الأحد، 28 نوفمبر 2021

إضاءات من كتاب : تربية خالية من الدراما

 


ليس عنادا

إذا عرفنا أن المشاعر البدائية التي تتعلق بالحفاظ على أماننا تتركز في الجزء السفلي من الدماغ وأن كل ما يتعلق بقدرتنا على التفكير الجيد والتعاطف والتصرف الحكيم يتركز في الجزء العلوي الجبهي ( ناصية الرأس) وأننا عندما نغضب أو نقلق أو نخاف أو نتوتر فإن الجزء السفلي من الدماغ ينفصل ‏عن الجزء العلوي ونكون بحاجة إلى وصل الجزئين ببعضهما لكي نتصرف برشد ..حينها سنعرف لماذا ينصحنا الحكماء أن لا ننصح إنسانا حال غضبه ، لأنه ببساطة لن يستطيع سماع صوت الحكمة ، مخه السفلي منفصل عن مخه العلوي ، لذلك إذا أردت توجيه طفلك وكان غرضك من التوجيه أن يتعلم طفلك الصواب فلن يكون ‏مجديا أن تحدث طفلك في حال كونه غاضبا او منفعلا لأنه لن يستجيب لك حينها ..لا ، ليس عنادا ، ولكن لأنك تخاطب الجزء الخطأ من مخه إذن ؟ كيف أتعامل مع الطفل حال غضبه ؟ الجواب هو أنك بحاجة إلى أن تصل مخه السفلي بالعلوي ..تصل مشاعره المضطرمة بمركز التفكير الهادىء والمتعاطف ، وذلك عن طريق التواصل المتعاطف معه ، إذا شعر الطفل انك لست مصدر تهديد له ، وانك تتعامل معه باحترام لمشاعره مهما احتدمت وأنك مستعد لسماعه ، حينها سيكون قادرا على الإنصات إليك غالبا ، وستستطيعان حل المشكلة وقد عززتما في نفس الوقت تواصلا جيدا بينكما يقوم على الاحترام والتعاطف وتكون قد أضفت لطفلك مهارات مهمة في إدارة مشاعره ، وحل المشكلات ، والتعاطف مع الآخرين .

عن صياغة الضمير   

‏يناقش كتاب : ( تربية خالية من الدراما ) مسألة الانضباط التربوي بطريقة علمية تطبيقية ، ستجد أيها المربي فيه قواعد واضحة ، وأمثلة تفصيلية ، تساعدك على تحقيق عملية الانضباط مع طفلك .

‏الكتاب يشرح المعلومات والأفكار بطريقة سلسة وثرية جدا ..فيه تكرار ذكي يرسخ المعلومة وتطبيقاتها التربوية في النفس دون أن يشعرك بالملل بل ربما بالامتنان والإعجاب بهذه القدرة البارعة على البيان .كتت أود كتابة تلخيص أو عرض لأفكار الكتاب لكني بعد تأمل أدركت أن الكتاب لا يحتاج إلى ذلك ‏ما يحتاجه هو مدخل مشوّق لقراءة مادته التي كتبت باحترافية عالية لا حشو فيها ولا تعقيد فقط أود التنبيه على ثلاثة أفكار ذكرت في ثنايا الكتاب :الفكرة الأولى : المربي هو مصدر السند والأمان ويجب أن يظل كذلك في كل حال بل بالذات عندما يخطىء أطفالنا ، إذا كان خطأ الطفل سيحوّلك إلى مصدر ‏تهديد عندها سترتبك عملية صياغة الضمير في نفس الطفل ، لأنه سيركز على خوفه منك ولن يولي مشاعر الذنب تجاه ارتكاب الخطأ والتي يكون على وعي بها غالبا، إنه لن يولي هذه المشاعر انتباهه وسيتحول الأمر إلى غضب أو خوف منك. أنت كمرب تريد ان يكون الانضباط الاخلاقي ملازما لطفلك في حضورك وغيابك

‏ولن يتحقق ذلك إذا لم تحافظ على كونك مصدر الأمان والسند له في كل الأحوال .هناك فرق بين الاحترام وبين الخوف .والنهج الانضباطي الذي يشرحه الكتاب يعزز احترامك كمرب ويحول دون أن يربك طفلك بتنقلك بين دورين دور المهدّد ودور السند.

الجوهر المتسق

الفكرة الثانية : سماها الكتاب : الجوهر المتسق ..وقد شعرت فعلا بفرحة معرفية لما فهمت هذه الفكرة ..يقول الكتاب: احترامك لمشاعر طفلك وعدم صرفه عنها وتشتيته رجاء تهدئته أو تقليلك من أهميتها كمشاعر الغضب أو الخوف أو القلق وتحدثك معه عن انك تقدّر أحاسيسه ثم تناقشه في كيفية التعامل مع الإحساس الذي يؤذيه ( وفي الكتاب أمثلة واضحة وتفصيلية لذلك ) كل ذلك يبني في داخله خبرة داخلية جيدة حيال مشاعره وفهمها والتعامل معها .أما لوم طفلك على غضبه أو تقليلك من أهمية مشاعره : ( توقف عن البكاء ، لماذا أنت غاضب ألا ترى أن الجميع يحظون بالمرح ؟) سيجعله هذا النهج في تعاملك معه يشك في قدرته على أن يلاحظ ويفهم ما يحدث بداخله سيكون جوهره الداخلي غير متسق وسيتركه مشوشا ومليئا بالشك الذاتي ومنعزلا عن مشاعره وعندما يكبر يستصحب معه هذه المشاعر القلقة المشككة في أحاسيسه ،ويصيبه الشك في تجربته الشخصية ، ويتهم مشاعره وآلامه بأنها غير مبررة وغالبا فإنه سيكون عرضة للتلاعب.

إدارة المشاعر :

‏الفكرة الثالثة: تتعلق بأسلوب التمثيل لإشراك طفلك في تحقيق الانضباط تطلب من طفلك أن يتخيل نفسه مخرجا للمشهد الذي تصرّف فيه بشكل خاطىء وأن يتضمن المشهد حلا للمشكلة .هذا الأسلوب يجعلهم ينفصلون عن أنفسهم ويناقشون مشاعرهم ويحلّون مشكلاتهم وفقا لوعيهم بحالتهم الداخلية ‏ويحقق هذا الأسلوب تكاملا في آلية العمل في المخ لأن دائرة اختبار المشاعر منفصلة عن دائرة ملاحظتها .

هذه التقاطات لبعض الأفكار المهمة في الكتاب الثري وبقي أن أقول إن المؤلفين اختبرا الأبوة ولذلك جاء الكتاب ناضجا حكيما متفهما متعاطفا مع إخفاقات الآباء ومؤكدا على فكرة أن الأخطاء التربوية لن تفارقنا غالبا كآباء لكن ما دمنا نحرص على أن نكون آباء صالحين فإن هذه الأخطاء ‏ستعزز غالبا علاقة ( مريحة ) بيننا وبين أبنائنا فهم لا يتوقعون منا الكمال ويعلمون أننا لا نتوقع منهم الكمال أيضا .

‏يقول لك الكتاب إن تحقيق المنهج الانضباطي القائم على التعاطف لا التهديد لا يفوت أوانه لأن المخ البشري مرن وقابل لإعادة التشكيل ..لو كان طفلك في السابعة او ما بعدها ‏فدائما هناك وقت، وستستطيع كمرب أن تصلح ما أفسدته إذا تعلمت كيف تفعل ذلك .‏اللهم وفقنا لنكون آباء صالحين واغفر لنا تقصيرنا وزللنا وأصلحنا وأصلح أبناءنا وأسعد بنا وبهم قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .

                                                                             حرر في : 21 / 11/ 2021م

ليست هناك تعليقات: