الثلاثاء، 27 يوليو 2021

مدخل ميسر لقراءة كتاب تنبيه المراجع

    كتاب تنبيه المراجع على تأصيل فقه الواقع للعلّامة عبد الله بن بيه ، هو من الكتب القيّمة التي قدمت رؤية تجديدية في بيان كيف يكون الدين حيّا في حياة الإنسان المعاصر ، ووجه التجديد هو ما ذكره –حفظه الله – من نظرات وتطبيقات في علاقة علم الفقه بواقع الناس، وكيف يكون محققا لما جاء به الشرع من رعاية لمصالحهم مستوعبا ضروراتهم، وحاجاتهم،  وإكراهاتهم، وتغيرات الزمان والمكان ، وثقافة العصر،  وقيمه الحضارية .

و قد كتب الكتاب بلغة تخصصية عالية ، فليس من اليسير على غير المتخصص في الفقه وأصوله  فهمه، وقد حاولت نقل بعض ما ورد في الكتاب  نصّا أو معنى أو إشارة  بلغة سهلة  وذلك لأهمية إعادة صياغة الوعي الشرعي الجمعي بما يفقّه الناس في دينهم على بصيرة وهدى. وقصدت  أن يكون ما نقلته مدخلا لقراءة الكتاب الثري بالأمثلة التطبيقية التي تتصل بعصرنا . وارتأيت أن يكون ذلك في فقرات مركزة أسأل الله أن ينفع بها وبأصلها.

1.  يراعي الفقيه في تقرير الأحكام تحقيق مقاصد الشريعة أي المعاني والحكم والغايات التي تحصل بها مصالح الناس ويندفع بها الضرر عنهم.

2. الاجتهاد في الأحكام الشرعية في ضوء مقاصد الشريعة إنما يقبل من أهل العلم بالشريعة، فهو ليس من قبيل الثقافة العامة.

3.إهمال تفعيل المقاصد الشرعية في تقرير الأحكام الشرعية التفصيلية المرتبطة بحياة الناس هو ضلال عن نهج أهل العلم.

4.نصوص الشريعة هي بمثابة نص واحد في نظام الاستدلال والاستنباط ، فمن لم يحط بها علما ، ولم يجمع أطرافها لم يسعه أن يفقه معانيها.

5.الشريعة ليست فقط الأدلة الجزئية ، ولا هي مجرد قواعد عامة عائمة، ولا قيم مجرّدة، وبالتالي لا ينظر إلى النص الجزئي إلا من خلال القواعد الكلية، كما لا يصح تفعيل القواعد الكلية دون مراعاة للنص الجزئي . والسؤال هنا : ماذا نفعل في حال التعارض ؟ : في حال التعارض ينظر العالم المجتهد في المسألة ويوازن بما يراه أقرب إلى الحق كما يترجح عنده من خلال خبرته في فهم روح الشريعة، فقد يقدم الكلي ، وقد يقدّم الجزئي . ولا يكون ذلك لغير أهل الاجتهاد والعلم بطرق الاستنباط.

6.الحكم الشرعي الفقهي له منزلتان الأولى منهما هي أساس للثانية .

المنزلة الأولى: الحكم الفقهي الذي يستخرجه الفقيه من النص الخاص، وهذا العمل من الفقيه لا يكون منفصلا عن الأدلة الأخرى الجزئية أو الكلية العامة ، فنصوص الشريعة كما قدمنا في الفقرة الثالثة هي بمثابة نص واحد. فهذا الحكم الفقهي المستخرج مباشرة من الدليل الخاص والمتسق مع بقية أدلة الشرع يسمى : الحكم التكليفي.

المنزلة الثانية : الحكم الوضعي : ومعناه : أن ننظر في الواقع التي سنطبّق فيها الحكم التكليفي، هل هو مستوف للشروط ، أم أن هناك مانعا يحول دون تنزيل الحكم التكليفي على واقع المكلّف وهذا يعيدنا إلى الفقرة الثالثة مرة أخرى ، لأننا إذا نزلنا الحكم على واقع الإنسان دون مراعاة لحاله  فإننا قد نخالف قاعدة قطعية في وجوب رعاية فقه الضرورات أو فقه المآلات مثلا.

7.ما الدليل  على أننا يجب أن نراعي  واقع المكلّف ؟  الأدلة كثيرة من القرآن الكريم و سنة  سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم و فعل  الصحابة الكرام رضي الله عنهم .

فقد راعى القرآن الكريم الواقع ورتب الأحكام عليه ،فراعى واقع الإنسان فشرّع التخفيف في التكليف : ( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ) ، ( علم أن لن تحصوه فتاب عيكم فاقرءوا ما تيسّر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى و آخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسّر منه ) . وراعى رد فعل عبدة الأصنام فنهى عن سب آلهتهم : ( و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) .

وذلك يمثل أصلا لرعاية الأحوال والعاقبة والأعراض والأمراض التي يبتلى بها الإنسان .

ولم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين  وهو يعلم شقاقهم قطعا وهو القدوة والأسوة وقال :    " لا يتحدّث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " وذلك لأن قتلهم منفّر من الدين ، ومؤثر في الجماعة

-ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن تقطع الأيدي في الغزو . يقول الإمام ابن القيم :"فهذا حد من حدود الله ، وقد نهى عن إقامته في الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض لله تعالى من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين حميّة وغضبا كما قال عمر وأبو الدرداء وحذيفة وغيرهم . " . قال الإمام ابن بيه : " قلت : ويؤخذ من هذا أن الإمام العدل الراعي مصالح الدنيا والدين يجوز له أن يعلّق الحد أو القصاص إذا ترتبت عليهما مفسدة أعظم كما فعل عمر رضي الله عنه عام الرمادة ."  إذ علّق حد السرقة، وأوقف نفي المحكوم عليه في جريمة أخلاقية لئلا يفتن في دينه .

8. إن التنزيل والتطبيق هو عبارة عن تطابق كامل بين الأحكام الشرعية وتفاصيل الواقع المراد تطبيقها عليه ، بحيث لا يقع إهمال أي عنصر له تأثير من قريب أو بعيد ، فيدقق المجتهد في الدليل بشقيه الكلي والجزئي، وفي الواقع بتقلباته وإكراهاته ، و مآلات الحكم صلاحا وفسادا .

9.عدّ الإمام الشعراني في " الميزان الكبرى " اختلاف الأئمة راجعا إلى الميزان المتمثل في حالة المكلفين من قدرة وقوة تتحمّل عزائم التكليف وشدائده، ومن ضعف أو فقر تستدعي حالة الترخيص والسهولة .

10.تحدّث الإمام ابن بيه عن أننا في عصر قلق، اضطربت فيه المعاني الإيمانية ، وتشوش فيه فهم المنهج السديد، واغتر الناس فيه بمناهج حادت عن الحق تأثرا بعدوى الزمان والمكان ، وأن هذا الأمر يحتاج إلى دراسة من أهل النظر . أقول : فلعل الخطاب الدعوي يحتاج إلى مراعاة ذلك ليجمع الناس على دين الله ولا يفرقهم عنه . والله أعلم  . 

                            


ليست هناك تعليقات: