يعطي
الحزم الطفل وضوحا في رؤيته للصواب والخطأ، والوضوح أمان، كما أن التذبذب يخلق
فوضى داخلية تربك علاقة الطفل بنفسه وبوالديه.
والحزم وسيلة وليس غاية؛ وهو لا يؤتي ثمرته
إلا إن صاحبه التعاطف. الحزم وسيلة لتنمية مهارة الانضباط الذاتي لدى الطفل، وإذا
أردنا أن يكون انضباط الطفل نابعا من ضميره -أصالة-
لا من خوفه من والديه، أو طمعه في مكافأتهما، فالتمهيد لذلك يكون بعلاقة غنية
بالاحترام والعاطفة بين المربّي والطفل. فإذا حصل موقف ما، يحتاج إلى ضبط سلوك
الطفل، لم يسارع المربّي إلى فرض الانضباط بالتهديد أو مباشرة التعنيف، وإنما
يتواصل مع الطفل بهدوء ورويّة وعاطفة ، ليصبح الطفل قادرا على الاستماع إليه، ومن
ثمّ يُلزم الطفل بالتصرّف الصائب.
لا يخلّ بالحزم أن نقول للطفل إننا
نتفهم غضبه، ونتمنى لو أننا لم نضطر إلى إلزامه بالعاقبة الثقيلة عليه، لكن تحمّل
مسؤولية الخطأ سيجعله إنسانا أفضل، ولا مانع هنا من الحضن بل هو معمّق لفكرة اتساق
الحزم مع التعاطف.
ما يحوّل الحزم إلى قسوة هو غياب الفِكر
قبل الفعل التربوي. لكي يؤتي التوجيه ثماره، لا بد أن نفكّر في طبيعته، وما سيترتب
عليه معا، بما يناسب طبيعة الطفل. وقبل ذلك لا بد أن نفهم دوافع الطفل وسياق
تصرّفه.
حسنا، الأمر دين أيضا، سيسألنا الله عن حق
الطفل في تربية تؤمّنه، ولا تخلق في داخله خوفا أو تشوشا أو هوانا.
يتحوّل الحزم إلى قسوة عندما نُتبع التوجيه
بالاعتذار عنه. هذا فعل قسوة؛ لأنه يشوّش الطفل فيختلط عليه أمر الصواب والخطأ،
وفوق ذلك يحرمه هذا التذبذب من القدرة على الثقة بنا، وبالتالي يتزعزع داخله
الشعور بالوالدين كسند وأمان.
أن يكون المربي محل احترام الطفل ليس
ترفا، بل هو رافد مهم لحاجة أساسية وهي حاجة الطفل إلى أن يقارب ما يتعلّمه عن
أساسيات موقفه المعرفي تجاه الوجود.
الحزم وسيلة لمساعدة الطفل على النمو
المتوازن، وليس غاية في حد ذاته، والتعاطف كذلك، وكلاهما الحزم والتعاطف هما حق
للطفل، وهما جناحا توازنه الداخلي. هذا ليس سهلا لكن هل مسؤوليتنا كمربّين إلا
المحاولة ، والثبات على المحاولة.
وفي كل مرة نتحدّث فيها عن أخطائنا
التربوية لا بد أن نذكّر أنفسنا أن الخطأ جند الصواب؛ لأننا نتعلم من أخطائنا
مهارة جديدة لتجنّبها، ونتعلّم من أخطائنا أن نتواضع ونراجع أنفسنا وممارساتنا
التربوية، كما تساعدنا أخطاؤنا وتساعد أطفالنا على فهم أعمق لكيفية إدارة التواصل
بيننا.
وأخطاؤنا
بعد الاعتذار الصادق عنها، والمحاولة الجادة لتجنبها، من أهم ما يحمي أطفالنا من
شبح الكماليّة فلا ينخر أرواحهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق