الاثنين، 2 أبريل 2007

أول السلم

سألتني هل : أنت معلمة ، قلت لها : لا ، لا أعمل حاليا في وظيفة ثابتة ، قالت : تعلمين ؟ أقوم حاليا بكتابة بحوث صغيرة في موضوعات تهم الأسرة ، لكن نظرا لكثرة التزاماتي ، وعدم قدرتي على استعمال الكمبيوتر فأحتاج إلى من يساعدني . ما رأيك أن تفعلي . ابتسمت ابتسامة متحفظة وقلت لها : أي نوع من المساعدة ؟ قالت لي : تجمعين المواد وترتبينها وتقومين بصياغتها ، وأرتني بحثا صغيرا لديها ، اقتصر فيه العمل تقريبا على الجمع . قلت لها : لكن ألا ترين أن كتابة بحث ما تحتاج إلى أن يضيف الباحث شيئا ما إلى الموضوع محل البحث ، قالت لي : نعم أريد أن تقدمي في البحث فكرا ينفع الناس . قلت وابتسامتي لا تفارقني : لكني لكي أقوم بذلك لا بد أن يكون العمل منسوبا إلي لا إلى غيري . قالت لي : لكني لا وقت لدي وإلا قمت بالعمل وحدي . قلت لها : لا يناسبني ذلك . فردت بابتسامة خجلة : لا بأس . حوارنا اليوم تلقيته بروح هادئة ، وابتسامة ثابتة ، ولو كان الأمر قبل سنوات لأحسست بمرارة وغصة ، لكن الأيام علمتني كيف أرفض من علو دون تشنج داخلي ، والعجيب أني لم أشعر بالحنق على الدكتورة التي طلبت مني ذلك ، أحسست فقط أني لقنتها درسا هادئا بهدوء حبي لها ، وإشفاقي من سوء التقدير الذي جعل على بصيرتها غشاوة منعتها من رؤية حقيقة بدهية هي أن العمل الفكري لا يقابل بمال ، ما يقابل بمال هو الجهد ، لا إثبات العمل لصاحبه . قبل سنوات حصل لي الموقف ذاته ، مع مديرة إحدى الهيئات الفكرية ، قالت لي : ورقة العمل التي قدمتها لي ستكتب باسمي وهكذا كل ورقة عمل تقدمينها ضمن لجنة البحوث، لم أستوعب حينها كلامها ، وأخذت أناقشها بهدوء كيف ينسب العمل لغير صاحبه ، فلنضع اسم الهيئة عليه ، قالت : أنت لا تعلمين طبيعة العمل المؤسساتي ، عندما كنت في عمرك كان رؤسائي ينسبون أبحاثي إليهم ، هذه هي طبيعة العمل ياعزيزتي ، ولا بد من ذلك خدمة للإسلام والمسلمين ! هدوؤها لم يدم مع جدلي الذي كان يرفض أن يصدق أن يتحدث إنسان بهذا المنطق رغم نسبته إلى التدين والدفاع عن الحقوق ، وقالت : ستظلين صغيرة طول عمرك ، لو لم تتعلمي كيف تصعدين السلم . قلت لها: فلأظل في أول السلم إذا كانت الضريبة هي فقدان مبادئي ، واحترامي لذاتي . لم يكن القرار سهلا ، الانفصال عن المكان الذي وجدت فيه روحي ، لكن كان لا بد منه ، وتعلمت بعد ذلك من مواقف مشابهة مع غيرها ، أن لا أنخدع بالشعارات التي يتشدق بها من نظنهم كبارا ، وأن الكبير حقا يكشف عنه سلوكه لا منصبه أو حلاوة لسانه أو عمق فكره . كما حمت هذه التجارب قلبي من الشعور بالمرارة كلما سمعت عرضا كهذا ، وصارت إجاباتي أقل حدة ، وأكثر ترفعا ، وأنضج من حيث قدرتي على الموازنة بين نقائص هؤلاء وفضائلهم . قالت لي أختي : ألا ترين أنك تبالغين في حتة ( الفكر ) دي ؟ قلت لها : أبدا ، لأني أعتقد أن كتابة بحث ما إما أن تضيف شيئا أو لا تضيف ، ولست أرضى أن أشارك في عمل لا طائل من ورائه ، وما كان مفيدا فلا بد أن ينسب لأصحابه لا إلى سواهم .

هناك 4 تعليقات:

Eric Matt يقول...


لذلك رفضت اكمال مشروع تخرجي في تمهيدي الدراسات العليا في مصر وفضلت السفر لأني لم أشارك ولو ببصلة فيه و لا أحب نسب شيء لي لم أفعله

شكرا

تحياتي من ماناساس البلد

صفية الجفري يقول...

شكرا ليك .. ويارب يوفقك ويفتح عليك

Ahmed Hammad يقول...

لقد عبرت بوضوح وبساطة فكرة ظلت غائمة في ذهني فترة طويلة.

مع خالص تحياتي
أحمد-مصر

صفية الجفري يقول...

أهلا بك
تعلم ؟ ترددت في كتابة هذه المدونة ابتداء ، ثم عزمت لما تبين لي أن تجربتي الشخصية قد تفيد أحدا ما ، وتقيه صدمة البدايات في التعامل مع من يظن فيهم كمال الفهم والعدل ، شكرا لتعليقك ، لكن ما الذي كان غائما لديك تحديدا ؟
زرت مدونتك فوجدتها بالانجليزية التي لا أجيدها
مع تقديري