الأربعاء، 11 مارس 2020

حقوق المرأة في الإسلام : نماذج من مراجعات عصرية. (1)



تشهد حقوق المرأة في الإسلام منذ سنوات مراجعات أصيلة، وجادة، لتمايز بين الاجتهاد الفقهي المرتبط بثقافة الفقيه في زمن ما، وكذا مصالح ذلك الزمن ، وبين الحقوق الأصيلة، والمتجددة المرتبطة بواقعنا المعاصر.
 وسأكتب مجموعة من التقريرات التي أراها مهمة والتي هي نتاج بحث العلماء ، أو نتاج بحث قمت به مسترشدة بمن أثق بعلمهم .
وهدفي من ذلك القيام بواجب الوقت في أمرين :
أحدهما: رفع الحرج الذي تشعر به كثير من النسوة حيال الطرح التقليدي لحقوق الرجل في الإسلام في مقابلة حقوق المرأة . ولكأن الدين جاء بما فيه قهر المرأة وكسرها .
الثاني: إزالة الشبهات المتعلقة بحقوق المرأة في الإسلام ، وتحرير المفاهيم الواردة في النصوص الشرعية والفقهية، وبيان أقصى سعة يحتملها النص الظني في هذه المسائل مما اعتمده أهل الاجتهاد بحيث نوصل الدين إلى شباب هذا العصر ، باللغة التي يفهمها ، ولا تلتبس عليه، فيظن أن الإسلام قد حرم المرأة من حقوقها الكاملة كإنسان .
وتكون إعادة صياغة المفاهيم ، وتحريرها ، وبيان الاجتهادات الميسرة من أهل العلم المعتبرين سبيلا إلى صياغة فقه جديد معتبر ملائم للعصر ، ومستوعب لنفسية أهله . والله أعلم .


 الحقوق بين الزوجين : موازنة تأصيلية : 

          سأبدأ بشيختي العالمة الجليلة فضيلة الدكتورة شادية كعكي –حفظها الله – فقد قررت في بحثها المعنون ب: ( الفضل وأثره في بلوغ السلام بين الأزواج ) كل واجب للزوج يقابله حق للزوجة : (فالزوجة واجب عليها الطاعة ولكن إذا لم يحسن صحبتها ولم يتغاض عن هفواتها فلن تستطيع الزوجة الوصول إلى تلك الطاعة  ) .
          أجد هذا الفهم الدقيق الذي قررته فضيلتها يتسق مع ما ذكره الإمام ابن عاشور في ( النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح ) في شرح الحديث الشريف : ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيىء لعنتها الملائكة حتى تصبح ) خص ذلك بالليل لقوله في هذا الحديث : ( حتى تصبح ) ... ووجه ذلك أنه وقت المضاجعة والأنس بالمرأة عادة، لأن النهار وقت شغلها ، فهي محمولة على العذر فيه . ثم قال الإمام ابن عاشور- وهو موضع الموافقة لما قررته فضيلة الدكتورة شادية كعكي - : " والمراد من الحديث أنها امتنعت لغير عذر ولا مغاضبة منه إياها ، فهو الامتناع المشعر بالنشوز عنه ؛ ولذلك كانت له عقوبة شرعا، وهي الهجران أو الضرب؛ لأن النشوز تنشأ عنه مفاسد جمة بين الزوجين، وجنايات مع المرغوب إليه، فهذا تأويل الحديث لأن ظاهره مشكل .
  خلاصة : فالمطالبة بالحقوق مقيدة بأداء الواجبات ، فليس لأحد الزوجين أن يطالب بحق له بينما هو يسقط حق الآخر عليه . وهذا ما اتفق فيه كلام د. شادية كعكي مع الإمام ابن عاشور: فحق الزوج في العلاقة الجسدية ليس حقا مطلقا وإنما يقابله حق الزوجة في العشرة بالمعروف فإذا آذاها نفسيا ، ونفرت منه ، فلا تطالب بذلك .
استدراك :
1. بقي أن أذكر هنا أن الإمام ابن عاشور في التحرير والتنوير ، قد قرر – وتقريره موافق لمذهب الشافعية- هو وسيلة إصلاح يشترط لها أن لا تعده المرأة إهانة أو إضرارا . أقول : وتحقيق مناط المسألة يقتضي منع الضرب في عصرنا وإن اعتمدنا ما قيل إنه بالسواك  . والله أعلم .
2. فضلا عما قرره الإمام ابن عاشور في التحرير والتنوير من أنه " يجوز لولاة الأمور إذا علموا أن الأزواج لا يحسنون وضع العقوبات الشرعية مواضعها... أن يضربوا على أيديهم استعمال هذه العقوبة ، ويعلنوا لهم أن من ضرب امرأته عوقب ، كيلا يتفاقم أمر الإضرار بين الأزواج ، لا سيما عند ضعف الوازع . " .


حول حديث لعن الملائكة لمن تمتنع عن الفراش :

1.     الحق في الإعفاف هو حق مشترك للزوجين .
2.     الحديث الوارد في اللعن ينبغي أن يتوجه أيضا إلى الرجال الذين يمتنعون عن إعفاف زوجاتهن إضرارا بهن وذلك بشكل أولي أو كما نعبر أصوليا وفقهيا من باب أولى ، لأن الرجل يستطيع أن يعف نفسه بزوجة أخرى – مع تفصيل في مسألة التعدد ليس هذا محله -  لكن الزوجة ليس لها طريق للإعفاف إلا طريق زوجها وهو ما نعبر عنه فقها بالحبس على الزوج . والله أعلم.

3.     المراد باللعن : جاء في فيض القدير للإمام عبد الرؤوف المناوي : " ليس المراد باللعن، اللغوي، الذي هو الطرد والبعد من رحمة الله؛ لأنه لا يجوز على مسلم بل العرفي، وهو مطلق الذم، والحرمان من الدعاء لها والاستغفار؛ إذ الملائكة تستغفر لمن في الأرض كما جاء به القرآن فتبيت محرومة من ذلك. اهـ. فيض القدير: ج1/ص309. وذكر الإمام ابن عابدين في حاشيته رد المحتار على الدر المختار " قيل إن المراد باللعن في مثل ذلك الطرد عن منازل الأبرار لا عن رحمة العزيز الغفار" .

4.     الزجر الوارد في الحديث لمن تمتنع عن فراش زوجها تعنتا ، وإضرارا به، لا لسبب مشروع من عذر مرض، أو تعب، أو نفور لسوء خلقه أو مغاضبة منه إياها . والأصل في العلاقة الزوجية هو إحسان العشرة بالمعروف، والتعامل بالفضل إكراما ، وبذلك تستقيم الحياة .

                                                                                 10 / مارس / 2020م



ليست هناك تعليقات: