عندما
تصفحت كتاب :" التهذيب الإيجابي"[1]
لأول مرة في مكتبة جرير، عرفت أن هذا الكتاب سيكون مرجعا مهما لي في تربية ابنتي
آمنة[2]،
وقد كان. يقع الكتاب في 307 من القطع الكبير، وكل صفحاته مزدحمة بالمفاهيم
والإرشادات التربوية ، بخط صغير ، كان الكتاب أمامي ككنز علي بابا، بكل التفاصيل
التي تضمنها الفهرس: ( التساهل والصرامة، ما قل ّ ودلّ، قرر ماذا ستفعل،
الاختيارات والعواقب، الروتين اليومي، اترك الفرصة لأطفالك لحل المشكلات، الملل،
العناد، التدريب على الحمّام، ...الخ).
أهميّة
الكتاب تكمن في وضوح الرؤية التي كتب بها، فغاية التربية تتلخص في أمرين: بناء طفل
يحترم ذاته، وتنمية المهارات الحياتية التي تجعل منه طفلا متوازنا نافعا لنفسه
وللآخرين. وتتسق التوجيهات التي يتضمنها الكتاب مع الرؤية العامّة التي يتبنّاها.
كان
أمامي خياران، أحدهما: أن يكون الكتاب مرجعا للطوارئ، بحيث ألجأ إليه كلما استجدت
مسألة تربوية أحتاج إلى المساعدة فيها . والخيار الثاني: هو أن أقرأ الكتاب كلّه
متتابعا، ولا أنجّمه بحسب الحوادث التربوية الطارئة، وهذا ما فعلته، فجعلت لي وردا
يوميا من الكتاب أقرؤه بعد وردي القرآني صباحا، وكانت الفائدة كما نصح الكتاب: سوف
تستفيد من قراءة جميع المواضيع، وإن كان بعضها لا تحتاج إليه وقت قراءتك له، ستتسع
مداركك، وتصير لديك ملكة تربوية جديدة ، توجّهك في المواقف الحادثة، وسيفكر عقلك
فيها منطلقا من قيم الرحمة والتفهم والاحترام، وكل ذلك سيساعدك على تربية طفل
متوازن، يقظ الضمير، حسن التصرّف. اهـ بصياغة جديدة للعبارة.
وقد
ظننت أني سأستغني بهذا الكتاب عن غيره ، حتى طرأت على حياتنا مسألة العناد، ولم
يكن الكتاب كافيا في مساعدتي في التعامل معها، وأنقذني كتاب: "تربية خالية من الدراما"[3]،
وفيه مسائل مهمة تتعلق بفهم دور الدماغ في توجيه سلوك الطفل.
الكتاب
-رغم التفاصيل العلمية التي يتضمنها -سهل العبارة، ويجمع بين المعلومة العلمية ،
وحكمة التجربة، فقد ألّف الكتاب زوجان ( دانيال جي. سيجيل، وتينا باين برايسون) نقلا
لنا برحمة خلاصة تخصصهما العلمي ، وخلاصة تجربتهما الثرية.
وفي التربية الجنسيّة كان كتاب: "
كيف تتحدث عن كل ما يخص الجنس مع الأبناء"[4]
قائما بفرض الكفاية في موضوعه، وخطة الكتاب هي أن يقرأه المربّي أولا، ثم يشرح ما
ورد فيه للطفل ، وقد بيّن الكتاب بلغة مناسبة المعلومات التي تصلح لكل مرحلة من
مراحل الطفولة.
قرأت الكتاب كاملا في جلسة واحدة، وشرحته لابنتي
عبر السنوات وفقا لخطّة الكتاب. الموضوع حسّاس نعم، وما يساعد هو أن تستحضر كمربي
مسؤوليتك الدينية والأخلاقية، وأن تمتلئ شعوريا بإحساس أن الخجل هو المعيب، وأن
الحديث إلى طفلك هو جزء مهم من رحلة بناء سوائه النفسي فضلا عن حمايته من غوائل
المعلومات المشوّهة ، وأمر آخر هو أن قدرتك كمربّي على الشرح لطفلك تعتمد على أن تكون
علاقتك بطفلك غنيّة بالألفة والرفقة الحلوة، وأن يمتد بينكما جسر من الحوار الدائم
والقريب، وأن تكون روح هذا الحوار احترامك لعقل طفلك وعدم الاستخفاف به.
ساعدني
أيضا في إعداد ابنتي لمرحلة البلوغ، كتاب :"حدث غير متوقع"[5]،
أسلوب الكتاب قصصي مشوّق، ويلمس قلق الفتيات اللاتي يقتربن من البلوغ ، ويطمئن هذا
القلق، ويعالج موضوعه معالجة علمية نفسية اجتماعية، قرأت مع ابنتي الكتاب في سن
التاسعة، ثم قرأته بنفسها مرتين وهي تقبل على سن العاشرة. حسنا، لم أتوقع أن تهتم
به صغيرتي لدرجة أن تعيد قراءته مرتين.
كتب
المكان الثاني[6]
البحث
عن كتب تساعدنا في التربية يتوجّه أولا إلى الكتب المتخصصة في التربية، لكن هناك
كتب تلهمنا تربويا وتعلّمنا، وربما بطريقة أوقع في النفس، يزدهر بها المكان
الثاني، وهو عندي رمز لكل ملاذ وجودي نختار أن نتجدد به أو نتجدد معه، في المكان
الثاني كتب تربية خارج التصنيف المعتاد، مثلا، قصص الأطفال هي كتب تربية، والكتب
التي تتناول العلاقات الإنسانية هي كتب تربية، والروايات أيضا كتب تربية.
عندما
بلغت آمنة السابعة من عمرها قرأت معها كتاب :" 365 يوما مع خاتم
الأنبياء"[7]،
يقع الكتاب في 388 صفحة من القطع الكبير، وقد قسّمنا الأيام في الكتاب على أيام
السنة كورد يومي. ولأن آمنة أحبت الكتاب؛ فقد
أنهينا قراءة الكتاب في تسعة أشهر، وكان جواب آمنة لمّا سألتها عمّا استقر في
عقلها من قصص الكتاب، أنها لا تتذكر قصّة بعينها، لكنّ الكتاب جعلها تتعرّف على
شخصية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه بعبارتها: "قوي، ويعرف كيف
يتصرّف، ورحيم جدا".
لقد
كانت قصص كتاب " المشاعر الكاملة، ما الذي تعنيه؟"[8]-وهو
كتاب يصلح لسن السابعة[9]-سببا
لحكايات جديدة أسمعها من آمنة عن مواقف مرّت بها في المدرسة في المراحل المختلفة
(الروضة، والتمهيدي ، والصف الأول الابتدائي)، علاقتي بآمنة فيها الكثير من الحكي،
لكن هذا الكتاب ذكّرها بمشاعر مرّت
كالسحاب على عقلها واختزنتها ذاكرتها الشعورية، وكانت تحتاج إلى نصوص ملهمة
تساعدها على استدعاء هذه المشاعر، وتفكيكها ، والتعامل معها.
القراءة المنتظمة لطفلك فعل محبّة وعناية
واحترام، يصله ذلك ويستقر في وجدانه، وهي كذلك فعل تنوير ووعي وبناء روحي وعقلي
ونفسي ولغوي .
رسائل
تربوية
من
المسائل التي شرحها تفصيلا كتاب :" التهذيب الإيجابي" مسألة أهمية العناية بأن نوصل لأبنائنا أن حبنا
لهم، واحترامنا أيضا، لن يتأثر بتقصير منهم، أو قصور، سواء في جانب الأخطاء عموما،
أو في جانب التعثّر الدراسي، وهكذا فلم أقل لابنتي يوما افعلي كذا لأحبك، أو أنا
لا أحبك لأنك فعلت كذا أو لم تفعلي كذا ، بل كنت أذكر حبي لها في وقت التأديب،
وأذكّرها دوما أنها في مرحلة تعلّم، وأن الخطأ لا يصمها، وكل ذلك مع ترتيب عاقبة
على تصرّفاتها .
ثم
نبهني كتاب المساعدة الذاتية :" لا بطعم الفلامنكو"[10] إلى
أهمية أن أراقب الرسائل الباطنة التي قد
تتسلل من حيث لا أشعر إلى ابنتي ، تلك الرسائل التي تنبثق من اللاشعور لدي، والذي
تشكّل عبر سنوات على المطالبة بالكمال، والاختزال الضال لقيمة الإنسان في تفوقه،
وهذه الرسائل تأتي عبر كليشيهات عامة نتداولها في تمجيد الاكتمال، مما يشوّش على
الطفل، ويوصل إليه رسائل متضاربة.
وفي
رواية: " مكان ثان"[11]
تتحدث بطلة الرواية عن أن طفولتها كانت مكبّلة بالانتقاد المستمر من أبويها، وأن
هذا جعلها تتقلّب في العلاقات المسيئة لأن الإساءة هي الشكل الوحيد من العلاقات
الذي شكّل هويتها، فكانت لا تشعر أنها مرئية في علاقة صحيّة ؛ فالانتقاد المستمر
وحده هو ما يشعرها أنها مرئية.
قرأت
في كتب التربية المتخصصة عن الأثر السيء للانتقاد المستمر على نفسية الطفل، وكيف
أن هذا يخل باحترامه لنفسه، لكن رواية " مكان ثان" جددت قوة هذه الفكرة
في داخلي.
إن
"الوالديّة" إضافة جديدة في بنية العقل، يقرأ الوالدان بعين الإنسان،
وبعين الوالديّة معا، و يجدان ملمحا تربويا في كل كتاب أدبي أو معرفي ، ولكأن
الكون كلّه يتطوّع لمساعدة المربّين في هذه المهمة الوجودية التي تشغل عقولهم
وقلوبهم.
*نشرت
المقالة في العدد 85 من مجلة الجوبة الثقافية، أكتوبر/ 2024م
[1]
التهذيب
الإيجابي، جان نيلسن ولين لوت وستيفن جلين ، ترجمة مكتبة جرير، الناشر: مكتبة جرير.
[2] آمنة اليوم في الحادية عشرة من عمرها.
[3] تربية خالية من الدراما، دانيال
جي. سيجيل وتينا باين برايسون، ترجمة مكتبة جرير، الناشر مكتبة جرير.
[4]
كيف
تتحدث عن كل ما يخص الجنس مع الأبناء، هبة حريري، نشر ذاتي. والكتاب متوفر في
مكتبة جرير.
[5] حدث غير متوقع، رحاب ملاه، دار أسفار للنشر والتوزيع.
[6]
اقتبست
الاسم من رواية مكان ثان للروائية الكندية راشيل كاسك، ترجمة : محمد نجيب، دار
المحروسة.
[7] 365 يوما مع خاتم الأنبياء، نوردان ملا، ترجمة: زينة إدريس، الدار
العربية للعلوم ناشرون.
[8]
المشاعر
الكاملة ما الذي تعنيه؟ ،جنيفر مور- ماليونز وجوستافو مازالي، ترجمة مكتبة جرير،
الناشر: مكتبة جرير.
[9] هذا تقديري، وإلا فإن العمر المقدّر في النسخة الإنجليزية من أربع
إلى ست سنوات. وخلت النسخة العربية التي ترجمتها جرير من تقدير العمر.
[10] لا بطعم الفلامنكو، محمد طه، دار الرواق للنشر والتوزيع.
[11] مكن ثان، راشيل كاسك، ترجمة محمد نجيب، دار المحروسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق