عرضت تدوينتي ( تأملات عن الحب والدين والزواج ) على صديقة ، فقالت : أعرف كثيرات في مجتمعنا يقدمن على الزواج لأجل العلاقة الخاصة وكفى ॥
قلت لها : وكفى ؟ دون تفكير بما يترتب على الارتباط من مسؤوليات ، وبما يكتنفه من تغيير ، وما يتطلبه من مبادرات ، وخطط ॥ قالت نعم
ذكرني كلام صديقتي بما نص عليه بعض الفقهاء من وجوب الزواج حال خشية الزنا* ، وبالفتاوى التي تحلل الزواج بنية الطلاق ، وهو فيما يحضرني مذهب عامة أهل العلم - انظر تفصيلا حسنا في ذلك هنا -
قلت لها : إن من الخطأ أن نتوقف عند القراءة المجردة للأحكام التي ينص عليها الفقهاء ولا نتنبه إلى السياقات المستقاة من النصوص الفقهية في موضوع الزواج فضلا عن النصوص الشرعية ، ومقاصد الشريعة।
اختصار الزواج في ( العلاقة الجسدية) أراه أمرا كارثيا ، لا سيما في عصرنا المعقد هذا ॥ و (خشية الزنا) لم يعد التغلب عليها معضلة ॥ بل لقد تحدث الفقهاء قديما عن أدوية تخفف من وطأة الشعور الضاغط بالحاجة إلى العلاقة الجسدية لمن ليس لديه الاستعداد المادي للنكاح ।
والسؤال هنا : أليس الاستعداد النفسي والتأهيلي للزواج كعلاقة مقدسة دائمة هو لا يقل أهمية عن الاستعداد المادي ؟
بل إن الحديث حول حرمة العادة السرية قد تجاوزه بعض المفتين اليوم في وعي بطبيعة الضغوطات في عصرنا ..
فصاروا يذكرون ما في المسألة من سعة - كما سمعت من الشيخ سلمان العودة في برنامجه (الحياة كلمة )- أرى أنه يجب أن لا يغيب عنها التأكيد على الأبعاد النفسية المرتبطة بممارسة هذه العادة ، فضلا عن وضع هذه الممارسة في إطارها الصحيح بحيث لا تكون تكريسا لتفكير يكون الجنس هو محوره وغايته.
لن أجنح فأقول إن ( نكاح المتعة ) عند الشيعة الأمامية هو حل قد يكون أكثر نزاهة وعدلا وشجاعة -فالتنصيص على تأقيت الزواج يكون واضحا بلا مواربة -
وذلك إذا أردنا أن نعترف بالحاجات الجسدية بشكل مستقل عن متطلبات الزواج غير المؤقت ، لأن ( نكاح المتعة ) إن لم ينشأ في ظروف ملائمة ، فلا بد من أن مفاسد الإقدام عليه ستكون كارثية في مجتمع يرفضه ، ويعده جريمة شرعية ।
وهذا الرفض المجتمعي مستند إلى مذهب جمهور أهل السنة في عد زواج المتعة حراما يشذ من يعتد به عن الحق ، وينقل بعضهم الإجماع على ذلك ।
الحل السني – أنا هنا أتساءل ولا أقرر- قد يكون بالتصريح بنية الطلاق على أن لا يتضمنها العقد ، فيكون ثمة اتفاق بين الطرفين على تأقيت الزواج -كما هو مذهب الشافعية في الجواز-تجنبا لمفاسد التكتم على النية المبيتة عند الرجل فضلا عن ما في ذلك من غش وخداع ॥
وبقيت هنا فكرتان :
إحداهما : أن الكلام عن حل الزواج بنية الطلاق بالنسبة للرجل دون تحميل الرجل مسؤولية التواصل الصادق مع المرأة وأهلها -وهو ما نقل عن الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله- في كلام يستحق التقدير حقا وستجدونه في هذا الرابط- هو تكريس لتفكير يغيب المرأة كإنسان وكشريك في العلاقة الزوجية مؤقتة كانت أم دائمة।
والثانية : أن الحديث عن وجوب أو استحباب الزواج حال خشية الوقوع في الزنا لا يختص به الرجل ، بل يشمل المرأة أيضا ، أتذكر أني تساءلت مرة لما قرأت هذا الكلام في أحد الكتب الفقهية القديمة ، وهل الزواج بيد المرأة لكي يتحدث الفقهاء عن وجوب أو استحباب الزواج في هذه الحال ، قالت لي شيختي د.شادية كعكي : تتحدث مع أهلها .
وهنا أجد أن المجتمع بحاجة إلى ثقافة جديدة ، ليست فقط على صعيد الحوار الأسري، لكن على صعيد التمسك بجعل الزواج هو خيار يتفرد به الرجل ، ولهذا حديث آخر ، وتأملات أخرى ॥
* الشافعية في معتمدهم نصوا على استحباب الزواج حال التوق إليه وفقدان متطلباته المادية قالوا لأن الأمر مرتبط برضا الزوجة أو وليها ، وهذا تنصيص في محله . ( مغني المحتاج ج3/ص 168)