الخميس، 14 يونيو 2007

شعوذة الأسباب

هذا المصطلح ذكره لي والدي حفظه الله وقال أنه مقابل لطريقة المتواكلين الذين يفهمون التدين على غير وجهه .. ولعلي أعود للحديث عنه

فتاوى الفقه والسياسة صخب بلافهم

المقال أثار عندي جملة من التساؤلات بخصوص طريقة طرحه ومنهجيته ساعود إليها لاحقا بحوله تعالى.. أما كلامه عن رضاع الكبير فأراه جيدا بالنظر إلى كلام العلماء المتقدمين في المسألة ، والرضاع هنا لا يكون بالتقام الثدي كما نص على ذلك الإمام ابن القيم في زاد المعاد بل يوضع الحليب في كأس ، ولا تكشف المراة عن عورتها أمام من لا يحل لها ،وفتوى الدكتور عطية في سياق آخر غير السياق الذي جرى فيه حديث الأستاذ العطار.. غفر الله لنا جميعا وسددنا

http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1181062576274&pagename=Zone-Arabic-Shariah%2FSRALayout

الثلاثاء، 12 يونيو 2007

نشوز الزوج والواجب المهجور

نشرت هذه المقالة لي اليوم في حواء وآدم / إسلام أون لاين، وكنت قد عرضتها على فضيلة المفتي الشيخ علي جمعة حفظه الله فقال عنها وعن غيرها مما عرضت عليه -وسأبينه في حينه -انها مقالات جيدة وأنه سر بها :

" لو جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الزمان ورأى ظلم بعض الأزواج لزوجاتهن فلعله يقول: لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت الزوج أن يسجد لزوجته "

كانت الحرقة تملأ صوت الشيخ أحمد الكبيسي وهو يقول هذا الكلام ، ووجدتني ألوم الشيخ على كلام استفزته إليه مشاعر لا ينبغي أن تحجب عنا قطعيات النصوص في حق الزوج العظيم على زوجته .

قطعيات النصوص ؟ هذا هو ما يظنه طالب العلم المبتدئ الذي يتعامل مع التراث الفقهي تعاملا قاصرا لا ينظر معه إلى سياقات هذا التراث ، ولا يربط بين ما تناثر من جزئياته ، بل ويفصله عن سياقاته الأصولية فضلا عن النفسية والاجتماعية ، ثم هو يقع بعد ذلك بين تطرفين ، إما نبذ هذا التراث بما يحويه من تحقيق وتأصيل ، أو التعامل معه بقداسة لا تفرق بينه وبين النص الأصلي للكتاب والسنة .

بل إن التعامل مع التراث المسطور في كتب الفقه على أنه المصدر الوحيد لفهم الأحكام الشرعية دون ما سواه من كتب التفسير أو شروح الأحاديث هو سبب آخر للجمود الذي ابتليت به الشريعة وهي منه براء.

عود على بدء

التأكيد على النظر في قواعد الشريعة ومقاصدها، هذا هو المعنى الذي فقهته أخيرا من عبارة الشيخ الكبيسي التي قدمت بها . وروح العدل والسماحة هي التي تنبض بها السيرة الشريفة وهي التطبيق العملي الأكمل للقرآن الكريم , ولماذا تصدم كثير منا عبارة الشيخ أحمد الكبيسي إلا لأننا أعملنا حرفية النصوص دون روحها ومقاصدها ؟

نشوز الزوج تأصيلا وواقعا

مما ينبغي التنبيه عليه ما يوجد من ارتباك في التعبير عن حقوق الزوجة تبعا لارتباك مفهوم القوامة الذي ارتبط في حس الكثيرين بالسلطة المطلقة لا الرعاية المسؤولة كما هو التعبير النبوي : (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها) رواه البخاري.

ولنبدأ بتقرير حق الزوج في القوامة ولا بد من التأكيد على أن النصوص الواردة في طاعة الزوجة لزوجها ليست مطلقة ، فقيام الزوج بمقتضيات القوامة المادية والمعنوية شرط مهم ، ثم إنه إن تحقق ذلك كان له على زوجته الطاعة في خصوص حق معين ، وهو أن تكون له الكلمة الأخيرة فيما يختلفان فيه من شؤون تخص مستقبل الأسرة ، مع عدم إغفال حقها في الشورى ، وعدم التعنت من قبله في الاستبداد برأي لمجرد العناد ، إذ المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ومقتضى هذه المسؤولية حقها في مشاركة الرجل إدارته لشؤون الأسرة مع تفرده بحق الفصل فيما اختلف فيه ما دام متحققا بصفات الرجولة ، ومقتضيات القوامة .

إذن لفظ الطاعة هنا لا يعني الخضوع المقهور، بل هو الاستجابة الاختيارية أصالة، وتسليم القيادة في مؤسسة الأسرة لمن هو أصلح لها – حال تحققه بذلك -.

ثم يكون التقرير للحقوق والواجبات متكافئا وفقا لتمايز خصائص الذكورة والأنوثة، بحيث تختلف وظائف المرأة أمومة عن وظائف الرجل قياما بما يشق على المرأة القيام به جمعا بينه وبين وظائف الأمومة.

وكما أن إثبات الحقوق للزوج يقتضي إعطاءها إياه طواعية ، وعن طيب نفس ، فإن حقوق الزوجة ينبغي أن تؤدى طواعية وعن طيب نفس ، وهذا هو مقتضى المعاشرة بالمعروف ، ومقتضى ميثاق الأمان الذي تواثق به الزوجان :قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " اتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله " .

ويلزم من ذلك أن أحد الطرفين ليس له أن يسقط حقا للآخر إلا برضاه ، و يجب أن عليه استئذانه فيما إذا أراد إسقاط حق له .

فمن ذلك حق الخروج من المنزل وهو حق مشترك ، وإن كان نصيب الرجل فيه أرجح نظرا لقوامة الرجل ، ومسؤوليته شرعا عن الإنفاق من جهة ، والإنفاق جزء من مسؤولية القوامة، وكذلك لما تقتضيه طبيعة المرأة من قدرة على الرعاية التربوية للأبناء بما يفوق الرجل فضلا عن مقتضيات السير المتزن للحياة ، من توزيع للمهام بما يلائم طبيعة كل جنس .

بعد هذه التقدمة المهمة نأتي لتأصيل حق المرأة في الخروج لما فيه خير أو فضيلة مادام ذلك لا يضر بمصالح الزوج أو الأسرة ، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" ؟ فيكون في معنى الخروج إلى المسجد ، الخروج إلى كل ما فيه فعل فضيلة أو إقامة سنة ، كما نبه إلى ذلك الإمام ابن عبد البر في التمهيد .

أما حق المرأة في استئذان زوجها لها في الخروج الضار بمصلحتها أو مصلحة الأسرة، فبيان ذلك من جهات :

الجهة الأولى : إثبات أن المعاشرة الزوجية هي حق للزوجين ، وهذا يقتضي أن الزوج ليس له أن يغيب عن المنزل غيابا يخل بحق الزوجة في ذلك إعفافا وسكنا.

الجهة الثانية : العشرة بالمعروف واجبة على الطرفين ، فمن حق الزوجة على زوجها أن لا يتركها وحيدة الساعات الطوال ، وهو ينفق وقته في التلهي مع أصدقائه ، أو حتى حضور مجالس العلم ، إذا كان ذلك سيعطل على الزوجة حقها في الأمن النفسي، واعتدال الحياة ، واستقامتها مع زوجها .

الجهة الثالثة : واجب التربية للأولاد ، هو واجب سيسأل عنه الأب أمام الله عز وجل، إذا ضيعه ، وقول الشافعية أن التربية هي فرض كفاية ، يقتضي سقوط الإثم عن الأبوين إذا قام بالواجب أحدهما ، فإن قامت الأم بما تقدر عليه من هذا الواجب ، وعجزت عن الباقي ، أثم الأب بتفريطه .

والجهة الثالثة لا علاقة مباشرة للزوجة بها إلا من حيث واجبها في النصح والإرشاد للأب المفرّط، وإنما ذكرتها تأكيدا على هذه المسألة التي تغيب عن ذهن بعض الآباء.

فإذا كانت الجهتان الأوليتان تقتضيان حقا للزوجة ، فإن ذلك يلزم منه أن الزوج ليس له أن يسقط هذا الحق إلا برضا الزوجة وإلا كان ظالما لها، والظلم ظلمات يوم القيامة. ويقتضي ذلك أن عليه استئذانها في خروج من المنزل يضر بها ، ويتشاور معها في قدرتها على القيام بواجب تربية الأولاد منفردة حال عدم قيامه به لسبب طارئ ، بحيث يتأكد أنه لن يضيع حق الأولاد الذي سيسأله الله عنه ، وسيحاسبه عليه . فالمسألة هنا إذن تعود في النهاية إلى اتفاق يتم بينهما على كيفية التعامل مع هذا الواجب التربوي.

وإذا كان مثل هذا الكلام يستنبطه أي دارس متخصص من روح الشريعة ومقاصدها بل من سياقات كلام الفقهاء فإن عدم التصريح به فيه ظلم بيّن ليس للمرأة فقط بل للأسرة ككل، بل وظلم لعدالة الشريعة وعمقها وحكمتها.

نشوز الزوج بالغياب المعنوي

ثم إن الغياب عن الزوجة أو الأسرة قد يكون معنويا، كما في الجلوس لساعات طويلة أمام التلفاز أو الكمبيوتر أو مطالعة الكتب مع إهمال حق الزوجة والأولاد.

وقد نهى سلمان الفارسي رضي الله عنه أبا الدرداء رضي الله عنه عن الاستغراق في العبادة ، وتضييع حقوق نفسه وأهله ، فقد روى البخاري في صحيحه ما نصه : ( آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة –أي لابسة ثياب المهنة تاركة للبس ثياب الزينة - فقال لها : ما شأنك ؟ قالت : أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال له : كل ، قال: فإني صائم ، قال : ما أنا بآكل حتى تأكل . قال : فأكل . فلما كان الليل ذهب الدرداء يقوم ، فقال : نم ، فنام ، ثم ذهب يقوم ، فقال : نم . فلما كان من آخر الليل قال سلمان : قم الآن ، فصليا . فقال له سلمان : إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا ، ولأهلك عليك حقا ، فأعط كل ذي حق حقه .فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "صدق سلمان " ) .

وزاد الدار قطني كما نقل الإمام ابن حجر العسقلاني : " فصم وأفطر ، وصل ونم ، وائت أهلك "

فإذا كانت العبادة الخالصة المندوبة ينهى عنها إذا أدت إلى تضييع حق الزوجة فمن باب أولى يكون النهي عن ما سوى ذلك من أمور الدنيا .

والحياة الزوجية أعقد من أن تحدها قوانين لا مرونة فيها ، و عرض أحكامها ليس معتمده الأوحد قوانين الفقه دون نظر في روح هذه القوانين وارتباطها بمقاصد الشريعة وقواعدها ومن ذلك مراعاة تغير ملامح حياة الناس زمانا ومكانا وأحوالا.

و الجمود على ألفاظ معينة عند تناول أحكام الشريعة في العلاقة بين الزوجين ، ظلم للشريعة و عمقها ، إذ لا ينظر إلى هذه الألفاظ نزعا لها عن السياقات التي وردت فيها ، وعن المقاصد الشرعية جملة .

والقوامة حق زائد خص به الرجل تكليفا وتشريفا إن تحقق بشرائطه ، لا ينكر ذلك إلا مكابر للشرع بل وللطبيعة الإنسانية ، لكن هذا الفضل الذي كلِّف به محدود ومشروط بما قدمنا، ولا ينافي حق الزوجة عليه في عشرة بالمعروف توجب لها حقوقها في الشورى وإدارة البيت وما سوى ذلك من حقوق ، وقد سمى القرآن ترفع الزوج عن ذلك نشوزا ( سورة النساء : آية 128)، كما سمى ترفع المرأة عن أداء حق الزوج نشوزا أيضا ، والنشوز يقابله أداء الحق بسماحة وطيب نفس .

و مثل هذه المقابلة، إبرازها وتسليط الضوء عليها لعله مما يحيي واجبات هجرت عند بعض الأزواج، والله عز وجل سيسألهم عنها، كما أرجو أن يكون فقهها مما يعيد للمرأة المسلمة توازنها في المطالبة بحقوقها دون إجحاف بأوامر ربها، وحقوق الأسرة ككل. ولابد لنا حقا من مراجعة لتراثنا الفقهي ، وطريقة تعاملنا معه ، واستخدامنا لمفرداته ، أو استفاداتنا من كنوزه . و الله الموفق.

http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1181062629076&pagename=Zone-Arabic-AdamEve%2FAEALayout

الحجاب وبثينة كامل من تاني

وحشني التدوين بجد ، أفكار تزورني وتلح علي لأسطرها تدوينا فلا يسعفني الوقت ، من ذلك فكرة : المعلوم من الدين بالضرورة هل يعد ثابتا ، أم هو نسبي باختلاف الأشخاص والأحوال ، ألا يعذر أهل البادية والجبال بجهلهم في أحكام الدين ، وأليس مثل هؤلاء بعض المثقفين الذين تراكمت على عقولهم الشبهات ، واختلطت عليهم الاحكام ، ومنهم الشباب المتخبط في اندفاعات عمره ، وما يرد على حمى الدين من أفكار ملتبسة فتراه ينكر ما هو مفروض قطعا بشبهة تمكنت من عقله ، ولبست عليه فهمه ، هؤلاء هل نسل سيوفنا عليهم إقصاء وحربا أم نجتهد في تأصيل ما نعلم أنه حق من ديننا ونقارع شبهاتهم بجلي العلم وراسخه ؟ وهل نسوي بين هؤلاء وبين من سب الدين وقدح في الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لعل هذه قسمة غير منصفة ، وقد تكون دعوة هؤلاء واجبة باللغة التي يفهمونها ، وليس الطريق هو التكفير أو التشنيع عليهم .. وهذه المسالة تختلف أيضا عن قضية الردة ، وكون المسلم ليس له أن يجهر بالكفر ، لأن ذلك حال معرفة كون كلامه كفرا ، من أين جئت بهذا الضابط لا أعلم هذه أفكار تتداعى وتحتاج إلى مراجعة .. أثار هذه الأفكار كلامي عن الإعلامية بثينة كامل وعدها الحجاب من سلوكيات التمييز السلبي في المقالة التي نقل عنها فضيلة المفتي علي حمعة ( فقه المخالطة بين الرياض وجدة )، ووجدتني أتأمل ثانية في حديثي عن نفسية الإقصاء ، وهل يستقيم كلامي ذلك مع من أنكرفرضا معلوما من الدين بالضرورة ، لكني وجدتني أتأمل ثانية هل هو معلوم من الدين بالضرورة حقا في عصر الشبهات الذي نحياه ..وكما قلت آنفا سطوري هذه مراجعة فكرية لم أستقر فيها على رأي وتحتاج مني إلى عرض على عالم ثقة وبحث للمسألةلكني لم أشا أن أضيع إثباتها .. سأتوقف هنا فالنوم يداهمني وإلى لقاء قريب بحوله تعالى

السبت، 9 يونيو 2007

معادلات الفقر والغنى

نشرت مقالة ( معادلات الفقر والغنى ) في جريدة الوطن السعودية في يوم الخميس 12/ 4/ 2007م، للكاتب السعودي محمد حسن علوان ، وقد أضافت إلي عمقا وفهما إنسانيا.وهذا رابطها :

