الخميس، 30 ديسمبر 2021

امتنان

 

    لا أراقب عادة مرور الزمان المتصل بالأحداث الفارقة قي حياتي عدا يوم ميلادي لأنه يذكرني بسنوات العمر التي تسير بي، فأحاول أن أجعله يوم تأمل وشكر هكذا بشكل عابر لا أحس له أثرا عميقا ..

لكن الأمر اختلف مع ذكرى قراري بالفراق ..

    ما إن تنبهت إلى أن التاريخ الهجري هو ١٥ / ٥ من عام ١٤٤٣ ..حتى انتابتني مشاعر مبهمة لكنها عاصفة ..استأذنت والدتي في قضاء اليوم خارج المنزل ، وأخبرت آمنة ونسقت معها كيف تقضي وقت غيابي.

    ذهبت إلى مقهى رائق في وقت الظهيرة أحب ( كنبة ) في أحد زواياه ، وواجهت دقتري ومشاعر خوف تعتريني ، ماذا سأقول لنفسي ، كيف مر عام وأنا لم أنجز أملا ما كنت أظن أني سأحوزه في أشهر قليلة ..لم أستطع تحمل أن أقسو على نفسي ..قررت أن يكون يوم استدارة العام الهجري هو يوم شكر وامتنان وتفكّر في نعم الله علي فيما وفقت إليه في هذا العام ..كتبت وأشرقت روحي وأنا أكتشف التغييرات البسيطة والعميقة ..هذا الامتنان الذي ملأ وجداني أضاف شيئا جديدا لبنائي النفسي أدهشني ..لقد انفصلت عن كل الأفكار الناقدة والمحفّزة والقلقة ..جمعت نفسي على معنى تأمل ما أكرمني الله به من نعم، انتعشت روحي كأنها أرض يابسة أحياها المطر فارتوت واخضرّت ..

    لم أجرّب قبلا أن أفرّغ عقلي وقلبي من أية مشاعر وأركز على شعور الامتنان فحسب وأبحر في تفاصيله ..ولم أذق قبلا هذا الشعور بالسلام والصداقة مع نفسي بهذا العمق و ما يشبه الرسوخ .. يومها أهديت نفسي عباءة جديدة خضراء ،وحضرت لقاء ثقافيا مع صديقة أحبها وأطمئن معها وإليها ،وزرنا معا مقهى نزوره لأول مرة واحتضنت صديقتي وبكيت كثيرا وبكت معي ..لم يكن بكاء ألم أو وجع كان بكاء عبور جسر كنت أتهيّب عبوره وقتا طويلا ..كنت أشعر أن بكائي هو اعتراف مني للقدر بهيبته وعظمته وأننا لم نكن لنتحقق بإنسانيتنا لو لم يختبرها بأحداثه التي تبلونا لنخرج من ضيق المعنى إلى سعته وبراحه وجلاله ثم جماله ..

    واليوم ٣٠ ديسمبر يوم استدارة العام الميلادي ، يأتي وأنا أهدأ نفسا ، ولكأن التوقيت الهجري قد استقبل جل ارتباكاتي ، كان ذلك التوقيت يوم شكر ، واليوم هو يوم شكر ويوم استعداد ..

    كنت أقرأ في يوم ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٠ وردي القرآني ووقفت عند هذه الآية : (  قد جعل الله لكل شيء قدرا) فلكأني أقرؤها لأول مرة ، تبددت لحظتها كل مخاوفي ، وانقشع كل قلقي ، و مثلت أمامي حقيقة أن هجرتي قد حانت ، صليت الشروق واستخرت ، وعزمت أمري ، وكانت الهجرة ، وكان الخير .

اللهم كما أكرمت فتمم وأصلح الروح والقلب والجسد ..وكل عام وأنا بخير وأنتم بخير .

 

 

هجرة

 

أحيانا لا يكون للرغبات الجيدة للعقل قدرة على توجيه مسارنا إذ تعترضها تلك الضرورات الداخلية التي تأخذنا إلى طريق لا ينبغي لنا الحيدة عنه أو أن نجعله جزءا لا كلا ..

ضرورتي هذا العام ٢٠٢١ كانت أن أعيد التصالح مع نفسي وأيامي ، أن أتعرف على هويتي من جديد، وأن أبحر في أعماقي لأفهم من أين أتى كل هذا الشتات الذي بت معه أتعثر في التواصل مع من حولي ، وبت معه أشعر بما كنت أظنه وحدة فتبيّن لي أنه ألم الاغتراب عن الذات ، وألم الجراح التي أثخنت روحي فلم تكن قادرة على الإحساس بالسلام والاتساق ، وكيف تقوى على ذلك وقد أنهكتها المداراة ، وأتعبها الصبر بلا رشد ..

تبلغ الروح حالة الضرورة لو قطع عنها مدد الثقة والسكينة والأمان كما يبلغ الجسد حالة الضرورة لو قطع عنه الطعام والشراب لكن حال الروح لا كحال الجسد .إذا بلغت الروح حال الضرورة كان شقاؤها مرضا يحيد بها عن سداد الرأي، وصفاء البصيرة ، وهو مع ذلك يغتال الجسد بأمراض حسية متنوعة ..

لقد سرت في طريق ضرورتي وأجدني الآن بفضل الله قد وجدت سكينتي ، غادرتني الغصة التي كانت لا تفارق حلقي ، وسكن صدري بعد أن كانت كلماتي تصدر عن مشاعر مضطربة مختلطة : غضب مكتوم، ويأس يدعي غير حقيقته ، وحيرة ، ووجع، وملامة لا تنقطع ، ورؤية مشوهة لنفسي..

لقد قطعت طريق ضرورتي بفضل الله ، وصار صوتي يخرج لا اختناق فيه غالبا ..وصرت أكثر وعيا بعالمي الداخلي ..و عرفت العافية بعد طول سقم ..فلك الحمد يا ربي على جميل نعمك وإحسانك

لم يكن طريقا سهلا ، ومن قال إن التغيير سهل ؟ لكنه كان طريقا وهبني إحساسا جديدا بالمعنى، سعي مستمر للفهم ، وسقطات مؤلمة لكنه الألم الذي ينوّر العقل والقلب..

كان طريقا فيه الكثير من المثابرة ، والعزم ، والحب ، قراءات جعلتني أعيد فهم ذاتي ، وفهم علاقاتي، وصداقات دعمتني بكل حب وصبر ورشد ..

الانتقال إلى دور اجتماعي جديد هو رحلة نحو الذات..

ممتنة لكل مشاعر الخوف التي كانت تداهمني ، ولكل مشاعر الوجع، ولكل الألم الذي كان كالليل البهيم، لقد أشرقت روحي بكل ذلك ، وتعلمت كيف أوازن بين حقوقي وحقوق الآخرين ، تعلمت نسختي الخاصة بي في عالم الموازنات ..

فقدت بعض الصداقات ومنها صداقات لا زلت أكن لأهلها كل الحب والتقدير لكني أعرف تماما الآن وبشجن هادئ أن طريقنا قد انتهى وأتقبل ذلك وأوافق عليه .

قرأت كما لم أقرأ منذ سنوات ..وكتبت كما لم أكتب منذ سنوات ..وتعلمت عن نفسي أمورا أحبها وأعتز بها وأخرى أستشفي بها ..

ممتنة لربي أولا وآخرا ..

ممتنة لربي أن هداني إلى الهجرة من مكة إلى جدة حيث وجدت نفسي من جديد

ممتنة لربي أن أكرمني بأب احترم قراري ولم يناقشني فيه وكانت كلمة : حياك هي التي استقبلتني

ممتنة لربي ان أكرمني بأمي وشيختي وأهلي وصداقاتي .

و سأبدأ رحلتي الجديدة بروح جديدة أسأل الله أن تكون رحلة رشد وترق وخير عميم

 

الثلاثاء، 28 ديسمبر 2021

وتواصوا بالمرحمة

 

جاء في الحديث الصحيح : إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخَر، حتى تختلطوا بالناس؛ من أجل أن ذلك يحُزنه". قال النووي : وإدخال الحزن على قلب المسلم حرام .

‏وجدتني أتأمل في الحديث من زاوية جديدة عليّ، لم يوجه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخطاب إلى الشخص الثالث أن عليه ‏أن يحترم حاجة الجالسَين معه إلى الانفراد بحديث خاص، وأن عليه أن يكون قويا مستغنيا حسن الظن بهما .

جعل الحديث الشريف احترام المشاعر جزءا مهما من التفاعل الإنساني، وجعل هذا الاحترام جزءا من (الحكمة ) وكمال العقل والدين ، وحرّم إهمال هذه المصلحة ‏مصلحة الحفاظ على قيمة الود ، والسماحة، واحترام مشاعر الآخرين ، وذم (تهميش ) الآخرين ، ونبذهم ، والتعامل معهم كأنهم غير مرئيين ، لقد حرّم الإسلام ذلك ، وجعل فعله فسادا في العقل والدين ، فإذا كان هذا المعنى واجب الاحترام في حق عموم الناس ، فهو في حق ذوي الرحم والأبناء والأزواج أولى ‏وتألم الزوج من إهمال شريكه في الحياة ، هو شعور معتبر ، وهو أذى وضرر بيّن ، يؤذي الروح ، ومطالبة المتألم بالاستغناء ، والإعراض ، والتركيز فيما ينفعه، ووصمه بالضعف إن لم يفعل ذلك ، ضلال في التفكير شرعا وعقلا .

الاحترام والسماحة والود ضرورات إنسانية إهمالها فساد .

 

الاثنين، 13 ديسمبر 2021

التشوهات الإدراكية العشرة من كتاب : الشعور الجيد.

           

التشوهات الإدراكية العشرة*

 

توطئة : " كل شعور سيء تشعر به هو نتيجة تفكير سلبي مشوّه . "

التشوهات الإدراكية العشرة :

1)     التفكير بطريقة كل شيء أو لا شيء : أنت ترى الأشياء في فئتين فقط الأبيض والأسود . وعندما لا يصل أداؤك إلى المستوى المثالي ترى نفسك فاشلا .

2)     المبالغة في التعميم : ترى حدثا سلبيا واحدا كنمط انهزامي لا نهاية له .

3)     التصفية العقلية : تختار شيئا سلبيا، وتحصر كل تفكيرك فيه، مثل نقطة حبر تلوّث كوب ماء بأكمله .

أ‌.  قراءة العقل: تستنتج بطريقة تعسفية أن شخصا ما يتصرّف بطريقة سلبية تجاهك ولكنك   لا تهتم بالتأكد من صحة استنتاجك .

ب‌.   التنبؤ الخطأ: تتوقع أن تسير الأمور بشكل سيء ، وتقنع نفسك أن توقعك حقيقة مؤكدة.

4)     عكس الإيجابيات: ترفض التجارب الإيجابية عن طريق الإصرار على أنها " لا تحتسب " لسبب أو لآخر، وبهذه الطريقة تستمر في الحفاظ على اعتقاد سلبي يتعارض مع تجاربك اليومية .

5)     التسرع في الاستنتاج : تقوم بتفسير أمر ما بطريقة سلبية رغم عدم وجود حقائق تدعمه بشكل مقنع .

6)     التهويل ( الكارثية) ، والتهوين : تبالغ في تقدير أهمية الأشياء ( مثل ضربة جولف ، أو إنجاز شخص آخر) ، أو تقلل من أهمية الأشياء بطريقة غير مناسبة حتى تبدو ضئيلة : ( صفاتك الحسنة أو عيوب شخص آخر ) . ويطلق على هذا أيضا خدعة المنظار ثنائي العينين .

7)     المنطق الانفعالي : تفترض أن انفعالاتك السلبية تعكس حقيقة الأشياء بالضرورة : " أنا أشعر بذلك إذن يجب أن يكون حقيقيا."

 

8)      الأمور الواجبة : تحاول تحفيز نفسك بتذكيرها بالأمور التي يجب فعلها والأمور التي يجب عدم فعلها ، كأنه يجب عليك أن تعاقب نفسك قبل أن تقوم بأي شيء . أنت تخطئ باستخدام كلمات مثل : " يجب " أو " ينبغي " فهذه الكلمات تخلّف شعورا بالذنب لاحقا، وعندما توجه هذه الكلمات نحو الآخرين تُشعِر بالغضب ، والإحباط ، والاستياء .( حاشية:  الحد الأدنى الواجب عليك هو المطلوب شرعا وإنسانيا منك، ما زاد على ذلك فأنت تختاره لأنك ستطمن به وإليه، تفعله لأنه يشبهك أكثر، وهو خيارك الأصيل . )

 

.9)  التوصيف وسوء التوصيف : هذا أحد أكثر أشكال المبالغة في التعميم تطرفا ، فبدلا من وصف الخطأ ، تلصق صفة سلبية بنفسك : " أنا فاشل "  وعندما يغضبك سلوك شخص آخر تلصق به صفة سلبية: " إنه شخص ذميم" . يتضمن سوء التوصيف وصف حدث ما بكلمات متحيزة ومشحونة عاطفيا .

 

10)      الشخصنة :تنظر إلى نفسك على أنها سبب وقوع حدث خارجي سلبي . والحقيقة أنك غير مسؤول في الأساس .

 

·        الشعور الجيد: ديفيد. دي بيرنز. ص 52/ 68/ 69. ملاحظة: الكتاب هو خطة علاجية للمصابين بالاكتئاب والتقلبات المزاجية.

               

                                                                  

الأحد، 5 ديسمبر 2021

عن قصصنا الجديدة : قراءة في كتاب : " نساء يبحرن شمالا" *.

 


كيف هي حال أيامك ؟ هل هي صافية مشرقة ، أم يشوبها ما يكدر هذا الصفاء ، ويحجب بعض هذا الإشراق أو كله ؟ أم أن الأمر عندك لا يتعلق بالظروف وإنما يتعلق برؤيتك لها ؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل وصلت إلى حكمتك الخاصة للتعامل مع كدورات الأيام أم أن لومك لنفسك يتجدد كلما حادت عن نهج الامتنان ؟

هذه الأسئلة وكل ما يتصل بها من تأملات ، وإحباطات ، وذكريات ، وآمال ، ومحاولات ناضجة أو دون ذلك هي  العالم الذي ترافقنا في آفاقه د. ماري بيفير[1] في كتابها : " نساء يبحرن شمالا"[2].

لقد كتب على غلاف الكتاب أنه يناقش القضايا الثقافية والتنموية التي تواجهها النساء مع تقدمهن في العمر، وقد وضعته في هذا الإطار التعليقات والقراءات التي كُتبت عنه–فيما اطلعت عليه-إذ أنه قدّم لنا مادة وصفية مركزة للموضوعات التي تتعلق بحياة المسنات لكن ما قدمه من قضايا لا يمكننا رؤيتها بشكل مستقل عن عمقها الإنساني والفلسفي العام.

فالكتاب يتناول أطيافا متعددة من المعاناة الإنسانية، ويساعدنا على بلورة رؤيتنا المتعلقة بألمنا الخاص، وتطوير مهاراتنا في التكيف والرضا والازدهار. 

ولكأن كل القصص التي تناولت حياة النساء المسنات كانت تنبهنا إلى أننا نطلع على الجانب الأقسى من معاناة الإنسان، فنتماهى مع تلك المعاناة ، ونقرأ خلاصة حكيمة وهادئة ومتعاطفة للتعامل مع الألم الإنساني ، وارتباكات تغير الأدوار الاجتماعية، و عواصف المشكلات المتعلقة بعلاقتنا بأنفسنا والآخرين .

وسواء  كان قارىء هذا الكتاب قد بلغ مرحلة الشيخوخة، أو كان عمره دون ذلك، فإن الكتاب يحمل في طياته ما يساعد على (توسيع مخيلتنا الأخلاقية )[3]لتشمل المزيد من وجهات النظر بما يساعدنا على قبول أنفسنا، وقبول الآخرين، وتبصيرنا بأهمية الموازنة بين روافد حياتنا لنحافظ على علاقات إنسانية أصيلة .

 يضىء الكتاب لكل من لم يبلغ مرحلة الشيخوخة تفاصيل مهمة تعينه على فهم معان ثرية تهبها حكمة التجارب لمن تقدّم بهم العمر، وتجعله أكثر إدراكا لما يحس به أحباؤه من كبار السن، وما يواجهونه من تحديات قد يحتاج المرء إلى استشراف مستقبله من خلالها إذا كان مقدّرا له أن يمتد به العمر .

وقد قسمت المؤلفة الكتاب إلى أربعة أقسام: تحديات الرحلة، ومهارات السفر، والمسافرون على متن القارب، وأضواء الشمال .

وكل قسم من هذه الأقسام يتناول زاوية من زوايا النضج الإنساني ، وتشكل أفكار الكتاب بمجموعها وحدة متكاملة ، يعضد بعضها بعضا عبر حكايات لشخصيات حقيقية ، ينقل لنا الكتاب أحوال ماضيها وحاضرها ، فينتقل بنا من التنظير  إلى المعايشة التي تهبنا بصيرة أكثر عمقا.

وسأحاول أن أقدم تناولا للكتاب ينفذ إلى عمق ما يوصله من رسائل تعين على قسوة الأيام وتتجاوز موضوعه الخاص إلى رحابة دلالاته المتعلقة بالتجربة الإنسانية المشتركة.

المرونة .. رحلة تعلم :

                تركز الكاتبة على أن المرونة هي نتاج تعاطفنا مع معاناتنا ومشاهدتنا للمعاناة، فالألم يدفعنا لنكون أكثر لطفا ، كما يزيدنا صلابة ،والمرونة مهارة يمكننا إتقانها بالطريقة نفسها التي نتعلم بها الطهي أو قيادة السيارة ,

                نعم ، النمو ليس حتميا ، وقد يبقى المرء حبيسا لتصوراته القاصرة ، تقول المؤلفة :                 " جميعنا التقينا بامرأة دائمة الشكوى، لا تتحدث سوى عن نفسها ، أو تنتقد الآخرين غير واعية لذاتها ، وأحيانا نكون نحن من هذا النوع . فجميعنا نتذمر، ونصاب بالإحباط ، ونقوم بخيارات تلقائية ، فنخسر معاركنا مع شهواتنا ودوافعنا . ولكن ، لم يفت الأوان بعد لكي نغير سلوكنا نحو الأفضل . " وهي مع ذلك تذكرنا أن النمو رحلة مستمرة ، لا ينبغي أن نطالب أنفسنا فيها بالكمال : " فالعالم لا ينقسم  إلى نوعين من النساء نوع ينمو وآخر لا . فكل واحدة منا تنتمي إلى المجموعتين كل يوم تقريبا من أيام حياتنا. ثمة أوقات نكون فيها مرنات وقادرات على التكيف، وأوقات أخرى نكون فيها حساسات ومتشائمات . سيرافقنا الألم ، والحزن، والغضب دائما. ولكن مع الإرادة والنية، والمجموعة الصحيحة من المهارات ، يمكننا أن نكون أكثر سعادة على المدى الطويل."[4]

 

                تحدثنا الكاتبة عن أهمية صياغة الدليل الخاص بنا لنحيا حياة مستقرة ، لا بد لنا أن نحدد ما يجعلنا نشعر بالارتياح، وتلك الأمور التي نضطر لفعلها لأجل مجاملة الآخرين، أو خوفا من اضطراب علاقتنا بهم ، ولو كان ذلك سيؤثر سلبا على قدرتنا على إعطاء أنفسنا حقها من السلام والسكينة .

كما تحدثنا عن أهمية التواصل المستمر مع من نجد في التواصل معهم دفئا واطمئنانا من الأهل والأصدقاء ، وتتحدث عن أن الظروف المكانية والزمانية باتت في عصرنا أكثر تحديا بحيث أن تنظيم مثل هذا التواصل يحتاج إلى أن يجتهد المرء للتخطيط له وإلا فإن الأيام ستمر ، وسيكون البعد  هو الأصل لا القرب والأمان العاطفي الذي تهبه لنا العلاقات الجيدة .  تقول المؤلفة : " تجد بعض النساء أنفسهن وحيدات في وقت لاحق من حياتهن لأنهن لم يقدرن العلاقات بما فيه الكفاية لتنميتها والحفاظ عليها ."

                تتحدث الكاتبة أيضا عن أهمية  التغذية الذاتية بأن نخلق لأنفسنا دوما أوقاتا لفعل كل ما يشعرنا بالجدوى والمعنى ، وأن لا نستسلم لرياح تقلباتنا النفسية، وعدم وجود منافذ جاهزة ومناسبة لينتظم عطاؤنا من خلالها .

وتنبهنا الكاتبة إلى أن تغير ظروف الحياة مع التقدم في السن المرتبطة بأوجاعنا الجسدية، واختلاف أدوارنا الاجتماعية ، وفقداننا لأحبائنا من أهل أو صداقات ، وتبدّل وجه الحياة قليلا أو كثيرا ، كل ذلك سيجعل للعزلة نصيبا أكبر من حياتنا ، وهذه العزلة ستكون صديقة جيدة لنا إن أحسنّا استقبالها بمهاراتنا الجديدة للتكيف والتي طورناها عبر السنوات ، وتعلمنا من خلالها كيف نحسن صحبة أنفسنا  عبر قضاء وقت غني معها ، غني بملاءمته لاحتياجنا النفسي والذي قد يكون محض اعتراف بمشاعرنا المريرة أو الغاضبة، والسماح لها بأن تحظى بتقديرنا ، دون أن نحاول إعادة تدوير مسميات الأشياء وتجميلها ، فنسمي " الألم " ألما  لكننا نكون مدركين بعمق أنه كلما أخذ منا أكثر ازدادت قدرتنا على التعاطف والتقدير ومساعدة الآخرين لأننا سنكون أقرب إلى فهم آلامهم وعدم الحكم عليهم.

تقديم الرعاية .. تجربة المتناقضات .

                كلنا يشعر بأن مهمة مقدمي الرعاية لأقربائهم من المرضى وكبار السن هي مهمة شاقة وتستحق التقدير والاحترام ، لكننا ربما نحتاج إلى مزيد تأمل في الكلفة النفسية التي يتحملها هؤلاء في سبيل أداء مهمتهم بطريقة كريمة .

                أن تكون الرعاية هي مهمتك التي تستغرق وقتك وتحرمك نظاما متوازنا لمواعيد نومك، والخلوة بنفسك ، وتطويرها ، والعناية بها وبعلاقاتك الاجتماعية ، فإن من شأن هذا الأمر أن يكون ثقيلا على النفس بقدر ما يحقق لها الرضا والشعور بالمعنى، فهي مهمة تجمع بين المتناقضات  ، ويحتاج أصحابها إلى أن يتعلموا الموازنة بين رعاية أنفسهم ورعاية الآخرين لأن التعاطف الزائد يؤول إلى أن ينهك المرء نفسه فلا يستطيع القيام بمهمته ولو معنويا فيضر نفسه ويضر من نذر نفسه لرعايته .

                تتحدث المؤلفة عن أهمية أن يدرك مقدمو الرعاية حاجتهم إلى إنصاف أنفسهم، والثناء عليها، و تجديد النية المرتبطة بعملهم، وأن لا يفرطوا في حقهم في وقت للاستجمام مهما كان يسيرا، وأن يتحدثوا عن مشاعر الغضب والتعب والمرارة أمام قريب أو صديق عاقل، فالتعبير عن المشاعر القوية يساعد على تخفيفها .  

ولا أستطيع تجاوز هذا المعنى دون الإشارة إلى ما ذكره الإمام النسفي في تفسير قوله تعالى: (ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا .)الإسراء : 25 : " ربكم أعلم بما في ضمائركم من قصد البر إلى الوالدين ومن النشاط والكرامة في خدمتهما( إن تكونوا صالحين) قاصدين الصلاح والبر ثم فرطت منكم في حال الغضب وعند حرج الصدر هنة تؤدي إلى أذاهما ثم أبتم إلى الله واستغفرتم منها ( فإنه كان للأوابين غفورا ) الأواب الذي إذا أذنب بادر إلى التوبة . " .

                إن دعمنا لأهلنا وأصدقائنا من مقدمي الرعاية واجب لا ينبغي لنا التفريط فيه ، والتفاصيل الصغيرة  التي نساندهم بها تعينهم وتقويهم : الاستماع والتعاطف، المكالمة اليومية الودودة ، إحضار هدايا صغيرة  يحبونها ، الحرص على دعوتهن إلى الاجتماعات وإن كان الغالب عدم قدرتهن على تلبية الدعوة، الحديث عن حكايات تشبه حكاياتهن، والثناء على عملهن الطيب.

 

رواية قصة أفضل:

                                في طريقنا الطويل نحو آخر محطات قطار العمر ، وإذا كنا موفقين في التعلم من معاناتنا، وتجدد هويتنا عبر مراحلنا العمرية، وآلامنا الجسدية والنفسية والاجتماعية ، فإننا سنصبح حينها أكثر مهارة في سرد القصص المشجعة : " على سبيل المثال عندما تتصرف إحدى الصديقات بفظاظة معنا قد نقول في أنفسنا : لا شك أن يومها كان سيئا  . " فقدرتنا على التعاطف تمكننا من الرويّة في النظر إلى الأمور.

                القدرة على التعاطف تجعلنا أيضا قادرات على إعادة النظر في قصصنا الخاصة التي كنا ننظر إلى الجانب المظلم منها ، فنتعلم كيف ننظر إلى الجوانب المشرقة في سلوكنا في أشد أيامنا عتمة ، ونجد حينها أن لدينا قصة أخرى تحقق لنا قدرا طيبا من الرضى والامتنان – لله أولا – ونحن نرويها لأنفسنا .

تقول المؤلفة : " بصفتي معالجة نفسية ، حاولت مساعدة مريضاتي على صنع قصص أفضل , طرحت عليهن أسئلة مثل : متى كنت شجاعة أو أقوى مما ظننتِ ؟ ... عندما تنظرين إلى الخلف ، إلى الوضع الرهيب الذي مررتِ به ،  هل تذكرين ما استطعتِ فعله ، وشعرتِ بالفخر حياله ؟  وكانت تأتيني إجابات من مثل : .... "بغض النظر عن الضياع الذي شعرت به خلال رحلتي إلى أمريكا ، حاولت أن أكون لطيفة مع الناس الذين التقيت بهم في طريقي ."

نعم ، يمر كثيرون منا بمواقف قاسية ، وإخفاقات ، وعواصف قد تفقدنا أماننا النفسي، فإذا ما تجاوزناها بسلام ، ونجونا، فإننا سنجد ثمرة ذلك قدرة كريمة على الامتنان والتعاطف ، الامتنان لأبسط الأمور ، أو ما كنا نعده من أبسط الأمور ، ونصير أكثر قدرة على استيعاب اختلافاتنا مع الآخرين ، لكن ما نغفل عنه هو أننا بحاجة إلى أن نستثمر ذلك في تأمل جديد لقصتنا ومواقفنا وما سميناه في يوم ما سذاجة أو تقصيرا ، ونتوقف عن لوم أنفسنا، ونحتضنها،  ونعينها على وعي جديد تستحقه بعد كل الآلام التي نالت منها.

                 استطاعت المؤلفة د. ماري بيفير أن تجمع في ذكاء بين التوعية بالثراء الإنساني التي تهبه تجربة التقدم في العمر ومتطلبات تلك المرحلة حقوقيا وثقافيا وحضاريا وبين مقاربة  المعاناة الإنسانية في جميع محطات العمر ، فجعلت كتابها مستراحا نافعا للإنسان أيا كان عمره وأيا كانت إحباطاته وعثراته وآلامه .

                لقد استمتعت بقراءة 300 صفحة من القطع الكبير بترجمة سلسة للكتاب قدمتها الأستاذة زينة إدريس، والتي أتحفتنا من قبل بترجمة ممتازة لكتاب: " طعام صلاة حب " لإليزابيث جيلبرت، وقد تبنت الترجمة الدار العربية للعلوم ناشرون، لتكون إضافة للمكتبة العربية  تستحق الاحترام  والشكر .

                                                                   *نشر في مجلة الجوبة الثقافية. العدد 72. صيف 1442هـ. أغسطس / 2021 م .

 



[1] تقول في مقدمة الكتاب: " أنا أكتب بوصفي عالمة أنثروبولوجيا ثقافية، وعالمة نفس سريرية متخصصة في علم النفس التنموي والصدمات النفسية. " .

 

[2] العنوان بالإنجليزية: Women rowing north. والتعبير بالإبحار نحو الشمال كناية عن التقدّم والازدهار.

 

[3] كررت المؤلفة هذا المعنى في أكثر من موضع في كتابها.

[4] النقل هنا بتصرف يسير .

قراءة في كتاب : كيف تصلح قلبا مكسورا ؟ *

 

                                                                                       

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ."


تعاطف مستحق :

قبل سنوات طويلة تقدّم شاب لخطبة صديقة لي، ولم تطل الخطبة إلا أسابيع قليلة ثم تم عقد القران ليتسنى للطرفين التعرّف على بعضهما قبل أن يضمهما بيت واحد وفقا للثقافة السائدة، لقد أحبت صديقتي (خطيبها/ زوجها ) حبا عاصفا ، قالت لي: لقد صادف هواه قلبا خاليا فتمكنا.

 لكن الأمر لم يتم، و بعد ستة أشهر تقريبا تراجع ( الخطيب/ الزوج ) عن إتمام الزواج وترك صديقتي تعاني ألما قاسيا، وتدنيا في تقدير الذات، وحزنا قويا .

كنا في مقتبل العمر ، وكنت أواجه هذا الوجع من خلال صديقتي لأول مرة، ما أنا ممتنة له أن الله سبحانه هدى قلبي إلى التعاطف الذي لم يخالطه سأم أو لوم، وأني كنت أستمع إلى صديقتي وأنا أشعر أن ألمها جدير بالاحترام ، لكن هذا لم يكن رد فعل كل من حولها ، لقد لامها آخرون لأنها استغرقت في الحزن والإحباط ولأن الأمر كما قالوا لا يستحق كل هذا الألم، والوحشة، والانكسار.

تجاوزت صديقتي محنتها، وخرجت منها – بفضل الله – أقوى، وأكثر إيمانا بنفسها، وحماها هذا الألم من أن تكسرها علاقة أخرى.

كيف تجاوزت صديقتي هذه المرحلة ؟ ما أتذكره الآن أنها أعطت لنفسها الحق في الحزن، لم تلم نفسها، ولم تسمح للوم الآخرين أن ينال منها، أخذت وقتها في التعافي ، وفي تعلّم كيف تصوغ نظرتها العادلة لذاتها، ولم تغرق في تحليلات خاطئة للموقف، كل ذلك ساعدها، مع التعاطف الذي تستحقه من بعض المقربين.

تذكرت قصة صديقتي وأنا أقرأ الأمثلة التي تناولها الكتاب، ولأن الأمثلة جاءت من ثقافة مختلفة فقد آثرت أن أبدأ حديثي عن الكتاب بمثال من صميم ثقافتنا الاجتماعية.

 

لا تنس أبدا أن المعاناة ذاتية :

          يحدثنا مؤلف كتاب : كيف تصلح قلبا مكسورا ؟ الدكتور: غاري وينش [1]عن الانتقائية في ثقافة التعاطف، فهي توجه غالبا إلى الأحزان المتصلة بالأحداث الكبيرة في حياة الناس، كالموت والطلاق، وبالتالي يعاني كثيرون معاناة قاسية ولا يجدون من يتعاطف معهم بعمق لأن أحزانهم -وفقا لثقافة التعاطف السائدة – لا تستحق أن تحدث ألما كبيرا.

          ويحاول الكتاب أن ينبه إلى قصور هذه النظرة وعدم نضجها بل وأثرها في إبطاء الشفاء، ويؤكد على أن مقياس المعاناة ليس طبيعة الحدث بل مقدار ما يحدثه من ألم في نفس صاحبه، والعجز عن احترام ذلك مؤذ و قاس .

" مستوى لا يحتمل " :

           تعمل المعاناة الناتجة عن آلام الانفصال العاطفي بنظام معقد، وتأثيرها يتجاوز عواطفنا وتفكيرنا إلى أجسادنا، وأدمغتنا ، ووظائفنا، وعلاقاتنا بشكل قد لا نتوقعه .

          يحدثنا الكتاب عن قيام  إيثان كروس- أستاذ علم النفس- وزملائه في جامعة ميتشغان بزيارات استقصائية لعدد ممن مروا بحالات انفصال عاطفي مؤلم . تم إخضاع أولئك المتطوعين لجهاز FMRI- وهو جهاز يحوي ماسحا ضوئيا يكشف المناطق الدماغية التي يتدفق فيها الدم بشكل أكبر ما يعني نشاطا أكبر – ثم طلب منهم التحديق في صورة الشخص الذي كان سببا في  التهوين من أمر الانفصال ، فيما يقوم الماسح الضوئي بجمع صور لأدمغتهم ، وإظهار شريحة واحدة في كل مرة .

          ثم خضع بعدها المتطوعون إلى جهاز تحليل الخلايا الحسية العصبية ، وهو جهاز ينقل الحرارة عبر جلد الساعد، ويستخدم لمعرفة المستويات المرتفعة للحرارة المزعجة في ذراع المتطوع في فترة لا تزيد عن سبع ثوان. في البداية سببت تلك الحرارة انزعاجا خفيفا للمتطوعين، لكنها ارتفعت بعد ذلك حتى وصلت إلى مستويات مؤلمة 8/ 10 حيث تشير الدرجة الأخيرة إلى " مستوى لا يحتمل" .

          وعندما قام العلماء بمقارنة صور الدماغ القبلية بالبعدية لتلك التجربة، وجدوا أن نشاط المناطق الدماغية للمتطوع عند التعرّض للتهوين من معاناة الانفصال العاطفي  يتطابق مع التعرّض للألم الجسدي المرتبط بارتفاع درجة حرارة الساعد .

          يقول غاري وينش : تخيّل أنك تقوم بعملك، أو دراستك، أو بعض مسؤولياتك حينما يقترب الألم الذي تعانيه من مستويات :" لا تحتمل " ، وإحساسك هذا ليس لبضع ثوان كما في التجربة بل هو يسكنك لوقت يمتد لأشهر أو أكثر .

          هل مر أحد المقربين منك بتجربة آلمته وشوشته، ولمته على عدم قدرته على التماسك لأن الحدث لا يستحق كل هذا الألم ؟ إذن ربما أنت بحاجة ان تراجع طريقة تفكيرك لعلها تقودك إلى التعاطف المستحق.

          بل هل مررت بتجربة مؤلمة لم يحترم ألمك فيها بعض من تحبهم ولكأن ألمك وهم ؟ هل لمت نفسك على حزنك ؟ إذن ربما تحتاج إلى أن تتعاطف مع نفسك من جديد، وتدرك أنه ليس من حق أحد التقليل من معاناة آخر ، وأن المعاناة مدارها إحساس المتألم لا ماهية الحدث المؤلم .

تتبع الكتروني :

          يتحدث الكتاب عن أن الانفصال العاطفي المؤلم قد يحدث عند الطرف المتألم أعراضا انسحابية تشبه أعراض مدمني المخدرات، لأن العلاقة كانت تشكل له أمانا ومؤانسة تملأ وجدانه، وبعد الانفصال يصبح قلبه خاويا ، فيسعى عقله اللاواعي  إلى استعادة المشاعر التي كانت سكنا له يتتبع أخبار الطرف الآخر في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مستمر، وهي تتيح للمراقب نوعا من " الاتصال الزائف" وشكلا من أشكال استعادة الذكريات التي تشتت آلام الانفصال . ورغم صعوبة التخلي عن هذا السلوك إلا أننا يجب أن ندرك أن ممارسته يعمّق الجرح و لا يشفيه و لا يساعده على الشفاء .

          يحكي لنا غاري وينش عن ديف الذي انفصلت عنه حبيبته في المرحلة الجامعية، وظل طوال أحد عشر عاما يتابعها متخفيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي كلما أصيب بإحباط من زوجته .

          لا يرى ديف أن سلوكه مضر، ويصر على أنه لا يشعر بأي حزن دفين، وعندما يناقشه غاري في أسباب سلوكه ويغوص معه في عمق مشاعره ، يقول ديف: " في الواقع، لم يكن هناك وخز ضمير – بسبب ردة فعله الغاضبة على هجرانها له -أو شعور بالتوتر ، لكن كانت هناك لحظة حنين واشتياق". فيقول له غاري وينش : جرحك العاطفي لم يندمل بعد ، ليس جرحا كبيرا ، أو أنه تصعب معالجته لكن مراقبتك لها الكترونيا سيجعله جرحا متجددا .أنت أيضا تستغل صديقة الجامعة كمنفذ للهروب العاطفي بدلا من توجيه جهدك نحو حل مشكلاتك مع زوجتك .كما أنك بشكل لا واع تحمي نفسك بهذا التتبع واستثارة الحنين من الإصابة بانكسار جديد من علاقتك الحالية.

          يقول غاري وينش: عندما تهم " فجأة" أو " مصادفة " بالتفكير في الشريك السابق وتقرر البحث عنه أو عنها ، فإن ذلك عادة ما يكون رد فعل على وضع يحدث في الحاضر. والطريقة المثمرة لمعالجة مشكلاتك الآنية هي التشاور مع الشريك / الزوج الحالي بدلا من توجيه تلك المشاعر إلى شخصيات من الماضي .

 

آليات الشفاء :

          الشفاء رحلة تتطلب الشجاعة والحزم ، وكذلك المعرفة والوعي في الوقت ذاته . وفي الكتاب بعض تفصيل مع الأمثلة لآليات الشفاء من المعاناة العاطفية . هذه الآليات هي :

-       فهم الطريقة التي يوجهنا فيها عقلنا المتأثر بالألم نحو خيارات خاطئة . وفي كتاب : ( الشعور الجيد ) للدكتور : ديفيد دي بيرنز منهج علاجي مكثف يتضمن شرح التشوهات الإدراكية التي تضلل عقولنا.

-       مكافحة الميل إلى الإدمان للإبقاء على أثر لأولئك الذين فقدناهم، سواء عن طريق ذكرياتهم أو مقتنياتهم أو التتبع الالكتروني لهم .

-       إعادة بناء احترامنا لذاتنا من خلال ممارسة العطف الذاتي . و في كتاب : ( لا بطعم الفلامنكو) للدكتور محمد طه نموذج علاجي الهدف منه فهم صعوبات النفس ومساعدتها على النضج والنمو النفسي . ومعالجته لموضوع العطف الذاتي مفصّلة وعملية .

-       تبني فكرة التأمل الذهني – التركيز في النشاطات الحاضرة- لمكافحة الأفكار الوسواسية الناتجة عن الفقدان .

-       معرفة الفراغات التي خلفتها حالة الانكسار في حياتنا واتخاذ الخطوات اللازمة لملئها .

-       إعادة التواصل مع ذواتنا، والتعرّف عليها من جديد، لأن ألم الفقدان يقودنا إلى النظر إلى أنفسنا من خلال قصصنا المنتهية ، وهذا يصعب علينا رحلة التواصل المتوازن مع النفس .

إنصاف :

          يؤكد الكتاب على أن التعاطف حق لكل متألم، وأن المعاناة مدارها إحساس صاحبها لا نوع الحدث الذي تسبب فيها ، لكنه أيضا ينبه المتألمين إلى فكرة لعلها تحتاج مزيد تأمل وهي عدم إثقال كاهل الذين يقدمون لنا الدعم ، وعلينا تقبل أن الدعم قد يتفاوت بحسب أحوالهم النفسية، وضغوطات حياتهم ، ولا بد لنا أن نستصحب فكرة أنهم يحبوننا، ونستمد منها الأمان والقوة لنخوض رحلتنا الخاصة . رحلتك هي مسؤوليتك ، وتحتاج إلى مساعدة نفسك ومساعدة الآخرين وتراعي اختلاف نفسياتهم، وقدرتهم على الاستيعاب.

آلامنا غير المرئية  :

          أراد الدكتور غاري وينش أن يسلط الضوء على الآلام غير المرئية، والتي لا تنال حظها المستحق من التعاطف، وقدّم تفاصيل جديرة بالتوقف عندها عند كلامه عن رحلة الشفاء . وأظن أنه نجح في غايته من الكتاب.

نشرت الكتاب باللغة العربية صفحة سبعة عام 1442هـ/ 2021م بترجمة الأستاذ متعب الشمري، والكتاب يقع في 138 صفحة من القطع المتوسط، ولغته سهلة رغم بعض العثرات المتعلقة بصياغة المعاني، والتدقيق اللغوي.

                                      *نشرت في مجلة الجوبة / العدد 73/ خريف 1443هـ (2021م).

 

 

 

 

 

         

         

 

 

 

 

         

         

 

         

         

 



[1] طبيب نفسي ومؤلف ومتحدّث أمريكي بارز ، ترجمت مؤلفاته إلى 23 لغة