لم يكن صباحا حزينا، فقد استيقظت بروح متحمسة
للصلاة وللكتابة ولحضن ابنتي؛ لكني بعد الفطور شعرت بشوق إلى صداقات أحبها لكنها
بعيدة، لا نجد وقتا للقيا، أو لديها في حياتها اهتمامات تجعلها لا تتذكر.
حزنت، وتغشّاني شعور الوحدة، لكني تعلّمت ألا
أستسلم لمشاعري، وإنما أتفاهم معها، وأحرر معها المعاني، لقد تعلّمت بثمن صعب أمرين
: أحدهما أن أصدّق أحاسيسي، ولا أنكرها، ولا أتجاهلها، والثاني: أن التعامل مع
أحاسيسنا يشبه التعامل مع أطفالنا، نحترم مشاعرهم وننصت لها، ثم نساعدهم على رؤية
مختلفة للأمور؛ هنا سيأتلف الإحساس مع العقل، ولن نخلق لهم معاناة جديدة.
تذكرت
هذا النص من كتاب: ( ربما عليك أن تكلّم أحدا) : (أخبرتني ريتا كيف أنها تنفق
الكثير على العناية بأظافر قدميها ليس لأنه يهمّها أن تطلو أظافرها "من يراهم
على كل حال" لكن لأن اللمسة البشريّة الوحيدة التي تحصل عليها هي من امرأة
اسمها كوني. تعتني كوني بأظافرها منذ سنوات ولا تنطق بكلمة واحدة بالإنكليزية. لكن
جلسة تدليك القدمين التي تقوم بها، بحسب ريتا، " هي الجنّة بحد ذاتها" )
.
ريتا
كانت تحتاج إلى مساعدة، لقد كانت في حالة عجز عن التواصل ، وانغلاق نفسي إلى الحد
الذي يجعلها تشتري أنس " طلاء الاظافر" بدون أن يكون هناك أي حوار بينها
وبين كوني . حتى أنس ريتا كان أنسا بائسا يشبه بؤس روحها.
نالت
ريتا المساعدة، وانفتحت على علاقة حقيقية مع جيرانها، وركّزت على إصلاح علاقتها مع
ابنتها الوحيدة ، ونجحت في ذلك إلى حد ينبئ بتحسّن العلاقة.
لكني
لست وحيدة كريتا، ولست في حال انغلاق يمنعني من تواصل حقيقي ودافئ في مساره
الصحيح، ما أحتاج إليه فقط هو أن أعيد تعريف الأشياء.
"
الوحدة" كثيرون منّا يتعاملون معها كشعور مصمَت، كأنها كتلة واحدة، لكن
الوحدة شعور مركّب، له أجزاء، كل جزء منها يشعرنا بذلك الحزن الشفيف الذي يمس
أرواحنا أو يسكنها .
أنظر
في قلبي فأجد أن شعور الوحدة هذه المرة يتعلّق بشوقي لبعض الصداقات لا كلّها، فكيف
أجعل الحزن الجزئي كلّيّا ؟ هذا غير "حقيقي"، الحقيقة أن تركيز نظرنا
على جزء الصورة لا يجعل هذا الجزء هو " كل الصورة" . ثم إن هناك أهلي
وابنتي وصداقات أخرى حاضرة، فكيف أغفل عن الامتنان، وشهود نعمة الأنس بهم؟
نعم،
لا أحد يملأ مكان أحد، لكن هناك فرق بين أن ندرك أن ما نفتقده هو جزء، وبين أن
نجعل الجزء هو "كل الصورة "، ومن قال إن الحياة تهبنا كلّ شيء، لكنها مع
ذلك تساعدنا على السكينة إن نحن قدّرنا قيمة ما وهبتنا إياه .
الاستغراق في شهود نعمة ما أكرمنا الله
به، وصرف القلب عن الاستغراق في شهود النقصان، يساعد أحاسيسنا يوما بعد يوم لكي
تأتلف مع وجهة العقل في " تفتيت الوحدة" .
وصباحكم
أنس وألفة ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق