السبت، 2 أغسطس 2008

أتأمل تغيري

كنت في المكتبة ( الكنز) التي اكتشفتها في ( حارتنا) ، هي ( كنز) لأني بحثت طويلا عن ( تيسير التحرير) ولم أجده إلا فيها ، سألت عن تيسير التحرير فقال البائع : انتظري سأرى إن كان موجودا ، فما كان من أحدهم الذي يبدو أنه زبون دائم في المكتبة إلا أن قال : نعم هو موجود ، تفضلي .. وتقدمني ، وأخرج لي مجموعة من الكتب قال لي هذه أيضا جيدة ، قلت له يغني عنها تيسير التحرير ، قال : في البحث لا يغني كتاب عن آخر، قلت له : معك حق ، لكن أريد أن أكون مكتبة الآن من الكتب الأساسية ، سألت عن كتاب القطع والظن للدكتور سعد الشتري ، فتطوع الزبون ثانية لما سمع إجابة البائع بنفي وجود الكتاب ، وقال : توجد كتب كثيرة تتناول الظن والقطع ، قلت له : أين ، دلني عليها من فضلك ... قال : عندي في مكتبتي ، لم أكن ألتفت إليه وهو يكلمني من قبل ، لكني فعلت لحظتها ، لا يلبس عقالا ، وثوبه قصير ، ولحيته طويلة نسبيا ، هذا المظهر ينبىء عن عقلية تتبنى خطا معينا في التعامل بين الجنسين ، قد أكون مخطئة في الربط بين الأمرين أو تعميم ذلك الربط ، لكن في لحظتها تبادر لي أني لا بد أن أكون حذرة ، فأنا لا أعرف كيف يفكر، فكرت لو آخذ رقمه ، وأستعير الكتب منه ، لكن هذه الفكرة كانت خاطفة دفعها بشدة مظهر الرجل ، وتقاليد المجتمع ، وبالتالي لم أرد عليه ، تجاهلته تماما ، حتى أني لم أشكره ، كانت قلة ذوق مني ربما، عدم شكره أعني ، لا أعلم، أنا ارتبكت لحظتها فحسب.. أدهشني تصرفي ، عادة أتصرف من واقع قناعاتي ، ورؤيتي للأمور ، لكن يبدو أن مجموعة من الصدمات جعلتني أتغير ، لم أدرك هذا التغير إلا حين تصرفت بمثل ذلك التحفظ ، أذكر أن أحد أساتذتي في الجامعة ، الذين أحترم فكرهم كثيرا ، ولم أدرك عمقه إلا بعد أن تخرجت بسنتين تقريبا ، المهم أستاذي هذا قال لي مرة : أنت متحررة يا صفية ، صدمني كلامه ، لأني وجدته مناقضا ل( تحرره ) الفكري ، كانت كلمة ( متحررة ) منه ، فيها انتقاد لم أفهمه ولم أقبله ، قلت له : لماذا ؟ هل لأني أكشف وجهي ، قال لي : ليس ذلك فقط ، أنت لا تتحرجين من المناقشة ، وإبداء رأيك ، عادة البنات لا يناقشن هكذا ! قلت له : وهل في مناقشتي ما يعيب ؟ ألست أتحدث في أمور تتعلق بدراستنا أو حقوقنا كطالبات ، قال : نعم ، لكن هذا غير معتاد .. تأثرت جدا يومها ، وحكيت لوالدي ، تأثر والدي أيضا ، أستاذي هو صديقه الحميم ، حكيت لوالدي لأني أردت أن أضعه في الصورة ، وأني متمسكة بما أنا عليه ، لأني لا أجد أني أفعل جرما ، لأني أتصرف بقوة مع أساتذتي ، هذا لا ينافي الحياء هكذا قلت لوالدي فيما أذكر ، احترمت احترام والدي لطريقتي في التصرف رغم أني أعلم أنه يفضل ربما أن أكون خجولة كلمت أستاذي قبل فترة لأسلم عليه ، قال لي أنه اطلع على مدونتي ، وأنه يجدني كما أنا في كتاباتي.. نفس البراءة ، والدهشة ، هكذا قال ، ربما يقرأ سطوري هذه الآن ، فضلك علي علما ورعاية في غربتي في المكلا لا يمكن أن أنساه يا د. عبد الله ، وسطوري آنفا ليست عتبا بل تأملا بالمناسبة د. عبد الله ، لو سنحت له الأيام بأن يفرغ للكتابة والتأليف ، أو حتى المحاضرات العلمية ، فأنا متأكدة أنه سيضيف الكثير ، عميق جدا ، لكن مشكلته أن لا وقت لديه، أتمنى أن أجلس إليه إذا زارنا ، لكن التقاليد لا تسمح بذلك ، لم أجرؤ على طرح ذلك أمام والدي أو لعلي طرحته فرفض لا أتذكر تحديدا ، رغم أني أجد أنه من المنطقي جدا أن أجلس إلى أستاذي إذا زارنا أذكر أننا درسنا معه فقه الزينة من المجموع شرح المهذب للإمام النووي، وأذكر أنه لما قرأنا كلام الإمام الغزالي عن كراهة الحلق للحاجبين ، وأن التحريم يتعلق بالنتف، قال لنا أستاذنا ( باللهجة الحضرمية): الغزالي فك عليكم، يعني يسر لكم الأمر ، فلا حرج في تقليده (بالمناسبة د. إلهام باجنيد لها بحث جديد عن التجميل مهم جدا نشر في مجلة البحوث الفقهية أعتقد أنها ستضعه على موقعها ). وأذكر أيضا أنه كان ينبهنا إلى أن الحواشي الفقهية فيها ما لا يقبل من البعد عن روح النص ، وأنهم جعلوا نص إمامهم بمثابة نص الشارع ، وتراكمت نصوص من أقوال الرجال ، بعيدة عن روح التشريع ، ونور النص الشرعي أعيش هذه الأيام جمال ( الاكتشاف) على المستوى الشخصي والعلمي ، أكتشف نفسي ، أصادقها ، أتعلم ذلك من جديد ، شعرت أني اغتربت عنها كثيرا .. وعلى المستوى العلمي ، كم هي مبهرة بالنسبة لي اكتشافاتي في المذهب الحنفي، ذهبت اليوم إلى المكتبة ( الكنز) فوجدت كتابا مهما للأستاذ أحمد سعيد حوى ، رسالة ماجستير، المدخل إلى مذهب الإمام أبي حنيفة ، ساعدني كثيرا على موازنة الأقوال ، بكيت عندما قرأت إهداءه لوالده الشيخ سعيد حوى ، أذكر أني كنت أقضي الساعات الطوال في الاستماع إلى أشرطته ، بعد تخرجي من الثانوية ، ورافقني كتابه تربيتنا الروحية وقتا طويلا ، كنت أحبه جدا ، وأدعو له ، حتى أني رأيته أكثر من مرة في المنام ، رحم الله الشيخ سعيد حوى ، وبارك في ذريته ومن يحب .. سأستيقظ مبكرا إن شاء الله لأذهب إلى مكتبة الجامعة ، أحتاج إلى مراجعة ( الفتاوى الخانية ) لقاضي خان من علماء الحنفية ، وكذا كتاب الاختيار، أتمنى أن أجد الكتابين .. تصبحون على خير

هناك 9 تعليقات:

غير معرف يقول...

:D
حسنا، تشعرني كتابتك بالتشابه الشديد بينك وبين الأخت هدى الصاوي..بتعبير الدكتور عبدالله، عن البراءة والدهشة..حتى أنني كنت أظنها أصغر من سنها بكثير، حتى صدمت بعمرها، ولولا أنني يوم أن قرأت عنك للمرة الأولى قدمت باعتبارك (باحثة شرعية) لظننت بك نفس الشئ :)

لكنني مع ذلك لا أستغرب تصرفك مع الشاب الذي ذكرته :)
ان تصرفاتنا وتعاملاتنا اليومية ليست قناعات، ولا يمكنها أن تكون كذلك، انما الاستثناء هو ما يحتاج إلى الاقناع..

فالبناء على القناعات يأتي عند اتخاذ واع للقرار، وليس في التصرف التلقائي ورد الفعل، المحكوم دائما بالعادة والوسط الاجتماعي عموما، أنا أصدق أيضا صحة ما ذهب إليه ابن خلدون من أثر البيئة وطبيعة الأرض في تصرفات وعادات شعوبها، حتى فيما لايبدو أنه ذو علاقة بهذا الجانب..ولي في ذلك كثيرا من التجارب..تكون كأوضح ما تكون في انتقال الانسان من بلد الى بلد ومن مجتمع الى آخر بعد اقامة طويلة هنا ليقيم هناك..

كنت أترك انطباعا مشابها في الاسكندرية عند تعاملي مع الزملاء والزميلات وكانت تحدث معي الكثير من تلك القصص بعضها يثير ضحكي، عن دهشة كدهشتك تصيب من حولي..

عندما تذكرين عالما أعرفه وأعرف قدره أشعر بالألفة :) رحم الله الشيخ سعيد حوى..

صفية الجفري يقول...

أولا شكرا لتعليقك .. ثانيا هدى الصاوي صديقة عزيزة يمكن نتشابه في بعض الأمور لكن ليس كلها .. ربما أكتر حاجة نشبه بعض فيها هي اننا مهم بالنسبة لينا نعيش قناعاتنا مهما كانت مصدر استغراب لمن حولنا .. نتفاوت ونختلف في طريقة تحقيق ذلك .. هدى وحشتني جدا وأفتقدها كثيرابعد انتقالها إلى القاهرة أذكر أننا كنا نسير على البحر ساعتين أو أكثر لا اجد من يتحمس لذلك اليوم معي.. ردود أفعالنا هي خليط من قناعاتنا ونشأتنا هكذا أعتقد وربما يطغى أحد الامرين على الآخر أحيانا ..
لم أفهم ماالمدهش في تصرفاتك مع زملائك وزميلاتك في الاسكندرية .. نعم رحم الله الشيخ سعيد حوى يستحق مني أن أدون أثره في حياتي وتفكيري
د. عبد الله اسمه د. عبد الله باهارون ، وأعتقد تماما أنه لو تخفف من مسؤولياته الإدارية كرئيس للجامعة سيكون عطاؤه ذا أثر عظيم ..
فضلا عن الأثر الذي أحدثه في التعليم في حضرموت ، لا أنسى أبدا أنه قرر علينا في أحاديث الأحكام كتاب طرح التثرريب للإمام العراقي بدلا من سبل السلام ، الدراسة من طرح التثرريب أضافت لي جدا لان الإمام العراقي محدث وفقيه
ومحقق من الطراز الأول
الأفكار يدعو بعضها بعضا .. شكرا لك .. وأنست حقا بتعليقك

صفية الجفري يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
غير معرف يقول...

لا اعتبره مدهشا، انما اتحدث عن اثارة الدهشة عند الآخر على نحو ما حدث معك أمام ذلك الشاب..

فأنا هناك محسوب على فئة توصم بما يشبه ما توصم به فئة هذا الشاب هنا، سواء عن حقائق وواقع أو مجرد صور ذهنية، في ذات الوقت فتصرفي قد يكون خارجا عما هو متوقع من شخص محسوب على لهذه الفئة في كثير من الأوقات..حتى لو كان التصرف في ذاته عاديا أو مقبولا إذا عرض على القناعات..

لكنني سأقول لك في النهاية أننا إذا عدنا للقناعات فربما خرجت من ذلك كله إذا كنت تتبنين قناعة بأن الأخذ في الاعتبار عادات الناس هو أمر واجب (بالاصطلاح الاجتماعي لا الشرعي) ولا ضير فيه..لهذا فأنا قد أترك كثير من الأمور أو أسلك فيها الطريق الأصعب، أو الأطول إن صح التعبير، ما دمت لا أرغب كثيرا في التصادم مع عادات المجتمع خاصة وأنها قد ألبست لباسا دينيا وصارت من مفردات (الشرف) في نظر قطاع من الناس..حيث هي المساحة التي لا تحتمل العبث أو المخاطرة..على الأقل بالنسبة لي حيث لا أعتبر نفسي مربيا لشعوب الدنيا وانما أعتبر أن علي تقبلهم كما هم بعاداتهم وحياتهم وثقافاتهم..

لا ينفي ذلك أن كل هذا يتغير بالتدريج وبشكل ملحوظ..

صفية الجفري يقول...

ماالذي يتغير بالتدريج وبشكل ملحوظ ؟
أتصورأن من الأدب أحيانا أن يراعي المرء أعراف الناس وأفهامهم ،لكن بقدر، مثلا أغطي وجهي أحيانا لاجل والدي ، وأقول له ذلك ، أو إذا زرت صديقة زوجها يعد كشف الوجه أمرا مستقبحا ، احتراما للبيت الذي أزوره ، لكن هذا في تقديري يكون في حدود معينة ، والأصل هو الإسهام في التغيير، لان الأمر يتعدى مسألة أن يكون عرفا إلى أن يصير دينا ، ويظن أن المخالف لهذا العرف مخالف للدين ، وهذه قضية خطيرة جدا ، يصبح فيها الإسهام في التغيير بمثابة النهي عن المنكر ، وإنه لمنكر عظيم أن يبدل شرع الله ، أعتقد أن هناك مستويين ، مستوى ممارسة الاختيار، ومستوى النية في التغيير ، ( النية ) هنا وصفاؤها ليس أمرا سهلا لانها قد تختلط بحظوظ النفس ، فيخرج المرء كفافا لا له ولا عليه ، أو قد يكون عليه ( إذا أورثه وهم الاسهام في التغيير عجبا عافانا الله جميعا من أمراض القلوب ) .. هناك مسؤولية كبيرة يا أحمد لتوضيح الصواب وسعة الدين واستيعابه وعدم حصره في اجتهاد بعض الناس لأن نتيجة التهاون في ذلك تطرف مضاد ينشا في المجتمع انظر الى جروب ( اخلعي حجابك الآن ) مثلا .. أعرف أن أحد أعضائه صار ملحدا واحد اسباب ذلك هو رد الفعل تجاه التطرف في قصر الاسلام على توجه واحد .. الله المستعان

غير معرف يقول...

ما يتغير هو أفكار عامة الناس ورؤيتهم..

لا أخالفك فيما ذهبت إليه من هذه الناحية ولا بأس، لكن ألا تري أن مسؤولية آحاد الناس تجاه ذلك الأمر ربما لا تكون على نحو ما تصورين؟

يعني أنت كمتخصصة ربما تأخذين وتردين بناء على ما تدرسين وعلى قواعد علمية عندك، وفي أثناء ذلك عليك أن تنتبهي مما نبهت إليه من محاذير في مسألة النية، أما آحاد الناس فليس لهم إلا أن يعيش كل منهم حياته على النحو المرضي (لقناعاته)..وهذا في حد ذاته من شأنه أن يؤدي إلى هذا التغيير بشكل طبيعي، عفوي غير مقصود -حتى- من نفس الشخص، وربما تنحصر مسؤولية هذا الشخص في ذلك..

لا يعني قولي بأنني أراعي حال الناس مثلا بأنني أتطبع بما يتطبعون وأعتقد بما يعتقدون على إطلاقه، كمثالك بتغطية الوجه، فليس قولي بالطبع أن تغطي وجهك مراعاة لحال المجتمع (كان لي قول سابق قمتِ بالتعليق عليه لكنني تركته منذ زمن)..إنما قصدت به تحديدا تلك المواقف المشابهة لحالة (زيارتك لصديقة) فهذا نوع من اللباقة الواجبة بالفعل في التعامل، فبغض النظر عن كونك لا تعتقدين وجوب تغطية الوجه فقد غطيته مراعاة لمشاعر صديقتك..

في كثير من المواقف التي تمر بنا قد يكون هناك أكثر من طريق، بعضها قد يكون طويلا نوعا ما نسلكه مراعاة لمشاعر الغير في حين لا يوجد مبرر في نطاق قناعاتنا لسلوك هذا الطريق (إلا مراعتنا للغير) وهذا هو بالضبط ما عنيته..وهو ربما اثبات آخر على ما قلته في البداية من أن تصرفاتنا اليومية (وقصدت العفوية) ليست قناعات وإن كان لها تفسير في هذه القناعات.. :)

صفية الجفري يقول...

تقصد أنها مسؤولية المتخصصين ؟ ليه؟ أتصور أنها مسؤولية كل حد فاهم الفكرة دي ، الامر يدخل في فرض الكفاية كما أفهم بضوابطه المقررة لحد متأهل يدرك هذه الضوابط .. كتبت بحثا في الموضوع لم أطبعه بعد كاملا لكني نزلت جزء كبير منه في المدونة لعل اسسمه في فقه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

غير معرف يقول...

مسؤولية المتخصصين فيما يتعلق بمناقشة الآراء الفقهية وتغيير قناعات الناس في اعتبارهم لرأي فقهي أنه مما هو معلوم من الدين بالضرورة ولا يسع أحد اختيار غيره..

أما فيما يتعلق بالناس فأرى أن الأمر يتم بشكل تلقائي بمجرد ممارسة كل انسان لقناعاته واختياراته الفقهية الخاصة به، دون توجيه (قد) يؤدي لشحن الناس أو نوع من التوتر المرافق دائما لمقاومة التغيير الطبيعية في أي مجتمع..

صفية الجفري يقول...

لما يكون هناك تنميط للدين والتدين في قالب معين أو حتى قوالب متعددة أظن أن المسؤولية تكون عامة لكل من يدرك أبعادها.. شكرا لمتابعتك