الأحد، 5 مايو 2024

طواحين وجودية ( مذكرات 2023م) .

 


بدأت منذ أيام في القراءة الثالثة لكتاب : قواعد التصوف للإمام زروق ، وهذه المرة أقرؤه من نسخة ورقية اقتنيتها قبل أسبوع من معرض جدة للكتاب، القراءة الأولى كانت من نسخة ورقية أخرى لم يُقدّر لها أن تغادر معي عندما غادرت حياة سابقة في عالم هو في حسي اليوم – في بعض آفاقه -عالم مواز.

قواعد التصوّف كتاب ينظم للمسلم عالمه الداخلي، ويعيد ترتيب أولوياته الوجودية، ويضم برفق قلبه الذي أثقلته إملاءات الحياة. وجدت أني قد ألفت لغة الإمام زروق ، أقرأ العبارات ولكأنها تطابق أخرى قد استقرت من حيث لا أشعر في قلبي ، أقرأ السطر فأحسه يألفني، أحسه قريبا يذكرني أن الله قريب، ودينه قريب ، ورحمته قريبة.

وهذا العام بكل الوجع الذي عصف بنا بسبب العدوان في غزة والسودان هو عام قرب وجودي بالنسبة لي ، قرب من أهم معنى وجودي وهو التسليم للقدر، وجع غزة تحديدا وأولا كان هو السبب فيه . هذه الوحشية التي يعانيها أهلنا هناك، هي في ملك الله، وهو سبحانه             لا زال يمد للمجرمين مدّا في غزة ، وهذا الإفساد العظيم وسفك الدماء،  هو قدره : (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون) .

في ليال عديدة كان عقلي يكاد يجن من التفكير ، أينك يا رب. إيماني بوجوده لا شك فيه، ثم تجلى لي أنه مريد كما أنه قادر، فكيف أحاكم إرادته سبحانه، وقد سأل الملائكة : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، فقال لهم سبحانه : إني أعلم ما لا تعلمون.

فلمّا تجلى لعقلي معنى أنه مريد ، يفعل في ملكه ما يشاء، وهو مع ذلك الرحمن الرحيم، الحكيم لا معقّب لحكمه ، وأنه يعلم ما لا نعلم ، سلّمت ، سلّمت وعدت لأسئلتي الوجودية التي تتعلق بقدري الشخصي، والتي كانت تؤرقني منذ سنوات، وكنت أراوغها عقلا ، وألاطفها قلبا ، فلا تكاد تجعل وجداني يهدأ، تعصف بي، ولم أجد لها حلا في أغلب الوقت إلا بالتجاهل الذي ترافقه مرارة ، وينغص عليه غضب كامن لا يكاد ينطفئ، وشعور بالعجز يسلب الروح أمانها.

وجع غزة الكبير داوى وجعي الشخصي، داواه بترياق التسليم للرحمن الرحيم، القهّار الحكيم ،  مالك الملك . كل كسر هو منه، وكل نقص هو منه، وكل فقد هو منه، وكل حرمان هو منه، سبحانه يعلم ما لا نعلم .

التصالح مع القدر  وفق رؤية الدين هو الطريق الوحيد للأمان النفسي ، هذا ما خلصت إليه. ماذا بعد ما يحدث في غزة من فساد وشر ؟ أتراني أصارع طواحينا لا جدوى من مصارعتها؟ القدر ملك الله ، والرضا والتسليم بأنه لا جواب على سؤال المعاناة ، وسطوة الشر، هو طريق الأمان الوحيد. رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق