الجمعة، 27 يوليو 2007

مع الشيخ الألباني

بعد أيام الغياب الطويلة بأي سطور سأعود ؟ وهل سأجد من يقرأ لي أم أن تأخري سبب في انفضاض السامر عني ؟

لم تكن أيامي التي غبت فيها أقل إنجازا أو ثراء ، لكن الكلمات جافتني ، كنت أشعر بها حزينة وحيدة منطفئة ليست في مزاج يسمح لها بالتحدث ، كنت أظن أن حبها لي لن يجعلها تجفوني لكنها فعلت فقد غرقت في ذاتها ألما وحيرة ، فغفر الله لها .

والعجيب أن الذي أعادها إلي هو حوار طويل استمعت إليه بين الشيخ الألباني رحمه الله وبين أحد السائلين حول أهل البدع ..

هذه هي المرة الأولى التي أستمع فيها إلى الشيخ رحمه الله ، ولست من قديم على ود فكري معه ، لكن لم يكن ذلك عن استماع له بل عنه ، لكن الاستماع إليه كان أمرا مختلفا ، فقد أعجبت بهدوئه ، وتأنيه ، بل وأحببت الروح التي يتحدث بها .

الفكرة التي أكد عليها فضيلة الشيخ الألباني هي التفرقة بين البدعة وصاحبها ، فليس كل صاحب بدعة مبتدع، كما أن ليس كل من وقع في الكفر كافر ، وبمقتضى هذه التفرقة فإنه يقر بفضل الإمامين النووي وابن حجر العسقلاني رغم أشعريتهما ، لأنهما اجتهدا ولم يوافقا الصواب في اجتهادهما ، بل إن الإمام أبا حنيفة كما قال الشيخ الألباني قد أخطأ في مسائل عقدية لكن ذلك لا يخل بفضله وعلمه ..

النفسية التي يتحدث بها الشيخ رحمه الله ، هي نفسية مضيئة إن صح التعبير ، يطمئن معها قلب السامع وإن اختلف مع الشيخ ، لأنه يلمس في كلامه صدقا وتحريا بحسب ما أداه إليه فهمه .

لكن طرح الشيخ يعكر عليه سؤالان :

أحدهما :

لم يكون فهم الشيخ وأسلافه حكما على فهم غيرهم ، بحيث يجعل فهم الشيخ هو الصواب الذي لا شك فيه ، وفهم غيرهم هو الباطل الذي لا شك فيه ، فإن قيل : الشيخ لا يقطع بصواب ما يذهب إليه ، نقول عدم القطع هنا مؤداه يقابله عدم القطع ببطلان ما ذهب إليه الإمامين النووي وابن حجر العسقلاني .

الثاني:

هذه الروح المُجِلَة – بأسلوبها الخاص- لأهل العلم التي تحدث بها الشيخ ، لماذا تقف عند هؤلاء العلماء ، ولا تتعداهم إلى من سواهم ممن ظهر لهم أن قول الإمامين النووي وابن حجر – و أنا هنا أقصر كلامي على الإمامين اللذين تحدث عنهما الشيخ الألباني – هو الأقرب إلى الحق . والقول بأن مذهبهما ظاهر البطلان لا يستقيم إلا عند من كانت وجهته في التفكير كوجهة الشيخ الألباني وسلفه من العلماء الأجلاء أيضا .

ثم لي هنا وقفة ..

عدم القطع بصواب أحد الفهمين لا يقتضي عدم ترجيح أحدهما ، لكن هذا الترجيح لا يجعل المرجح صوابا قطعيا ، ولا القول المرجوح باطلا بطلانا قطعيا .

وعمليا..

كلام الشيخ الألباني رحمه الله عن الإمامين النووي وابن حجر بل عن الداعية سيد قطب رحمهم الله ، والذي يفرّق فيه بين البدعة أو القول الضال وبين كون صاحبه ضالا، إذ قد يكون له عذره في عدم إقامة الحجة عليه ، أو أنه أراد الحق فأخطأه ، لم لا يطبق عمليا بحيث يلتمس للمخالفين للمنهج السلفي العذر بإحسان الظن في قصدهم بأنهم أرادوا الحق فأخطأوه ، وأرى أن مؤدى كلام الشيخ هو الجمع لا الفرقة ، والتقريب لا الإقصاء ، لكن يحتاج ذلك إلى قراءة متأنية، إذ لم يكون التماس العذر لبعض الناس دون بعض ، وهل شققنا عن صدور الناس لنعلم مقاصدهم .

هذا كله إن سلمنا بكون المنهج السلفي هو الصواب الذي لا شك فيه ، وهذا التسليم لا يستقيم كما تقدم فيما هو يحتمل تعدد الأفهام من ظنيات العقيدة أو الفقه .

المشكلة حقا أن كلام الشيخ لا يطبق على وجهه ، بل يتهم المخالف بالضلال ، دون نظر إلى كونه قد يكون أراد الحق فأخطأه ، و دون تفرقة بين القول وصاحبه ، وأنى للعوام بل لغير المتمعنين من طلبة العلم أن يدركوا هذه التفرقة ؟ وهل الحديث في مثل ذلك إلا فتحا لباب الشر والعداوة بين الناس وبين أهل العلم من المخالفين للمنهج السلفي ، وهل يضير العالم السلفي لو بيّن مخالفة المخالف –حسب ما يراه السلفيون - دون وصم له بالضلال ، ليجتنب مفاسد ذلك ؟ والله أعلم .

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

بشكل عام يعد من الطبيعي أن يرى كل صاحب فكر أن رأيه صواب..
لكن من الصعوبة بمكان أن يعتبر أن صوابه يحتمل الخطأ..خاصة، عندما نعتبر أن ما نتكلم بصدده هو أمر عقيدة!!

للأسف لقد استطاع الجدل السلفي - اسلامي، وانا هنا لا أخرج السلفيين من جملة المسلمين، لكنهم هم من عودونا على الصدام مع كل من سواهم، استطاع أن يكرس أشياء بحيث يعتبرها الناس (عقائد) وهي كلها مسائل لا أعلم حقا، إن كان أي منها مطلوبا كعقيدة!

المسألة الرهيبة الشائعة التي لم يتوقف الجدل حولها بين السلفية والأشعرية خصوصا، مسألة الأسماء والصفات..
لقد تمنيت حقا أن يأتيني أي من الفريقين بقول مسند إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يوجب على المسلم أن يقول بقوله فأتبعه!
لكنها كلها لم تكن تعدو أن تكون فرضيات وفلسفات (رغم تحفظ السلفيون القديم على الفلسفة، وهو تحفظ بدأ بالتلاشي على أيدي الشيخ محمد اسماعيل المقدم والدكتور مصطفى حلمي) لكن كل هذه المسائل هي مسائل فلسفية، لا علاقة لها فعلا بما يجب على المسلم الإيمان به على أي طريق منهما!!

هذا الكلام الذي ظللت أدور في فلكه سنوات، منذ بدأنا في دراسة التوحيد في جدة، ثم صدامي في الاسكندرية وتغير الأجواء وتوافر المشارب الفكرية المختلفة من حولي، لأجد نفسي في النهاية أرجع لما قرأته قديما للشيخ حسن البنا رحمه الله في أصوله العشرين "وكل قول لا ينبني عليه عمل فالخوض فيه من التكلف الذي نهينا عنه شرعا" ومن الواضح أن خبرة الرجل وعلمه قد أوصلاه سابقا لما يبدو لي أن أحدا لا يريد الاصغاء ولا أن يشفق على نفسه، أو يرحم دماغه! :)

مسائل أخرى عملية أيضا كالتوسل، والتي كنت أراها شركا صريحا قبل تغير الأجواء، ثم وبعد هدوء العواصف عدت لأتفكر، حقيقة هناك الكثير قد حمّل مالا يحتمله بحال!
بغض النظر عن كون الشيخ الألباني أكثر تفهما وانفتاحا، فهذا أمر طبيعي قد أصبح من البديهيات عندي، دائما ما نجد الشيخ أكثر سعة صدر وأكثر انفتاحا، لكن لنفصل بين شخصية الشيخ وبين تياره وفكره الذي أصّله، في النهاية فالطلاب هم من تربوا على يديه!

صفية الجفري يقول...

نحن متفقان على نقطة جوهرية وهي أننا بحاجة إلى التروي والتجرد والصدق في طلب الحق وفي التماس النهج السديد بعيدا عن التكلف .. مداخلتك تستحق الوقوف عندها بشكل أكثر عمقا .. وهذا ما أرجو ان ييسره الله لي إذا فهمت أكثر
وشكرا بجد على زيارتك وتعليقك