http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=2386&id=70&Rname=27

"قبل سنتين تقريباً، نشرت مجلة الإيكونمست قصة (الرجل الجبلي والجراح) التي أثارت الكثير من الأسئلة الحيوية آنذاك حول نسبية الفقر والغنى. القصة ليست إلا مقارنة واقعية بين رجلين، الأول أمريكي في الستين من عمره، يسكن في مقطورة شحن على سفح جبال ألاباتشين في ولاية كنتاكي الأمريكية، عاطل عن العمل، ويعتاش على مبلغ 521 دولاراً تصرفه الحكومة شهرياً لكبار السن كنوع من الإعانة الاجتماعية، ولا يوجد لديه أي مصدر دخل آخر. وفي الجهة الأخرى من العالم، يقيم الرجل الثاني، وهو جرّاح متخصص، ومشهور، ويرأس قسم الطوارئ في مستشفى حكومي في كانشاسا، عاصمة الكونغو، ورغم خبرته الجراحية التي تجاوزت الثمانية والعشرين عاماً، فهو يتقاضى مرتباً شهرياً يساوي 250 دولاراً فقط، يرفده ببضع مئات أخرى من العمل الإضافي، ولا أكثر! بقية القصة تتناول الحياة اليومية للرجلين، في محاولة للإحاطة بكل الظروف التي يعيشها كل منهما، واستنطاق مستوى التذمر المحتمل حول وضعيهما. كل هذه الأسئلة، حسب محرر المقال، تهدف إلى معرفة أيهما أفضل: أن تعيش فقيراً في بلد غني، أو غنياً في بلد فقير، فكما قد يتراءى لوهلة أن الثانية توفر حياة أفضل بالطبع بسبب رخص تكاليف المعيشة، إلا أن اعتبارات أخرى يجب أن تؤخذ في الاعتبار، اجتماعية وسياسية، فالجراح الكونغوي يعول 12 فرداً من الأسرة، وهو حامل الخبز الوحيد لهم، بينما لا يعول الجبلي الأمريكي إلا نفسه. كما أن الكونغو بلد متقلب سياسياً، ويعاني من حرب أهلية بين الميليشيات المتناحرة على مناجم الماس والذهب، وبالتالي فإن التخطيط المالي لدى الدكتور الكونغوي يعتبر عملاً شاقاً، فالراتب الذي يتقاضاه اليوم، قد لا يتقاضاه غداً، في بلد يتغير فيه السياسيون كل يوم، حسب المزاج الانقلابي للجيش، بينما سيظل الجبلي الأمريكي مستيقناً أن شيكه الشهري يصله في موعده المحدد، لا ينقص سنتاً واحداً، وحتى لو عانى الاقتصاد من حالة تضخم ما، فسيتم أخذ ذلك في الاعتبار. باختصار، هناك الآلاف ممن يقتصر عملهم اليومي على الاهتمام (بالفقراء) في أمريكا، بينما حتى (الأغنياء) في الكونغو لا يستطيعون ضمان وصول الخدمات الأساسية لبيوتهم، كالماء والكهرباء، فأسرة الجراح الكونغوي تجلب الماء في الجرار من البئر، وتستمتع بالكهرباء مرتين في الأسبوع فقط، ولا يحلمون باقتناء جهاز تكييف صغير في بلد إفريقي حار، بينما يقتني ثلاثة أرباع "الفقراء" في أمريكا أجهزة تكييف في بيوتهم! وبما أن الأمر يتعلق بالسعادة والرضا الذاتيين، فكيف ترى الجراح الكونغوي يشعر وهو يتقاضى 250 دولاراً في الشهر، يحسده عليها 99% من بقية الشعب الكونغوي ممن يضطرون للأكل مما يزرعونه حول بيوتهم فقط. أتراه يشعر بأنه محظوظ وسعيد؟ ولكن ماذا لو خطر بباله أن يتصور فقط ما يتقاضاه الجراحون في دول أخرى؟ كم يبدو راتبه مضحكاً عندما يقارنه بهم، رغم أنه يحمل نفس المؤهلات والمهارات، بل ربما فاقهم في عدد العمليات الجراحية التي يجريها في بلد مبتلى بالحروب، والفرق الوحيد أنه موجود في مكان ما، وهم في أماكن أخرى! هذا الجراح، وهو الغني نسبياً في بلده، يوفر لأسرته وجبة لحم مرتين في الشهر، ويعد ذلك ترفاً كبيراً، بينما يتناول الفقير الأمريكي ضعف ما يوصي به الأطباء من البروتين، حيث إن الطبقة الفقيرة في أمريكا، هي الأكثر سمنة بين بقية الطبقات الأخرى! في أوروبا، تستخدم أغلب الدول معايير نسبية لقياس الفقر متعلقة بمعدل دخل الفرد، فالأسرة الفقيرة هي التي يقل دخلها عن نصف معدل دخل الفرد، وهذا مقياس مضلل أحياناً، إذ إنه عندما تزداد الدولة ثراءً، يزداد بذلك عدد الفقراء، ولذلك يستخدم الأمريكيون مقياساً مختلفاً، إذ يقومون بحساب تكلفة الطعام الكافي للأسرة، ومضاعفته ثلاث مرات، واعتباره خطاً للفقر. وتتم مراعاة التضخم السنوي بالطبع، ورغم هذا المقياس الذي يبدو واقعياً ومنطقياً، إلا أن عدد الفقراء ارتفع في السنوات الثلاثين الأخيرة بنسبة 10% تقريباً، ويبرر الباحثون هذه الزيادة في عدد الفقراء بكونها زيادة كمية، وليست نوعية. فعدد الفقراء يزداد بالطبع، والفقراء يظلون فقراء، ولكن حالة الفقراء نفسها تتحسن، ويحصلون على ميزات أكثر، وتزداد معدلات أعمارهم، ويسكنون في بيوت، وبعضهم يملك سيارات، ولديه أدوات منزلية مرفهة. معادلات الفقر والغنى صارت أكثر تعقيداً بازدياد تعقيد النظم الاقتصادية، كيف يمكن تعريف الفقير؟ وكيف يختلف هذا التعريف، بل يتباين تبايناً هائلاً أحياناً، بين دولة وأخرى؟ ففي حين أن الفقراء في الكونغو يشتكون من ارتفاع أسعار الخبز، يتذمر الفقراء في أمريكا من ارتفاع أسعار التأمين على سياراتهم! وكلهم (فقراء!)، وهذا يجعل من المؤكد أن الحياة فقيراً في بلد غني، أفضل بكثير من الحياة غنياً في بلد فقير، على الأقل فإن شبحي الجوع والمرض غائبان عن قائمة مخاوف الفقراء في أمريكا تماماً، بينما يظلان الكابوسين اليوميين لفقراء الكونغو. هذا ما يقوله المقياس الاقتصادي بالطبع، ولكن ماذا يقول المقياس السوسيولوجي هنا؟ إن الفقر في أمريكا يظل وصمة اجتماعية معيبة، والحياة التي يعيشها الجبلي الأمريكي في القصة أول المقال ليست سعيدة جداً، رغم توفر حاجاته الأساسية مجاناً، لأنه موصوم بالفشل في كل الأحوال، ومن أغلب فئات مجتمعه، وهذا عامل مؤثر جداً في سعادته النسبية. بينما الفقير في الكونغو لا يشعر بأي عار وهو يعيش في كوخ من القش، لأن جميع من حوله يعيشون في أكواخ شبيهة، وهذه منطقة أمان اجتماعية تضع بعض الحواجز أمام حضور التعاسة، بينما تحوم هذه التعاسة فوق رأس الفقير الأمريكي بمجرد خروجه في نزهة قصيرة وسط المدينة، ليرى بنفسه كل ما هو محروم منه. إن الأميال، والمقاييس الطولية الأخرى، هي وحدها التي صارت تقرر كيف يعيش البشر في النقطة (أ)، وكيف يعيش البشر في النقطة (ب)، رغم أنهم جميعاً بشر، ورغم أن النقطتين كلتيهما على سطح كوكب واحد!، كم هذا غريب ومنفر. ولكن الشواهد صارت من الكثرة بحيث تعودنا عليها، فلم تعد كما هي في الأصل، غريبة ومنفرة، ولعل هذه الدراسة الأمريكية الإفريقية لا تختلف نتائجها كثيراً لو أنها تناولت واحدة من دول الخليج في الطرف الغني، عندما يتقاضى الجندي في السعودية أكثر مما يتقاضاه اللواء في بعض الدول العربية الأخرى، وفي كوبا، تأكل الحرة بثدييها وبقية جسدها حفنة دولارات ينفقها طفل أوروبي في مطعم المدرسة، وعلى الحدود الأمريكية المكسيكية في كاليفورنيا يمكنك أن تتناول العشاء على الجانب الأمريكي، ثم تتجاوز الحدود إلى المكسيك لتعيش شهراً كاملاً، تتناول فيه ثلاثين عشاء، بنفس المبلغ الذي دفعته للعشاء الأمريكي ذاك. يعيش العالم هذه التناقضات الاقتصادية الهائلة بشكل يومي، ثم يتساءل عن أسباب انتشار الجريمة المنظمة، وتجارة البشر، والرق الجنسي، وكثرة الميليشيات العسكرية في الدول الفقيرة، وتهريب المخدرات في الأحشاء، وكيف يتعلق شابٌ بنغالي بعجلات طائرة متجهة إلى السعودية، ليصل إليها جثة زرقاء متجمدة!

