السبت، 10 مارس 2007

في فقه العشق

الزواج هو الشكل الأقدس للعلاقة بين المتحابين إذ يتحقق به كمال السكن ، وقد روي عن الحبيب الأعظم المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله : " لم ير للمتحابين مثل النكاح " .

فالزواج هو الأصل الذي يجعل ما عداه استثناء ، ولعل النص النبوي يشير إلى هذه الاستثناءات بجعله الزواج هو الكمال الذي تطمئن به القلوب.

والاستثناءات هنا تتعدد كما الحياة هدوءا وصخبا ، وحزنا وفرحا ، سكنا وألما ..

والتجوال في فضاء الاستثناءات الرحيب ،يجعلنا نجد لوحات إنسانية تتباين حينا ، وتتداخل حينا آخر ..

منها ما يحكي عن أنانية الرجل في احتفاظه بحب يدفئه ، و يملأ حياته بمعان متجددة لارتباط إنساني يشعل جذوة روحه وعقله دون أن يستتبع ذلك ارتباطا كاملا هو مظهر المسؤولية التي يستلزمها صدق دعوى الحب ، ويظل الإحساس بالشعور المنقوص بالسكن لدى المرأة التي يحب، ومرارة الضيم ممن هو لها أقرب قريب شيئا باهتا لا يجهد نفسه بالتوقف عنده أو استبانة عمقه وجرحه .

ومنها ما يصور اختيارا واعيا من قبل الطرفين ، وشكلا غير مألوف لعلاقة إنسانية ولدت في ظروف تجعلها تعيش في أطر ضيقة لا تستطيع الخروج منها أو تجاوزها ، ولا يكون الرجل هنا أنانيا بقدر ما هو الطرف الأكثر تألما في العلاقة لأنه غير قادر على الوفاء الكامل بالتزامات حبه ، وانسحابه هو ظلم للطرف المقابل إذ تمسك عن قناعة بالأطر المتاحة للعلاقة ، ووجدها خيارا أفضل من البعاد أو ارتباط لا يحقق لها السكن الذي تبغيه من ارتباط كامل.

ومنها ما يكتشف فيه الناظر بعدا جديدا لعلاقة تكون فيه المرأة هي الطرف الذي يلح ليكشف ستر المشاعر الصامتة رغم علمها بالطريق الشائك الذي ستسير فيه العلاقة بعد ذلك..

واللوحات كثيرة ، بعضها تغطيه سحب كثيفة إذ هي أعقد من أن تستبين للناظر بلمحة عابرة ..

هذا النوع من العلاقات الإنسانية ، يحتاج لمزيد تأمل يسبر أغوارها ، و يشرح دقائقها، ثم تبين الحكم الشرعي الذي يوائم كل طيف من أطيافها .

علي أحمد با كثير في رواية (سلامة القس ) صوّر إحدى حالاتها ، واختار أن يكون الفراق الدنيوي هو الحل الأمثل ليكون لقاء الأخلاء يوم العرض الأكبر : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) ، و كتب حروفا نقية في تطهير الحب النفس من شوائب الكبر والعجب ، وتحقيقه لها بمعاني الاتصال الرباني .

لكن هل الفراق هو دوما الحل الأمثل ؟ ثم ما معنى كلمة ( الأمثل ) في قاموس العلاقات الإنسانية ؟ أليست كلمة ساذجة إذا أريد تعميمها ؟ ثم أليس لكل حالة خصوصيتها التي تجعل المساحات الرمادية أحيانا كمالا نظرا لاحتياجاتها ، وصلتها بذاتها أو بربها أو بالطرف الآخر ؟

إن الحديث عن مثل هذه العلاقات ربما يكون شائكا أكثر من الوقوع فيها ، إذ أن طرح أي حل سوى الافتراق يكون بمثابة دعوة إلى التحلل من القيم الدينية أو المجتمعية ، والأمر كما أرى يحتاج إلى صدق حقيقي مع الله ليكون سبر أغوار هذه العلاقات نفسيا واجتماعيا وشرعيا سبيلا لإعانة أصحابها في بلائهم بما يرضي الله عز وجل الذي جعل شرعه رافعا للحرج ، ملائما لاختلاف الناس وأحوالهم .

هناك 4 تعليقات:

  1. انتي جاية ع الجرح :)
    حاليا أمر بما وصفتيه تماما
    واستغرب من هذا المجتمع الذي يريد مني أن اتعفف وأظل محترما وأن تكون علاقتي داخل إطار "شرعي" مع ان هذا المجتمع يهمل متعمدا هذا الحديث الرائع "لم ير للمتاحبين مثل النكاح"

    ومن ثم توصلت إلى ما انتهى إليه هذا المقال
    " إذ أن طرح أي حل سوى الافتراق يكون بمثابة دعوة إلى التحلل من القيم الدينية أو المجتمعية ، والأمر كما أرى يحتاج إلى صدق حقيقي مع الله ليكون سبر أغوار هذه العلاقات نفسيا واجتماعيا وشرعيا سبيلا لإعانة أصحابها في بلائهم بما يرضي الله عز وجل الذي جعل شرعه رافعا للحرج ، ملائما لاختلاف الناس وأحواله"

    أتفق معك تماما في أن مجتمعنا في حاجة ماسة لحل هذه المشكلة..فهو إما ان يأخذ الشرع بأكمله، أي لا نكون مثل بني اسرائيل "اتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض" أو الا يضجر ويدعي النبل والعفة إذا وجد خروجا عن ما يراه صحيح و "شرعي"، هذا الخروج الذي لا يأتي من فراغ، ولكن بسبب ضغط المجتمع

    لذلك وصلت لقناعة أن الأمر كما قلت يحتاج إلى صدق حقيقي مع الله وإخلاص النية إليه بغض النظر عما يتطلبه المجتمع، لأنه -كما ذكرت- لكل حالة خصوصيتها التي تجعل المساحات الرمادية أحيانا كمالا نظرا لاحتياجاتها وصلتها بذاتها وبربها وبالطرف الآخر


    مدونتك أكثر من رائعة
    خاصة هذه التدوينة لأنها واقعية ولمستني بشدة

    اسف على الإطالة
    وتقبلي تحياتي

    ردحذف
  2. شكرا لك .. لا أعرف قصتك تفصيلا بالطبع لكن لا أدري لم خفت عليك .. استشر من تثق في حكمته ودينه .. ويارب يفرج همك ، ويكرمك ، ويعطيك حتى يرضيك ومرة ثانية أشكرك على زيارة المدونة ومرحبا بك يا أخي .

    ردحذف
  3. شكرا لاهتمامك وتخوفك

    مشكلتي تكمن في أني لا أجد حقاهذا الشخص الذي أثق في حكمته ودينه حتى أستشيره، والأهم من ذلك أن أقرب الناس إلي يرفضون الحديث معي في هذا الموضوع غير مبالين بما أمر به

    شكرا لسعة صدرك وعذرا إذا كنت قد صدعت رأسك
    :)

    ردحذف
  4. بالعكس تعليقك وتواصلك أسعدني بقدر ما أهمني كربك ، عليك بالدعاء أولا فلا احد أرفق بنا من ربنا يهدينا ويكرمنا ، وغذا وجدت مستشارا مؤتمنا تثق به في اسلام اون لاين او مجانين فراسلهم

    ردحذف