الثلاثاء، 12 ديسمبر 2017

وصار الكتاب صديقا لابنتي

   في كتاب :" قصص الأميرات" لتوني وولف يذكر الراوي  أن سندريلا ما إن تنتهي من أعمال المنزل حتى يكون الكتاب رفيقا لها في وقت  راحتها. التقطت هذه الإشارة اللطيفة لأخبر ابنتي آمنة أن الأمير أعجب بسندريلا لأنها كانت أنيقة ، ولطيفة،  مما جعلها تبدو جميلة في عيون الجميع،  فإذا ما تحدثت كانت تحسن اختيار الكلمات، وكانت ثقافتها تسمح لها بالخوض في موضوعات متنوعة ، وشيقة في تواضع ولباقة . سندريلا حازت إعجاب الجميع بسبب جمال روحها وعقلها وأناقتها ولذلك بدت جميلة الجميلات .

          لقد بدت لي قصة سندريلا حينها ذات معنى ؛ فقط اكتشفت ذلك حين قرأتها مع ابنتي بعد كل هذه السنوات، وتساءلت لم لم أنتبه إلى هذا الملمح من قبل ؟  فوجدت أني كأم تفرض القصة علي نفسها كأداة تربوية قبل أي شيء آخر؛ فالقصة هي وسيلتي لغرس القيم الجيدة ، وتعليم ابنتي كيف تناقش ما يطرح عليها من أفكار،  وكيف تحلل ذلك منطقيا وقيميا وواقعيا ، وهي قبل ذلك وبعده طريقتي لأهدي لابنتي ذكريات حلوة عن أوقات ممتعة ، وثرية ، قضيناها معا. .
         يبدأ تدريب أطفالنا على القراءة منذ مرحلة مبكرة . نصحتني عمتي هدى أن يكون الكتاب رفيقا لابنتي قبل أن تتم نصف عامها الأول، وهذا ما فعلته . كنت أشتري لآمنة في هذا العمر الكتب التي تحوي صورة في كل صفحة، وفيها أجزاء بارزة تتفاعل مع حاسة اللمس لديها ..
          وفي عمر السنتين ، اشتريت لآمنة قصة عن فتاة تدعى (ذهب)  من المقاس الكبير ، وورقها ناعم ، وكنت أحكي لها القصة كل مرة رغم الصفحات الممزقة والمأكولة قليلا؛ فقد كان هذا جزء من تفاعل آمنة مع الحكاية . وكنت أحترم طريقة تفاعلها هذه ؛ وأتحدث معها عنها بلطف ، وأعيد ترتيب الأوراق الممزقة وأنا أثني عليها ..
          أعتقد أن تدريب الطفل على القراءة إنما هو جزء من عملية تفاعلية متكاملة .  أنت رفيقة طفلك .  لا ألعابه ولا التلفزيون ولا الأغاني أو الأناشيد؛ ولذلك لتصلي إلى ربطه بالكتاب لا بد لك من طريق حافل بالصحبة الحلوة و الحكي مع الطفل عن التفاصيل الماضية والحاضرة بل والمستقبلة .. نعم .. تواصلك معه طوال اليوم يجعل وقت الكتاب عنده جزءا مهما من يومه لأنك صنعت له برنامجا هو جزء من وجدانه الذي يحتفي بصلته بك ..
          زيارة المكتبة مع طفلك مهمة أيضا؛ فهي تربطه بهذا المكان، وتعلمه الصلة به،  ويقضي وقتا ممتعا معك في الاختيار الذي يعزز ثقته في نفسه ، وإحساسه بحرصك عليه، وعنايتك به ، وتقديرك له..
          حسنا، الكلام عن فرصة طفلك في الاختيار هو في الواقع من قبيل التجوز ، فأنت من يجب أن تختاري له القصص، ثم تخيريه بين المجموعة التي قمت باختيارها، و بيني له أن القصص التي ترفضين شراءها ليست ممتعة وإن كانت رسوماتها جميلة . ولا بأس ببعض الحزم هنا وتذكيره أن هذه مهمتك لأنك أمه وصاحبة القرار هنا – وهذا سيفيدك في مواقف أخرى يجب عليه فيها أن يحترم قرارك وإن لم يفهم سببه – مع كلام لطيف عن حبك له وحرصك على أن يتعرف على قصص مدهشة ومميزة .
          لقد تعلمت أن لا أنخدع بالرسوم المميزة والألوان الجذابة أو العناوين الذكية رغم أهمية كل ذلك. قبل شراء القصة لطفلك لا بد أن تقرئيها ولو تصفحا .. وأن تتخيلي كيف ستحكينها لطفلك .. وكيف ستناقشين أفكارها معه .. وإلا فستقعين في فخ هدر مالك دون قيمة حقيقية. جزء مهم من اختيارك للقصة كونها تنمي الذائقة الأدبية لطفلك. لماذا تختارين قصصا فقيرة أدبيا، والخيارات الرائعة متوافرة ؟
          في مرحلة ما كنت أفكر أني لن أقرأ لابنتي قصصا تحمل قيما ثقافية مغايرة..لكني وجدت أن ذلك غير صائب .. فهذه القصص صارت إرثا ثقافيا عالميا ولا يمكن أن أعزل ابنتي عنه .. ثم إن قصص ديزني كصوفيا أو أنا وإلسا وغيرها تحمل عمقا إنسانيا جميلا ومهما، فكيف أحرم ابنتي من أعمال أدبية ستجعلها تنال نضجا وجدانيا وعقليا ؟..
          اكتشفت أن قراءة هذه القصص معها لا سيما وهي في سن الخامسة يشكل لي متعة حقيقية أدبية وإنسانية وكذا في تقليب وجهات النظر معها في المواقف المختلفة .. والتمييز بين ثقافتنا الإسلامية وثقافة القصة كما في موضوع الساحرات مثلا .. أعتقد أن ذلك يمهد لنفسية تتعايش مع الاختلاف بروح نقدية حرة و تعطي من يختلف معها فكريا حقه من الاحترام والود .
          من الأمور التي تعجبت لها أن آمنة في مرحلة ما تعلقت بقصة :" ذات الشعر الذهبي والدببة الثلاثة " وكانت يوميا تطلب مني أن أقرأ لها هذه القصة بعد قصة أخرى ..كان أمرا مملا بالنسبة لي لكن لم يكن لدي خيار إلا الصبر ومجاراتها . ثم قرأت لأديب مصري كبير– لا أذكر اسمه للأسف – أنه كان في طفولته يقرأ إحدى القصص يوميا ويكرر ذلك بلا ملل فعذرت ابنتي  وتفاءلت .
          إن تقليب وجهات النظر في القصة مع طفلك  هو مجال لأن يختار رأيا مغايرا لرأيك ضمن المسموح به قيميا .. وهذا يعزز ثقته بأن  يحكي أفكاره لك دون خوف من أن تحجري على رأيه .. وبالطبع هذا يعزز ثقته بنفسه ويجعله حريصا على تمحيص الأفكار قبل تبنيها ..
          في معرض الكتاب في جدة هذا العام، نويت البحث عن قصص إسلامية جيدة .. فلم أجد شيئا من ذلك- يناسب عمر ابنتي - إلى اليوم ، وآمل أن أوفق في ذلك ..
          من المهم للمربي أن يشتري الكتاب المميز وإن كان لا يناسب المرحلة العمرية الحالية لطفله.. يحتفظ به للسنوات المقبلة .. فالكتاب الجيد كنز ثمين وقد تطلبه بعد ذلك فلا تجده، ومن ثم فقد اشتريت لطفلتي قصة (على باب زويلة) لمحمد سعيد العريان، وقصص المنفلوطي، وقصص أخرى تنتظرها بحفظ الله..

          وفي ختام هذه الرحلة أحب أن أشكر مكتبة جرير،  ومكتبة الدانوب الصغيرة في (السلام مول) في جدة ، و قبل ذلك مكتبة الملك فهد العامة، إذ تحوي كتبا مميزة وثرية، ولي مع آمنة تجربة جميلة فيها .
          
         فإذا ذهبت إلى هناك أيها المربي فعليك بكتب (لبنان ناشرون) .. وأكاديميا .. وهاشيت أنطوان .. وهناك سلسلة عن المشاعر مهمة جدا في تعليم طفلك كيف يعبر عن أحاسيسه وكيف يتعامل معها .. وسلسة أخرى عن ياسمين وعائلتها .. وعن زينة وتقلباتها.. فضلا عن كتب توني وولف العظيمة .. 
   ودمتم آباء مخلصين . 

إشراقة : 
اللهم صل على سيدنا محمد، وآله ، وصحبه. هادينا، ومعلمنا، ومربينا. اللهم نورنا بنوره هداية، ورحمة، ورشدا. واجعل بركة ذلك في أولادنا، وأمرنا كله .

ليست هناك تعليقات: