الخميس، 7 يونيو 2007

هوى

(سيروا إلى الله عرجا ومكاسير )سمعت هذه العبارة لأول مرة من أستاذ مادة (السلوك) في الجامعة : زين بن عقيل ، جزاه الله خيرا، ولا زلت أتذكرها كلما غالبتني نفسي فغلبتني ، وكلما تثلم عهد حبي لربي ، ولم أتحقق بمعنى البيت الذي نسب إلى الإمام الشافعي:

أصون ودادي أن يدنسه الهوى / وأحفظ عهد الحب أن يتثلما

مساحات الحلال واسعة ، لكن سعتها ليست لأجل أن يترك الإنسان نفسه ترعى في مراعيها دون قيادة ، وضبط ، لأنه لو تركها سائمة لم تلبث أن تأنف من الانقياد ، فتقود صاحبها بدل أن يقودها ، فتفسد عليه صفاء قلبه ، و أنسه بربه ، وتحققه باسم الله العلي ، فلا يكون حاله العلو عن الشهوات بل غارقا فيها، وسقم فهمه يجد له مسوغا في أنه إنما يتحرك في مساحات الحل ، وليس يفقه أن هذه المساحات منها ما يحبه الله ، ومنها ما يبغضه ، وأن النهج القويم هو في ترك ما لا بأس فيه خشية ما فيه بأس ، هذا الضابط أراه ضابطا خاصا جدا ، يأخذ كل امرىء منه بحسب ما يصلح به حاله مع ربه ، ويكون فيه مالكا لأمر نفسه ، فالأعرابي الذي ذكر لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيقتصر على الواجب ، ويجتنب الحرام ، قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلح إن صدق . ولكأن الاقتصار على الواجبات وترك المحرمات مما يشق على المرء إن لم يستعن على ذلك بترك المكروهات، وفعل المندوبات ، لتتعود نفسه أن تقاد فيسهل عليه ردها إلى الواجب ، وكفها عن الحرام .

ومع ذلك فلو غلبت الإنسان نفسه ، ولا بد لها من أن تغلبه أحيانا : (وسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ{133} الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{134} وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{135} أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ{136})

فحينئذ عليه أن لا يسمح لليأس أو الإحباط أن يتملكه ، لأنه- كما نبه ابن عطاء في حكمه - ليس الذي يقربه العمل الصالح ، وتبعده المعصية ، بل الله هو الذي يقربه حقيقة ، لأنه هو الذي يتقبل صالح العمل ، ويعاقب على سيئه ، وهو الذي وفقه لصالح العمل بكرمه تعالى ، فلا يجعل أعماله صلحت أو فسدت تحجبه عن الله عز وجل ، ولا يلتفت إليها بقلبه ، بل تكن وجهته إلى الله عز وجل ، طمعا في رحمته ، وتوفيقه إياه إلى التوبة ، وقبولها منه ، فيسير إلى الله عز وجل وإن اختلط قلبه ، وتعثر في ضعف نفسه ، و يفرّح نفسه بالله ، فرحا يجعله يقبل إقبال الطائعين ، ويجاهد نفسه مجاهدة المحسنين ، والله المستعان . فلنسر إلى الله عرجا ومكاسير .

هناك 3 تعليقات:

Eric Matt يقول...


وأعتقد أن الله سبحانه وتعالى لا يمل من الغفران حتى يمل العبد من التوبة

جزاك الله خيرا

تحياتي لك من ماناس البلد

غير معرف يقول...

إذن هي لياقة نفس .. يجب أن لا نتخمها بالملذة والراحة

ولأنه زمن مؤقت منتهي يغلب عليه شعور الوحشة
فلنهرع إلى الله لنجد الأمان
و الملجأ

طابت كلماتك
وأفكارك الشافية
.

أتمنى أن ترسلي لي بريدك الالكتروني

صفية الجفري يقول...

اهلا بك ياريم ، ألست صاحبة تفسير ( أما قبل )؟ نجد عند الله الأمان ، و إلى الله تأخذ بيدنا الصحبة الصالحة التي متى صابرنا نفسنا معها صلحت وقويت وانقادت لنا بتوفيقه تعالى ..
اللهم اهدنا لاحسن الأخلاق لا يهدي لاحسنها إلا أنت وقنا سيئها لا يقي سيئها إلا أنت
مرحبا بك
وانتظر رسالتك
safi_maganin@hotmail.com