الخميس، 31 مايو 2018

قصاصات صغيرة ..


هذه شذرات متأملة في بعض الروايات التي قرأتها هذا العام (2018م)  والعام الفائت .. 

الخوف ( ستيفان زفايغ . ترجمة : أبو بكر العيادي. دار مسكيلياني) :
 لعل هذه الرواية هي أجمل ما قرأت لستيفان زفايغ .. إنها تؤكد على أن الرحمة هي جوهر العدل ..وأن القيم النبيلة تمثلها يكون بالتحرر من القوالب النمطية.  

آموك سعار الحب ( ستيفان زفايغ . ترجمة : ناظم بن إبراهيم. دار مسكيلياني) 


طيلة الرواية  أسرتني فكرة أن الكاتب يريد أن يتحدث عن حالة متطرفة للتعلق عشقا .. مع بعض المعاني التي تلوح من بعيد ولا تستقر في الفهم أو هكذا بدا لي .. لكنها لم تجد بدا من الظهور بقوة أمامي عندما وجدتني غافلة عنها.. قالت لي:  إن الكاتب أراد أن يلفتنا إلى أثر ارتباكاتنا النفسية في تقييمنا للأمور وتعاطينا معها ..وأننا في خضم هذه الارتباكات قد نفقد جزءا مهما من إنسانيتنا وهو التعاطف الأصيل الذي يظل حاضرا في تعاطي الإنسان السوي مع الآخرين وإن قبحت بعض صفاتهم ماداموا في موطن ضعف وحاجة ..إن الرواية تنبهنا إلى أن لا نتسرع في أحكامنا ومواقفنا حيث كنا في حال من التشويش النفسي لأننا قد ننحاز حينها إلى أخلاق الجلادين من حيث   لا نشعر ونفقد طيبتنا ونحن  نظن بأنفسنا خير أو عدلا ..

السر الحارق ( ستيفان زفايغ. ترجمة : عبد الكريم بدرخان . دار مسكيلياني) :

رواية تنتصر  لقيم الخير ،والمسؤولية الأخلاقية،  عبر جسر من المشاعر العميقة؛ يحترم عواصف الضعف الإنساني،ولا يستخف بها؛ لكنه مع ذلك لا يسمح لها بأن تلبس مسوح الضرورة المهلكة . إنه ينزل تلك العواصف الجامحة منزلتها من كونها حاجة تقصر مهما عظمت عن أن تكون مبررا للإخلال بالفضيلة و النبل والالتزامات الأخلاقية . والرواية مع ذلك فيها تصوير  خبير  لبعض طبائع البشر ، وإدراك حساس لمشاعر المرأة وحاجاتها النفسية والجسدية والأخلاقية . بقي أن أقول إن لغة الترجمة تأخذ بتلابيب العقل والنفس :هذه العبارة مثلا قلبتها مرارا وأنا أستمتع بالنظر في امتدادات المعنى : (...إذ لم يعلمهم الكبرياء بعد؛ حكمة الاهتمام بالمظهر الخارجي على أحسن صورة .) ووجدتني أفكر : لم لم يقل :إذ لم تعلمهم الحكمة بعد؛ كبرياء الاهتمام ...      
 وفي موضع آخر نجد وصفا عميقا لطبيعة بعض الأوغاد : (صارت الكلمات تتقافز من شفتيه بحماس استغربه حتى هو.كان -مثل كل من يملك رغبة جنسية عارمة -؟لطيفا لطفا مضاعفا ،متفوقا على نفسه تفوقا كبيرا ،عندما عرف أن المرأة معجبة به ...).. الرواية فيها لقطات ذكية جدا عبر عنها المترجم بلغة رشيقة ..استمتعت جدا بالقراءة ولم أترك الرواية حتى أتممتها ..وأجد أن من نعم الله أني حصلت عليها ..

فوضى الأحاسيس: (ستيفان زفايغ. ترجمة: ميساء العرفاوي.دار مسكيلياني)

رواية مجهدة لأن غموضا ما يكتنف سطورها المفعمة بالأحاسيس الملتبسة .. لقد كان هذا الغموض مقصودا ومناسبا لإيقاع المشاعر المشوشة وقد نجح الكاتب وتبعا له المترجمة في خلق سياق يتواءم مع حالة الارتباك التي ترافق شخوص الرواية ..الرواية تناولت موضوع الشذوذ الجنسي في ظرف ثقافي وقانوني يفارق الظرف الثقافي والقانوني الذي تعيشه أوروبا اليوم ..ولعل هذا هو السبب الذي جعل المؤلف يخلق سياقا للأحداث ونهجا للكلمات يقودان القارىء إلى  أن يكون التأمل لا التقويم الأخلاقي هو أداته للتفاعل مع الرواية .. وهذه زاوية جيدة لفهم اضطراب المشاعر الإنسانية .. ولا زال ستيفان يقدم فكرا عميقا  في قالب أدبي متمكن .. بقي أن أقول :إنني كمسلمة أرفض ما تطرحه الرواية فكرا لأن نموذجي المعرفي يصوغ العلاقات الإنسانية كجزء من علاقة وجدانية وثيقة مع الخالق قد نفهم كثيرا من تجلياتها وقد تغيب عنا بعض تلك التجليات 

احذر من شفقة الحب (: ستيفان زفايغ. ترجمة : عمر عبد العزيز.  النبتة للنشر):
الفعل النبيل مسؤولية وليس (نزوة) " هذه هي الرسالة التي توصلها تفاصيل الرواية باقتدار وحكمة تنبهناإلى 
المسؤولية الأخلاقية لتصرفات قد تبدو لنا نبيلة تسترق من النبل مظهره لا جوهره وتجعلنا نؤذي من أردنا الإحسان إليه..تستحق القراءة رغم أن لغة الترجمة قد تبدو بسيطة لكن النص الأصلي عصي على  التعثر.

حلة النقيب : ( تشيخوف . الأعمال الكاملة . دار الشروق .).  
في قصة : ( حلة النقيب ) النبلاء حقا هم البسطاء الذين يحترمون وعودهم المالية .. أما تلك الطبقة الثرية العريقة 
المثقفة فأهلها في الغالب لا يدفعون إلا بعد مماطلة مشوبة بجلد المدين لهم بسوط الاحتقار والمنة والزراية ..ومع ذلك فإن من البسطاء من هانت عليه نفسه واختلطت عليه الأمور بحيث يجد أن مثل هذه الحقارة هي نبل .. ويجد أن الرفعة في التعامل معهم .. القصة هزتني تفاصيلها .. المجلد الأول من الأعمال الكاملة هو صفحات من الحكمة 
الإنسانية .

ليست هناك تعليقات: