ماريا
تحكي :
"
لقد كان قادرا على الفوز في أي نقاش غالبا ، لأنه كان يفلح في أن يجعلني أشعر
بالذنب ، والتقصير، والتفريط بقيم لا يليق بمثلي أن يفرط فيها . والأمر تحول مع
الأيام في داخلي إلى إحساس متصل مربك بعدم
الثقة في نفسي ، وهذا ما يجعلني متوترة دائما. إنه يكرر عبارات تتعلق بمراعاة
الواجبات الأخلاقية تجعلني فعليا أغرق في تأمل التزامي بها لأتشكك في كل ما كنت
أعترض عليه، أو أطالب به " .
هذا
ما حكته ( ماريا) في جلسة العلاج النفسي كما ورد في كتاب : (الابتزاز العاطفي )
للدكتورة سوزان فورورد . من ترجمة مكتبة جرير .
تقول
ماريا :إنني إنسانة قوية، ومستقلة، ومتحققة
فكيف استطاع زوجي جاي أن ينال من سكينة روحي، وصفاء حكمي على الأمور.
ثقتك
به تجعله يتحكم بانفعالاتك :
ما حكت عنه ماريا هو حالة نموذجية من حالات
الابتزاز العاطفي الذي هو :" أحد الأشكال الفعالة للتلاعب والذي فيه يهددنا
الأشخاص المقربون منا – سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة- ليعاقبونا إذا لم نفعل
ما يريدونه ... فالمبتزون عاطفيا يعرفون مدى تقديرنا لعلاقتنا بهم، ويعرفون نقاط
ضعفنا... وبغض النظر عن مقدار اهتمامهم بنا، فعندما يشعرون بأنهم لن يحصلوا على ما
يريدون ، يستخدمون معرفتهم الحميمية لتشكيل التهديدات التي تعطيهم النتيجة التي
يريدونها وهي امتثالنا لرغباتهم ... فمثلا إذا كنت تعتز بكونك كريما ومهتما
بالآخرين ، فربما يصفك المبتز بأنك أناني أو غير مراع للآخرين إذا لم تستجب لرغباته
.... وإذا صدقت المبتز ، فقد تقع في نمط السماح له بالتحكم في قراراتك وسلوكك .
" ( الابتزاز العاطفي: ص 5).
لماذا
ينجح الابتزاز العاطفي مع الأذكياء والثابتين انفعاليا:
تقول الدكتورة سوزان:" لماذا يكون بعض الناس – مهما كان ذكاؤهم
وثباتهم الانفعالي – عرضة للابتزاز العاطفي ، في حين يستطيع آخرون التصدي له ؟
تكمن الإجابة في مثيرات الاستجابة العاطفية بداخلنا ... كل مثير استجابة يشبه خلية
طاقة يتم شحنها بالمشكلات النفسية التي لم يتم التعامل معها –السخط المختزن ،
والشعور بالذنب، والمخاوف ، ومواضع الضعف . هذه هي نقاط ضعفنا التي شكلها مزاجنا
ونفسيتنا إلى جانب تجاربنا منذ أن كنا أطفالا... تتسبب هذه المشاعر والذكريات في
صدور ردود فعل منافية للفكر أو المنطق ، تستغل العاطفة النقية التي كانت مختزنة
وتكتسب قوة لفترة طويلة . قد لا نتذكر دائما الأحداث التي قادت إلى تكوين مثيرات
الاستجابة هذه ، وعندما يتعلق الأمر بالتعقيدات المرتبطة بسبب قيامنا بالأشياء
التي نقوم بها، فإن السبب والنتيجة يمكن أن يكونا مراوغين . لكن إذا تساءلت يوما
أين تذهب المشاعر والخبرات " المكبوتة" فإن مثيرات الاستجابة بداخلك هي
مكان ملائم للبحث فيه . " ( الابتزاز العاطفي: ص 129، 130) .
لا
تطلب أخلاق الملائكة:
ماريا
تربت في بيئة تعلي من القيم الدينية والأخلاقية إعلاء يطالب أفرادها بالسعي نحو الكمال،
ذلك السعي الذي يجعل قيما كالإيثار ، والتسامح، والالتزام بالواجبات حاضرة في
محيطها فكرا وممارسة .
لم تكن ماريا تواجه مشكلات تقريبا في
بيئة تقدر هكذا قيم ، تقديرا ينبع من الحرص على تحقيق العدل كما التحقق بالفضل .
كان التقصير في الفضائل يواجه باللوم، والنبذ ، في محيط يتسم بأخلاق ( أولاد الأصول).
هذه التربية الأخلاقية المتشبثة
بالكمالات تشبثا يساوي بينها وبين الواجبات تفتقر إلى النضج الإنساني ، ومن ثم فإن
ماريا كانت فريسة سهلة لابتزاز يستخدم فيه زوجها ما يعزز موقفه من التعاليم
الدينية ، والالتزامات الأخلاقية ، ليؤكد مدى الامتنان الذي يجب أن تشعر به لكل ما
فعله من أجلها من أمور جيدة . ( الابتزاز العاطفي : ص 68 ).
الخروج
عن السيطرة :
غالبا ما تكون أفكارنا عن الواجبات
والالتزامات أفكارا منطقية ، وهي تشكل أساسا أخلاقيا ومعنويا لحياتنا ، وهو أساس
ضروري، ولكن أحيانا تفشل محاولاتنا في تحقيق التوازن بين الاضطلاع بمسؤوليتنا تجاه
أنفسنا وبين تحقيق ما نشعر بأننا ندين للآخرين به . فنحن نخل بهذا التوازن لأجل
الشعور بالواجب .
يخلق
الابتزاز العاطفي الكثير من الضباب في أعماقنا، إنه يمس ضعفنا الداخلي ، المتعلق
بحرصنا على القيم الفاضلة، وأن نكون محبوبين ، ومقبولين، ومرغوبين،ويسود السلام
والدفء علاقاتنا. كل هذه الأمور تصبح هدفا للمساومة دون أن نرى ذلك بسبب الضباب
الكثيف الذي ينثره المبتز بمعاملته الجيدة لنا في حال لم نختلف معه. وهو يستخدم
هذه المعاملة الجيدة كسلاح معنوي يشكك به من نزاهتنا معه.
ضباب
الابتزاز العاطفي وعمليات التفكير :
عالم
الابتزاز العاطفي هو عالم مربك، فقد يحدث الابتزاز العاطفي في سياق علاقة يسودها كثير من الأمور الجيدة والإيجابية ،
ونجد أننا ندع ذكريات التجارب الإيجابية تطغى على الشعور الملح الذي ينتابنا بأننا
لسنا على ما يرام . فالابتزاز العاطفي يتسلل إلينا ، زاحفا بهدوء ليتخطى حدود التصرف
المقبول إلى تصرفات تكون مشوبة ثم مشبعة بكل ما يقوض سعادتنا . فعندما نتعايش مع
الابتزاز العاطفي ، فإنه يزيد من شعورنا بالكآبة ، وتزداد حدته حتى يعرّض أهم
علاقاتنا، وشعورنا بالاحترام لأنفسنا بالخطر . ( الابتزاز العاطفي : ص 11، ص 17، ص
18) .
إن
الضباب الكثيف -من المتاجرة باللوم، والشعور بالذنب- الذي ينثره المبتز عاطفيا
يضللنا ، ويحرّف نظرتنا للأمور ، ويشوه تاريخنا الشخصي، ويشوّش على فهمنا لما يحدث
حولنا . والضباب يتجاهل عمليات تفكيرنا ، ويستهدف استجاباتنا العاطفية مباشرة.
إشعال
الأنوار :
لكي نبدد الضباب الذي يشوش عمليات
التفكير لدينا ، لا بد من إشعال الأنوار، وأول خطوة في ذلك هي البصيرة، وفهم ما
نمر به من ضغوط قاسية. ومن الضروري أن نعلم أن الفهم وحده لا يكفي، فمزيد من
الضباب الذي يتكاثف مع الأيام ، لا بد له من تغيير لسلوكنا ، إذ أن فهم سبب قيامنا بردود الأفعال الخاطئة لن يجعلنا
نتوقف عن إتيانها ، والتذمر ومناشدة الطرف الآخر لن يحققا ذلك أيضا .
لقد كانت هذه السطور المقتبسة بتصرف من كتاب
: ( الابتزاز العاطفي ) هي بمثابة محاولة للتعريف بالخطورة النفسية للوقوع في شرك
علاقة معقدة مع مبتز سواء كانت العلاقة
علاقة قرابة، أو زوجية، أو صداقة، أو عمل . ولعلي في مقالة قادمة أختار من
هذا الكتاب القيّم ما يعيين على تغيير سلوكنا ، والتعامل الحكيم مع المبتز وصولا
إلى إصلاح العلاقة ، ووضعها في المسار الصحيح كهدف أساس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق