الاثنين، 28 يونيو 2010

أهداف ضروية *

لقد تركتني على حافة الألم ، لكنها قالت إن ما يفتح قلوبنا يقوينا ويوحدنا إنسانيا ، وهكذا أرجو ॥

في مخيم للاجئات البوسنيات تدور أحداث مسرحية " أهداف ضرورية " للكاتبة الأمريكية : إيف آنسلر ॥ وهي تأخذ بأيدينا لنعيش عالما " ليس مختلفا " أبدا ، عالم يشبهنا ، تفاصيله تشبه تفاصيل حياتنا، آمالنا الصغيرة ، والكبيرة، طموحاتنا الخاصة جدا ، والشائعة جدا ، هو فقط بدا لنا " مختلفا " لأن العنصرية التي تكمن في أعماق " كثيرين " منا أو " كلنا " كما تقول الكاتبة ، هذه العنصرية تفجرت في أبشع صورها، لتقتلع جذور الشبه بعالمنا، ولتنسينا أن تنميط " ضحايا صدمات الحروب".. هو جريمة أخرى نرتكبها في حقهم ..
تقول لنا إيف آنسلر في مقدمة مسرحيتها : ليست الحرب هي القنابل أو الصواريخ أو الانفجارات، أو القتل ، الحرب هي " نتيجة " ذلك ॥بعد شهور أو أعوام عندما تفقد الحرب جاذبيتها، وينفض السامر عنها ..
وأجدني أفكر في عبارتها لأسقطها ليس فقط على مستوى الحروب بين الدول، لكن أيضا على مستوى الأسرة ، والمجتمع ، تلك الحرب التي تشنها أم على أبنائها بالقسوة عليهم أو تدليلهم المفرط ، وتلك الحرب التي يشنها الزوج على زوجته بتهميشها أو معاملتها كتابع لا كرفيق درب ، وتلك الحرب التي يشنها المتنفذون فكريا على الأفكار التي لا " يؤمنون " بها ، فيحتكرون الحق ، ويحتكرون تأويل النصوص الشرعية ، ويجعلون اجتهادهم مقياسا للصواب والخطأ ।
كلها حروب ، وكلها وجع ، وجع تجاهل إنسانيتنا في خضم صراعاتنا التربوية أو الفكرية أو النهضوية بل وآلامنا التي تنزف من أبشع ما يمكن أن يتعرض له الإنسان من انتهاك للآدمية، وجع عبرت عنه إيف آنسلر في مسرحيتها : " نونا: أكثر المعونات احتراما لآدمية اللاجئات ، أرسلتها شركة مستحضرات تجميل فرنسية. زلاتا: بالطبع هي شركة فرنسية ، من غير الفرنسيين يمكن أن يفكر في تنظيف البشرة وسط حرب تطهير عرقية؟ "
نعم ، يوجد الكثير من الوجع في المسرحية ، لكن يوجد أيضا ما يفتح قلوبنا لنكون أكثر إدراكا لأنفسنا وللآخرين، أكثر إدراكا لما نحتاجه جميعا .. تقول زولاتا وهي طبيبة بوسنية تعرضت أسرتها للإبادة أمام عينيها : " ليست القسوة هي ما حطمت قلبي ، القسوة سهلة ، مثل الغباء، سريعة ، فورية । يقتحمون المكان ، يلبسون الأقنعة ، رائحتهم منتنة ، يحملون مناجل، يضربون رأسي والديّ العجوزين الجالسين على الأريكة ، الدم في كل مكان ॥ الكثير منه .. وصراخ .. ورؤوس ميتة بلا رؤوس .. القسوة من طبيعة البشر . إنها تحفر وتحفر داخل الإنسان ... إننا جميعا موتى حين يتعلق الأمر بالعذاب .. نحن لا نشعر به .. هناك الكثير منه ..
لكن ذكرونا بالجمال .. بحقول الشمندر في ريعانها.. بحمرة هذه الحقول.. اجعلونا نتذكر كيف كنا نغني ذات يوم ، وكيف كانت أصواتنا تتردد كصدى واحد عبر لوحة الليل والنجوم .. ذكرونا كيف كنا نضحك وكم كنا نشعر بالأمان .. وكم كان سهلا أن نصبح أصدقاء .. كلنا أنا أفتقد كل شيء ॥ البوسنة كانت جنة الله على الأرض" ।
نعم ॥ كم هو سهل أن نصبح أصدقاء إذا " أدركنا " أننا لا نستحق أن يؤلم بعضنا بعضا ...
في المسرحية الكثير مما يستحق الوقوف عنده ॥ لن أفسد عليك يا صديقي حقك في أن " تتألم" لتفتح قلبك لمزيد حكمة ॥ وأتركك لأعيد القراءة من جديد ..
· من إصدارات المجلس الوطني للثقافية والفنون والآداب – الكويت – مايو 2010.

هناك تعليقان (2):

  1. شكرا لك استاذة صفية على هذا الموضوع
    بارك الله في قلمك وزادك علما وحكمة

    ردحذف
  2. آمين يارب ..ولك مثل ذلك وزيادة..شرفت بك حقا

    ردحذف