الأحد، 2 أغسطس 2020

الابتزاز العاطفي (2) / آليات التعامل

الفهم وحده لا يكفي :

                   بعد كلام طويل مع د. سوزان فورورد  مؤلفة كتاب ( الابتزاز العاطفي) فهمت ماريا أن ما يفعله زوجها جاي معها هو شكل من أشكال الابتزاز العاطفي، فأي اختلاف بينهما في الرأي تكون فيه متهمة بأنها لا تقدّر قيمة الحياة الزوجية ، ولا تشكر لزوجها المعروف الذي يقدمه لحياتهما ، وتعلق ماريا دوما في الشعور بالذنب كلما واجهها بنظراته المؤنبة لأنها قالت كلاما لا يوافق عليه ، فتجد نفسها تدور في حلقة مفرغة من التساؤلات عن مدى التزامها الأخلاقي تجاه زوجها ، تساؤلات لا تنتهي وتصطدم بتعنته وقسوة كلماته فلا تصمد أمامها ويزداد شعورها بالذنب رسوخا.

 قالت لها د.سوزان : لقد فهمت الآن يا ماريا أن أساليب جاي تهدف في النهاية إلى جعلك ترضخين لرغباته دون أي احترام لرغباتك, وأنك في سبيل التزامك بواجبك الآخلاقي تجاه زوجك تنسين واجبك الأخلاقي تجاه نفسك وحقها أن تعيش حياة صحية لا تستغل فيها ولا تكون رغباتها المشروعة رهن رغبات الطرف الآخر بشكل غير عادل .

وتابعت د. سوزان : لكن يا ماريا هذا  الفهم وحده لا يكفي ، ولن يسعفك في التصرف بشكل مناسب عندما تتعرضين لضغط الابتزاز العاطفي . لا بد من تعلم آليات محددة تستطيعين من خلالها الاستقبال النفسي الواعي والمتوازن للابتزاز العاطفي والتصرف المنصف حيال ذلك .

أنا أستطيع التحمل :

          تسمي د. سوزان هذه العبارة ( تصريح القوة ) وتعدها الخطوة الأولى في تهيئة النفس في مواجهة المبتز عبر تكرارها في  سرنا.

هذا التكرار يساعدنا على تخفيف التشوش الذي يصيبنا جراء الكلمات الملتبسة التي يوجهها المبتز إلينا والتي تشعرنا بتقصيرنا الأخلاقي . ( نحن ننطلق من المثال الذي أوردته المؤلفة عن ماريا وجاي وهناك أمثلة أخرى لصور مختلفة للابتزاز العاطفي ) .  

          كمسلمين أظن أن عبارة :(أنا أستطيع التحمل ) يمكن أن نضيف إليها : اللهم قوّني في رضاك .

          المطلوب إذن هو التكرار الداخلي لتصريح القوة لتعزيز انتباهنا حيال الكلمات الذي يقولها المبتز كأننا نستعين بها على إزاحة الضباب الذي ينثره في وجوهنا ويضلل به تفكيرنا .

 

تحليل الخطاب :

          وعي ماريا بأنها أمام كلمات ليست صادقة يجعلها  قادرة على رؤية أكثر تبصرا . عقلها يكرر ما أسمته دكتورة سوزان تصريح القوة : (أنا ستطيع التحمل)  وهذا يساعدها على الانفصال  إلى حد جيد عن أثر كلام جاي على مشاعرها ..

          هنا يأتي دور تحليل كلام المبتز إلى ثلاثة محاور : المحور الأول : هو مضمون الكلام، والثاني : هو أسلوب  الكلام ، والثالث : هو ما يترتب على تلبية طلب المبتز من ضرر حالي أو مستقبلي ويتضمن ذلك حماية الصورة الاجتماعية والصحة البدنية والعاطفية والحماية من الاستغلال.

          هذه الإجراءات النفسية والعقلية للتعامل مع خطاب المبتز وهو هنا ( جاي) تجعل ماريا قادرة على اكتساب مسافة عاطفية تمكنها من قراءة تصرفات ( جاي) قراءة واعية .

 تنبه د. سوزان هنا أن الطلب قد يكون مشروعا و لا يترتب على الاستجابة لمضمونه ضرر حالي أو مستقبلي لكن المبتز تحدث بأسلوب مهين أو مزعج أو فيه تهديد هنا لا يصح التغاضي عن ذلك لأن التغاضي يعزز سلوك الابتزاز .

          وتنبهنا د.سوزان إلى أن السماحة مهمة وضرورية في العلاقات المتوازنة أما في العلاقات غير الصحية فإن السماحة فيها تكريس للتعامل السيئ ، واختلال لميزان العشرة الطيبة: تقول في ص 209 ( لا تشكك في حقك في رفض شيء يبدو غير مهم نسبيا. إن الدفاع عن نفسك في المسائل الصغيرة سيعطيك الفرصة لتطوير المهارات التي تحتاج إليها للصمود عندما تكون المخاطر أكبر ) .

أدوات فعّالة :  

          كيف تتعامل مع مبتز غير منطقي التفكير أو سريع الاستثارة أو يعاملك بطريقة تزعجك؟

 لقد تعلمنا التكرار الداخلي لتصريح القوة : ( أنا أتحمل)  كخطوة أولى تكسبك مسافة عاطفية تجعلك قادرا على مواجهة الضباب الذي ينثره  المبتز ويضلل به تفكيرك . ثم بعد ذلك تأتي خطوة تحليل خطاب المبتز لننتقل من مرحلتي التفاعل الوجداني : ( تصريح القوة  ثم تحليل الخطاب ) إلى مرحلة التفاعل الخارجي . وهنا تعطينا  د. سوزان أدوات مهمة تغير ميزان القوى في العلاقة لإنهاء الابتزاز العاطفي . ثم إنها تؤكد أن هذه الأدوات لا يمكن استخدامها في علاقة غير آمنة جسديا ، فإذا كنت تشعرين بخطر محتمل فينبغي أن تغادري إلى مكان آمن .

وسأتعرّض في هذه المقالة إلى أداة واحدة من الأدوات الفعالة لإنهاء الابتزاز العاطفي وهي : التواصل غير الدفاعي .

يفرض المبتز وهو هنا ( جاي )  رغباته بالصراخ والعبوس ولعب دور الضحية والاتهام واللوم ، لكن ماريا ذهنها غير مشوش الآن بعد أن عبرت مرحلتي التفاعل الوجداني إلى مرحلة استعمال أداة التواصل غير الدفاعي .

لقد جربت ماريا كثيرا أن تدافع عن نفسها أمام جاي لعله يتغير ويتعامل معها بطريقة منصفة، لكن جهودها كانت تضيع هباء، لأن جاي في الحقيقة لا يركز سوى على مطالبه ويرى في دفاعها تبريرا لرغبتها في الوقوف أمام مصالحه وهو غير مكترث أصلا بمشاعرها واحتياجاتها لأنه يرى أنها تتعارض مع رغباته . نعم المبتز ليس إنسانا نزيها هذه الحقيقة يجب أن تظل ماثلة بقوة .

قالت د. سوزان لماريا : لا بد أن تنتقلي من محاولة تغيير الطرف الآخر عبر الدفاع عن نفسك إلى أن تغيري طريقة الحوار لكي يكون تصرفك فعالا في إنهاء ابتزازه .

ثم ذكرت د.سوزان عبارات تصلح كنماذج لردود غير دفاعية تقال بنفسية هادئة منفصلة عاطفيا عن الموقف بعد اجتياز مرحلتي التفاعل الوجداني :  ( تصريح القوة / تحليل الخطاب) . وهذه العبارات هي لب التواصل غير الدفاعي : ( أنا آسف أنك منزعج / أنا أتفهم الطريقة التي تنظر فيها إلى الأمر/ الصراخ ،التهديد، الانسحاب أساليب لم تعد تجدي نفعا ولن تحل أية مشكلة . وأهم أسلوب غير دفاعي هو : أنت محق تماما من زاويتك لكن نظرتنا للأمور مختلفة ولا تزد على ذلك.

من المهم أن تجعل هذه العبارات جزءا من كلامك ، تدرب على قولها بهدوء ، وأبقها في وضع الاستعداد ولا تبرر أو تدافع عن قرارك كاستجابة للضغط .

ربما يطلب الطرف الآخر منك أن تقدم تفسيرات فتعتقد أن هذه فرصتك لتشرح الألم الذي ألم بك ، وعدم مراعاة الطرف الآخر لمشاعرك ، فالمبتز يقول لك إنه مستعد لسماعك ، وغالبا هو يفعل ذلك لأنه تنبه إلى أنك في سبيل التخلص من تأثير أساليبه عليك ولذلك إياك أن تستسلم وحافظ على تركيزك منصبا على هدفك وهو إيقاف عملية الابتزاز . لن ينتهي الابتزاز إن لم تكسر نمط سلوك المبتز في اللوم والتهديد والاتهام أو الاعتذار بالكلمات دون الأفعال، وكسر هذا النمط يكون بأن توقف رغبتك في شرح مشاعرك أو الدفاع عن نفسك أو مناقشة رغبتك في السلام والإحساس بالأمان.

عندما يقول لك المبتز ما الذي غيرك أو لماذا تتصرف بهذه الأنانية فليكن جوابك أنك لست سعيدا بذلك لكنك لست مستعدا للتفاوض .

لقد شرحت نفسك كثيرا من قبل فلم يزد المبتز إلا إمعانا في أذيتك وحان الوقت لأن تتصرف بطريقة توقف ظلمه لك دون أن تفقد نزاهتك .

وضوح الأمور:

          عندما استطاعت ماريا عبور الضباب ووقف التنمر العاطفي الذي يمارسه جاي عليها ، رحل ارتباكها وتوبيخها لذاتها وحل محلهما إحساس جديد من الثقة واحترام الذات .

          لقد حاولت في هذه المقالة أن أسلط الضوء على بعض آليات التعامل مع الابتزاز العاطفي ، لكن التحقق بهذه الآليات والانتفاع بها يحتاج إلى قراءة مركزة للكتاب الذي اقتبست منه هذه المقالة ، وهو مليء بالقواعد والأمثلة والشروحات والمهارات التي  تساعد على تحرير النفس من أذى الابتزاز العاطفي      واستعادة ثباتها الانفعالي وتقديرها لذاتها وقدرتها على التعامل بحكمة مع المبتز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق