تتغير
أفكارنا ، وهذا التغيّر علامة نضوج، وأرجو أن يكون علامة صدق ، أهل التزكية
يتحدثون عن الثبات كعلامة على جمود الروح ، يذكرون ذلك في سياق أحوال النفس
وتقلباتها في طرائق الخيرات.
لكن التغيّر له ميزانه، هناك تغير هو
علامة على تشوش النفس والأخلاق، وتغير آخر هو جزء من النمو الإنساني الكلي ، وأظن
أن علامات الأول التطرّف في التقلب في الأفكار، بما يصحب ذلك من أخلاق الجفوة
والكبر والمزايدة .
تغيّرت عبر السنوات، تغيّرت أفكاري ،
وكان بعض هذا التغير هو تبع لنضوجي الإنساني ، وخبرات الحياة في سرّائها وضرّائها
ومسؤولياتها وأثقالها .
قرأت قبل أشهر كتاب : ( من قام بطهي
عشاء آدم سميث ) ، فيه لقطات ذكيّة، لكن هذه اللقطات لا تجعلني أتبنى ما تقرره
الكاتبة من مسائل تتعلق بموقفها من عالم الاقتصاد، لست متخصصة في الاقتصاد ، ولا
أستطيع أن أسلّم بالنقد مهما بدا لي منحازا للقيم الأخلاقية، الأمر ملتبس ومركّب
وليس بسيطا كما نسمعه ممن يتحدثون عن الحياة الاقتصادية المعاصرة وتشييئها للإنسان
، كلام فيه كثير من المجازفات ، عقلي المنهجي لا يقبله
.
عندما قلت رأيي هذا لمن أوصتنا بالكتاب
، لم يعجبها، بدا لها أني أفكر بتقليدية بليدة ربما ، وغادرت المجموعة لأن النفس
الثوري يقف كحجر عثرة أمام أي انتفاع من تداول الأفكار .يقدّم طلب التغيير ،
ولكأنه فضيلة تطلب لذاتها، وليس وسيلة لمقاربة الحق ، وسيلة توزن بميزان ما تؤدي
إليه.
في مقدمة كتاب ( تنبيه المراجع على
تأصيل فقه الواقع) كلام مهم من عالم راسخ عن فساد التوجه الثوري ، ونفسية الصراع،
وأن ذلك ينبو عن الروح التي جاء بها الدين.
يبدو طلب التغيير أحيانا كمسكّن إدماني
أسهل من أن يقيس المرء الأمور بميزان الحكمة ، وأن يؤدي واجباته في المجال الشخصي
والأسري ، وأن يسلّم للحياة بتعقيداتها التي تحتاج إلى موازنة الأولويات وتقدير
واع للمصالح والمفاسد.
لذلك يراجع العاقل بواعثه، ويراجع مآلات
مواقفه، ويراجع قيمه الأصلية ، واتساقه مع النموذج المعرفي الكلي الذي يتبناه ،
ولا يحيد عن الحق لزهوة رأي أو بهرجته أو بلادة أدلجة حزبية
.
ولا زلت أطلب من الله السداد، وأن
يجعلني ممن لا يحيدون عن طلب الحق لعارض مزوّر ، ولا زلت أتعلّم كيف أقترب من كل
ما يقرّبني إلى الإنصاف والحكمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق