قال
لي والدي –حفظه الله – مرة : هل قرأت رواية ( ميرامار) لنجيب محفوظ ؟ قلت له : لا
. قال لي: إذن افعلي فهي في تقديري من أفضل رواياته بعد الحرافيش .
وهكذا
فقد اخترت ( ميرامار) لتكون رواية عيد الفطر لهذا العام ولم تخيبني . لقد خرجت
قبلها من رواية عظيمة هي ( التحول) لستيفان زفايغ ، وقلت لنفسي هل ستكون (
ميرامار) في قوة التحول من حيث التناول المتين فكرا وعاطفة ؟
لست
في معرض المقارنة بين الروايتين ، لكن ( ميرامار) زاخرة بشخصيات متعددة وحيواتهم
وكشف أحاديثهم الداخلية باقتدار .
الرواية
الجيدة تحوّل الأفكار المجردة إلى تجربة شعورية ينفعل بها الوجدان . ولذلك فقد
تكون ذات أثر عميق في تهذيب النفس، وقد تهبها بصيرة حكيمة تسترشد بها في مجاهل
العلاقات الإنسانية.
و(
ميرامار) رواية جيدة وأكثر ، فهي فوق ما قدمته لي من تجربة فكرية وشعورية ، فقد
آنستني حقا بلغتها الرشيقة، وبنائها الذكي، ووصفها الجميل للإسكندرية .
إنها
رواية تنحاز للقيم النبيلة ، والكفاح الأصيل، ومجاهدة الهوى ، والتحقق بالافتقار
إلى الله عز وجل ، كل ذلك دون وعظ ساذج ، بل تتسلل إليك هذه المعاني ضمن انفعالات
تفلح الرواية في جعلها تجيش في قلبك ألما، وتساؤلا ، وحيرة ، مع حس إنساني عال،
يضع الرحمة في موضعها، والقسوة في موضعها أيضا .
لقد
حاولت أن أكتب عن الرواية دون أن أفسد على من لم يقرأها حقه في قراءة بكر أو شبه
بكر. فقط أود أن أقول إن شخصية منصور باهي قد حيرتني ، هل هو شبه وغد ؟ أم أن عقله
قد تأثر فعلا بأحداث قاسية اختل معها شعوره، وتشوشت بصيرته ؟ فهو من أهل الأعذار
لا الأكدار؟