الأحد، 21 يونيو 2009

عنهما .. ( مذكرات أصولية)

زارني اليوم شيخي في المنام ، كنت أفكر أنه غاضب مني لسبب أو لآخر ، لكنه لم يكن كذلك اليوم ، كان هادئا كعادته ، ويحدثني باهتمام وطيبة
سألني : ماذا كتبت ؟ كدت أن أقول له : دعني أتمم المبحث الأصولي أولا يا شيخي ثم أرسله إليك ॥ تذكرت أن تلقائيتي قد أفقدتني إتمام حوار مهم مع الإمام الرازي بالأمس ॥
ما أن هممت بالإجابة على سؤال شيخي حتى أيقظتني خديجة بنت أختي لتطلب مني أن أشتري لها : مجلة " فتيات" ॥

أنهيت مكالمتي المحمولية مع خديجة وإخوتها سوى عمر ॥ ابن أختي البالغ من العمر سبع سنوات .. الذي اعتذر عن الحديث معي لأنه " يفكر" ولا يستطيع أن يتحدث الآن!
وشكرت خديجة في سري لأنها أيقظتني ، فلم أكن أريد أن أطلع شيخي على ما كتبت الآن ॥ أريد أن أكمل البناء أولا ثم أناقشه بعد أن تكتمل " أفكاري" يبدو أني ك" عمر" ابن أختي أو هو مثلي ربما ..
الكتب كما البشر بعضها يألف ويؤلف وبعضها " غلس ودمه تقيل" ॥ وتأدبا سأحكي عن من يألفون ويؤلفون ॥ مشاعر حب عجيبة أكنها للإمامين الجويني ( إمام الحرمين ) ، والغزالي ॥ مشاعر مختلفة عن تلك التي أحسها وأنا أقرأ للإمام القرافي أو لـ" الإمام " .. أحب نفائس الأصول والمحصول لكن حبي لهما حب هادىء .. حب أقرب إلى حب الجيرة الطيبة .. حب يختلف تماما عن الشعور بالصداقة العميقة ، والألفة العقلية والروحية المتجذرة
قد أختلف مع الإمامين الجويني والغزالي ॥ لكنهما يأسرانني ॥ المستصفى للإمام الغزالي ..كتاب رائق .. رائق في طريقة الطرح .. وفي الود الذي تشعر أن الإمام الغزالي يحدثك به .. ليس الود فقط لكنك تشعر أنه يفكر معك بصوت عال .. ويتكلم ويكتب في نفس الوقت .. فتخرج عباراته محكمة وتفريعاته منضبطة .. كأنك تشرب قهوة من نوع ممتاز جدا .. كيف سيكون دماغك حينها ؟
وهو مع ذلك خاشع متأدب مستصحب لمعنى عبوديته لله ॥ ومعنى التلقي عن سلسلة نوارنية متصلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهذه الروح التي يكتب بها والتي تجعل العقل والقلب صديقين حميمين ستجدها أيضا في " الاقتصاد في الاعتقاد " .. حسنا أنا أحبه بجد .. رغم أني لم أقرأ في ترجمته إلا قليلا وكان ذلك من سنوات طويلة .. لكني فعلا مشتاقة للقراءة عنه .. قراءتي للمستصفى جعلتني أشعر أني أعرفه ..كأني أجلس بين يديه وهو يحاضر أمامي محاضرة تأسر عقلي لكنه ذلك الأسر الذي يستفزك للحرية حرية التفكير وحرية النقاش ربما كلمة " الأسر" لا تناسب تماما الحديث عن الإمام الغزالي هو فقط يجعلك تنطلق .. لا يحجر عليك .. كما يفعل أحيانا إمام الحرمين في البرهان .. يناقش قضية ما ويشبعها نقاشا كما يتصور هو ثم يقول إن من لم يقتنع بعد ذلك فذلك لفرط غباوته..
"الإمام" الرازي يفعلها أحيانا يورد اعتراضات المخالفين مفصلة ثم يقول : ما ذكروه تشكيك في الضروري فلا يستحق الجواب॥
لا أملك إلا أن أبتسم حينها ॥ وأدعو لهما .. وأقرر أن أعاتبهما عندما نلتقي .. نعم سأفعل وسيتقبلان ذلك مني دون أن يصمانني بالغباء أعتقد أن الزمن سيجعلهما أكثر رفقا وصبرا ..
الإمام السبكي سمى كتاب " البرهان" لإمام الحرمين لغز الأمة أو كما قال ॥ وأعتقد أن هذه التسمية تصد عن قراءته .. وهو لا يستحق ذلك .. ربما أسلوبه معقد بعض الشيء نسبة إلى أسلوب الإمام الغزالي في المستصفى مثلا .. لكن الكتاب جميل فعلا .. وتعبيرات إمام الحرمين ذكية ورشيقة ، وتفتح آفاقا للفهم لأنها ليست جامدة بل تشعر أن العبارة فيها حركة وصورة .. انظر قوله عن الإجماع المستند إلى الظن : قال إن ذلك لا يمتنع إذا كان " في الجليات التي تبتدرها العقول ابتدار اليقين "
لقد أسكرتني عبارته هذه فعلا ॥ وانظر أيضا إلى كلامه في كتابه " غياث الأمم في التياث الظلم " المسمى ب" الغياثي " يقول إنه لن يحترم نفسه إذا كان فيما يكتبه ترديدا لأقوال السابقين دون إضافة حقيقية بالطبع هو لم يقل العبارة بهذه الألفاظ .. لكني سأنقل لكم عبارته في المدونة القادمة .. لأني تعبت الآن .. ومساؤكم رضا كتبتها في 21/ 9/ 2009

السبت، 20 يونيو 2009

كان جالسا على يميني .. مذكرات أصولية

كان جالسا على يميني .. يكتب ..أختلس إليه النظر فأراه عاقدا حاجبيه عجبا وتأملا وغيظا أحيانا من صولات الإمام الرازي في مبحث الإجماع من "المحصول" ..
يرفع الإمام القرافي عمامته ويردها ثانية في توتر ظاهر॥ أتنحنح فيلتفت إلي بابتسامة فيها الكثير من الرحمة الممتزجة بالوقار ..
أقول له : لا أفهم لماذا يفعل بنا الإمام الرازي هذا ؟ أشعر أني ألهث وأنا أجري وراءه وأتبعه من مبحث إلى مبحث وهو لا يكلف نفسه عناء التوقف ليرحمني من ملاحقته ॥ ويوضح لي ولو بعضا مما غمض علي..
لا تفارقه الابتسامة الطيبة الوقورة وهو يقول مشفقا : إنه " الإمام " يا ابنتي ، فقط التزمي الصبر والأدب وسيفتح الله عليك
॥أتذكر أن الإمام القرافي لا يسمي الإمام الرازي إلا " الإمام " ॥
يلملم أوراقه ॥ ثم يعطيها لي قائلا: هذا هو شرحي لمبحث الإجماع -أردت أن أعطيك نسخة بخط يدي- ادرسيه بتأن ستجدين فيه كلاما مهما .. ماذا تقرئين الآن ؟
قلت : اقرأ كلامك على تعريفات العلم والظن والأمارة । . قال لي: جيد ، بعد دراسة نقدي "لكلام الإمام" راجعي تنقيح الفصول ستكتمل لديك الصورة في المسائل التي تدرسينها॥
قلت : حاضر ॥
قال : تابعي يا ابنتي تابعي ।
رجعت إلى القراءة وابتسامة الإمام القرافي لا تفارقني ॥ الابتسام معد بالمناسبة.. لكنها عدوى جميلة تطيب بها الروح .. ألقي نظرة على الأوراق خطه طيب ووقور كصاحبه। .
" إنه الإمام" تظل عبارة الإمام القرافي عن الإمام الرازي تتردد في ذهني- رغم مرور يومين على حوارنا -كنت أقرأ في المحصول من "اللاب توب"॥
تظهر نافذة من الماسنجر ॥ ( الاسم المستعار) :  " العلم بحر لا ساحل له " ..
يقول لي : أنت أمام خيارين إما أن تستسلمي للمباحث الأصولية وتتقبليها كما هي ॥ وحينها ستخيبين أملي.. وإما أن تعملي فكرك تحليلا وربطا وجمعا ।
لا أراك مخيبة ظني ॥
كنت أقرأ الكلمات وأسمع صداها يتردد في عقلي ॥ صوتها له رنة قوية وواثقة وهادئة ..
أحسست أنه " الإمام" وقبل أن أسأله قال لي نعم يا ابنتي أنا الرازي ॥ لا تخذليني فالجري الذي جعلتك تلهثين بسببه لا أريده أن يضيع هباء ..
سألته : لكن لماذا يا " إمام" هذا التناقض...
لم يرد ॥ رحل فجأة كما ظهر فجأة
॥ هل جاوزت الأدب لما وصفت اختلاف أقواله في المسألة الواحدة تناقضا ؟
كتبت له : أعتذر بصدق عن سوء اختياري للكلمات ॥لم يرد ॥ لقد رحل ॥
لكنه سيعود ॥ أنا واثقة من ذلك ॥ هو يعلم كم أقدره ॥ وكم أنا معجبة بعقله॥
الإمام القرافي سيعود أيضا ॥ أشعر بروحه ترافقني الآن فعلا ॥
أنا فعلا أشعر بالشوق إليهما ... وأتوق إلى مجالستهما ॥
أعدكما لن أكثر الأسئلة .. سأستمع أكثر .. لكني أيضا سأسأل.. فقط لن أكثر الأسئلة .. هذا ما أعدكما به .. كتبتها في 20/ 6/ 2009 .