الخميس، 5 أغسطس 2010

عن كتاب الذاكرة التاريخية .. مراسلات مع د. جاسم سلطان ( الجزء الثاني)

كتبت صفية :
الدكتور الفاضل : جاسم سلطان :
أشكرك جزيلا على شرحك لي ما غمض علي ّ ، بارك الله في وقتك وعلمك ، اليوم يا أستاذي قرأت كتابكم :" الذاكرة التاريخية" ... مقدمة الكتاب يا دكتور ممتازة ومحفّزة جدا ، وعبارة :"التعامل مع العلوم الإنسانية كأدوات" ( ص 10) مهمة جدا وتصلح كشعار نهضوي يلخّص منهج حياة ..

هناك عبارة مهمة أقترح التهميش عليها ، وهي قولكم :" لهؤلاء نكتب ونستصحب كل من يعتقد أنه منتم لهذه الأمة دينا أو حضارة " ( ص 6) . ف( أو) هنا لا ينبغي أن تترك دون تهميش لأنها قد تفوت على القارىء غير المدقق، فضلا عن اتصالها بقضية تماسك النسيج الاجتماعي ।
بالنسبة لتعريفكم لمفهوم الحضارة ، فالفكرة التي طرحتموها عميقة رغم أن ظاهرها بسيط ، فكلامكم عن أن البدو تحكمهم حاجاتهم وعاداتهم، بخلاف الحضر الذين تحكمهم قوانين متحضرة هي نتاج تراكم معرفي ، هذه الفكرة ليست بسيطة أبدا – فيما أفهم- فالتراكم المعرفي محصلته تلبية حاجات الإنسان ومواءمة عاداته والإسهام في تشكيلها ، الفكرة يا أستاذي تبدو لي مركبة ، ومقابلتك بين الحضارة والبداوة لم توضح التعريف بل زادته غموضا عندي ، ولعل المشكلة عندي فأرجو أن تكرمني بشرح ما غمض عليّ।
الرسوم البيانية مهمة جدا ، وساعدتني في تركيز فهمي .
في ص( 60) ذكرتم عبارة لا أراها مقنعة علميا بالنسبة لي وهي قولكم :" إن معرفة تاريخ الحضارات في صورته الزمنية ، يعطي القارىء شيئا من الإحساس بأن العالم لم يبدأ من هذا القرن ..." هل الحديث عن الإحساس هنا مقبول علميا ؟ أم أن هنا أمر قد غمض عليّ فهمه ؟
قولكم أيضا ( ص 60) إن الكثافة السكانية في أوروبا من أهم أسباب الإبداع، غير مقنعة هنا، وإن كنت قد فهمت لاحقا أن هذا مرتبط بطبيعة العصر ، وطبيعة ظروف أوروبا في ذلك الوقت واستفادتها من الثقافة الإسلامية واكتشاف الأمريكيتين ، فحبذا لو وضحتم هذه الفكرة ابتداء، لأن الفكرة مهمة ، أي فكرة أسباب النهوض الحضاري وأن بعض هذه الأسباب تخضع لظروف خاصة وليست قوانين عامة تطبق على كافة الظروف ।
قولكم (ص 60 ) إن البندول عائد إلى الشرق لا محالة ، لم أجد سببا مقنعا لهذا التأكيد حتى بعد إتمام الكتاب، فقط لدي يقين ديني بذلك لكن لم أجد – فيما فهمت- إثباتا علميا يدل على ذلك ।
في ( ص 83) ذكرتم إن غريغوس السابع منع تدخل الملوك في تنصيب رجال الدين ، فهل غريغوس السابع هذا قسيس؟ هذا ما استنتجته ، واعذر جهلي ، فثقافتي التاريخية ضحلة فعلا।
عندي إشكال بخصوص تعامل العثمانيين مع الدول العربية، وعدم اهتمامهم بها، محمد الفاتح مثلا، هذا الرجل الذي زكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كيف لا يكون أداؤه كاملا، أمر عجيب ، ويحتاج إلى تأمل، وأن نفهم ما يدل عليه هذا القصور। أيضا ما دور العلماء العرب آنذاك لم لم ينبهوا العثمانيين إلى حق العرب في العدالة ، وأن ينالوا نصيبهم من الحضارة؟
أعجبتني فكرة معرفة المنتظم الإسلامي، فكرتك هذه تشبه فكرة الدكتور علي جمعة في كتابه النفيس" الطريق إلى التراث الإسلامي، مقدمات معرفية، ومداخل منهجية " حول أهمية إدراك علماء الاجتماع للنموذج المعرفي الإسلامي، وأعتقد أن النهضة في عصرنا تحتاج إلى إدارك النموذج المعرفي في القيادة كما في العلوم الإنسانية فضلا عن العلوم الشرعية ।
بالنسبة للتواريخ ما رأيك يادكتور لو قابلت كل تاريخ ميلادي بتاريخ هجري أليس هذا فيه مزيد ربط للقارىء بتصور متكامل ينطلق من كينونتنا التاريخية ؟
ختاما : جزاك الله عني خير الجزاء . مع خالص تقديري واحترامي صفية الجفري كتب د. جاسم سلطان : كلمة حضارة في التداول الأكاديمي تستخدم بثلاثة استخدامات أولها الانتقال من البسيط للمركب في البناء الاجتماعي فحين انتقل الراعي للاستقرار بدأت الحضارة وتشكلت النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية وظهرت الكتابة ...والثاني هو مقابلة الحضارة بكلمة الثقافة وهي جملة ما أنتجه مجتمع ما من قيم ومعارف وفنون وعلم وأشكال معمار ...الخ والثالثة استخدام عنصري بمقابلة كلمة حضارة بكلمة تخلف أو وحشية وهي منتشرة في الكتابات الانثروبولوجية ।
موضوع الزمن هناك تقسيمين للزمن فهناك الزمن المادي ففي اليوم 24 ساعة بالتساوي وهناك الزمن الحسي وهو إحساسنا بالوقت فالساعة الهنية تمر كدقيقة والدقيقة الكئيبة تمر كثانية وفي التاريخ كأداة استخدم الغرب مفهوم التاريخ الحسي لردم عشرة قرون من التخلف عبر التلاعب بنسب المادة التاريخية فاليونان قد يحظون في الكتاب بخمسين صفحة والرومان بخمسين ثم تأتي العصور الوسطى فتأخذ خمس صفحات ثم تأتي العصور الحديثة فتأخذ مئة صفحة مثلا وعندها يحس الطالب بأن الفجوة التي شكلتها العصور الوسطى يسيره وأن التاريخ هو تاريخ التقدم الأوروبي وهو موضوع شرحته زيجرد هونكه المستشرقة الألمانية في كتابها شمس الله ।
الكثافة السكانية تلعب دورا كبيرا في توفر المواهب فمن ناحية رياضية كلما زاد العدد ازدادت فرص الحصول على متميزين وموهوبين ففي دولة تعداد سكانها مئة ألف احتمال وجود لاعب موهوب ينخفض عن دولة فيها خمسين مليون رياضيا ...الجانب الآخر تزداد حدة التنافس عندما تكون الفرص قليلة والعدد كبير وبالتالي تبرز المواهب أكثر من بيئة قليلة العدد كثيرة الفرص
।غريغورس السابع هو بابا روما 1085 وهو من أعلن أن الكنيسة هي مالكة العالم وأنها تستمد سلطانها من الله
।البندول الحضاري هو ملاحظة تاريخية لحركة الجغرافيا التداولية وهو يعطي أمل بحسب قانون التداول القرآني لكل القارات ولكن عودته للشرق لا تعني بالضرورة المسلمين فقد يعود للصين أو للهند والأيام دول
।موضوع محمد الفاتح وتاريخ العظماء عادة ما تمنع الهالة النظر الموضوعي إليهم خاصة لو تسلحت الفكرة التاريخية بالمقدس الديني النصي وهو ما يمنع التقويم لحياة الصحابة وحوادث الفتن ...ولكن مفهوم التاريخ الصغير والكبير كافي لشرح المشهد الإنساني ॥
।أما علاقة الترك بالعرب فلم تكن الدولة التركية تنظر للعرب على وجه التكافؤ بل هم رعية لا غير وقابلية الاستماع لهم كانت بعيدة ...وهم أنفسهم لم يكونوا في البدايات يعتقدون باي حق إلا مع ظهور الحركة القومية العروبية ...و الامبراطورية العثمانية هي دولة امبراطورية إسلامية وليست دولة الخلافة كما يحلو للبعض ان يردد وهو يستحضر عمر بن الخطاب مثلا ।
كتابة التاريخ بالهجري والميلادي أرجو أن يحدث في المستقبل سلامي لك....
مع فائق التقدير والاحترام د.جاسم السلطان

هناك تعليقان (2):

لانا يقول...

الحوار ممتع جدا شكرا لك
لقد انتهيت من الحزمة الاولى من الدورة وفعلا احترم الدكتور جاسم كما قلت عقولنا
اخبرت الدكتور باني اتابع الحوار الذي دار بينكما وقد قال لي الاستاذة صفية انسانة مميزة و ذكية جدا جدا جدا جدا :)
احببت ان اخبرك بذلك

صفية الجفري يقول...

العفو يا لانا، أعتز بمتابعتك حقا ، وتعليقك، مبسوطة انك خرجت بانطباع مماثل ، شكرا لك أيضا على حرصك على أن تنقلي إلي كلاما يسعدني ، هذه من أخلاقيات الأخوة الصافية حققنا الله بها في عافية ظاهرة وباطنة، وأكيد أعتز برأي الدكتور جاسم لأنه من القلائل الذين يحترمون كلامهم .. بارك الله فيكما