الخميس، 30 ديسمبر 2021

هجرة

 

أحيانا لا يكون للرغبات الجيدة للعقل قدرة على توجيه مسارنا إذ تعترضها تلك الضرورات الداخلية التي تأخذنا إلى طريق لا ينبغي لنا الحيدة عنه أو أن نجعله جزءا لا كلا ..

ضرورتي هذا العام ٢٠٢١ كانت أن أعيد التصالح مع نفسي وأيامي ، أن أتعرف على هويتي من جديد، وأن أبحر في أعماقي لأفهم من أين أتى كل هذا الشتات الذي بت معه أتعثر في التواصل مع من حولي ، وبت معه أشعر بما كنت أظنه وحدة فتبيّن لي أنه ألم الاغتراب عن الذات ، وألم الجراح التي أثخنت روحي فلم تكن قادرة على الإحساس بالسلام والاتساق ، وكيف تقوى على ذلك وقد أنهكتها المداراة ، وأتعبها الصبر بلا رشد ..

تبلغ الروح حالة الضرورة لو قطع عنها مدد الثقة والسكينة والأمان كما يبلغ الجسد حالة الضرورة لو قطع عنه الطعام والشراب لكن حال الروح لا كحال الجسد .إذا بلغت الروح حال الضرورة كان شقاؤها مرضا يحيد بها عن سداد الرأي، وصفاء البصيرة ، وهو مع ذلك يغتال الجسد بأمراض حسية متنوعة ..

لقد سرت في طريق ضرورتي وأجدني الآن بفضل الله قد وجدت سكينتي ، غادرتني الغصة التي كانت لا تفارق حلقي ، وسكن صدري بعد أن كانت كلماتي تصدر عن مشاعر مضطربة مختلطة : غضب مكتوم، ويأس يدعي غير حقيقته ، وحيرة ، ووجع، وملامة لا تنقطع ، ورؤية مشوهة لنفسي..

لقد قطعت طريق ضرورتي بفضل الله ، وصار صوتي يخرج لا اختناق فيه غالبا ..وصرت أكثر وعيا بعالمي الداخلي ..و عرفت العافية بعد طول سقم ..فلك الحمد يا ربي على جميل نعمك وإحسانك

لم يكن طريقا سهلا ، ومن قال إن التغيير سهل ؟ لكنه كان طريقا وهبني إحساسا جديدا بالمعنى، سعي مستمر للفهم ، وسقطات مؤلمة لكنه الألم الذي ينوّر العقل والقلب..

كان طريقا فيه الكثير من المثابرة ، والعزم ، والحب ، قراءات جعلتني أعيد فهم ذاتي ، وفهم علاقاتي، وصداقات دعمتني بكل حب وصبر ورشد ..

الانتقال إلى دور اجتماعي جديد هو رحلة نحو الذات..

ممتنة لكل مشاعر الخوف التي كانت تداهمني ، ولكل مشاعر الوجع، ولكل الألم الذي كان كالليل البهيم، لقد أشرقت روحي بكل ذلك ، وتعلمت كيف أوازن بين حقوقي وحقوق الآخرين ، تعلمت نسختي الخاصة بي في عالم الموازنات ..

فقدت بعض الصداقات ومنها صداقات لا زلت أكن لأهلها كل الحب والتقدير لكني أعرف تماما الآن وبشجن هادئ أن طريقنا قد انتهى وأتقبل ذلك وأوافق عليه .

قرأت كما لم أقرأ منذ سنوات ..وكتبت كما لم أكتب منذ سنوات ..وتعلمت عن نفسي أمورا أحبها وأعتز بها وأخرى أستشفي بها ..

ممتنة لربي أولا وآخرا ..

ممتنة لربي أن هداني إلى الهجرة من مكة إلى جدة حيث وجدت نفسي من جديد

ممتنة لربي أن أكرمني بأب احترم قراري ولم يناقشني فيه وكانت كلمة : حياك هي التي استقبلتني

ممتنة لربي ان أكرمني بأمي وشيختي وأهلي وصداقاتي .

و سأبدأ رحلتي الجديدة بروح جديدة أسأل الله أن تكون رحلة رشد وترق وخير عميم

 

ليست هناك تعليقات: