ووجدانه ، ففي سوق المكلا ( وهو سوق شعبي ) لا أجدني متحفزة بسبب نظرات فضولية وقحة تقتحمني ، أنا آمنة تماما في تعاملي مع الرجل الحضرمي ، لا أجد هذا الاطمئنان في بعض الأسواق الشعبية في جدة ، ويمكن أن تكون النظرات المتقحمة من حضارمة يعيشون في جدة ، والفرق لعله طبيعة المجتمع الحضرمي ( المختلطة ) بضوابط وأصول تجعله نموذجا يقترب من النموذج الإسلامي المتزن في ترسيم العلاقة بين الجنسين .
وأخيرا في مصر
زيارتي لمصر قبل أشهر ، كانت الزيارة الثانية ، زيارتي الأولى كانت من خلال عشقي لمصر الذي اختلط بروحي وقراءاتي وصداقاتي ، والذي جعلني أشتم رائحة هوائها خيالا لأتذكره لما شممته حقيقة .
في مصر نعمت لأول مرة بالتطبيق الكامل لقناعاتي ، وقبل أن أشرح ذلك لا بد من بيان أمر أجده غاية في الأهمية ، هو أن عدم تطبيقنا لكامل قناعاتنا وتنازلنا عن بعضها تطبيقا لا فكرا أو تعبيرا ، لا يعد كبتا أو غبنا أو قهرا كما قد يلتبس على البعض ، بل قد يكون تحققنا بذواتنا في حفظ ودنا لأهالينا ، واحترامنا لعادات مجتمعنا ، وترفقنا في الحديث عما نعده توعية وتبصيرا دون اصطدام أهوج أحمق يطيح بالقيم النبيلة ، ويغيب فيه أن لدفاعنا عن حقوقنا وتمسكنا بها ، أخلاقا ، إذا لم نشبث بهذه الأخلاق تشبثنا بحقوقنا ، فإننا سنتحصل على حقوق جرداء لا روح فيها ولا سكينة .
التطبيق الكامل لقناعاتي في مصر ، جاء عبر تفاصيل صغيرة ، لكنها ملأت روحي حبورا، تحققت بذاتي في طريقة لباسي ، وكان حجابي تعبيرا خالصا عني .
متعة الذهاب إلى البقالة أو سلانترو الزمالك سيرا على الأقدام ، بل والسير على قدمي أيضا إلى محفل ثقافي كساقية الصاوي القريبة من الفندق الذي أقمنا فيه –فضلا عن حضور نشاطات ثقافية مفتوحة للجمهور - متعة لا يحسها إلا من فقدها .
في جدة قد أذهب مع صديقة للسير على شاطىء البحر والتحدث ، لكن فعلا كهذا لا يمكن أن يكون جزءا اعتياديا من حياتي ، في مصر كان إحساسي بالسير على كورنيش النيل -رغم كونه جزءا من رحلتي القصيرة- إحساسا مختلفا و لكأنه جزء مهم لا أتصور يومي بدونه .
الإحساس بأمني كامرأة في مصر يختلف عنه في حضرموت أو جدة ، ففي مصر أنا شعوري بالأمن منبثق من أمني على تطبيق قناعاتي دون حاجة مني إلى حكمة الموازنة بين قناعاتي وثقافة المجتمع الذي أعيش فيه .
هذه الموازنة بين القناعات وثقافة المجتمع ، وبر الأهل ، هي أكثر تعقيدا في حضرموت منها في جدة ، تبعا لاختلاف طبيعة المجتمعين ، والحاجة إلى الموازنة في جدة لا تجعل الحياة فيها قاتمة أبدا ، لكن لا شك أن الألوان الأكثر بهجة -ظاهرا- عرفتها في مصر.
هذه بعض ملامح إحساسي كامرأة في البلدان الثلاثة ، لم أكتب كل ما عندي لاعتبارات قد تغيرها الأيام ، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله ، وشكرا لوقتكم.