ولد شوقي الليلة إلى قراءة :" غربة الراعي " السيرة الذاتية للدكتور إحسان عباس رحمه الله – توفي عام 2003م - ، فسطور قليلة من مقدمة كتاب د. إحسان عباس : "شذرات من كتب مفقودة في التاريخ "من منشورات دار الغرب الإسلامي. جعلتني أتوق للتعرف إليه وهذه هي سطوره التي أسرتني- نقلا عن موقع الوراق - :" هنالك كتب يقول من يجوس خلال رياضها:حقاً لقد وقعت على كنوز متعددة متنوعة، لا على كنز واحد. من تلك الكتب تاريخ دمشق لابن عساكر وبغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم. وقد عايشت هذا الكتاب الثاني سنوات طويلة وكنت في كلِّ مرة أكتشف فيه أشياء جديدة. ...وعلى مدى الأيام أصبح كتاب بغية الطلب صديقاً مؤنساً، تارة أفهرس المواد التي أجدها فيه مفيدة لي في أبحاثي، وتارة أحاول ترتيب القرى المذكورة فيه ؟ أرتبها على حروف المعجم وأعرِّف بها بالمقارنة مع المعاجم الجغرافية الأخرى؛ ولكن أكبر ما أقدمت عليه بوحي منه هو التعرف إلى مصادره الكثيرة، وكثير منها نادر. وكان أن أخذت أجمع النقول المأخوذة من كتاب واحد، وأضعها في نطاق، لكي يتمَّ لي تصوُّر المصدر الأصليّ الذي عنه أخذت، ومصادر بغية الطلب تعدّ بالعشرات، ولهذا كان عملي في البداية " ألهية " تؤدي إلى المعرفة وترسخها، ثم تطورت هذه الألهية حين حاولت أن أتجاوز بغية الطلب، وأبحث عما نقل في غيره من هذا المصدر أو ذاك." انتهى كلام الدكتور إحسان عباس مختصرا
ثم إني وقعت عرضا على مادة تعرض لسيرته الذاتية كتبتها سوسن الأبطح لجريدة الشرق الأوسط في 3/8/2003 : فهو يعترف ـ وهذا يجب أن يسجل له ـ بأنه لم يتمكن وزميل عمره الناقد محمد يوسف نجم من أن يلحقا بركب الثورة الحديثة في النقد الأدبي، وما حملته البنيوية والتفكيكية والحداثة وما بعد الحداثة لأن: «هذا كله قد جدّ بعد الفترة التي كنا من روادها ومعاصريها
وليس في مقدورنا أن نعيش عصرنا وعصر الأجيال التالية لنا». وما يتحسر عليه عباس، بصدق نادر، ليس الجهل بأمر هذه المدارس التي اطلع عليها هو الفضولي المطارد للمعرفة، وإنما عجزه عن ان يكون داخلها وفيها وجزءاً من ديناميكيتها.
فالرجل طموح وجهده الذي أثمر ما يزيد على ثمانين كتاباً ما بين تأليف وتحقيق وترجمة لم يكن كافياً ليخلصه من غصص كثيرة شابت حياته لعل أبرزها تضحيته بنفسه كشاعر وإفناء العمر في دراسة شعر الآخرين كناقد بدل أن يؤرق إبداعه الآخرون ...كم مرة علينا أن نقرأ «غربة الراعي» هذا الكتاب الهادئ الرصين الذي يرفض لغة الإثارة لكن كل حكاية فيه مثيرة للعجب والإعجاب برجل بلغ صدقه حد قبول نقد أحد طلابه في الخرطوم وهو يصيح في الصف: هذا الفلسطيني ما له وما لنا؟ لماذا يشغل نفسه بتدريسنا ابن الرومي، لو كان ذا قدرة لبقي في وطنه يدافع عنه
أما جواب إحسان عباس على هذا الاتهام الجارح فقد جاء متسامحاً حد الاستفزاز: صدق عبد الكريم في كل ما قاله، ولم يكن به حاجة إلى الاعتذار، ولو عرفت يومئذ معنى إشارته، لأنصفته أكثر.
هذا ما وجدته عرضا عن الكتاب ، ودفعني إلى البحث عنه قصدا ، فوجدته هنا ، وزادتني مقدمته المنشورة على الموقع شوقا للتعرف على هذا الإنسان الذي جمع بين غزارة العلم وجمال الروح ..رحمه الله رحمة الأبرار ..وصباحكم صفا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق