الخميس، 1 نوفمبر 2007

حوار ( العقال ) لا العقل

هذه العبارة ذكرها د. عبد الله اليوسف-أستاذ مشارك علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود- في معرض حديثه عن العنف الأسري في برنامج في قناة الإخبارية لا أتذكر اسمه مع كوني لم أشهد الحلقة من بدايتها ، الدكتور ذكر كلاما مهما عن وجوب الاتزان في تناول هذه القضية دون إفراط أو تفريط ، والاتزان يبدأ من تحديد الضوابط التي توصف الحالة وفقا لها أنها عنف أسري ، وكان هذا تعليقه على كلام الدكتورةمها المنيف ، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمان الأسري في مستشفى الملك فهد ، عندما ذكرت أنه في خلال الخمسة أشهر الفائتة وردتهم 45 حالة عنف أسري ، بمعدل حالتين في الأسبوع، 30 % منها هي لحوامل تعرضن للاعتداء . الدكتور يوسف ركز على أهمية ألا تستفزنا العاطفة فنحيد عن النهج العلمي الصحيح في دراسة القضايا ، وإطلاق الأحكام. أو وصف التجاوزات بوصف الظاهرة حتى نكون على ثقة من كونها ظاهرة حقا . ولعل من أهم ما طرحه الدكتور اليوسف هو تأكيده على أهمية مراعاة النسق الاجتماعي عند معالجة قضية العنف الأسري ، لم يفصل الدكتور في ذلك بما يشفي ، ولعل له عذره في ذلك نظرا لنسق الحلقة ! وقد كنت كتبت في مقالتي بعنوان : " أوهام مصرية عن المرأة السعودية " فقرة بعنوان : " حقوق بلا سكينة " : قلت فيها : أنا هنا لا أهون من شأن السلبيات الحاصلة في مجتمعنا، لكني أنبه على أن تنميط حياة المرأة السعودية وفقا لها، فيه جهل مستتر بسنة حياتية لا ينفك عنها مجتمع إنساني، وهي نسبية الحقوق، تبعا للثقافة والزمان والمكان، والأهم من ذلك هو العلاقة الوثيقة بين روابط الود والإحسان والفضل وبين الحقوق وتحصيلها؛ فعدم تطبيقنا لكامل قناعاتنا وتنازلنا عن بعضها تطبيقا لا فكرا أو تعبيرا لا يعد كبتا أو غبنا أو قهرا كما قد يلتبس على البعض، بل قد يكون تحققنا بذواتنا في حفظ ودنا لأهالينا، واحترامنا لأعراف مجتمعنا، وترفقنا في الحديث عما نعده توعية وتبصيرا دون اصطدام أهوج أحمق يطيح بالقيم النبيلة، ويغيب فيه أن لدفاعنا عن حقوقنا وتمسكنا بها، أخلاقا، إذا لم نتشبث بهذه الأخلاق تشبثنا بحقوقنا، فإننا سنتحصل على حقوق جرداء لا روح فيها ولا سكينة." كانت سطوري السابقة في ذات السياق الذي تحدث عنه الدكتور اليوسف ، مراعاة النسق الاجتماعي بناء ، وثقافة ، مثلا لو تحدثنا عن أب اعتدى على ابنته بالضرب ، فمن غير المنصف أن نبادر إلى التهجم على الأب ، دون أن ندرس أسباب اعتدائه على ابنته ، وليس ذلك إقرارا للضرب كوسيلة تأديبية يمارسها الأب مع ابنته البالغة لكن اعتبارا للنسق الثقافي لمجتمعنا ، من حق الأب البر وإن عق أبناءه ، ما مساحة اشتراك الفتاة في أن يعقها أبوها ، أمر آخر ما هو معنى البر ، هل هو الوصل حال الاستقرار والتناغم بين الأبناء والوالدين ، أم هو الصبر على الأذى ، والتجاوز النفسي ، والمجاهدة من قبل الأبناء للوصول بعلاقتهم بآبائهم إلى بر الأمان ، أخطأ الأب واعتدى ، فهل يكون الصواب أن نعالج هذا الاعتداء بطريقة تضاد نسقنا الثقافي ، ونعزف النغمة النشاز للحقوق ، التي تصدر عادة من ثقافة وبناء معرفي لا يتخذ الإسلام كمرجعية ؟ اعتدى الأب فكيف نعالج هذا الظلم الذي وقع منه على ابنته أو ابنه : المعالجة في تقديري لا تبدأ باتخاذ الإجراءات القانونية ضده ، أو فتح الباب مشرعا أمام الفتيات للخروج من منازلهن إلى مراكز الإيواء ، وإنما تبدأ من توعية مجتمعية ، بواجبات الأب ، وحقوق الأبناء، وكذا واجبات الأبناء تجاه آبائهم ، في طرح يعمق معاني الصبر على الأرحام ، ويبتكر الوسائل المعينة على التعامل مع النفسيات والظروف المختلفة التي يواجه فيها الأبناء ظلم الآباء ، وكيف يحافظ الأبناء على استقرارهم النفسي والقيمي في ظل تعامل سيء من الآباء، وكيف يجيدون تحييد مشاعرهم السلبية تجاه ظلم آبائهم ، ويفعّلون المشاعر الإيجابية التي تعينهم على معالجة المشكلة في جو من الستر والحكمة . أتصور أن إنفاق الأموال على أبحاث نفسية وشرعية واجتماعية من هذا النوع ، وتطبيق نتائجها عبر القنوات المختلفة ، والتي منها وسائل الإعلام ، والخطب ، والدورات المفتوحة ، والمحاضرات،وورش العمل ،هو أجدى من الإنفاق على إيواء المتضررات في مراكز إيواء ، هي كمسكنات وقتية يكون ضررها أفدح أحيانا من الضرب ذاته .

ليست هناك تعليقات: