الاثنين، 12 سبتمبر 2011

الثابت والمتغير .. حق الزوج في تقييد خروج زوجته من المنزل *( 2).

المبحث الأول : حق الزوج في تقييد خروج زوجته من المنزل في المذاهب الأربعة

المطلب الأول:

مذهب الحنفية في حق الزوج في تقييد خروج زوجته من المنزل

قرر الحنفية أن للزوج منع زوجته من الخروج من المنزل إذا كانت ستخرج بغير حق. وهنا مسألتان:

إحداهما: خصّ الحنفية في معتمدهم " نشوز الزوجة " المسقط للنفقة بخروجها من منزلها بغير حق[1].

الثانية: أن حق الزوج في لزوم بيتها لأجل تفريغ نفسها لمصالحه هو حق يتزاحم مع حقوق أخرى منها ما هو حق خالص لله ، ومنها ما هو حق للزوجة ، ومنها ما هو حق لآخرين على الزوجة. ومن هنا قيدوا حق الزوج في منع زوجته من الخروج بقيود.

ثم نأتي لتفصيل الأقوال وفقا لترتيبها من حيث قوتها في المذهب:

الصحيح المفتى به عندهم أن للزوجة أن تخرج لزيارة والديها كل جمعة مرة، إلا أن يكون أبوها – مسلما كان أو كافرا- مريضا مرضا طويلا ، ويحتاج إلى رعايتها فتخرج إليه أذن الزوج أو لم يأذن.

وللزوجة زيارة أقاربها من المحارم كل سنة مرة، وهذا حق لها تخرج له بإذن الزوج وبغير إذن الزوج.

ومقابل الصحيح هو ما ذهب إليه الإمام أبو يوسف في النوادر إلى أن للزوج منعها من زيارة والديها إذا قدرا على إتيانها، وله منعها من زيارة محارمها[2]. قال الإمام ابن الهمام في الفتح: وهو حسن.

كما أن لها أن تخرج إذا خشيت سقوط المنزل عليها، وكذلك إذا أرادت تعلم مسائل الوضوء والصلاة والزوج لا يحفظ ذلك أو وقعت لها مسألة تود الاستفتاء فيها وزوجها رفض أن يستفتي لها.

ولو كانت امرأة عاملة بعمل هو من فروض الكفايات فقد نقل الإمام ابن الهمام في الفتح أنها إن كانت قابلة أو غاسلة – أي تغسل الموتى- فلها أن تخرج بغير إذن الزوج، ولم يعلق ابن الهمام على هذا القول مما يشعر باعتماده له، قال ابن عابدين: " واقتصر عليه في الفتح.".

وقال الإمام ابن عابدين في حاشيته: "المتبادر من كلامهم الإطلاق ، ولا مانع من أن يكون تزوجه بها مع علمه بحالها رضا بإسقاط حقه. تأمل".

والذي يظهر لي- والله أعلم - أن ظاهر كلام الإمام ابن عابدين أن حق الزوج في منع زوجته من العمل يسقط بإسقاط الزوج له.

ويمكن أن يستدل للقول بأنه ليس له أن يمنع من العمل من كان عملها من فروض الكفايات أن خروجها هو من الحاجات التي يشملها النص النبوي- وهو قولهr: " قد أذن الله لكن أن تخرجن في حوائجكن"[3]- التي تزاحم حق الزوج بخلاف المرأة غير العاملة فلا يعد طلبها للخروج للعمل حاجة معتبرة تزاحم حق الزوج.

ولعل ذلك يرتبط بطبيعة وضع المرأة ، وأن غالب النساء مخدّرات[4] لا يخرجن من بيوتهن وكذلك طبيعة الأعمال، والعصر، فالحكم يختلف باختلاف الزمان والله أعلم.

وذهب الإمام ابن نجيم في البحر الرائق إلى أن للزوج منعها لأن في خروجها إضرارا به وهي محبوسة لحقه وحق الزوج فرض عين ، وعملها فرض كفاية ويقدم فرض العين على فرض الكفاية.

وحملوا إطلاق ما نقل من أن لها أن تخرج إن كانت قابلة أو غاسلة على أن يكون قد تعين عليها عملها فلها أن تخرج حينئذ ولو لم يأذن الزوج[5].

تحليل وجهة المذهب الحنفي في مسألة حق الزوج في منع زوجته من الخروج من المنزل:

تقدّم أن علماء المذهب الحنفي يرون أن حق الزوج في منع زوجته من الخروج من المنزل ليس حقا مطلقا، نعم هم يقررون أن الزوجة لا بد لها أن تفرغ نفسها لمصالحه، وتكون محبوسة لحقه ، لكن هم يقررون أن حق الزوج يتزاحم مع حقوق أخرى، ويوازنون بين هذه الحقوق وحق الزوج ، فيقررون أن للزوجة حقا في بر والديها ، وصلة أرحامها ، كما يقررون أن لها حقا في تعلم ما هو فرض من أمور دينها، والاستفتاء عن النوازل التي تحصل لها إذا لم يقم الزوج بذلك نيابة عنها.

فهم يوازنون بين حق الزوج كحق هو من قبيل فرض العين وحقوق أخرى هي واجبات عينية على الزوجة لربها كما في مسألة تعلم أمور الصلاة والطهارة والخروج لذلك إذا لم يعلمها الزوج، وحقها في حفظ حياتها كما إذا كان البيت سينهدم فتخرج، وكذلك واجب الزوجة تجاه والديها ورحمها.

وسأحاول أن أستخلص من عباراتهم – وإن لم ترد في خصوص المسألة التي نحن بصددها-وجهتهم في الموازنة بين حقوق الزوج وبقية الحقوق من حيث نظرتهم إلى النضج الإنساني للمرأة ، وأهمية دورها في المجتمع، وسأنقل أولا نماذج من عباراتهم ، ثم أعلق عليها:

النموذج الأول:

تعليل الإمام ابن عابدين ما هو متبادر من إطلاق المتقدمين من أن لها أن تخرج لكونها قابلة أو غاسلة من أن تزوجه إياها مع علمه بحالها رضا بإسقاط حقه.

النموذج الثاني:

ما نقله الإمام ابن الهمام في فتح القدير من أن المرأة إذا كانت تعمل بعمل هو من فروض الكفايات فلها أن تخرج إلى عملها بغير إذن الزوج.

النموذج الثالث:

ما ذهب إليه الإمام ابن نجيم في البحر الرائق من أن له منعها من الغزل، وناقش ذلك ابن عابدين وقال إن كانت وجهة المنع هي أنه يكفيها مؤنتها فقد تحتاج إلى شراء ما لا يجب عليه أن يشتريه لها، وإن كانت وجهة المنع هي السهر والتعب المنقص لجمالها فينبغي أن يمنعها من كل ما يؤدي إلى ذلك لا ما دونه ، فلا يمنعها من عمل من داخل المنزل لا يؤثر على جمالها. ثم قرر أن له منعها من كل عمل يؤدي إلى تنقيص حقه أو ضرره أو خروجها من بيته ، أما العمل الذي لا ضرر له فيه فلا وجه لمنعها عنه خصوصا في حال غيبته من بيته ، فإن ترك المرأة بلا عمل في بيتها يؤدي إلى وساوس النفس والشيطان أو الاشتغال بما لا يعني مع الأقارب والجيران.

النموذج الرابع:

ما جاء في المبسوط من أن المرأة عجزها عن الاكتساب ظاهر ، فإذا ألزمت به اكتسبت بشرفها. قال الإمام السرخسي في المبسوط: "وبالنساء عجز ظاهر عن الاكتساب وفي أمرها بالاكتساب فتنة فإن المرأة إذا أمرت بالاكتساب اكتسبت بفرجها."[6].

النموذج الخامس:

قول الإمام ابن عابدين في تعليله لما ورد في متن " الدر المختار" من أن الزوج إذا أذن لزوجته في الخروج لزيارة الأجانب وعيادتهم والوليمة فإنه يكون آثما وتكون زوجته آثمة إذا خرجت. قال ابن عابدين: لأنها تشتمل على جمع فلا تخلو من الفساد عادة.

النموذج السادس:

ومن ذلك اختيار الإمام ابن الهمام في الفتح أن للزوج منع زوجته من زيارة أبويها إذا قدرا على زيارتها ، فإن لم يقدرا فإنه يأذن لها في زيارتهما لها في الحين بعد الحين على قدر متعارف. قال: أما في كل جمعة فهو بعيد، فإن في كثرة الخروج فتح باب الفتنة خصوصا إذا كانت شابة والزوج من ذوي الهيئات بخلاف خروج الأبوين فإنه أيسر.

النموذج السابع:

أن للزوج منعها من الخروج لمجالس العلم ، ولا تخرج إلا إذا أرادت تعلم ما كان فرضا عليها من مسائل الوضوء والصلاة ، ولم يقم زوجها بهذا الدور[7].

التحليل:

نقرأ في النماذج السابقة وجهتين في تقرير حقوق المرأة المزاحمة لحق الزوج:

إحداهما:

تجعل حقوق المرأة المزاحمة لحق الزوج في حدود ضيقة ، من صلة الرحم، وتعلم العلوم الدينية العينية ، وتنظر إلى تفريغ المرأة نفسها لمصالح الزوج من وجهة تربط بين هذا التفرغ وبين إنفاق الزوج دون النظر إلى بعد ثالث وهو سير الحياة بين الزوجين على وصف التوازن الذي يقتضي تكافؤ الحقوق الإنسانية في التواصل مع الحياة، وحماية النفس بشغلها بما ينفعها. ويمثل هذه الوجهة ما ذهب إليه بعض الحنفية من حق الزوج في منع زوجته من العمل داخل المنزل كما في النموذج الثالث.

والذي يظهر لي – والله أعلم- أن هذه الوجهة هي نتاج عقلية تشكلت في وضع اجتماعي المرأة فيه كائن لا حضور له غالبا من حيث الوعي والاتزان والنضج وبالتالي كانت هذه النظرة المضيقة للدور الإنساني للمرأة. وسنجد في الوجهة الثانية نظرة أكثر تحررا من الوضع الاجتماعي التي نشأت في أكنافه ، فهي رغم استصحابها لتداعيات هذا الوضع إلا أنه لم يحجبها عن الموازنة بين واقع المرأة المرير الذي جعلها شخصية غير ناضجة إنسانيا وبين حقها في الارتقاء بنفسها بما يلائم طبيعة وضعها ، وحق المرأة العاملة كاستثناء في حقوق أكثر اتساعا تلائم حياتها، وتحقق التوازن في علاقتها بزوجها.

الوجهة الثانية:

تذهب إلى أن حقوق المرأة المزاحمة لحقوق الزوج تقررها طبيعة الدور الاجتماعي للمرأة ، فالمرأة العاملة وفقا للنموذج الأول حقها في العمل يعد مزاحما لحق الزوج ، وهذا الحق يصب في تحقيق التوازن في العلاقة بين الزوجين بما لا يضر بواحد منهما.

أما المرأة غير العاملة فليس لها أن تطلب خروجا من المنزل يزاحم حق الزوج لأن خروجها يناقض طبيعة الدور الاجتماعي الذي تعيشه، ومطالبتها بالخروج لا يتسق مع تحقيق المصالح التي تجعل حياة الزوجين معا حياة متوازنة، ويشرح ذلك النموذج الثالث فالمرأة في الوضع الاجتماعي الذي يستصحبه الحنفية في صياغة فقه العلاقة بين الزوجين كائن عاجز عن الخوض بقوة في مسارات الحياة العملية، وهذا مرتبط بالتكوين الاجتماعي للمرأة، فهي غالبا لا يُحرص على تنمية معارفها العقلية[8]، كما يظهر من النموذج السابع، مما يجعلها شخصية اعتمادية، محدودة التطلعات، ضيقة الاهتمامات، هشة النفسية ، يسهل تأثرها بدواعي الفساد ، كما أنها سبب للافتتان والفساد، ومن ثم ضيقوا في خروجها من المنزل كما في النموذجين الخامس والسادس، ولكنهم مع ذلك ينبهون كما في النموذج الثالث إلى أن عمل المرأة المنزلي ينفعها لكيلا تشتغل بما لا ينفع، وتكون عرضة لوساوس النفس والشيطان، وهذا لا نجده في تقريرهم لحقوق المرأة العاملة المزاحمة لحق الزوج، فالإمام ابن الهمام الذي يضيق على خروج المرأة إلى والديها كما في النموذج السادس، يقرر كما في النموذج الثاني أن المرأة العاملة حقها في العمل مزاحم لحق الزوج فالمرأة العاملة هي استثناء، وهذا الاستثناء له حضوره القوي بحيث إن إقدام الزوج على الزواج من امرأة عاملة قد يفهم أنه رضا بإسقاط حقه في منعها من الخروج من المنزل للعمل كما في النموذج الأول.

نتيجة:

نخلص مما تقدم إلى أن تقرير الفقيه لحق المرأة في الخروج من المنزل ينطلق من الركائز التالية:

الركيزة الأولى:

تزاحم الحقوق العينية الأخرى مع حق الزوج.

الركيزة الثانية

نظرتهم إلى المرأة ككائن ناضج إنسانيا ، وهذه النظرة متأثرة بواقع المجتمع الحضاري من جهة ، وواقعه الاجتماعي من حيث قصر دور المرأة على مساحات محدودة ، كما أن هذه النظرة أثرت في تشكيل المجتمع لدور المرأة ومكانتها فيه، قال الإمام ابن عاشور:"...وشواهد التاريخ دلت على أنه لم يوجد في تاريخ البشر قبل القرن الثالث عشر الهجري أمة حاولت إلحاق المرأة بالرجل في المعارف ، ولا قبل القرن الرابع عشر إلحاقها به في التكاليف الاجتماعية." [9]

فإذا أردنا أن ننظر إلى الحقوق المزاحمة لحق الزوج في منع زوجته من الخروج من المنزل في عصرنا وفقا لقواعد الحنفية سنجد أن النظرة ستختلف إذا قررنا أن المرأة كائن راشد ناضج له مسؤولياته تجاه نفسه وتطويرها ، وتجاه تربية الأولاد تربية متوازنة وتجاه مجتمعه ، وأنها ليست مسؤولة عن هشاشة بعض الرجال في تعاملهم مع المرأة ، فلا يقال بمنعها من الخروج لأنها فتنة ، بل يركز على تربية الرجل ليحترم شريكته في المجتمع فيغض بصره ، ويحفظ تصرفاته عن ما يشين.

ولا يقال إن خروجها إلى التجمعات مفسدة لها ، لأنها كائن راشد ناضج، ولا يقال إن عجزها ظاهر عن الاكتساب مع توسع مجالات العمل ، وتنوعها.

وحق نفسها يشمل حقها في تنمية خبراتها العملية والحياتية بما لا يؤثر على حق الزوج في حياة مستقرة جنسيا وأسريا ، فإذا ما حصل الطلاق لسبب من الأسباب كان لديها من الإمكانات ما تستطيع به أن تؤمن حياة جيدة لنفسها في عصر ضعفت فيه شبكات الدعم الاجتماعي، وركزت فيه أسواق العمل على الخبرات التي تحتاج إلى سنوات من الإعداد والتأهيل العلمي والعملي.

ثم إننا نجد في مذهب الحنفية مراعاة لاختلاف الزمان كعامل مهم في تقرير الحكم الشرعي،والقاعدة الفقهية تَنُصُّ على أنه :" لا ينكر تغيّر الأحكام بتغير الزمان"[10]. فظاهر الرواية عندهم أن للزوج السفر بزوجته ، لكن أفتى المتأخرون بأنه ليس له ذلك قالوا: "لفساد أهل الزمان ، والغريب يؤذى."[11].

قال ابن عابدين في حاشيته على الدر المختار: " كذا اختار الفقيه ، وبه يفتى. وقال القاضي: قول الله تعالى: (الطلاق:٦). أولى من قول الفقيه.

قيل: قوله تعالى: ﭚﭛ (الطلاق:٦) في آخره دليل قول الفقيه. لأنا قد علمنا من عادة زماننا مضارة قطعية في الاغتراب بها."[12]اهـ.

ثم قال: " لا ينبغي طرد الإفتاء بواحد من القولين على الإطلاق –أي القول بأن له السفر بها ، والقول بأنه ليس له ذلك – فقد يكون الزوج غير مأمون عليها يريد نقلها من بين أهلها ليؤذيها أو يأخذ مالها ، بل نقل بعضهم أن رجلا سافر بزوجته وادعى أنها أمته وباعها ، فمن علم منه المفتي شيئا من ذلك لا يحل له أن يفتيه بظاهر الرواية ، لأنّا نعلم يقينا أن الإمام لم يقل بالجواز في هذه الصورة .

وقد يتفق تزوج غريب امرأة غريبة في بلدة ولا يتيسر له فيها المعاش فيريد أن ينقلها إلى بلده أو غيرها وهو مأمون عليها ، بل قد يريد نقلها إلى بلدها فكيف يجوز العدول عن ظاهر الرواية في الصورة ، والحال أنه لم يوجد الضرر الذي علل به القائل بخلافه ، بل وجد الضرر للزوج دونها، فنعلم يقينا أيضا أن من أفتى بخلاف ظاهر الرواية لا يقول بالجواز في مثل هذه الصورة"[13] اهـ.

لقد أفتى الحنفية بخلاف ظاهر الرواية فقرروا أن الزوج ليس له أن يسافر بزوجته إذا كان غير مأمون عليها.

فهم نظروا في أمرين:

أحدهما: ما اقتضاه الدليل أصالة من أن الزوج له أن يسافر بزوجته ، وأن عليها أن تطيعه في ذلك. قال تعالى: (الطلاق:٦).

والثاني: ما يترتب على تطبيق الحكم في واقع الناس،فالزوج له ذلك الحق بشرط عدم إلحاق الضرر بالمرأة. قال تعالى: (الطلاق:٦).

فإذا ما أردنا النظر في الأحكام المقررة في مذهب الحنفية من القول بأن للزوج أن يمنع زوجته من العمل، ومن ضبطهم لخروجها لزيارة والديها، وأقاربها بمواعيد محددة ، ومن منعهم للزوج أن يأذن لها بالخروج إلى ما عدا ذلك ، وتضييقهم على حقها في طلب العلم، كل تلك الأحكام إذا نظرنا إلى وجهتهم في تقريرها ، مع كونهم يقررون أن حق الزوج في منع زوجته من الخروج من المنزل حق غير مطلق بل مقيد بأن يكون خروجها بغير حق، نجد أننا قد نخرج بنظر مختلف كما تقدم الكلام عليه آنفا وهو أن حق الزوج في تقييد خروج زوجته من المنزل مقيّد بما لا يخل بحق المرأة في صلات اجتماعية متوازنة، وتنمية لمعارفها علميا وعمليا بما يحقق لها وللزوج حياة مستقرة جنسيا ونفسيا وأسريا واجتماعيا. ثم إذا ما حصل الطلاق لسبب من الأسباب فإن الحياة الكريمة والعادلة التي كانت تعيشها في ظل الزواج ستكون قد أهلتها لأن تكمل طريقها في الحياة الجديدة وهي تملك أدوات حياة جيدة، لا تحرم فيها من حقوقها الأساسية في العيش الكريم. وهذا النظر قد لا يكون مخالفا لقواعدهم بل متفقا معها . والله أعلم.

* حقوق النشر محفوظة .


[1] انظر: بدائع الصنائع مج4/ ص36. وتخصيص الحنفية في معتمدهم "النشوز" بخروج الزوجة من منزلها بغير حق، لا يعني أنهم يرون أنها لا تكون عاصية للزوج إلا بخروجها من المنزل بغير حق، لكنهم يربطون بين النشوز والنفقة، ويخصون حقه في عدم الإنفاق عليها بهذه الحالة، أما إذا منعت نفسها منه في داخل المنزل، أو تطاولت عليه بالشتم ، أو عصت أمره فيما يجب عليها طاعته فيه مما ليس في طاعته إسقاط لحق لها، أو معصية لله فكل ذلك عندهم يعد إثما ، وله حق تأديبها عليه ، لكن ليس له أن يتوقف عن الإنفاق عليها انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه مج5 / ص 286، وقال في الحاشية المذكورة مج5/ ص 287: وقال بعضهم: لو كانت في بيته و منعته من الوطء فإنها ناشزة ولا نفقة لها، وينظر أيضا: الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه مج6/ص 128، 129. قال في الدر المختارمج6/ص129: " والضابط كل معصية لا حد فيها فللزوج والمولى التعزير، وليس منه ما لو طلبت نفقتها أو كسوتها وألحت لأن لصاحب الحق مقالا."

[2]انظر: شرح فتح القدير مج4/ ص 398.

[3] صحيح البخاري المطبوع مع النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح ص 203.

[4] المُخدّرة بضم الميم وفتح الدال المشددة في اللغة: الجارية إذا لزمت الخِدر. والخِدر: الستر. والمُخدّرة شرعا هي التي لم تجر عادتها بالبروز ومخالطة الرجال . وقيل : هي انظر: مختار الصحاح / ص 72/ مادة ( خ د ر) ، البحر الرائق مج7/ ص145.

[5] انظر: شرح فتح القدير مج4/ ص398.

[6] المبسوط مج5/ ص185.

[7] انظر: حاشية ابن عابدين مج5/ ص 325.

[8] قال الإمام ابن عاشور في كتابه أليس الصبح بقريب ، التعليم العربي الإسلامي ، دراسة تاريخية وآراء إصلاحية ص 57، 58 " كانت الأمم التي دخلت في الإسلام مقتصرة في العناية بالتعليم على صنف الذكور دون الإناث من حيث وجدوا حالة سائدة على معظم الأمم هي حالة اقتصار المرأة من تلقاء نفسها على تدبير المنزل وتربية الأبناء لا ترضى بأن تفارق ذلك ، لأن الدخول فيما يجاوز ذلك كان في تلك الأزمان يصرفها عن الاهتمام بحالة أولادها وبيتها ويرهق قواها فيما تتطلبه حالة الرجل من حماية العائلة والانضمام إلى حماة الحي والقبيلة من اعتداء المعتدين على عائلاتهم وأموالهم. فقنعت النساء بتلقي نظام الحياة من أمهاتهن وكبيراتهن، وبتلقي واجبات الديانة من آبائهن وإخوانهن ثم من أزواجهن على تفاوت في كلا الصنفين. وإذا كانت درجات التفاوت قد تلهم المرأة أن تتطلب تجاوز ما عليه مثيلاتها فإن تلك أحوال نادرة لا يقاس عليها، كما كانت درجة أم عائشة أم المؤمنين ، وأم الدرداء، ودرجة سكينة بنت الحسين ، وفاذات نحوهن مثل العالمة الشيرازية التي ذكر ابن العربي في العواصم أنها قتلت في الفتنة سنة 492 بالمسجد الأقصى.... وكذلك كان توجيه الموجهين من أهل الرأي من المسلمين " اهـ باختصار ولمزيد تفصيل يراجع الكتاب المذكور.

[9] أليس الصبح بقريب ، التعليم العربي الإسلامي ، دراسة تاريخية وآراء إصلاحية ص 58.

[10] انظر: شرح القواعد الفقهية ص 227. وقد نبّه فضيلة العلاّمة عبد الله بن بيه على أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، فالواجبات القطعية، والمنهيات القطعية لا تستباح إلا بالضرورات التي تبيح المحظورات. أما الأحكام الاجتهادية المتمثلة في واجبات الوسائل وهي التي يتوصل بها إلى المصلحة، ومحرمات الوسائل التي يتوصل بها إلى المفسدة هي التي تتغير بتغير الزمان لأنها تدور مع المصالح جلبا والمفاسد درءا. اهـ(انظر: صناعة الفتوى وفقه الأقليات ص 184). وعبارة الإمام الزركشي في هذا المعنى : إن الأحكام لا تتغير بتغير الزمان بل باختلاف الصورة الحادثة.( انظر: البحر المحيط مج1/ ص 166). والله أعلم.

[11] الاختيار لتعليل المختار مج 3-5/ ج3/ ص 109.

[12] حاشية ابن عابدين مج4/ ص 295.

[13] حاشية ابن عابدين مج4/ ص 295.

هناك تعليق واحد:

عبد المالك من الجزائر يقول...

السلام علبكم

الحياة الزوجية مودة و رحمة

المراة هيا المرأة و الغريزة هي الغريزة ، فهل تنزع حجابها اذا غض الرجال ابصارهم ، ان القول بتريبة الرجال و الغض من ابصارهم لهو ضرب من الخيال لم يخطر على بال افلاطون في مدينته الفاضلة ، ثم لماذا التطرق لموضوع الطلاق و الحياة بعده ، اليس الاولى بالزوجة المحافظة على العلاقة الزوجية بكل ما اوتيت من قوة ، حتى و ان حصل الطلاق فهي ليست مضطرة للنفقة على نفسها ما دام ان هناك من يتولى تزويجها عندما يتقدم لخطبتها رجل اخر ، فوليها الذي يحظى بشرف تزويجها هو المسؤول على نفقتها . ثم حتى ان لم يكن لها عائل و لا ولي فهلها ان تشتغل في بيتها كاخياطة و النسيج فهي اكثر ربحا و اسهل من العمل خارج بيتها و ليست مضطرة لسنوات الخبرة التي يتطلبها سوق العمل الذي يمتهن المرأة حيث يعلم انها لم تخرج من مملكتها الا لامرين اما انه لا عائل لها او انها تتطلب امورا كمالية و ستعى وراء متطلبات نفسها ، في كلا الحالتين لهي ما تنتظره الذئاب البشرية في سوق الرقيق الناعم.
وشكرا