الجمعة، 16 فبراير 2007

"في فقه المخالطة" بعد زيارة مصر

بين من عد سطوري في ( فقه المخالطة ) تخلفا ورجعية في عالم تجاوز الارتباك في التعامل بين الجنسين ، وبين آخرين رأوا فيها أسئلة لا يصح طرحها أصلا مع تحريم الإسلام لـ ( الاختلاط ) -كما يعتقدون - ، وبين فريق ثالث كتب مترفقا ومؤكدا على نظرة الإسلام الموازنة للمرأة أعود فأكتب في السياق ذاته وأنا أشعر بالامتنان لكل من علق أيا كان رأيه ، فإني أرجو أن أكون قد استفدت من كافة التعليقات أكتب الآن بعد أن وجدت الجواب على تساؤلي ، لكن لا بد للحديث عنه من مقدمة تأخر أوان تقديمها ولم يفت.
سطوري كانت موجهة لمن يعتقد أن الإسلام هو المرجعية التي تصوغ معالم حياة المسلم ، وأننا بحسن الفهم لروحها ومسالكها سنستعيد عزتنا ، وما يبدو أنه تفاصيل صغيرة ، قد يكون حجر عثرة في طريق تقدمنا ، والسؤال الذي يظل يتردد في ذهني ، هل يمكن أن أعيش حياتي بمفردات عصري بلا حرج دون أن أصطدم بما ورثناه أنه مفاهيم محسومة- قطعية - دينيا ؟ وكان التعامل مع المرأة التي لا تلتزم بالهيئة الشرعية في اللباس أحد تلك التفاصيل الصغيرة ، التي اصطدمت لدي مع أصلين مهمين أحدهما : إقرار الإسلام لتشارك الجنسين في المجال العام ، والثاني : أن الحرج مرفوع في الدين. حملت تفصيلتي الصغيرة هذه مع تفاصيل أخرى إلى فضيلة المفتي الشيخ علي جمعة في مكتبه في دار الإفتاء، عصر الاثنين 5/ 2/ 2007م ، قلت لفضيلته : أليس غض البصر هو لأجل حق الطرف الآخر ، فإذا أسقط الطرف الآخر حقه ، جاز النظر ما لم يكن بشهوة ، وذكرت له نص ابن عابدين الحنفي ، وما جاء في الفقه الجعفري، قال لي : هذا الفهم هو جوهر ما عليه جماهير الفقهاء.وذكر لي أنه قد تكلم في هذه المسألة في درس له قبل مدة وجيزة صديقتي طالبة الدكتوارة في جامعة أم القرى في قسم الفقه وأصوله ، كان لها فهم آخر لكن يصب في النتيجة ذاتها ، قالت : ما أفهمه هو أن غض البصر هو لأجل حفظ النفس من الفتنة ، فإذا علم الإنسان من نفسه أن نظرته لن تجره إلى ما لا ينبغي فلا حرج في النظر حينئذ . اهـ كلام صديقتي هذا ذكرني بنقاش مع صديقة انترنتية حدثتني أنها متطوعة في جمعية للمساندة النفسية ، وقالت أنها تضطر أحيانا للسهر مع زميل لها وحدهما طوال الليل لأجل تلقي المكالمات ممن ينوون الإقدام على الانتحار ، قالت لي :هل الخلوة هنا محرمة قطعيا ؟ لم أجبها .. ثم إني وجدت كلاما للشافعية توقفت عنده ، وهو حديثهم عن جواز الخلوة عند أمن الفتنة مع أمثال رابعة العدوية وسفيان الثوري . وكان الاستثناء صادما بالنسبة لي فمقتضى كون رابعة أو سفيان – رحمهما الله - من الأولياء المحفوظين أن يكونا ملتزمين بظواهر الشرع لا أن يخرقا تلك الظواهر ، هكذا تساءلت حينها ، لكني أفهم المسالة فهما آخر اليوم فالمقصود هو أمن الفتنة ، وهو المدار الذي يدور الحكم حوله ، إذا الخلوة إنما حرمت لأنها مظنة المفسدة لا لذاتها، ثم كان أن وجدت نصا في الفقه الجعفري في كتاب فقه الشريعة للسيد محمد حسين فضل الله يفيد كراهة الخلوة لا تحريمها حيث حصل الأمن من الوقوع في الحرام ولو النظر بشهوة . فهل تظل هذه الكراهة قائمة مع أمن المحظور و الاشتراك في عمل ينفع المجتمع؟ وأليس مثل هذا الفهم يعزز معنى الحرية الفردية المسؤولة ؟ أمثال هذه النصوص يسلط الضوء عليها لما طرأ من حاجة الناس إليها في عصر متجدد الإيقاعات ، والصور ، والحوادث ، مما يتطلب فقها مواكبا رافعا للحرج ، يراعي قواعد الشريعة ومقاصدها ، فالنصوص الفقهية المسطورة في الكتب صاغها الفقهاء وفقا لبيئاتهم الاجتماعية ، وعمل الفقيه ينبغي أن يكون الفصل بين ما هو اجتماعي وبين ما هو شرعي . والله أعلم

ليست هناك تعليقات: