الأحد، 18 أغسطس 2024

أسئلة التغيّر

 

تتغير أفكارنا ، وهذا التغيّر علامة نضوج، وأرجو أن يكون علامة صدق ، أهل التزكية يتحدثون عن الثبات كعلامة على جمود الروح ، يذكرون ذلك في سياق أحوال النفس وتقلباتها في طرائق الخيرات.

          لكن التغيّر له ميزانه، هناك تغير هو علامة على تشوش النفس والأخلاق، وتغير آخر هو جزء من النمو الإنساني الكلي ، وأظن أن علامات الأول التطرّف في التقلب في الأفكار، بما يصحب ذلك من أخلاق الجفوة والكبر والمزايدة .

          تغيّرت عبر السنوات، تغيّرت أفكاري ، وكان بعض هذا التغير هو تبع لنضوجي الإنساني ، وخبرات الحياة في سرّائها وضرّائها ومسؤولياتها وأثقالها .

          قرأت قبل أشهر كتاب : ( من قام بطهي عشاء آدم سميث ) ، فيه لقطات ذكيّة، لكن هذه اللقطات لا تجعلني أتبنى ما تقرره الكاتبة من مسائل تتعلق بموقفها من عالم الاقتصاد، لست متخصصة في الاقتصاد ، ولا أستطيع أن أسلّم بالنقد مهما بدا لي منحازا للقيم الأخلاقية، الأمر ملتبس ومركّب وليس بسيطا كما نسمعه ممن يتحدثون عن الحياة الاقتصادية المعاصرة وتشييئها للإنسان ، كلام فيه كثير من المجازفات ، عقلي المنهجي لا يقبله .

          عندما قلت رأيي هذا لمن أوصتنا بالكتاب ، لم يعجبها، بدا لها أني أفكر بتقليدية بليدة ربما ، وغادرت المجموعة لأن النفس الثوري يقف كحجر عثرة أمام أي انتفاع من تداول الأفكار .يقدّم طلب التغيير ، ولكأنه فضيلة تطلب لذاتها، وليس وسيلة لمقاربة الحق ، وسيلة توزن بميزان ما تؤدي إليه.

          في مقدمة كتاب ( تنبيه المراجع على تأصيل فقه الواقع) كلام مهم من عالم راسخ عن فساد التوجه الثوري ، ونفسية الصراع، وأن ذلك ينبو عن الروح التي جاء بها الدين.

          يبدو طلب التغيير أحيانا كمسكّن إدماني أسهل من أن يقيس المرء الأمور بميزان الحكمة ، وأن يؤدي واجباته في المجال الشخصي والأسري ، وأن يسلّم للحياة بتعقيداتها التي تحتاج إلى موازنة الأولويات وتقدير واع للمصالح والمفاسد.

          لذلك يراجع العاقل بواعثه، ويراجع مآلات مواقفه، ويراجع قيمه الأصلية ، واتساقه مع النموذج المعرفي الكلي الذي يتبناه ، ولا يحيد عن الحق لزهوة رأي أو بهرجته أو بلادة أدلجة حزبية .

          ولا زلت أطلب من الله السداد، وأن يجعلني ممن لا يحيدون عن طلب الحق لعارض مزوّر ، ولا زلت أتعلّم كيف أقترب من كل ما يقرّبني إلى الإنصاف والحكمة .

 

ليست هناك تعليقات: