الاثنين، 9 أبريل 2007

أفلحوا لو تركوا لها أمرها

هذه المقالة للأستاذة إلهام باجنيد من قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز، نشرت بجريدة عكاظ اليوم الاثنين

تتحدث المرأة السعودية عن حرمانها من قيادة السيارة وكأنها ألفت حصولها على جميع حقوقها وعدم حرمانها منها سوى هذا الأمر. طابور من علامات الاستفهام يتقافز من وسائل الإعلام المختلفة، ومن العالم أجمع ما الذي يحول دون السماح بذلك ؟ فيأتي إيضاح الملك عبدالله بأن الدولة مستعدة لتوفير المناخات اللازمة لأية قضية يوافق عليها المجتمع، لتكثر علامات الاستفهام حول الحائل إذا لم يكن الدين، أو السلطة !! الملفت للنظر إلى درجة العجب وضع المرأة السعودية هذا المطلب في قائمة أولويات مطالبها إلى حدّ الإيحاء بأن عدم مساواتها بنظيرها السعودي يقع فقط في دائرة الحرمان من قيادة مركبة الأحلام. الأمر لا يستحق هذه الضجة النسائية، والإعلامية المبالغ فيها باعتباره أمراً لا يمنعه الشرع، أو السلطة، ما يستحق كل ذلك الحائل الحقيقي المتستر خلف جدران النظرة المجتمعية المجحفة بالمرأة. التكريس النسوي، والإعلامي الأوْلى به أن يوجّه للمطالبة ببدهية مساواة المرأة بالرجل على المستوى الإنساني، إلى خلق نظرة منصفة تعترف بها كائناً إنسانياً له احتياجات وحقوق كغيره من بني البشر الذكور، هي بحاجة إلى توفيرها، وقبله الإحساس بها كائناً حياً قادراً على القيام بنفسه وعدم التبعية للآخرين غير عاجزٍ، أو مشلولٍ يتوكأ على أكتاف القادرين. المرأة بحاجة إلى الانفكاك عن النظرة المرتابة في قدرتها على الإجادة دون تدخل الرجل، تلك النظرة التي فُرضت عليها قضاءً، وقدراً ولم تُجدِ كل النماذج النسائية السعودية المشرفة المسؤولة في أرقى درجاتها في نفيها. هي بحاجة إلى رؤية ترتفع بها عن مجرد النظر إليها كأنثى خلقت فقط إرضاءً للرجل، وإشباعاً لحاجاته. الإطار الشرعي يحدّد قوامة الرجل على المرأة في حدود الزوجية، والمستوى الاجتماعي يتعدى الحدود ليعطي كل رجلٍ في المجتمع نفسه حق القوامة على كل امرأة فيه. حتى في أرقى المستويات العلمية تظل المرأة السعودية تابعة لنظيرها المكافئ لها في الدرجة العلمية والمسمى الوظيفي إلى حدّ الوقوف عاجزة أمام اتخاذ قرارٍ يخص شؤونها وشؤون من تتولى من بنات جنسها دون المرور بالمرجعية الذكورية. في ثنايا حديث تجاذبت أطرافه مع أحد محارمي سألني عن حق المرأة الشرعي في قيادة السيارة، فأجبته بالإيجاب لعدم وجود ما يدل على المنع، ووجود مؤيد من سيرة النساء في عصر الرسالة، وما بعدها اللائي ركبن الدواب، وخرجن لأعمال خارج البيت كمن كانت تجذّ نخلاً لها ترتزق منه، فما كان منه إلاّ أن قال: لو حدث وسمح للنساء بذلك، ووجدت إحداهن في طريقي سأحطم رقبتها. من يعتقد أنه كلام شاب طائش، أحمق، لا يتفاهم إلاّ بمنطق العضلنة سيذهل كما فعلت عند علمه أنه شاب متعلم، على درجة من الوعي والذكاء، والسماحة، ودماثة الخلق. المهم في ذلك أن هذا الحوار لفت نظري إلى ضرورة إعادة صياغة للمجتمع ذكوراً، وإناثاً من منطلقات تربوية يكون فيها الرجل أقل أنانية، وعنفاً، وأكثر إنصافاً، وعدلاً، وتربى المرأة على أن تكون أكثر ثقة بنفسها، وإيماناً بقدراتها. يتحقق ذلك متى سُمح لها أن تكون مسؤولة ذات اختيار تتحمل تبعاته سلباً، وإيجاباً دون أن تقوم الدنيا على رأسها وتقعد متى أخطأت في قرار، أو يستدعي تراثا ضخما كُرّس ذكورياً كشاهدٍ على عدم غرابة وقوع الخطأ منها؛ إذ لها فيه سوابق لا تحصى ولا تعد. الخطأ في اتخاذ قرارٍ ما كالإصابة فيه، المرأة ليست بدعاً فيه بالاعتبار الإنساني الذي يتساوى فيه الرجل والمرأة، تلحقهما جميعاً مسؤوليته الدنيوية أمام المجتمع، والأخروية أمام الله عز وجل. قول الملك عبدالله حفظه الله: الدولة عليها تهيئة المناخات اللازمة للقضايا التي يتفق عليها المجتمع، إشارة مدركة للأسباب الحقيقية كشفت بجلاء عن عدم وجود المانع الشرعي، أو السلطوي، كما أزاحت الستار عن حاجة المجتمع إلى تهيئة تستند إلى مقومات تربوية أخرى للرجل، والمرأة قوامها احترام فعلي للمرأة يتعدى حدود النظرية غير المجدية.