الأحد، 6 مايو 2007

أنا بين جدة وحضرموت ومصر

من جدة إلى حضرموت

الحديث عن ملامح حياة المرأة في جدة ، لا يمكن تنميطه أو اختصاره في ( الأوهام ) العربية عن السعودية ، هناك أطر عامة ، مثل غرابة ركوب المرأة للحافلات العامة مثلا، وكون خروجها إلى الشارع سيرا على الأقدام لقضاء احتياجاتها أمرا غير شائع وإن وجدت (فلول) من النسوة يسرن هنا وهناك ، مع استثناء الشوارع التي تسمى (شوارع الحوامل ) والتي تسير فيها الحوامل وغيرهن ارتياضا ، أو السير على شاطىء البحر مع كون الغالب أن مثل هذا السير يكون للتنزه من حين لآخر وليس جزءا حيويا في حياة المرأة السعودية .

أذكر في هذا السياق كلام الدكتور يحى الرخاوي في حديث له إلى إذاعة إسلام أون لاين حول كتاب ( ماذا حدث للمصريين ) للدكتور جلال أمين ، وأن الكتاب لا يعدو انطباعات شخصية لا يمكن اعتمادها بشكل كامل علميا ، أو كما قال ، فإذا قيل ذلك في حق الدكتور جلال أمين ، فمن باب أولى يجب علي أن أؤكد هنا أن سطوري هي ملاحظات شخصية بحتة.

وأعود إلى الأوهام العربية عن السعودية ، فقد كنت أتحدث عنها مع أختي بالأمس ونحن نشاهد حلقة من برنامج يهتم بالأناقة في قناة دريم الثانية ، وكانت اللقطة التي شاهدناها سويا هي قيام خبير مكياج بوضع مكياج ( خليجي ) للموديل ، تم فيه التركيز على وضع طبقات كثيفة من الألوان على العين ، باعتبار أن الفتاة الخليجية تغطي وجهها عدا منطقة العين ، ومن ثم تهتم بإبراز هذه المنطقة وتجميلها ، وبالطبع هذه الصورة التي نقلت لا يصح تعميمها أبدا على مناطق الخليج ، وفي جدة بالذات ، فالخروج بمكياج للعين بهذه الصورة يعد خروجا على الآداب العامة ، بل السائد إما كشف الوجه أو تغطيته عدا العينين مع مكياج خفيف للعين إن وجد .

قلت لأختي : سأكتب في مدونتي عن ذلك وأعنون له بـ ( خرافات مصرية عن الخليج ) ، وأضافت : هم يتحدثون عنا بنوع من الفوقية ، فالخليجيات لا يتقن أصول الأناقة ، وهن غالبا سطحيات ، مرفهات ، فارغات . قلت : أضيفي إلى ذلك مشكلاتهن مع عواطفهن المتأججة ، وعدم توازنهن في التعامل معها أو مع الرجل .

تنميط مصري للفتاة الخليجية ، والسعودية خاصة ، يبعث على العجب حقا، فقط لو أحسنوا الاستماع وتعاملوا مع المجتمعات الخليجية بروح التعارف بين ثقافات متنوعة ، فإني أعتقد أنهم سيكسبون حينها نظرا أعمق ، وروحا أكثر ودا وجمالا.

في جدة تتعايش ثقافات عرقية متنوعة يجمعها الإسلام ، وتباين بينها العادات الخاصة بكل عرق ، فهناك الحجازيون الأصيلون ، وهناك من أصولهم مصرية أو تركية أو مغربية أو بخارية ، وهناك العرب من جنسيات مختلفة ، اليمنيون من الشطرين الشمالي والجنوبي، والمصريون ، وأهل الشام ، ثم تتفاوت الطبقات إذا اعتبرنا التقسيم الاقتصادي لتتشكل ملامح كل طبقة من روافد الثفافات المختلفة التي تسكن جدة ، مع الاحتفاظ بالسمات الأساسية لكل ثقافة .

وسأجعل حديثي عن الحضارمة تحديدا كمدخل للكلام عن المرأة في حضرموت ، الحضارمة في جدة أكثرهم متمسكون بتقاليد محافظة جدا ، والتعامل مع المرأة فيه قدر من الشدة من قبل الأهل ، لكن هذه الشدة تتجاوزها الكثير من الفتيات عبر جسور التعليم ، والعمل، وبحكمة غالبا،بعيدا عن الصدام المباشر ، وفي خصوص تعامل الزوج الحضرمي مع المرأة فالانطباع السائد هو كون الرجل الحضرمي من أكثر الرجال رفقا بالزوجة رغم النمط التقليدي للحياة الزوجية .

المرأة في حضرموت

كتبت عن ( المرأة في حضرموت ) في الحلقة الثانية من ( المكلا .. لمحات إنسانية)،لكني هنا أتذكر ملمحا لم أنبه إليه من قبل( كنت في حضرموت فترة الدراسة الجامعية قبل ست سنوات) وهو الأمن الذي تشعر به المرأة في حضرموت لأنها ( امرأة ) ، مهما اختلف في توصيف طبيعة علاقة المرأة بالرجل كأب وقريب وزوج وأجنبي ، فإنه لا يمكن إلا الاتفاق على أن المرأة في حضرموت تنعم بتكريم يجري في دماء الرجل الحضرمي يجعل صيانة كرامتها ، وعدم التعرض لها بأذى أصلا أصيلا في ثقافته ، بل ووجدانه ، ففي سوق المكلا ( وهو سوق شعبي ) لا أجدني متحفزة بسبب نظرات فضولية وقحة تقتحمني ، أنا آمنة تماما في تعاملي مع الرجل الحضرمي ، لا أجد هذا الاطمئنان في بعض الأسواق الشعبية في جدة ، ويمكن أن تكون النظرات المتقحمة من حضارمة يعيشون في جدة ، والفرق لعله طبيعة المجتمع الحضرمي ( المختلطة ) بضوابط وأصول تجعله نموذجا يقترب من النموذج الإسلامي المتزن في ترسيم العلاقة بين الجنسين .

وأخيرا في مصر

زيارتي لمصر قبل أشهر ، كانت الزيارة الثانية ، زيارتي الأولى كانت من خلال عشقي لمصر الذي اختلط بروحي وقراءاتي وصداقاتي ، والذي جعلني أشتم رائحة هوائها خيالا لأتذكره لما شممته حقيقة .

في مصر نعمت لأول مرة بالتطبيق الكامل لقناعاتي ، وقبل أن أشرح ذلك لا بد من بيان أمر أجده غاية في الأهمية ، هو أن عدم تطبيقنا لكامل قناعاتنا وتنازلنا عن بعضها تطبيقا لا فكرا أو تعبيرا ، لا يعد كبتا أو غبنا أو قهرا كما قد يلتبس على البعض ، بل قد يكون تحققنا بذواتنا في حفظ ودنا لأهالينا ، واحترامنا لعادات مجتمعنا ، وترفقنا في الحديث عما نعده توعية وتبصيرا دون اصطدام أهوج أحمق يطيح بالقيم النبيلة ، ويغيب فيه أن لدفاعنا عن حقوقنا وتمسكنا بها ، أخلاقا ، إذا لم نشبث بهذه الأخلاق تشبثنا بحقوقنا ، فإننا سنتحصل على حقوق جرداء لا روح فيها ولا سكينة .

التطبيق الكامل لقناعاتي في مصر ، جاء عبر تفاصيل صغيرة ، لكنها ملأت روحي حبورا، تحققت بذاتي في طريقة لباسي ، وكان حجابي تعبيرا خالصا عني .

متعة الذهاب إلى البقالة أو سلانترو الزمالك سيرا على الأقدام ، بل والسير على قدمي أيضا إلى محفل ثقافي كساقية الصاوي القريبة من الفندق الذي أقمنا فيه –فضلا عن حضور نشاطات ثقافية مفتوحة للجمهور - متعة لا يحسها إلا من فقدها .

في جدة قد أذهب مع صديقة للسير على شاطىء البحر والتحدث ، لكن فعلا كهذا لا يمكن أن يكون جزءا اعتياديا من حياتي ، في مصر كان إحساسي بالسير على كورنيش النيل -رغم كونه جزءا من رحلتي القصيرة- إحساسا مختلفا و لكأنه جزء مهم لا أتصور يومي بدونه .

الإحساس بأمني كامرأة في مصر يختلف عنه في حضرموت أو جدة ، ففي مصر أنا شعوري بالأمن منبثق من أمني على تطبيق قناعاتي دون حاجة مني إلى حكمة الموازنة بين قناعاتي وثقافة المجتمع الذي أعيش فيه .

هذه الموازنة بين القناعات وثقافة المجتمع ، وبر الأهل ، هي أكثر تعقيدا في حضرموت منها في جدة ، تبعا لاختلاف طبيعة المجتمعين ، والحاجة إلى الموازنة في جدة لا تجعل الحياة فيها قاتمة أبدا ، لكن لا شك أن الألوان الأكثر بهجة -ظاهرا- عرفتها في مصر.

هذه بعض ملامح إحساسي كامرأة في البلدان الثلاثة ، لم أكتب كل ما عندي لاعتبارات قد تغيرها الأيام ، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله ، وشكرا لوقتكم.

هناك 3 تعليقات:

Eric Matt يقول...


ليت قومي يعلمون

جزاك الله خيرا

واصلي التغيير بهدوء فأنت تفعلين ما أحلم به

تحياتي لك من ماناساس البلد

صفية الجفري يقول...

ماالذي تحلم به؟ ويارب يرزقنا جميعا السداد وصلاح القول والعمل في عافية وان يتقبل ذلك

Emad يقول...

السلام عليكم
قرأت بعض من كتاباتك هنا وأقول الحمدلله الذي جعل في أرض الحجاز من أمثالك، حفظ الله الحكمة اليمانية والأرض المباركة ومدينة أم البشرية (جدة).
وفقك الله ورعاك.
عماد الدين