الخميس، 7 يونيو 2007

هوى

(سيروا إلى الله عرجا ومكاسير )سمعت هذه العبارة لأول مرة من أستاذ مادة (السلوك) في الجامعة : زين بن عقيل ، جزاه الله خيرا، ولا زلت أتذكرها كلما غالبتني نفسي فغلبتني ، وكلما تثلم عهد حبي لربي ، ولم أتحقق بمعنى البيت الذي نسب إلى الإمام الشافعي:

أصون ودادي أن يدنسه الهوى / وأحفظ عهد الحب أن يتثلما

مساحات الحلال واسعة ، لكن سعتها ليست لأجل أن يترك الإنسان نفسه ترعى في مراعيها دون قيادة ، وضبط ، لأنه لو تركها سائمة لم تلبث أن تأنف من الانقياد ، فتقود صاحبها بدل أن يقودها ، فتفسد عليه صفاء قلبه ، و أنسه بربه ، وتحققه باسم الله العلي ، فلا يكون حاله العلو عن الشهوات بل غارقا فيها، وسقم فهمه يجد له مسوغا في أنه إنما يتحرك في مساحات الحل ، وليس يفقه أن هذه المساحات منها ما يحبه الله ، ومنها ما يبغضه ، وأن النهج القويم هو في ترك ما لا بأس فيه خشية ما فيه بأس ، هذا الضابط أراه ضابطا خاصا جدا ، يأخذ كل امرىء منه بحسب ما يصلح به حاله مع ربه ، ويكون فيه مالكا لأمر نفسه ، فالأعرابي الذي ذكر لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيقتصر على الواجب ، ويجتنب الحرام ، قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلح إن صدق . ولكأن الاقتصار على الواجبات وترك المحرمات مما يشق على المرء إن لم يستعن على ذلك بترك المكروهات، وفعل المندوبات ، لتتعود نفسه أن تقاد فيسهل عليه ردها إلى الواجب ، وكفها عن الحرام .

ومع ذلك فلو غلبت الإنسان نفسه ، ولا بد لها من أن تغلبه أحيانا : (وسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ{133} الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{134} وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{135} أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ{136})

فحينئذ عليه أن لا يسمح لليأس أو الإحباط أن يتملكه ، لأنه- كما نبه ابن عطاء في حكمه - ليس الذي يقربه العمل الصالح ، وتبعده المعصية ، بل الله هو الذي يقربه حقيقة ، لأنه هو الذي يتقبل صالح العمل ، ويعاقب على سيئه ، وهو الذي وفقه لصالح العمل بكرمه تعالى ، فلا يجعل أعماله صلحت أو فسدت تحجبه عن الله عز وجل ، ولا يلتفت إليها بقلبه ، بل تكن وجهته إلى الله عز وجل ، طمعا في رحمته ، وتوفيقه إياه إلى التوبة ، وقبولها منه ، فيسير إلى الله عز وجل وإن اختلط قلبه ، وتعثر في ضعف نفسه ، و يفرّح نفسه بالله ، فرحا يجعله يقبل إقبال الطائعين ، ويجاهد نفسه مجاهدة المحسنين ، والله المستعان . فلنسر إلى الله عرجا ومكاسير .

الأربعاء، 6 يونيو 2007

في بيان معنى الظلم

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في تهذيب مدارج السالكين :

" ومنشأ جميع الأخلاق السافلة ، وبناؤها على أربعة أركان : الجهل والظلم والشهوة والغضب.

فالجهل : يريه الحسن في صورة القبيح ، والقبيح في صورة الحسن ، والكمال نقصا والنقص كمالا .

والظلم : يحمله على وضع الشيء في غير موضعه ، فيغضب في موضع الرضا ، ويرضى في موضع الغضب ، ويجهل في موضع الأناة ، ويبخل في موضع البذل، ويبذل في موضع البخل ، ويحجم في موضع الإقدام ، ويقدم في موضع الإحجام ، ويلين في موضع الشدة ، ويشتد في موضع اللين ، ويتواضع في موضع العزة ، ويتكبر في موضع التواضع .

والشهوة : تحمله على الحرص والشح والبخل ، وعدم العفة والنهمة والجشع ، والذل ، والدناءات كلها .

والغضب : يحمله على الكبر والحقد والحسد ، والعدوان والسفه . "

استوقفني بيان الإمام ابن القيم لمعنى ( الظلم ) ، وهو كلام عميق ، وإدراكه مما يخفى . نسأل الله البصيرة والسداد والقبول .

الاثنين، 4 يونيو 2007

مع ناشطة فلسطينية

هذا رابط حوار جيد أجرته ا لصديقة العزيزة ولاء الشملول مع الناشطة الفلسطينية زينات الشاويش ، وقد وقفت عنده لأمور منها أن عمر الأستاذة ( زينات الشاويش ) كعمري،وكلامها فيه أصالة ، وإنجازاتها لبلدها تستحق الاحترام ، هي نموذج أسال الله أن ينفع به ، وأن يثبتها ويسددها ويتقبل منها، وأن يحققني بأن أكون من أهل السبق في الدراين .

http://lahaonline.com/index.php?option=content&task=view§ionid=1&id=12157

بعد 33 عاما

بعد 33 عاما ..

فقهت أن هناك أناسا تزداد بهم نقاوة ، وهناك آخرين تتغبش معهم رؤيتك ، وتفقد روحك أصالتها ، إلى هؤلاء وأولئك ، أقول شكرا ، فلو لم أعرف الكدر ما أدركت قيمة الصفاء.

بعد 33 عاما ..

فقهت أن تقرير الحقوق قد يخالطه العقوق إن لم يتنبه المرء إلى معاني الإحسان والفضل والسماحة ، يتنبه إلى تذكيتها في روحه ، لينبض بها كلامه ، فينتفع به الناس ، وأن الحق قد يتنازل عنه لأجل قيم نبيلة تستقيم بها الحياة ، وتطيب بها النفس ، ثم يجد الإنسان نفسه قد حصل حقه ، وحفظ وده مع من لهم عليه حق البر والرحمة .

بعد 33 عاما ..

فقهت أن العرف قد يضبط أمورا شرعية ، ويكون في هذا الضبط صلاح الدين والدنيا، وأن القيود التي قد نكرهها بادي الرأي ، هي الحصن الذي يحمي مجتمعنا من الجفاف القيمي والروحي .

بعد 33 عاما

فقهت أن موقفي من السلفية كان فيه كثيرا من التطرف المضاد ، وكنت أعمم حيث لا يصلح التعميم ، وأن هذا المنهج يستحق الوقوف عنده نظرا وتأملا ، وأن لا نخلط بين الممارسات وأصل المنهج ، وهذا النظر الرفيق ربما يسهم في رفع الجفاء بين السلفية وغيرهم.

بعد 33 عاما

فقهت أن فوضى طرح الأحكام الفقهية دون ضبط قد يؤدي إلى فساد الدين والدنيا . وأن قضية الاجتهاد المعتبر وضبطه لا ينبغي التهاون في النظر فيها .

بعد 33 عاما

فقهت أن هناك أمورا عقدية وفقهية لا ينبغي التفريط فيها ، وأن تفريطنا قد يؤدي بنا إلى التمييع وكدر الفهم .

بعد 33 عاما

فقهت أن الصالحين الذين يضبطون أمورهم بالعزيمة في القول والفعل تحديدا لا في الشعائر الظاهرة فقط ، هؤلاء تصلح بهم حياة من عرفهم ، ويستقيم بهم دينه ، ويكونون بحالهم لا مقالهم سببا في ارتباطه بالمولى عز وجل دون سواه .

بعد 33 عاما

فقهت أن بر من يحبونك ويقدرونك بعمق ، مما لا ينبغي التفريط فيه ، ومهما عظمت الضغوط .

بعد 33 عاما

فقهت أن لا أنبهر بالمظهر مهما لمع ، وأن الكلام الرائع لا يعني أبدا أن صاحبه كذلك ، والأفعال وحدها هي التي تنبئ عن الإنسان .فالحكمة هي التأني في الحكم .

بعد 33 عاما

فقهت أننا نتحمل مسؤولية تصرفات الآخرين تجاهنا ، وفقا لطريقة تعاملنا معهم ، وأن الوقوع في شرك رثاء النفس قد يجعلنا ظالمين لأنفسنا وغيرنا .

بعد 33 عاما

فقهت أن الخير إن لم نتحصل عليه خالصا فلا نطلبه عند المخلطين ، الذين نشعر أن تواصلنا معهم سيجعلنا في حالة تبرير دائمة لتصرفاتهم أو لتسامحنا مع تخليطهم. و من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه .

جزى الله خيرا كل من علمني ، وغفر لي التقصير ، وأصلح حالي ظاهرا وباطنا ، ومن يقرأ هذه السطور ، وأكرمنا جميعا في عفو وعافية ، وكل سنة وأنا طيبة .

سطوري في فقه المخالطة في مقالة فضيلة المفتي في الأهرام اليوم

في مكتبه بدار الإفتاء، طرحت عليه تساؤلات كثيرة، سمعها مني بصبر وتؤدة وسعة صدر، وكان كلامي إليه يحمل ما يموج في عقلي من تساؤلات في قضايا تحتاج إلى تحقيق علمي، وبيان، هدوؤه جعلني أهدأ، وجعل الطمأنينة تسلل إلى عقلي.

لم يجب عن جميع تساؤلاتي ، لكن شيئا ما أشرق في عقلي وقلبي معا ، وآفاق فهم عميق بدأت تتبدى لي ، وتعطيني إشارات السكينة الفكرية .

كنت قد حرصت أن أرسل إليه بمقالاتي ليجيزها، وقد فعل، فلما قابلته، كان أول ما قاله لي: أنت لم تخرجي عن الموروث، وتقفين عنده دوما. فقلت له : الخروج عن الموروث يا شيخي له أدواته ، ولست أمتلكها. أوصاني بدراسة التاريخ ، وعلم الاجتماع ، وقراءة ميزان الشعراني وغيره .

وبعد لقائنا هذا تواصلت مع سكرتيره العلمي الأستاذ الفاضل محمد مصطفى ، و الذي كان لا يبخل علي بمناقشة علمية عندما تشكل علي مسألة في تحضيري لدرس الأربعاء وأحتاج إلى عقلية فقهية جيدة تناقشني، جزاه الله خيرا ، وكان أستاذ محمد ينقل إلى فضيلة المفتي المقالات التي أطلب منه أن يجيزني فيها قبل نشرها ، أو اطلب منه قراءتها بعد نشرها، و الحمد لله فقد أجازني في ما نشر ، وما سوف ينشر بحوله تعالى مما كتبته إلى الآن . وسأبين ذلك في حينه إن شاء الله.

ثم إن فضيلة المفتي نقل مشكورا في مقالته في الأهرام اليوم ، جزءا من المقالة التي نشرتها في إسلام أون لاين بعنوان : " في فقه المخالطة بين الرياض وجدة "، وأثنى ضمنا على الكاتبة – أسأل الله السداد والقبول -، وهذا دعم من عالم قدير، بارك الله فيه ، ورزقه وإياي صلاح الحال ظاهرا وباطنا مع الرضا والعافية .

فضيلة المفتي لم يشر إلى أن المقالة نشرت في إسلام أون لاين ، والتقصير في هذا مني ، لأني لم أذكر ذلك له في المقالة التي أرسلتها ، إذ لم يخطر ببالي أنه سينقل عنها ، وقد أرسلت إليه أبين له ذلك ، وهذا حق إسلام أون لاين الذين نشروا المقال .

وأنقل هنا مقالة فضيلة المفتي وهي بعنوان : رسالة في أدب الخلاف .

" قام بدولة الكويت منذ فترة المركز العالمي للوسطية‏,‏ والذي تولي أمانته العامة الأستاذ الدكتور عصام البشير وزير الأوقاف السوداني السابق‏,‏ وهو من المفكرين العلماء الذين لهم باع كبير‏,‏ وقبول عام في العالم الإسلامي كله‏,‏ جمع بين الأصالة والمعاصرة‏,‏ وبين الفكر المستنير‏,‏ والعلم الملتزم‏,‏ دعا إلي مؤتمر حول الإفتاء تحت عنوان منهجية الإفتاء في عالم مفتوح والذي عقد بدولة الكويت في الفترة من‏26‏ إلي‏28‏ مايو‏,‏ وحضره كثير من المفتين‏,‏ والعلماء‏,‏ والمتخصصين‏,‏ والباحثين‏,‏ قدم فيه أكثر من عشرين بحثا تناولت الإفتاء‏,‏ ومنهاجه‏,‏ ومشكلاته مع ظهور الفضائيات وتصدر غير المتخصصين‏,‏ ومدي مؤسسة الفتوى في العالم الإسلامي‏,‏ ودور الفتوى الاجتماعي‏,‏ وغير ذلك كثير‏.‏ ولقد نجح هذا المؤتمر‏,‏ حيث حضره ممثلون من كل المذاهب الإسلامية المتبعة في عالمنا اليوم‏,‏ وتم النقاش بينهم بأسلوب هادئ‏,‏ وقلب مفتوح‏,‏ ما كنا نتصور مثله‏,‏ منذ خمسين عاما‏,‏ بل أقل من ذلك بكثير‏.‏ لقد بدأنا نستوعب أدب الخلاف‏,‏ ونطبقه كقيمة عملية‏,‏ وهو ما نتمناه في معالجة المسائل الدينية خاصة تلك المعروضة علي الرأي العام‏,‏ والالتزام بميثاق شرف‏,‏ يلتزم فيه الكاتب في مناقشته أو نقده بالأدب العالي‏,‏ لا بالإسفاف بالحديث‏,‏ وهذه قيمة إسلامية نراها في قوله صلي الله عليه وسلم‏:‏ إن الله عز وجل يحب معالي الأمور ويكره سفسافها‏[‏ رواه الطبراني في الأوسط والكبير‏]‏ ومن الخلق النبوي الشريف أنه لم يكن سبابا ولا لعانا ولا فاحشا ولابذيئا‏,‏ ونهانا الله عن السخرية لأنها لاتؤدي ولاتضيف إلى شيء ملموس وتغبش علي الناس الحقائق فقال‏:(‏ياأيها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولانساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن ولاتلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون‏)[‏ الحجرات‏:11]

ولقد تلقيت رسالة من إحدي الباحثات وهي الأستاذة صفية الجفري من المملكة العربية السعودية‏,‏ التي تحمل هما في قلبها للحالة الثقافية التي نعيشها‏,‏ قالت في هذه الرسالة التي هي بعينها قد نشرت من قبل بصورة مختلفة‏,‏ حيث قالت وقد كنت كتبت في العربية نت مقالا حملته تساؤلات عن تفصيلة صغيرة في‏[‏ فقه المخالطة‏]‏ كيف يتواصل المسلم الملتزم مع المرأة غير المتحجبة‏,‏ وقد يسر الله لي أن أحمل تفصيلتي الصغيرة هذه مع تفاصيل أخري إلي فضيلة المفتي الشيخ علي جمعة في مكتبه في دار الإفتاء‏,‏ قبل شهر تقريبا‏,‏ قلت لفضيلته‏:‏ أليس غض البصر هو لأجل حق الطرف الآخر‏,‏ فإذا أسقط الطرف الآخر حقه‏,‏ جاز النظر ما لم يكن بشهوة‏,‏ وذكرت له نص ابن عابدين الحنفي‏,‏ وما جاء في الفقه الجعفري‏,‏ من عدم حرمة النظر إذا لم تكن شهوة أو فتنة‏,‏ قال لي‏:‏ هذا الفهم هو جوهر ما عليه جماهير الفقهاء‏.‏ وذكر لي أنه قد تكلم في هذه المسألة في درس له قبل مدة وجيزة‏.‏ كيف نتواصل مع من يخالفنا فكرا لا سلوكا فقط‏,‏ هذا فقه لم نتعلمه بعد مجتمعيا‏,‏ كنت أكتب في موقع‏(‏ مجانين‏)‏ للصحة النفسية وهو ذو توجه إسلامي‏,‏ وإذا بي أفاجأ ذات يوم بمقالة منشورة في الموقع للأستاذة بثينة كامل الإعلامية المعروفة‏,‏ تذهب فيها إلي أن الحجاب مظهر من مظاهر التمييز السلبي‏,‏ فاجأتني المقالة وكدت اتصل بصاحب الموقع ومشرفه الدكتور وائل أبوهندي أعاتبه على نشر هذه المقالة التي تهاجم الحجاب‏,‏ ثم توقفت متأملة إلي نفسية الإقصاء التي توجه عقلي‏,‏ عندها بدأت في كتابة تعليق علي كلامها وحوار وصفته صديقتي الكاتبة‏(‏ داليا يوسف‏)‏ بالهادئ‏,‏ وتعجبت من هذا الهدوء‏,‏ أذكر أني قلت لداليا‏:‏ لم نتعود علي حوار المخالفين‏,‏ لاسيما في قطعيات الدين‏,‏ نحن نحتاج فعلا إلي تعلم ذلك‏,‏ ولست أدري فعلا إن كان هدوئي هذا هو الصواب‏,‏ لكن لماذا نتشنج ونحن نعرض ما نعتقد أنه حق‏,‏ ولعل مثل هذا الهدوء يكون أكثر نفعا من مقالة حادة‏.‏

قد سررت بهذا المؤتمر‏,‏ وبهذه الروح التي أراها في الشباب الذي نأمل فيه‏,‏ وهذه العقلية التي دعونا إليها‏,‏ وبدأت في الظهور عند أولادنا وبناتنا‏,‏ لقد يئسنا من أن يصل صوتنا إلي المثقفين الكبار‏,‏ فكثير منهم إلا من رحم ربي قد تكلس داخل ذاته‏,‏ ونسي أدب الخلاف وحرية الرأي‏,‏ وجلس يوزع الاتهامات يمنة ويسارا‏.‏ شكرا للمركز العالمي للوسطية‏,‏ وشكرا للباحثة صفية الجفري‏,‏ وندعو الله سبحانه وتعالى أن يغير الحال إلى أحسن حال‏.‏

ورابط المقالة في الأهرام هو :

http://www.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=writ6.htm&DID=9237