القراءات الفكرية والأدبية والنفسية التي لا تنتمي إلى نموذجك المعرفي لا تشوش عليه لكنها تغذّيه، وتحكم صلتك به، مادمت محكما لفهم منطلقاتك المعرفية ، مفرّقا بين قطعيات الشريعة وظنياتها، ممتلكا القدرة على الجمع بين تعظيم محكمات الشريعة والتدبّر في رحابة ظنياتها .
وكذلك تجاربك التي تخلق لك منظورا جديدا في علاقتك بنفسك والآخرين ، تجعلك تفهم نصوص الشريعة ومقاصدها فهما فيه تجديد ، ولأن هذا هذا المنظور - سواء عبر القراءات أو التجارب- لم يصل إلى من كانت قراءاته و تجربته في الحياة لم تختبر الجوانب التي اختبرتها ، فإنه قد يعد هذا الفهم مهددا لما تعوّده أو نشأ عليه من مفاهيم وقناعات، ويتحول الأمر عنده إلى صراع وجودي تشتبك فيه هشاشة النفس بارتباك في فهم الشرع بحيث تلبس المفاهيم الظنية لباس القطعيات .
لقد عظم ديننا العقل ، وحثنا على الانتفاع من ثمرات الحكمة الإنسانية ، وجاءت البنية التشريعية للشريعة مستوعبة لنمو العقل الإنساني وخبراته.
أقرأ ما أفاء الله به على عقول غير مسلمة فأشهد في العلم الذي وُفقت إليه عظمة خالقها وكرمه ورحمته التي تشمل مخلوقاته جميعا مؤمنهم وكافرهم .
الانفتاح على عقول الآخرين وتجاربنا وتجاربهم ،وجعل كل ذلك رافدا لتجديد علاقتنا بديننا ، ليس فقط فعلا متسقا مع روح الدين ، ولكنه ضرورة تتصل بمقصد الدين الأعظم في تحقيق مصالح الإنسان، ومراعاة اتساعها، وثرائها ، وتجددها ، رحمة وتيسيرا ورفعا للحرج .
وكلامي هنا هو في عمق احترام محكمات الشريعة لا محادّا لها.
لدى كثير منّا هشاشة نفسية تفزع من فعل التفكير والتغيير ، وربما نحتاج إلى الصدق والشجاعة لمعرفة من ماذا نفزع؟ ولماذا نبادر بمهاجمة من يطرح فكرا مختلفا بدلا من الإنصات إليه بإنصاف ؟ هل هو حقا خوف على الدين أو هو خوف على مكتسباتنا المتوارثة من الأفكار التي أعطتنا ميزات معينة أو حصرتنا في سياقات معينة الخروج عنها يتطلب منّا وقفة حقيقية مع النفس ، ومع صدق تديننا وصدق نيّاتنا ونزاهتنا الأخلاقية .
الدين الذي تعلمته يعلمنا التواضع ، ويعلمنا عدم الاستعلاء الذي يردنا عن الإنصات والاستجابة للحكمة أنّى كان مصدرها ، ويهبنا ترويا وسكينة وسلاما ، واحتراما للمختلف عنّا وإيمانا بأن رحابة الشريعة إنما جعلت لنستوعب رحابة العقل الإنساني أيّا كان رافده.