الأربعاء، 16 مارس 2022

العلاقة بين الزوجين ، مراجعة تجديدية

 


 

العلاقة بين الزوجين سكن، ومودة، ورحمة ، ولا يستقيم ذلك مع عدها علاقة رئيس بمرؤوس ،   ولا علاقة ينظّر لها كعلاقة تعاقدية لا تراحمية ، العلاقة بين الزوجين علاقة (مكارمة ) لا مشاحّة، ومشاركة لا تراتبية في الأدوار ، علاقة أساسها : ( لتسكنوا إليها ) ، ونهجها: ( عن تراض منهما وتشاور ) ‏علاقة أمن ، ومعروف، وتفضيل إلهي لأحسنهما أخلاقا . ومن قرأ الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة قراءة      لا تضرب النصوص بعضها ببعض، وتجمع بينهما كنص واحد خلص إلى هذه النتيجة، وفي ضوئها فهم معنى القوامة، والطاعة، وتدابير علاج النشوز ‏وكل نص مشكل ظُنّ أنه يحرم المرأة من حقوقها الكاملة في الكرامة الإنسانية، والحياة الآمنة .

          إن ما يقود إليه هذا التأصيل للعلاقة بين الزوجين هو الاحترام المتبادل، والحرص المتبادل على حياة لا ضرر فيها ولا ضرار، بل تراحم ، وسكن ، وتغافر ، وإكرام : جاء في تفسير الطبري في بيان قوله تعالى : ( وللرجال عليهن درجة ) :(وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عباس، وهو ‏أن "الدرجة" التي ذكر الله تعالى ذكره في هذا الموضع، الصفحُ من الرجل لامرأته عن بعض الواجب عليها، وإغضاؤه لها عنه، وأداء كل الواجب لها عليه ...

          ثم ندب الرجال إلى الأخذ عليهن بالفضل إذا تركن أداءَ بعض ما أوجب الله لهم عليهن ‏فقال تعالى ذكره:" وللرجال عليهن درجة" بتفضّلهم عليهن، وصفحهم لهن عن بعض الواجب لهم عليهن، وهذا هو المعنى الذي قصده ابن عباس بقوله:"ما أحب أن أستنظف جميع حقي عليها" لأن الله تعالى ذكره يقول:" وللرجال عليهن درجة".) انتهى النقل ومواضع النقط الثلاثة حذفت بعض كلامه اختصارا.

فغاية ما قرره ما قدمنا به من تأصيل هو الأمر بالإحسان بين الزوجين ، وهو متفق على ندبه ، فكيف يكون ذلك مخالفا للشرع وإنما تتقرر المخالفة إذا قلنا بما مآله ضرر وفساد ، فكيف إذا كان فيه صيانة للأسرة من أذى يحرم الزوجة من حقها في السكينة ، فتظل معنويا وماديا مرتهنة إلى أخلاق الزوج فإن ‏حسنت أخلاقه عاملها بالمعروف ولم يحرمها الحياة الكريمة وإن ساءت أخلاق الزوج احتج بالشرع على حقه في حبسها ومنعها من حياة لا عنت فيها وضيّق عليها معنويا وماديا فإذا أرادت الانفصال ولم تكن ذات مال وليس عندها من يعينها من ذويها أذلتها الحاجة لأنها لم تؤسس للاستقلال المادي عبر سنوات زواجها .شرع الإسلام الزواج سكينة ورحمة للزوجين ، وجعل القوامة رعاية وإكرام لا قهر وحرمان وإذلال معنوي أو مادي ، فحيث خرج فهم الرجال للقوامة عن معنى الرعاية والإكرام وصارت عند بعضهم أو كثير منهم سببا للذل والمهانة فكيف يصح التحدث عن كونها علاقة رئيس بمرؤوس ؟ هذا إذا سلمنا بكونها ‏كذلك أصالة. فلا يبقى - حيث سلمنا أنها علاقة يحق للزوج فيها منع الزوجة من كذا وكذا وإجبارها على كذا وكذا - إلا أن نجعل المندوب - وفقا لهذه الرؤية من احترام رأي الزوجة في حياتها بما يوازن بين مصلحتها ومصلحة زوجها ومصلحة الزواج - هو الأصل الذي نؤسس عليه العلاقة بين الزوجين تحقيقا لمقاصد الشرع في حفظ السكينة الأسرية ، وعدم تعسف الزوج في استعمال ( حقه) ، ودرء شبهة أن الإسلام أضر المرأة بتشريع القوامة - حاشاه - .وهذا التأصيل يقرره فقه المآلات ، وفقه القواعد الشرعية فلا ضرر ولا ضرار ، والضرر يزال ، وتتغير الأحكام بتغير الصور الحادثة .والله أعلم .