الخميس، 30 ديسمبر 2021

امتنان

 

    لا أراقب عادة مرور الزمان المتصل بالأحداث الفارقة قي حياتي عدا يوم ميلادي لأنه يذكرني بسنوات العمر التي تسير بي، فأحاول أن أجعله يوم تأمل وشكر هكذا بشكل عابر لا أحس له أثرا عميقا ..

لكن الأمر اختلف مع ذكرى قراري بالفراق ..

    ما إن تنبهت إلى أن التاريخ الهجري هو ١٥ / ٥ من عام ١٤٤٣ ..حتى انتابتني مشاعر مبهمة لكنها عاصفة ..استأذنت والدتي في قضاء اليوم خارج المنزل ، وأخبرت آمنة ونسقت معها كيف تقضي وقت غيابي.

    ذهبت إلى مقهى رائق في وقت الظهيرة أحب ( كنبة ) في أحد زواياه ، وواجهت دقتري ومشاعر خوف تعتريني ، ماذا سأقول لنفسي ، كيف مر عام وأنا لم أنجز أملا ما كنت أظن أني سأحوزه في أشهر قليلة ..لم أستطع تحمل أن أقسو على نفسي ..قررت أن يكون يوم استدارة العام الهجري هو يوم شكر وامتنان وتفكّر في نعم الله علي فيما وفقت إليه في هذا العام ..كتبت وأشرقت روحي وأنا أكتشف التغييرات البسيطة والعميقة ..هذا الامتنان الذي ملأ وجداني أضاف شيئا جديدا لبنائي النفسي أدهشني ..لقد انفصلت عن كل الأفكار الناقدة والمحفّزة والقلقة ..جمعت نفسي على معنى تأمل ما أكرمني الله به من نعم، انتعشت روحي كأنها أرض يابسة أحياها المطر فارتوت واخضرّت ..

    لم أجرّب قبلا أن أفرّغ عقلي وقلبي من أية مشاعر وأركز على شعور الامتنان فحسب وأبحر في تفاصيله ..ولم أذق قبلا هذا الشعور بالسلام والصداقة مع نفسي بهذا العمق و ما يشبه الرسوخ .. يومها أهديت نفسي عباءة جديدة خضراء ،وحضرت لقاء ثقافيا مع صديقة أحبها وأطمئن معها وإليها ،وزرنا معا مقهى نزوره لأول مرة واحتضنت صديقتي وبكيت كثيرا وبكت معي ..لم يكن بكاء ألم أو وجع كان بكاء عبور جسر كنت أتهيّب عبوره وقتا طويلا ..كنت أشعر أن بكائي هو اعتراف مني للقدر بهيبته وعظمته وأننا لم نكن لنتحقق بإنسانيتنا لو لم يختبرها بأحداثه التي تبلونا لنخرج من ضيق المعنى إلى سعته وبراحه وجلاله ثم جماله ..

    واليوم ٣٠ ديسمبر يوم استدارة العام الميلادي ، يأتي وأنا أهدأ نفسا ، ولكأن التوقيت الهجري قد استقبل جل ارتباكاتي ، كان ذلك التوقيت يوم شكر ، واليوم هو يوم شكر ويوم استعداد ..

    كنت أقرأ في يوم ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٠ وردي القرآني ووقفت عند هذه الآية : (  قد جعل الله لكل شيء قدرا) فلكأني أقرؤها لأول مرة ، تبددت لحظتها كل مخاوفي ، وانقشع كل قلقي ، و مثلت أمامي حقيقة أن هجرتي قد حانت ، صليت الشروق واستخرت ، وعزمت أمري ، وكانت الهجرة ، وكان الخير .

اللهم كما أكرمت فتمم وأصلح الروح والقلب والجسد ..وكل عام وأنا بخير وأنتم بخير .

 

 

ليست هناك تعليقات: