الحكم الفقهي الظني
1. إذا اختلف العلماء المؤهلون أو بعبارة أخرى إذا اختلف المجتهدون في دلالة دليل ما فإن هذا يدلنا على أن دلالة الدليل ليست قطعية إذ لو كانت قطعية لما اختلف المجتهدون فيها .
2. هذه الطريقة للتعرف على منزلة الدليل من حيث دلالته هل هي دلالة قطعية أو ظنية هي التي تتسق مع أمرين أحدهما احتمالية اللغة والثاني أمر القرآن الكريم بسؤال أهل الذكر .
3. ليس معنى كون الدليل محتملا لأكثر من معنى – من حيث الدلالة- أن يكون هذا الدليل متاحا لكل أحد ليتبنى ما يراه مناسبا له من معنى محتمل . لأن التعامل مع الدليل الشرعي هو عمل يحتاج إلى التأهيل اللغوي والشرعي ، ولا عبرة بحكم احتمل الدليل الظني الدلالة عليه ما لم يرجحه من هو أهل للاجتهاد والترجيح . فأهلية الاجتهاد- كما قال الإمام القرافي في نفائس الأصول- تجعل الناظر في الدليل متكيفا بأخلاق الشريعة ، ينبو عقله وطبعه عما يخالفها. وكما قال الإمام العز بن عبد السلام في القواعد الكبرى : " ومن تتبع مقاصد الشرع في جلب المصالح ودرء المفاسد حصل له من مجموع ذلك اعتقاد أو عرفان بأن هذه المصلحة لا يجوز إهمالها ، وأن هذه المفسدة لا يجوز قربانها، وإن لم يكن فيها نص ولا إجماع ولا قياس خاص ، فإن فهم نفس الشرع يوجب ذلك . ومثَل ذلك أن من عاشر إنسانا من الفضلاء الحكماء العقلاء، وفهم ما يؤثره في كل ورد وصدر، ثم سنحت له مصلحة أو مفسدة، لم يعرف قوله فيها ، فإنه يعرف بمجموع ما عهده من طريقته وألفه من عاداته أنه يؤثر تلك المصلحة ، ويكره تلك المفسدة". ومما لا يخفى أن الترجيح يرتبط بتحقيق المقاصد والمصالح التي جاء الشرع باعتبارها.
4. ينبغي أن نفرّق بين قطع المجتهد بترجيح إحدى دلالات الدليل وبين القطع بدلالة الدليل .فالقطع بترجيح إحدى دلالات الدليل هو قطع نسبي ، وهو ملزم لصاحبه ، وليس ملزما لمجتهد آخر قطع بترجيح دلالة أخرى من دلالات الدليل . أما القطع بدلالة الدليل فهذا مجاله الحكم الفقهي القطعي الذي لا يختلف العلماء في تقريره . ولا يصح أن يخلط بين القطع النسبي والقطع المطلق . وبالتالي لا يصح أن يتم التعامل مع الحكم الفقهي الظني كتعاملنا مع الحكم الفقهي القطعي .
5. مسؤولية غير المجتهد تجاه انتفاء القطع ، وتعدد الترجيحات في المسألة الواحدة أن يراجع مفتيا مؤهلا يفتيه في المسألة بما يناسب حاله، وأن يكون أمينا في بيان حاله للمفتي ليحصل التعاون بينهما على إقامة شرع الله عز وجل دون حرج أو عنت على وصف التقوى.
6. مسؤولية المفتي أن يبين للمستفتي جميع الأقوال في المسألة الواحدة ويتدارس معه مآلات الأقوال من حيث الحال الخاص للمستفتي مصلحة ومفسدة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق