الخميس، 31 ديسمبر 2009

صديق المراهقة

اصطحبته معي في نزهة المشي اليومية إلى ذلك المكان الصديق ، وهناك اشتريت قارورة ماء من البيك ، وأنا أبتسم -كما كل يوم- لسؤال البائع الباكستاني ( مويا عادي ولا حراق ؟ ) ॥ جلست برفقته لساعة كاملة ॥لقد استغرقتني قراءة الكتاب تماما.. وقطعت وعدا لنفسي وله أن أكتب عنه لأنه يستحق، ولأنال بعضا من فضل بالإشارة إلى هذا العمل ، فلعل الله يهب به أسرة ما أمانا واستقرارا॥

كتاب ( منهج عملي في تربية المراهقين والمراهقات في الأسرة السعودية ) من تأليف العميد الدكتور محمد بن إبراهيم السيف ، أستاذ الدراسات الاجتماعية ومناهج البحث في كلية الملك فهد الأمنية ، هو حقا صديق جيد لمراهقة آمنة ، فهو يقدم أفكارا وأساليب عملية لتعامل متزن وناجح مع الأبناء في فترة المراهقة ।
يؤكد الكتاب على أن التربية الناجحة للمراهق أساسها أمران : أحدهما : أن يكون الوالدان لديهما رؤية واضحة في التربية تقوم على أسس من الاحترام المتبادل للعلاقة الزوجية ، وتفهم الاحتياجات النفسية والعاطفية لكل فرد من أفراد الأسرة ، والمشاركة في القيام بالشؤون الأسرية بما يحول بين تحمل أحد الأطراف لأعباء نفسية أو جسدية أو مالية لا يطيقها .. هذه الأمور قد لا تبدو لصيقة بالتعامل المباشر مع المراهق ، لكنها في الحقيقة كذلك ، لأنها توفر مناخا مناسبا للتواصل القائم على الاحترام والتقدير والود . والثاني : أن يعد المراهق لتحمل مسؤلياته في الحياة على المستوى الشخصي والأسري والاجتماعي ، ويكون مؤهلا لذلك نفسيا ومهاريا ।
يتحدث الكتاب عن أن المشكلة الأساس في تربية المراهقين في الأسرة السعودية هي مشكلة الآباء والأمهات ، لا مشكلة الأبناء، إذ أن هناك تشويش في فهم طبيعة العلاقة بين الزوجين وأنها قائمة على " قيم الاحترام والتوافق الزواجي ، بدلا من قيم القوة والرئاسة والمثالية والتبعية " ، وبالتالي هناك تخبط ورؤية غائمة حيال ماذا يراد من المراهق ذكرا كان أو أنثى . هذه النتيجة يصل إليها المؤلف من دراسة اتبعت منهجا علميا منضبطا ، يشرحه شرحا موجزا وواضحا في الصفحات الأولى من الكتاب ، ليقودنا بعد ذلك عبر نماذج مختلفة ومثرية إلى حلول عملية للمشكلات .. وتتميز هذه الحلول بأنها خرجت إلى حيز التطبيق والتفعيل .. من ذلك مشكلة أصدقاء السوء لدى المراهق، يطرح الكتاب حلا عمليا لمعالجة هذه المشكلة في مستوياتها المتقدمة ، ويتلخص هذا الحل في اصطحاب المراهق إلى دار للأحداث، ليقابل فتيان في مثل عمره كان أصدقاء السوء سببا في إيداعهم لدار الأحداث ، ونجد في الكتاب أن هذا الحل قد طبقه بالفعل بعض الآباء ونجح في ردع أبنائهم عن أصدقاء السوء।
ولعل أهم ما يميّز الكتاب في تقديري أنه قدّم طرحا يزاوج بين إعادة تشكيل مفاهيم تتعلق بالحياة الأسرية وبين طرق عملية لتطبيق هذه المفاهيم، والتعامل مع تفاصيل واقعية يواجهها الوالدان في تعاملهما مع أبنائهما، في أسلوب بسيط ، استطاع أن يحمل الكثير من الأفكار العميقة ॥
الكتاب كتاب فكر وعمل ॥ وسطوري هذه إشارة مقصودها التأكيد على أن هذا الكتاب هو بحق صديق مهم ليس فقط لمراهقة آمنة لكن لعلاقة أسرية ناجحة .. والكتاب من منشورات الجمعية الخيرية لتيسير الزواج والرعاية الأسرية والاستشارات الأسرية في عنيزة .. ولطلب نسخ للتوزيع الخيري ترسل رسالة إلى : جوال: (0553634050 ) .. وقبل أن أترككم مع مقتطفات مختارة من الكتاب لا بد من التنويه بالعمل المحترم حقا الذي ترعاه الجمعية المذكورة ، والذي يستثمر الطاقات العلمية المتميزة في المجتمع ، كما أن الجهد الذي قدمه الدكتور السيف في الكتاب هو نموذج حقيقي لخدمة العلماء لمجتمعهم عبر العلم الذي كرمهم الله به .. أسأل الله لهم السداد والتوفيق وأن ينفع الله بهم ويبارك في عملهم ..
مقتطفات مختارة من الكتاب:
" إن الصراع الأخوي ليس بالضرورة أمرا سيئا ، بل قد يكون الأرض الخصبة لاكتساب مهارات اجتماعية قيّمة ترتبط بالوسطية والتفاوض والعاطفة ।"
**" إن أول خطوة في علاج الرد الوقح من أحد أبنائك أو من بناتك هو أن تبدو هادئا عندما تتعرض لكلمة أو جملة وقحة منهم ، ولا تشعرهم في حينها أنك في مركز قوة أو أن هذا يستثير غضبك كأب أو كأم . لكن يجب أن تبادر الأم وكذلك الأب بمطالبة الولد الوقح في حديثه بنفس اللحظة ومباشرة بتفسير كلامه ، مثلا تقول الأم ( كيف تصفني بأني بخيلة ؟ هل قصرت عليك بشيء)... إن مبادرة الوالدين بطلب من الولد بتفسير ما قاله من كلمات وقحة تجعله يفكر مرة أخرى في معاني الكلمات التي يستخدمها مع والديه ..... " ينظر بقية العلاج ص41، 42.

" وإليكم ما ذكره بعض الآباء وبعض الأمهات كيف استطاعوا التخلص من صداقات مراهقيهم السلبية ورفقة أولادهم السيئة ... علمت أن ابني يصاحب في المدرسة طلابا غير مرتبين ، وسلوكهم عنيف حسب قول الأخصائي الاجتماعي، طلبت من ابني ترك مصاحبتهم ولم يقتنع ، أخذته في عصر أحد الأيام إلى مركز الشرطة، واتفقت مع الضابط أن يريه التوقيف ، ويوضح له بعض القضايا التي تورط فيها صغار بحسن نية، وفعلا كان هذا درسا مفيدا فقد بدأ يفهم الحياة ... ( عبد العزيز- 45 سنة) " ।
**" لا محيد عن التركيز على الحوار، وعدم الاعتماد على المواعظ فقط في التربية الجنسية ، وعلى الآباء والأمهات أن يتحدثوا مع أولادهم من خلال الحوار الهادف عن الحب والجنس والزواج، فالحوار في هذا الجانب أكثر تأثيرا من الموعظة..." ينظر تفصيلات مهمة حول التربية الجنسية للمراهق من 50 إلى ص 58 ।
**" من أفضل الطرق لتعليم أبنائنا وبناتنا كيفية احترام غيرهم أن نعلمهم وندربهم على اتخاذ قراراتهم وأن نساندهم ونتعاون معهم على نجاحها، ثم نحترمها أخيرا، حتى ولو كانت نتائج تلك القرارات تختلف عن توجهانا حتى لا نطالبهم أن يكونوا نسخا منا وبالتالي نعودهم بأن لا يطالبوا شريك الحياة بأن يكون نسخة منهم ।"

الجمعة، 11 ديسمبر 2009

جدة .. أما قبل

جدة .. كالمؤمن يألف ويؤلف .. من أهل الألفة والود هي جدة .. تنتقل فيها عبر الزمان والمكان فلا تشعر أنها تضيق بك .. ربما تضيق بك الحياة فيها .. لكنها لا تضيق هي بك ..بل تظل تعتذر إليك عن ذنب لم تقترفه ..

جدة .. تألمتِ كثيرا الأيام الماضية .. ولا زلت تتألمين .. تعلمين أن أهلك المحبين حولك ومعك ، فلطالما احتضنتهم ، واستمعت لآلامهم وآمالهم .. أريد يا جدة أن أتذكر اليوم معك ما كنتِه لي ، وفاء ، وتجديد عهد ، وتذكيرا لجيلي ولأجيال قادمة أن نقدّم لك جهدنا في العطاء ، والعناية بك كما نعتني بأنفسنا ورغباتنا وطموحنا .. لأنك صنعتنا .. وصنعت كثيرا مما ندين لك به من روح وفكر وعاطفة .. ولأن أحلام أبناء جدة إن لم تكن بها ولها .. فسيخسرون الكثير إذا خسرت جدة ..

والعطاء يتنوع بحسب كل أحد وما يحسنه ॥ يحرص فقط أن يكون من أهل الإحسان والإتقان فيما يعرف ولا يجاوز ذلك إلى عاطفة تجعله يقتحم ما لا يحسن فيفسد أكثر مما يصلح ..

أتذكرين يا جدة ؟ أتذكرين سنوات مضت ॥ أتذكرين ولادتي في ذلك الحي الجنوبي المفعم بالحياة .. حيث تتجاور العمارات مع البيوت الشعبية البسيطة مع الفيلات الفخمة .. كان ذلك الحي مفعما بالحياة كما أفهمها في عمري الصغير .. بقالات مليئة بالحلويات .. وعربات الخضروات والفواكه المتنقلة .. وجيران يجعلون الحياة أكثر إثارة .. جارتنا ( خالة ج ) – رحمها الله رحمة الأبرار- صاحبة الهيبة .. التي كنا لا نجرؤ على الفوضى والكلام بصوت عال لئلا تغضب .. لا أدري لماذا كنا نخاف منها .. لا أذكر أنها عاقبتنا يوما .. لكننا كنا نهابها فحسب وكنا نظن تلك الهيبة خوفا .. وبناتها بحكاياتهن المبهجة والمسلية ..وجارتنا الأخرى التي كان زوجها يملك محلا للألعاب .. فلا نزورها إلا ونعود محملين بألعاب تجعلنا نمتلىء حماسا .. وجارتنا الهادئة الأستاذة مريم التي كنا نأنس بها ولها .. كنت أذهب إلى المدرسة مشيا على الأقدام أنا وأختي آلاء.. وكانت الرحلة إلى المدرسة لا تمر أحيانا بسلام مع الكلاب التي تصر أن تعترض طريقنا أو نحن من نصر على أن نعترض طريقها .. لكن الكلاب اختفت بعد ذلك ..وقد ذكر والدي محمد علي الجفري- حفظه الله- في مقالة له في جريدة عكاظ ( بتاريخ 27/8/1996) عن السيد علي حسن فدعق .. أنه لما كان مسؤولا عن بلدية جدة أمر بتسميم جميع الكلاب الضالة .. لكن السيد فدعق تولى مسؤولية البلدية عام 1384هـ أي قبل ولادتي بعشر سنوات .. من كان المسؤول إذن عن اختفاء الكلاب في حارتنا العزيزة .. لا أعلم -ربما هو الأستاذ خالد عبد الغني- فقط ما أعلمه أنها اختفت فجأة .. الشائعات تقول إنهم الكوريون .. كانوا يأكلون الكلاب الضالة ..ذات الشائعة التي انتشرت في عهد السيد فدعق رحمه الله..

أحيانا كنا نوصل بعض صديقاتنا إلى بيوتهن ثم نذهب نحن إلى البيت ॥ لا أدري إن كانت صديقتي السورية تتذكر ذلك .. لقد كنت أراها وأسرتها مثالا للصمود .. والإيمان بالحياة.. فوالدها معتقل في سوريا وهم لم يفقدوا الأمل أبدا أن يعود إليهم .. شيء كان في داخلي يجعلني أشعر أني أكبر سنوات كثيرة حين أستمع إلى حديث صديقتي الصغيرة الكبيرة..عرفت بعد ذلك حين كبرت أبعادا أخرى عن الإسلام والسياسة أبعادا جعلتني أدرك عدم نضج رؤيتي ، وطفولتها تلك الأيام .. كان معرض الكتاب الذي يعقد فيك سنويا بمثابة رافد مهم من روافد تفكيري..

أتذكرين يا جدة يوم الخميس ماذا كان يعني لي ؟ قطعا تذكرين كيف كان هو الموعد المرتقب الذي أقدم فيه تحويشة الأسبوع هنيئة مريئة لشراء مجلة ماجد ، وألغاز المغامرين الخمسة ( تختخ ونوسة ولوزة ومحب وعاطف )، أو الثلاثة ( محسن وهادية وممدوح ) ، وقصص المكتبة الخضراء॥ كنت أستيقظ الثامنة والنصف وأستعد للجري في الزقاق بجانب عمارتنا لأصل إلى المكتبة ، وأنا أبحث عن لغز جديد .. أذكر أني قرأت لغز (أم الشعور) وكنت أرتجف رعبا .. هناء بنت خالتي كانت تقرأ معي اللغز ليلتها .. وكانت خائفة هي الأخرى .. لما زرت القاهرة لأول مرة وجدت شجرة تشبه (شجرة أم الشعور) ولا تسل عن فرحتي بها ..

تذكرين يا جدة كيف كان حينا أيامها ؟ كان طيبا مثلك ॥ صديقا مخلصا مثلك .. وفيه بدأت حفظي للقرآن الكريم مع أستاذتي الطيبة فاطمة الحازمي.. كم كانت تصبر على تقصيري أحيانا في الحفظ .. ونعاسي في الدروس ..

ثم أتذكرين كيف عشت فيك بعد أن غادرت حينا الطيب ؟ كان سنوات المراهقة وأيام الشباب الأولى حافلة بحياة أخرى مختلفة ॥

أتذكرين يا جدة كيف اختزلت حياتي فيك في السباحة الفكرية॥ مدارس تحفيظ القرآن الكريم .. والمعاهد الشرعية .. وقسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك عبد العزيز..السباحة في بحر كثيف من الأفكار المتلاطمة .. والتصنيفات الحادة .. والمناطق الرمادية .. التي ظلت تحيرني طويلا .. ثم بداية النور بدراسة الفقه على يد د। شادية كعكي .. العلم الراسخ .. والخلق المتين .. حفظها الله .. كان والدي حفظه الله حريصا على تنوع قراءاتي .. وكان صلاح جدي – رحمه الله- وخلقه الكريم وهو الفقيه المتصوف حاجزا لي عن الانغماس في الفكر المتشدد .. لأقترب من الاستقرار الفكري الفقهي إن صح التعبير مع الدكتورة شادية كعكي بمنهجها الفقهي الأصيل ..

أتذكرين يا جدة كيف أهديتني بناء متوازنا بعد تقلبات عديدة .. كيف أذقتني طعم الاستقرار بعد الكثير من التيه ؟ أتذكرين؟ ثم بعد عودتي من الدراسة في جاكعة الأحقاف في المكلا استقبلتني يا جدة بحفاوة ॥وبدأت أكتشفك من جديد .. مدينة تقترب من النضج الحضاري .. مساحات الوعي تتجدد وتتسع .. ومساحات العطاء الشعبي والفكري تتنوع وتتداخل .. وقد ظهرت بقوة في هذه الأيام التي مس بعضنا( إذ كلنا جسد واحد ) فيها الضر والأذى ..

لقد كنتِ دوما عروسا تزهو بجمال روحها قبل شكلها ॥ نعم هناك الكثير من الألم والحزن والخطأ الموجع ॥ لكن الأزمة التي حدثت أراها ستكون سببا في عافيتك ॥ ولعل الأرواح التي ذهبت عند الكريم الرحيم ستكون فداء لقيم تستعيد قوتها بما يليق بك ॥ قيم المسؤولية .. والأمانة التي تحمي الحاضر والمستقبل .. الثمن غال .. ولذلك لا بد للتغير أن يكون بحجم الثمن .. بحجم الحب والفكر والدفء والأفق البعيد الذي أعطته جدة لأهلها .. وسنقول لمقبل الأيام : أما قبل .. لنظل نتذكر أن ما سيأتي لا بد أن نفيك به حقك من الحب الذي منحتنا إياه .. ولن نفي .. وأن نكفّر به عما مضى منا من تقصير في حقك .. والله خير الحاسبين ..

* ( أما قبل) عنوان أحد رسائل الرافعي لمي زيادة في أوراق الورد.

الاثنين، 7 ديسمبر 2009

لأجل جدة ..جزء من الواجب .. وبعض من الحب

وصلني اليوم الإيميل التالي : السادة والسيدات الكرام، نرجو منكم نشر هذه القائمة الخاصة بالاحتياجات العينية للمتضررين من كارثة جدة، وإيصالها إلى كل من تعرفونه قدر استطاعتكم فما زال هناك احتياج مستمر ويومي لتوفير هذه الاحتياجات الأولية والغذائية وعلى مدار الساعة، علما بأننا نستقبل التبرعات العينية في مقر معرض الحارثي الواقع في تقاطع طريق المدينة مع شراء حراء، وذلك من العاشرة صباحا وحتى الثامنة مساء كل يوم للمزيد من الاستفسارات يرجى الاتصال بالرقم التالي 0545661717 تفضلوا بقبول وافر التحية،، الحملة الوطنية لإنقاذ مدينة جدة http://www.savejeddah.com/

المواد الغذائية وجبات خفيفة وحلويات زيوت مكرونة + أندومي معلبات دقيق + أرز + تمر أجبان و حليب عصيرات مياه وجبات جاهزة استهلاكيات شخصيه حفائض أطفال حليب أطفال مستلزمات نسائية بطانيات + لحف مخدات مراتب سرر مستلزمات المنزل كنب و أثاث منزلي معدات ذوي الاحتياجات الخاصة مناشف و ملابس بلاستيكيات أنابيب وأجهزة مطبخ أدوات نظافة صحون وملاعق و بلاستيكية مواد تنظيف أجهزة طبية مستلزمات صحية

ضحكة جارتنا

انطلقت ضحكة إحدى جاراتنا .. التي لا أعرفها .. لتجعلني أبتسم .. هكذا ببساطة .. نعم .. ضحكة عالية مرحة طيبة مليئة بالحياة .. جعلتني أشكر القدر الذي صفا لجارتنا فأهداها كل هذا الصفاء .. وجعلتني أدعو لها بأن يجعل أيامها حلوة ، ودودة ، كضحكتها ..

حسنا أشعر بهدوء نفس تصاحبه قوة تسامح ، وتصالح مع الحياة ، أفتقده منذ زمن ॥ لماذا ، أهي ضحكة جارتنا التي لا أعرف أي بيت تسكنه من البيوت المحيطة ببيتنا ؟ نعم،وأشياء أخرى ..
لحظة تفهم من صديق تثق بحكمته وصدقه لألم تمر به ربما يغني عن كلام كثير ، وتحليلات أكثر ॥ هذا التفهم يحتضن ألمك فيعود يشعر بالسلام ، ويشعرك بالسلام ॥
أو قراءة لرواية تجعلك تشعر أن عالما ما ينتظر أن تقدّم فيه وله شيئا يجعله أفضل .. ( الكرنك) للأستاذ نجيب محفوظ ..جعلتني أشعر بذلك .. بكم الحزن والألم الذي شعرت به وأنا أقرأها .. لكنه ذلك الحزن الذي يجعلك تصر على المضي قدما .. لماذا ؟ لا أعلم .. لم أتمها بعد .. ربما أكتشف ذلك حين أتم قراءتها .. أراكم على خير

عن الخطأ .. رفيق العمر

الملائكة تغيب عن حياتهم الأخطاء ، كما تغيب الحاجة عندهم إلى الطعام أو الشراب، نحن كبشر نعترف بحاجتنا إلى الطعام والشراب، ولا نعدها أمرا مشينا ، لكن بعضنا لا يعترف بالخطأ كجزء لا بد من حضوره في حياته أو حياة غيره.. الخطأ رفيق لنا رحلة عمرنا، لنتحقق ببشريتنا ، وانكساراتنا ، ورقة قلوبنا ، وقربنا من المولى عز وجل تسليما له بالجلال والكمال، وإقرارا بقصورنا ونقصنا ، لنرتقي في سلم الكمالات بأخطائنا كما نرتقي فيه بصواب أعمالنا..
الخطأ والفرح
يغفر الله لنا أخطاءنا لكن جهازنا العصبي لا يغفرها لنا أبدا§॥ ونظل نجلد أنفسنا بأخطائنا ॥ فنقع من حيث لا نشعر في اليأس ॥ واليأس بعد عن الله .. وبعد عن النفس السوية .. يعلمنا الدين أن نفرح بالله .. وبفضله وكرمه ورحمته بنا .. وأن نسير إليه عرجا ومكاسير .. ونصر أحيانا على أن نحرم أنفسنا الفرح لأننا نصر على تجاهل أن الكمال في حقنا مزيج متناغم من الخطأ والصواب
قبيل الفجر
تبدو أحيانا الحياة مستحيلة معهم ، كأنهم لا يحسنون شيئا في الدنيا سوى أن يكونوا ناشطين فاعلين في كل ما يثير ضيقنا ، ويحرمنا السكينة ، لكن إذا ما اقترب الرحيل ، فهمنا فجأة أن أخطاءهم كانت ببساطة اختلافا لم نستطع استيعابه ، فحرمنا أنفسنا رؤية جمالهم ، وطيبة قلوبهم ، وضعفهم ، وحاجتنا لهم ، وحاجتهم إلينا .. ولو فهمنا لكان عتابنا لهم كما قال الشاعر : عتبتم فلم نعلم لحسن حديثكم أذلك عتب أم رضى وتودد لكننا أحيانا لا نفهم إلا في أوقات متأخرة ، ربما نحتاج أن نتأمل دوما في علاقاتنا ، ونستشير من نثق بحكمتهم ، ونقاء سريرتهم ، ونحتاج أيضا إلى القراءة لمن عبروا الدنيا بخلق حسن ، وصيت حسن، وعرف فضلهم وحكمتهم أهل البصيرة ،وانتفع الناس منهم أحياء وأمواتا . في أصداء سيرته الذاتية كتب الأستاذ الكبير نجيب محفوظ – رحمه الله- سطورا بعنوان : قبيل الفجر: وليس أجمل من السطور إلا عنوانها .. قبيل الفجر .. أي فجر يا أستاذ؟ .. أهو فجر الحقيقة .. والموت من أكبر الحقائق في حياتنا .. أم هو فجر الصفاء حينما يتجرد المرء من تشويشات الهوى .. أم هو فجر لقاء الله عز وجل الرحيم الحكيم .. أم هو فجر الفهم حينما يمن الله على الإنسان بنور الحكمة.. أم هو كل ذلك ؟ قال الأستاذ : "تتربعان فوق كنبة واحدة . تسمران في مودة وصفاء . الأرملة في السبعين وحماتها في الخامسة والثمانين . نسيتا عهدا طويلا شحن بالغيرة والحقد والكراهية .والراحل استطاع أن يحكم بين الناس بالعدل ، ولكنه عجز عن إقامة العدل بين أمه وزوجه ، ولا استطاع أن يتنحى . وذهب الرجل فاشتركت المرأتان لأول مرة في شيء واحد وهو الحزن العميق عليه.وهدهدت الشيخوخة من الجموح ، وفتحت النوافذ لنسمات الحكمة . الحماة الآن تدعو للأرملة وذريتها من أعماق قلبها بالصحة وطول العمر . والأرملة تسأل الله أن يطيل عمر الأخرى حتى لا تتركها للوحدة والوحشة ."§
ليغدو المستقبل الملثم آمنا

تضيق أحيانا الحياة بأحدنا ॥ فيجد نفسه أمام خيارات الخطأ .. فيحجز نفسه عنها .. ليتردى في مزيد من الوجع .. والضيق .. والكرب ..وتراه كدمعة حائرة تأبى أن تتخذ قرارا ما .. ويغفل عن استشارة فقيه نفس .. جمع بين الدين والحكمة .. ليتدارس معه مآلات الخطأ، ومآلات الصواب .. ليغدو " الحاضر الثقيل هينا ، والمستقبل الملثم آمنا"§ إذا استقبله المرء بانشراح صدر ، وصفاء نفس ، ووضوح رؤية .. لكننا كثيرا ما نقع من حيث نعلم أو من حيث لا نعلم في فخ الأفكار المطلقة .. خطأ مطلق .. أو صواب مطلق .. وما هكذا علمنا الدين .. وما هكذا يحكم أهل العقل والبصيرة .. تكلم الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه جامع العلوم والحكم عن معنى يقارب ما نحن فيه ، قال : يفتي المفتي الثقة بعض العوام بحكم شرعي فيه تخفيف ورخصة ، فيرفضون قبول قوله ، ويستدلون جهلا بحديث : " استفت قلبك وإن أفتاك المفتون " ، وإنما ورد هذا الحديث فيمن شرح الله صدره بنور المعرفة ، والإيمان معا، وكان المفتي يفتي له بمجرد هوى من غير دليل شرعي ، وهذا لا يتحققه غالبا من لا يملك أدوات التخصص الشرعي، قال الإمام ابن رجب الحنبلي:" فأما ما كان مع المفتي به دليل شرعي فالواجب على المستفتي الرجوع إليه وإن لم ينشرح صدره ، وهذا كالرخصة الشرعية مثل الفطر في السفر والمرض وقصر الصلاة في السفر ونحو ذلك مما لا ينشرح به صدور كثير من الجهال ، فهذا لا عبرة به."§ فهؤلاء الذين تحدث عنهم الإمام ابن رجب الحنبلي يتبنون فكرة التشديد على أنفسهم على أنها دين في كل حال ، هي عندهم فكرة مطلقة، لا تتغير بتغير الأحوال، فأخطأوا مرتين مرة بتشوش فهمهم لسعة الشرع ، ومرة بعدم تأدبهم مع العلماء الثقات واتباعهم لمن أمرهم الله عز وجل بأخذ الأحكام الشرعية عنهم .
نسبية الكمالات
قد نرفض خطأ مرتبطا بفضيلة هي كذلك في حق غيرنا وليست كذلك في حقنا ॥ فليست كل النفوس تقوى على جميع الكمالات .. و ما قد يكون كمالا في حق إنسان باعتبار قدرته على الثبات عليه دون حرج أو ملل ، لا يكون كذلك في حق من يكلفه هذا الكمال حرجا، يصده عن تذوق لذة القرب من الله عز وجل ، فيكون الكمال الذي يتوهمه في حقه نقص وجفاء ..
الفضل بما لا يخل بالعدل

وتغيب هذه المعاني عن بعض من يريدون الخير بالناس ॥ فتراهم يجعلون المعاني النسبية معان مطلقة، وهم يغيبون بعملهم هذا قيما أساسية كالعدل مقابل التأكيد على التسامح المطلق أو الصدق المطلق أو العطاء المطلق فلا يعود الأمر دائرا بين العدل والفضل بل يعود ترسيخا للظلم ، وقضاء على الفضائل ، حيث غابت حقيقة أن التوازن بين الأخلاق المتعددة هو سبيل لحفظها كلها .. وأن الإخلال ببعضها إخلالا كاملا هو تضييع لها كلها ..
الأداء الجميل والذكي مع النفس ومع الناس

ليست سطوري هذه دعوة للخطأ لكنها دعوة لاحترام بشريتنا ، والتعامل باتزان حيال أخطائنا، أو ضعفنا ، فإن كان لبشر علينا حق أديناه إليه أداء جميلا ، وذكيا ، يحافظ على علاقتنا به ، بما لا يخل بحقنا وبما يرد إليه حقه بالحسنى وزيادة ॥ هي فقط خطوات تجعلك أفضل .. اعط نفسك حقها عدلا وفضلا بما لا يخل بحقوق الآخرين.. وتذكر أن الدين يريد منك أن تعترف بالخطأ كضرورة .. وتسأل الله تعالى مع ذلك حسن الختام.. عاملها كأفضل صديق .. تقبّل أخطاءها .. وعيوبها .. وسامحها .. تصالح معها .. لتستطيع أن تتصالح مع الحياة .. وتقبل عليها ودا وفضلا قواما لا شطط فيه ..
§ قرأت هذه المقولة مرة في أحد كتب أستاذ عبد الوهاب مطاوع رحمه الله।
§ أصداء السيرة الذاتية । نجيب محفوظ .
§ اقتبست هذا التعبير من الأستاذ يحى حقي رحمه الله في رائعته : خليها على الله।

§ جامع العلوم والحكم للإمام ابن رجب الحنبلي . شرح الحديث السادس والعشرين .