الأربعاء، 16 فبراير 2022

استقبال حكيم

 

أما التجارب المؤلمة فهي كعواصف عاتية تقتلع جذور الوهن والغفلة من وجداننا ، وتجعلنا في حالة مراجعة عميقة لعلاقتنا بأنفسنا ، وعلاقتنا بالآخرين ، كانت رحلة استشفائي طويلة، أو هكذا ظننت ، عام كامل ، ثم تبين لي بالتجربة أن الشفاء رحلة وليست مرحلة كتزكية التفس ، وصلاح القلب ، وصرت ‏لا أتعجب من الذكريات القاسية التي تداهمني ، لكني تعلمت كيف أستقبلها استقبالا واعيا حكيما . لم أفكر في حصر الدروس من التجارب المرة التي عشتها ، ولعلي أفعل ، ولعلي أبدأ معكم الليلة بفكرة لم أستوعبها إلا بعد أن عبرت بحرها، وهي أن أصدّق ( صدقي ) وأصدق كل تصرّف فعلته بطيبة وموضوعية ‏و أن أقابل التشكيك في ذلك بقلب غير مرتاب، الطيبون يعينونك على الخير بطيبة ، أما من يجعلونك في حال من الاتهام لنفسك فهؤلاء لا يستحقون منك أن تلتفت لكلامهم ودعاواهم .

تعلمت أيضا أن أقبل عيوبي الصغيرة التي تتصل بارتباكاتنا البشرية التي لا تمس قيمنا ، وتعلمت أن أحترمها أيضا ولا أجعل ‏اللوم أو السخرية أو التعليقات اللاذعة تنال من قبولي لها كجزء من شخصيتي أتعاطف معه ولا أقسو عليه بل أجده يستحق مني الرفق لا التعالي والتأنيب ، ومن يسمح لنفسه بجعل ذلك محلا لسخافاته كان الرد الهادىء الحاسم جوابا له بدون تشنج ..

‏اقبل نفسك وأكرمها فهي تستحق ذلك منك والله يحب ذلك منك

 

قصة زاوية

 

أثر الظلم ليس آنيا فلا يقتصر على انتهاك الحق يل يتعدى ذلك إلى قهر يحرق قلب المظلوم ، ويفسد علاقته بنفسه، ومشاعره، وقيمه.

‏بل إن المظلوم لو فارق الظلم وأهله لم تسلم له ذاكرته وذكرياته وإنه ليود لو أنه يهجر كل موطن ذكرى زمانا ومكانا وأشخاصا اتصل به عندما كان تحت نير الظلم والظُّلمة.

‏اخلق ذاكرة جديدة ،ليس فقط مكانا وزمانا وحالا وأشخاصا، لكن عبر محاولتك إعادة كتابة قصتك من زاوية جديدة، من الزاوية التي تحققت فيها بإنسانيتك رغم كل الأذى والتشويش الذي حرمك سكينتك

حاسة جديدة

 

عندما أفكر في قسوة الأيام التي مضت ، يعتريني أحيانا غضب لأني حُرمت حياة السكينة، وحرمت ما ينبغي أن يكون أفضل ذكرياتي ، ولكأن هذا الغضب يستولي عليّ قهرا لا اختيارا لشدة الشعور بالوجع ، ثم ينهاني إيماني بالله عن الاستغراق في هكذا تفكير و أذكر نفسي ما ميزان المفاضلة ؟ الفكرة الوجودية التي أنطلق منها أن الله يقدّر لنا الأفضل وإن لم ندرك ذلك . ثم خطر لي أن التجربة القاسية تعطي أهلها حاسة جديدة تجعلهم يشعرون بألم ‏أهل الألم ، وتشوشهم ، وكربهم وإن لم يصرحوا بشيء من ذلك فأتأمل هل هذه الرحمة التي وهبنا الله إياها هي الجائزة العظمى التي لا يملكها غيرنا ، وهل هناك أفضل من أن تدرك معان إنسانية لا يدركها غيرك وهي من أعظم ما يرفعك في عليين عند ربك -عز وجل -ونبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

 

شجن مكسور

 

إهداء إلى نورا ناجي ومجموعتها الجميلة : " مثل الأفلام الساذجة " : 


عشت البارحة تجربة صغيرة بدت لي غريبة ، كنت أقرأ في مجموعة قصصية فلمست الكاتبة معنى ما شعرت به يوما ما وغفلت عنه في زحمة الأحاسيس التي اكتشفت أنها كانت تحتشد خلف سور خفي يحجب ما وراءه ولكأنه وجدان مواز لوجداني الذي أعرفه .

‏المعنى الذي لمسته الكاتبة فيه شجن مكسور لكن مع ذلك ‏شعرت بدفء يحوطني وتسللت ابتسامة أنس إلى شفتي وتبدد شعور غير مفهوم بالغربة كان يزورني ولم أجد لزيارته سببا إلا قهر الأقدار ..

‏تعجبت حقا كيف يمكن لذكرى الشجن المكسور أن تكون دافئة هكذا كصديق طيب تطمئن إليه ..

‏وتعلمت أن الكتابة عن مشاعرنا مهما كانت حزينة ، أو مرتبكة ، أو متعثرة ، أو مكسورة لها أهميتها لأنها توسع دائرة المشترك الإنساني ، وتقصي وحدة القلب أو العقل عن كل من مرت به ولم يلتفت إليها لأنه خجل من الكسر الذي تشعره به ، أو الانطفاء الذي يصحبها ، أو لأنه ظن أنها أقل من أن يلتفت إليها ولم يفلح إنكاره لها في غيابها بل اتخذت ركنا قصيا في روحه ثم كان وقوفه عندها - عبر النص المكتوب -بمثابة إكرام لها ، وتقدير لوجودها ، واستحق تلك الابتسامة التي تسللت بدون استئذان إلى شفتيه وأهدته سلاما جديدا