الخميس، 31 ديسمبر 2009

صديق المراهقة

اصطحبته معي في نزهة المشي اليومية إلى ذلك المكان الصديق ، وهناك اشتريت قارورة ماء من البيك ، وأنا أبتسم -كما كل يوم- لسؤال البائع الباكستاني ( مويا عادي ولا حراق ؟ ) ॥ جلست برفقته لساعة كاملة ॥لقد استغرقتني قراءة الكتاب تماما.. وقطعت وعدا لنفسي وله أن أكتب عنه لأنه يستحق، ولأنال بعضا من فضل بالإشارة إلى هذا العمل ، فلعل الله يهب به أسرة ما أمانا واستقرارا॥

كتاب ( منهج عملي في تربية المراهقين والمراهقات في الأسرة السعودية ) من تأليف العميد الدكتور محمد بن إبراهيم السيف ، أستاذ الدراسات الاجتماعية ومناهج البحث في كلية الملك فهد الأمنية ، هو حقا صديق جيد لمراهقة آمنة ، فهو يقدم أفكارا وأساليب عملية لتعامل متزن وناجح مع الأبناء في فترة المراهقة ।
يؤكد الكتاب على أن التربية الناجحة للمراهق أساسها أمران : أحدهما : أن يكون الوالدان لديهما رؤية واضحة في التربية تقوم على أسس من الاحترام المتبادل للعلاقة الزوجية ، وتفهم الاحتياجات النفسية والعاطفية لكل فرد من أفراد الأسرة ، والمشاركة في القيام بالشؤون الأسرية بما يحول بين تحمل أحد الأطراف لأعباء نفسية أو جسدية أو مالية لا يطيقها .. هذه الأمور قد لا تبدو لصيقة بالتعامل المباشر مع المراهق ، لكنها في الحقيقة كذلك ، لأنها توفر مناخا مناسبا للتواصل القائم على الاحترام والتقدير والود . والثاني : أن يعد المراهق لتحمل مسؤلياته في الحياة على المستوى الشخصي والأسري والاجتماعي ، ويكون مؤهلا لذلك نفسيا ومهاريا ।
يتحدث الكتاب عن أن المشكلة الأساس في تربية المراهقين في الأسرة السعودية هي مشكلة الآباء والأمهات ، لا مشكلة الأبناء، إذ أن هناك تشويش في فهم طبيعة العلاقة بين الزوجين وأنها قائمة على " قيم الاحترام والتوافق الزواجي ، بدلا من قيم القوة والرئاسة والمثالية والتبعية " ، وبالتالي هناك تخبط ورؤية غائمة حيال ماذا يراد من المراهق ذكرا كان أو أنثى . هذه النتيجة يصل إليها المؤلف من دراسة اتبعت منهجا علميا منضبطا ، يشرحه شرحا موجزا وواضحا في الصفحات الأولى من الكتاب ، ليقودنا بعد ذلك عبر نماذج مختلفة ومثرية إلى حلول عملية للمشكلات .. وتتميز هذه الحلول بأنها خرجت إلى حيز التطبيق والتفعيل .. من ذلك مشكلة أصدقاء السوء لدى المراهق، يطرح الكتاب حلا عمليا لمعالجة هذه المشكلة في مستوياتها المتقدمة ، ويتلخص هذا الحل في اصطحاب المراهق إلى دار للأحداث، ليقابل فتيان في مثل عمره كان أصدقاء السوء سببا في إيداعهم لدار الأحداث ، ونجد في الكتاب أن هذا الحل قد طبقه بالفعل بعض الآباء ونجح في ردع أبنائهم عن أصدقاء السوء।
ولعل أهم ما يميّز الكتاب في تقديري أنه قدّم طرحا يزاوج بين إعادة تشكيل مفاهيم تتعلق بالحياة الأسرية وبين طرق عملية لتطبيق هذه المفاهيم، والتعامل مع تفاصيل واقعية يواجهها الوالدان في تعاملهما مع أبنائهما، في أسلوب بسيط ، استطاع أن يحمل الكثير من الأفكار العميقة ॥
الكتاب كتاب فكر وعمل ॥ وسطوري هذه إشارة مقصودها التأكيد على أن هذا الكتاب هو بحق صديق مهم ليس فقط لمراهقة آمنة لكن لعلاقة أسرية ناجحة .. والكتاب من منشورات الجمعية الخيرية لتيسير الزواج والرعاية الأسرية والاستشارات الأسرية في عنيزة .. ولطلب نسخ للتوزيع الخيري ترسل رسالة إلى : جوال: (0553634050 ) .. وقبل أن أترككم مع مقتطفات مختارة من الكتاب لا بد من التنويه بالعمل المحترم حقا الذي ترعاه الجمعية المذكورة ، والذي يستثمر الطاقات العلمية المتميزة في المجتمع ، كما أن الجهد الذي قدمه الدكتور السيف في الكتاب هو نموذج حقيقي لخدمة العلماء لمجتمعهم عبر العلم الذي كرمهم الله به .. أسأل الله لهم السداد والتوفيق وأن ينفع الله بهم ويبارك في عملهم ..
مقتطفات مختارة من الكتاب:
" إن الصراع الأخوي ليس بالضرورة أمرا سيئا ، بل قد يكون الأرض الخصبة لاكتساب مهارات اجتماعية قيّمة ترتبط بالوسطية والتفاوض والعاطفة ।"
**" إن أول خطوة في علاج الرد الوقح من أحد أبنائك أو من بناتك هو أن تبدو هادئا عندما تتعرض لكلمة أو جملة وقحة منهم ، ولا تشعرهم في حينها أنك في مركز قوة أو أن هذا يستثير غضبك كأب أو كأم . لكن يجب أن تبادر الأم وكذلك الأب بمطالبة الولد الوقح في حديثه بنفس اللحظة ومباشرة بتفسير كلامه ، مثلا تقول الأم ( كيف تصفني بأني بخيلة ؟ هل قصرت عليك بشيء)... إن مبادرة الوالدين بطلب من الولد بتفسير ما قاله من كلمات وقحة تجعله يفكر مرة أخرى في معاني الكلمات التي يستخدمها مع والديه ..... " ينظر بقية العلاج ص41، 42.

" وإليكم ما ذكره بعض الآباء وبعض الأمهات كيف استطاعوا التخلص من صداقات مراهقيهم السلبية ورفقة أولادهم السيئة ... علمت أن ابني يصاحب في المدرسة طلابا غير مرتبين ، وسلوكهم عنيف حسب قول الأخصائي الاجتماعي، طلبت من ابني ترك مصاحبتهم ولم يقتنع ، أخذته في عصر أحد الأيام إلى مركز الشرطة، واتفقت مع الضابط أن يريه التوقيف ، ويوضح له بعض القضايا التي تورط فيها صغار بحسن نية، وفعلا كان هذا درسا مفيدا فقد بدأ يفهم الحياة ... ( عبد العزيز- 45 سنة) " ।
**" لا محيد عن التركيز على الحوار، وعدم الاعتماد على المواعظ فقط في التربية الجنسية ، وعلى الآباء والأمهات أن يتحدثوا مع أولادهم من خلال الحوار الهادف عن الحب والجنس والزواج، فالحوار في هذا الجانب أكثر تأثيرا من الموعظة..." ينظر تفصيلات مهمة حول التربية الجنسية للمراهق من 50 إلى ص 58 ।
**" من أفضل الطرق لتعليم أبنائنا وبناتنا كيفية احترام غيرهم أن نعلمهم وندربهم على اتخاذ قراراتهم وأن نساندهم ونتعاون معهم على نجاحها، ثم نحترمها أخيرا، حتى ولو كانت نتائج تلك القرارات تختلف عن توجهانا حتى لا نطالبهم أن يكونوا نسخا منا وبالتالي نعودهم بأن لا يطالبوا شريك الحياة بأن يكون نسخة منهم ।"

ليست هناك تعليقات: