الخميس، 29 مارس 2007

أما قبل

حسنا هذا الاسم الذي أراه مبتكرا ليس لي بل هو اقتباس من إيميل وردني ، (أما قبل)، اشتراط مهم يقف العقل معه وقفات قبل الخوض في علاقة إنسانية جديدة .

أسامة أنور عكاشة في زيزينيا قال على لسان أحد أبطاله : الجرح بدري بيلم بدري ، وابن حزم في طوق الحمامة يحكي عن سلوك العقلاء تجاه ما قد يراودهم من مشاعر الحب نحو من يعلمون أنهم لن يصلوا إليه ، كيف أنهم يقطعون على أنفسهم بداية مسالك التعلق ، ولا يتركون لمشاعرهم العنان ، فتقيدهم بعد ذلك بقيود الألم والضنى ، وكذا يقال فيمن علم أن من تحرك قلبه نحوه لا يلائمه طباعا وسلوكا ، فلا ينبغي أن يحرم عواطفه الوليدة حينئذ من حفاوة العقل بها ، حفاوة تقيها من قسوة انكسارات الأمل قبل جراح الألم .

وفي ذكرى المولد النبوي الشريف تتجدد معاني الحب الحقيقي في طورين مهمين من حياة الإنسان ، طور النضج ، وطور الشباب الغض ، ورسول الله في حبه الأول للسيدة خديجة كان شابا ، وكانت علاقته بها حبا وتقديرا على كمالها وهي في مرحلة عمرية متقدمة، وهذا الكمال نجده متألقا بوهج الشباب في علاقة رسول الله مع السيدة عائشة وهي في مرحلة عمرية متأخرة عنه كثيرا ، فتعلمنا السيرة الشريفة أدبيات الحب الذي تسكن به النفس حقا ، سكنا تتألق به ، ولا تزيده العوارض إلا إشراقا وتمكينا .

وقبل كل علاقة إنسانية جديدة تكون دراسة السيرة من هذه الزاوية جد مهمة ، من حيث رصد وتحليل مواقف النبي العظيم صلى الله عليه وسلم مع السيدتين خديجة وعائشة رضي الله عنهما، ورصد مواقفهما وتحليلها ، وقد نالا المرتبة العالية عند الله عز وجل ، ما هو ناتج ذلك ؟ لعلي أكتب عنه يوما .

إشراقة : اللهم صل على سيدنا محمد صلاة يكون من بركاتها صلاح الحال ، ومن نفحاتها حسن المآل ، وأن نرقى بها في معارج التقى والكمال في عافية .

الأربعاء، 21 مارس 2007

تعدد

أذكر أن الجامعة التي كنت أدرس فيها قد استضافت إحدى الداعيات لتتحدث عن التعدد في الإسلام وحكمته .. وكان مما قالته: إن من يتزوج زوجها عليها فتطلب الطلاق أو تعترض على فعله ، وتتغير عليه بسبب ذلك ، فهي تعترض على حكم الله في تشريع التعدد مما يعد خروجا على الدين ، وسخطا مستلزما للكفر ..

قلت لها يومها .. لا بد أن نفرق بين ما هو سخط واعتراض على حكم الله أصالة .. وبين عدم قبول وضع خاص لا ترتضيه لنفسها ..نعم نقول لمن ابتليت بمثل ذلك فلتصبري وتحتسبي ولك الأجر الجزيل، والصبر لا يعني عدم التألم ولا تنقضه فلتات الضعف البشري من غيرة وتنغيص مادمت لا تعترضين على ابتلاء الله لك ، وإن قدرت على مقام الرضا ففي ذلك خير كثير .. أما أن نتوعدها بالويل والثبور إن لم تقبل بل إن لم ترضى فهذا ليس من الدين في شيء .. وكلامك عن وجوب الرضا الكامل لكل من تزوج زوجها عليها لا يتسق مع ملائمة أحكام الشريعة لطبيعة البشر .. ولو كان الأمر كما ذكرتِ لما كان للزوجة –وفقا لمذهب الحنابلة – أن تشترط أن لا يتزوج زوجها عليها ، وتعطى بموجب ذلك حقا في فسخ الزواج إن لم يلتزم بالشرط ..

( وأزيد اليوم : "بل إن القول بأن الكمال هو في البقاء مع الزوج فيه نوع إطلاق ، فقد يكون الكمال في الانفصال عن الزوج إن علمت الزوجة أن بقاءها معه سيجرها إلى نوع ظلم لنفسها أو للزوج أو لضرتها . أو علمت أنه سينالها من الظلم ما سيذلها ويهينها ولا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه والصبر هنا قد لا يكون فضيلة مع إمكان رفع الظلم ..

المسألة إنسانيا وتبعا لذلك فقهيا شديدة التعقيد واختزالها في أحكام مطلقة سطحية الدين منها براء . ناهيك عن أن الشافعية والحنابلة جعلوا إقدام الزوج على الزواج بأخرى غير مستحب لأنه يضيف على نفسه حقوقا قد لا يستطيع أداءها ، بل قد يكون محرما إذا علم عجزه عن أداء الحقوق الواجبة عليه ، هذا فقه مغيب للأسف ، في خضم تضخيم حقوق الرجل دون التأكيد على ما يقابلها من مسؤولية ثقيلة أمام الله عز وجل ." )

لم يعجبها ما قلت .. وقالت بإصرار: لا تقولي مثل هذا الكلام فأنت تجرئين الناس على شرع الله !

وعجبي !!!

الأحد، 18 مارس 2007

في فقه المخالطة بين الرياض وجدة

هذا هو اسم المقالة التي نشرت لي في إسلام أون لاين اليوم ، سألتني الأستاذة كوثر الخولي المحررة المسؤولة عن القسم الاجتماعي في إسلام أون لاين المخالطة أصوب أم الاختلاط قلت لها خليها المخالطة ، وقد عزمت كتابة سلسلة تتناول فقه المخالطة عموما بين الجنس الواحد وبين الجنسين بين الأديان المختلفة ويارب اوفق في ذلك ، وقد عجبت لما سمعت الأستاذ عمرو خالد في المحور في برنامج (90) دقيقة يتحدث عن برنامج جديد له نفس الفكرة ، فسألت الله لي وله السداد ، لكن برنامجه بعنوان ( التعايش ) حاجة زي كده .. هذا رابط المقالة وهي بالمناسبة قد جمعت معظمها من مقالات صغيرة كتبتها هنا في المدونة واكيد بلغت كوثر بذلك .. http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1173694991731&pagename=Zone-Arabic-AdamEve%2FAEALayout

الاثنين، 12 مارس 2007

حين تتحول القراءة إلى واجب مُلح

بدأت أفقد تدريجيا حلاوة الإقبال على القراءة لذاتها ، أن تقرا لأنك تعشق القراءة ، هذا معنى بدأت أفتقده ، صار يسيطر علي إحساس أنه يجب أن أقرأ لأطور ذاتي ، وأصبح أفضل ، هذا واجب لا بد من القيام به ، وتقصيري فيه يجعلني ألوم نفسي ،المشكلة أن هذا الإحساس الجديد بدل أن يدفعني للقراءة يجعلني أتقاعس عنها ، وألوم نفسي أيضا على هذا التقاعس ، الليلة قررت أن أزيح هذا الإحساس ، أدفعه بعيدا عن أعماقي ، فكم نغص على عشقي للقراءة حياته ، لن أقرأ كتيب العولمة للدكتور جلال أمين الذي وضعته بجانب سريري منذ أكثر من أسبوع ، ولا كتاب الميزان للإمام الشعراني ، ولا ولا.. لكني تناولت من على سرير أختي كتاب ( ذكريات عمر أكلته الحروف ) لنجيب المانع ، كاتب عراقي لاأعرفه وقرأت بضع صفحات ، وأعجبني أسلوب الكاتب السلس ، وسانقل إليكم بعض ما قرأت ، يقول
عرفت وأنا أدرج نازلا في سلم الحياة ، أن إغراء الكراهية أقوى من أي إغراء في العالم أولا لأنها أهون العواطف ، وثانيا : لانها أقواها ، وثالثا لأن أي شيء في إمكانه أن يثيرها ....وليس السلم عكس الحرب مثلما يكون الحب عكس الكراهية . ليس السلم سوى حالة توقف للحرب

السبت، 10 مارس 2007

أدوات في قراءة التراث الفقهي ، البعدان الاصولي والاجتماعي

الناس في قراءة التراث الفقهي أصناف ثلاثة بين جامد على هذا التراث تقليدا عملا وإفتاء ، وبين ناقد ممحص يختار من أقوال الفقهاء ما يراه راجحا لديه ، و يزل بعض هؤلاء انتقاصا من قدر الفقهاء ، وعلمهم ، ولا يتورعون عن نقل بعض العبارات الفقهية لأئمة الأمة للعوام ، تأكيدا على ما في التراث من خطل ، دون حفظ حق العلماء في التقدير ، ورد أقوالهم بالحسنى ، أذكر أن إحدى المتخصصات في الفقه أخذت تنقل في برنامج تلفزيوني عبارات من الفقه الحنفي لتدلل بها على ذكورية الفقه كما قالت ، وهي أرادت الإحسان فأراها أساءت إذ أن إساءة الأدب في عرض أقوال علماء الأمة يسقط هيبتهم وما يستحقونه من تقدير لجليل علمهم، وإن صدرت منهم أخطاء كما نقدرها نحن ، فالمناقشة تكون في موضعها الصحيح ، وبأسلوبها الصحيح الذي يعترف لأهل الفضل بفضلهم .

والصنف الثالث : هو الذي لا يكتفي بالتمحيص لأقوال العلماء لكن يدرس كيف بنوا أحكامهم عامة ، لا سيما ما تخالف ما يجدونه راجحا لديهم مما يوافق مقاصد الشرع وقواعده، وهذا الصنف في مسلكه هذا ليس فقط يؤدي حق هؤلاء العلماء في إنصافهم ، لكنه بفعله هذا يصبح أكثر دربة وتمكنا فقها ، وينمي ملكته الفقهية ، لتصبح أكثر رسوخا . كما يؤكد على أخلاق التعامل مع أهل العلم ، حفظا لكبراء الأمة حقهم ومكانتهم . هذا مع عدم نفي أنهم قد يكونوا قد أخطئوا في بعض أحكامهم ، وجانبوا الصواب .

وسأعرض لمسألتين في الفقه الشافعي اتخذتا مجالا للتشنيع ، وأردها إلى ما تبين لي من الظرف الذي أنتجها .

المسألة الأولى : هي حق الأب في إجبار البكر البالغة على الزواج ولو ممن لا ترتضيه – وهو مذهب المالكية والحنابلة في معتمدهم – وسأقصر كلامي على المذهب الشافعي إذ هو المذهب الذي درسته تفصيلا.

يرى الشافعية أن الولي هو السياج الذي يضمن للفتاة ارتباطا جيدا ، باعتبار أنه يمتلك ما لا تمتلكه من خبرة بشؤون الرجال ، مع كون الولي حريصا على موليته ليس فقط بدافع الشفقة ولكن بدافع الحفاظ على الصورة الاجتماعية ، فلن يزوجها بمن سيلحقه العار بتزويجها إياه . ومع ذلك فقد اشترطوا لجواز الإجبار شروطا تضمن ضمان حق الفتاة وعدم تضييعه . هذا المذهب ذهب إليه الشافعية بناء على قراءتهم للنصوص الواردة في هذه القضية قراءة اعتمدت ظواهر النصوص ، وصاغتها الخلفية الاجتماعية التي تحكم مجتمعاتهم . والنظر في الشروط التي وضعوها لضمان حق الفتاة يكشف أنها ناتجة عن تقدير نابع من السياق المجتمعي الذي يصوغ حياتهم ، فلا بد أن لا تكون بين الفتاة وأبيها عداوة ظاهرة أما إذا لم تكن ظاهرة فلا يضر لأنه حينها لن يضر بموليته اعتبار لوضعه المجتمعي ، وأن لا تكون بينها وبين الزوج عداوة أيضا ولو غير ظاهرة ، وأن يزوجها أبوها من كفء موسر بحال الصداق ، هذه الشروط وغيرها فرضتها البيئة الاجتماعية للفقيه التي جعلته يقدر أن رفض الفتاة للزوج الكفء الذي يختاره لها أبوها إنما هو رفض عاطفي لقلة خبرتها ، وليس ناتجا عن تبصر ، ولذلك فإن تكليف الأب الصالح بهذا الأمر عنها ، يحقق مصلحتها ، وما تجده من وحشة ستزول بعد أن تألف الحياة الجديدة .

فالذي صاغ الحكم الفقهي هنا رؤية فقهية مستندها غير ثابت ، والشافعية فيها تحروا العدل بقدر ما قادهم إليه فهمهم واجتهادهم وواقعهم الاجتماعي .

أما المسألة الثانية فهي ما نص عليه الشافعية من أن المطالبة بالمعاشرة الزوجية من حق الرجل فقط دون المرأة ، ويبدو الكلام صادما في الحقيقة لا سيما مع قراءة نص الإمام الشافعي –رحمه الله تعالى – صراحة في ( الأم ) مع كونه أثبت استحباب أن يباشرها . فهو حق واجب على الزوجة ، وحق مستحب لها .

المسألة تبدو صادمة فعلا ، لكن بالدراسة المتعمقة لسبب هذا الحكم العجيب ، نكتشف أن للمسألة بعدا أصوليا ، فالواجب كما يذكر الإمام الأسنوي في التمهيد هو الإلزام بما فيه كلفة ومشقة , ومسألة إتيان الزوج لزوجته لا كلفة فيها ولا مشقة ، بل تدعو إليها الطبيعة البشرية ، ومن ثم كيف نقول يجب على الزوج أن يعاشر زوجته ، وفي داعية الطبع ما يغني عن القول بالوجوب .

وبناء على ذلك فإن الشافعية لا يقرون الزوج الذي يمتنع عن زوجته إضرارا بها ، هذا يفهم من ثنايا كلامهم .

وقد ذكر الإمام الغزالي في الإحياء أنه ينبغي على الزوج أن يعف زوجته كلما احتاجت إلى ذلك .

والأمثلة كثيرة ، في تراثنا الفقهي ، تلك التي تحتاج استجلاء لمستندها الذي ارتأى الفقيه أنه يحقق العدل ، ويرفع الظلم ودراسة الفقه لطلبة العلم الشرعي إن لم تقترن بهذا الاستجلاء يخشى أن تفرز خطلا متجددا يفصل بين الأمة ودينها . والله أعلم.

في فقه العشق

الزواج هو الشكل الأقدس للعلاقة بين المتحابين إذ يتحقق به كمال السكن ، وقد روي عن الحبيب الأعظم المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله : " لم ير للمتحابين مثل النكاح " .

فالزواج هو الأصل الذي يجعل ما عداه استثناء ، ولعل النص النبوي يشير إلى هذه الاستثناءات بجعله الزواج هو الكمال الذي تطمئن به القلوب.

والاستثناءات هنا تتعدد كما الحياة هدوءا وصخبا ، وحزنا وفرحا ، سكنا وألما ..

والتجوال في فضاء الاستثناءات الرحيب ،يجعلنا نجد لوحات إنسانية تتباين حينا ، وتتداخل حينا آخر ..

منها ما يحكي عن أنانية الرجل في احتفاظه بحب يدفئه ، و يملأ حياته بمعان متجددة لارتباط إنساني يشعل جذوة روحه وعقله دون أن يستتبع ذلك ارتباطا كاملا هو مظهر المسؤولية التي يستلزمها صدق دعوى الحب ، ويظل الإحساس بالشعور المنقوص بالسكن لدى المرأة التي يحب، ومرارة الضيم ممن هو لها أقرب قريب شيئا باهتا لا يجهد نفسه بالتوقف عنده أو استبانة عمقه وجرحه .

ومنها ما يصور اختيارا واعيا من قبل الطرفين ، وشكلا غير مألوف لعلاقة إنسانية ولدت في ظروف تجعلها تعيش في أطر ضيقة لا تستطيع الخروج منها أو تجاوزها ، ولا يكون الرجل هنا أنانيا بقدر ما هو الطرف الأكثر تألما في العلاقة لأنه غير قادر على الوفاء الكامل بالتزامات حبه ، وانسحابه هو ظلم للطرف المقابل إذ تمسك عن قناعة بالأطر المتاحة للعلاقة ، ووجدها خيارا أفضل من البعاد أو ارتباط لا يحقق لها السكن الذي تبغيه من ارتباط كامل.

ومنها ما يكتشف فيه الناظر بعدا جديدا لعلاقة تكون فيه المرأة هي الطرف الذي يلح ليكشف ستر المشاعر الصامتة رغم علمها بالطريق الشائك الذي ستسير فيه العلاقة بعد ذلك..

واللوحات كثيرة ، بعضها تغطيه سحب كثيفة إذ هي أعقد من أن تستبين للناظر بلمحة عابرة ..

هذا النوع من العلاقات الإنسانية ، يحتاج لمزيد تأمل يسبر أغوارها ، و يشرح دقائقها، ثم تبين الحكم الشرعي الذي يوائم كل طيف من أطيافها .

علي أحمد با كثير في رواية (سلامة القس ) صوّر إحدى حالاتها ، واختار أن يكون الفراق الدنيوي هو الحل الأمثل ليكون لقاء الأخلاء يوم العرض الأكبر : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) ، و كتب حروفا نقية في تطهير الحب النفس من شوائب الكبر والعجب ، وتحقيقه لها بمعاني الاتصال الرباني .

لكن هل الفراق هو دوما الحل الأمثل ؟ ثم ما معنى كلمة ( الأمثل ) في قاموس العلاقات الإنسانية ؟ أليست كلمة ساذجة إذا أريد تعميمها ؟ ثم أليس لكل حالة خصوصيتها التي تجعل المساحات الرمادية أحيانا كمالا نظرا لاحتياجاتها ، وصلتها بذاتها أو بربها أو بالطرف الآخر ؟

إن الحديث عن مثل هذه العلاقات ربما يكون شائكا أكثر من الوقوع فيها ، إذ أن طرح أي حل سوى الافتراق يكون بمثابة دعوة إلى التحلل من القيم الدينية أو المجتمعية ، والأمر كما أرى يحتاج إلى صدق حقيقي مع الله ليكون سبر أغوار هذه العلاقات نفسيا واجتماعيا وشرعيا سبيلا لإعانة أصحابها في بلائهم بما يرضي الله عز وجل الذي جعل شرعه رافعا للحرج ، ملائما لاختلاف الناس وأحوالهم .

إنصافا لليأس

هل فكر أحدنا يوما في عطاءات إحباطاته ؟

أعتقد أنه جدير بنا أن نفكر بذلك ، إنصافا لإحباطاتنا البائسة التي لولاها لما عرفنا شرف الكفاح ، وطعم السكن ، و جمال الأمل !

كتبت مرة ..

الثلاثين .. عمر الفتات ..

ثم تأملت ذلك ، فمحوته لأكتب

الثلاثين .. عمر الفرصة الجديدة ..

والفارق بين العبارتين تماما كالفارق بين الأمل واليأس .. والظلام والنور ..

الفتات تصنعه تصوراتنا .. والفرصة الجديدة تصنعها تصوراتنا أيضا .. وهذه التصورات يخلقها إدراكنا لقيمة إحباطاتنا ..

سمعت مرة من أحد مشايخي قوله : ( الخطأ جند الصواب )

ثم إذا بي أتعلم يوما بعد يوم أن النجاح صنيعة الإحباط !

وأن الأمل يولد من عمق اليأس !

فقط لو أنصفنا إحباطاتنا ، و لم نغمط يأسنا قدره ، واعترفنا بحقه في الحياة : احتراما لوجوده رفيقا للأمل .. ومحطة من محطات الحياة نزورها زيارة لائقة .. نستقبل حفاوتها بحفاوة مقابلة تأملا لمعالمها .. ولا نطيل عندها المكث إلا بقدر ما ترسخ في عقولنا تلك المعالم .. لتكون زادنا النوراني في دنيا الأمل والاستفادة من رحلات الحياة ومحطاتها !

لا أذكر أين قرأت أن الحرية ألا تنتظر شيئا ..

فإذا بعقلي يكمل هذه العبارة :

الحرية أن لا تنتظر من الحياة أن تغير سننها لأجلك ! وحينها ستتقبل يأسك ، وألمك ، و إحباطاتك ، بالترحيب نفسه الذي تتقبل به نجاحاتك المتنوعة ..وستضمك الحرية إلى عالمها الرحيب

فوضى الفكرة

ذات التفاصيل التي رسمتها لأحد أبطال قصتها تجسدت به

الوجه .. اليد التي شلت فداء لقضية وطنية

جنون عشقه غموضا وسحرا

الكبرياء الحاني لرجولته

بل حتى اسمه

شربت معه كأس اللا منطق حتى الثمالة

أدبا وسياسة .. دينا وفجورا .. ترفقا وقسوة .. اشتهاء وحرمانا

ثم ابتعد .. فلا قيمة لادعائنا الفضيلة إن لم نكابد لأجل التحقق بها

ولن تتحقق المكابدة مادمنا لم نذق اللذة المحرمة

هكذا قال ..

وكانت تعرف أنه لا يقول إلا ما يعتقده حقا ..

لم يكن يرغب في إذلالها لكن..

هي الحياة ..

عاقبتها بفكرة تملكتها وسطرتها ثم لم تبال في السير في مزالقها ما إن رأتها عيانا

وكان العقاب شتاتا .. تيها عن النفس وقيمها التي ظلت دوما تباهي بها

تحكي لنا ذلك أحلام مستغانمي في (فوضى الحواس) حيث يجد المتأمل الكثير

تسطر ( أحلام ) الحياة في صور متجددة عميقة

فلكأن اللغة قد سلمتها كنوز إبداعاتها طوعا و محبة

ولكأن الحياة قد اتخذتها صديقة مقربة تفضي إليها بأسرارها و أطوارها وفعلها بالناس وفعل الناس فيها

قالت لي صديقة وقد رأتني أقرأ في ( فوضى الحواس ) : كيف تقرئين لهذه الكاتبة،ومعروف أن كتاباتها كذا وكذا

قلت : كثيرا ما نتعجل الحكم على كاتب ما لكونه يسطر ما قد نخالفه فيه .. وقد تعلمت من قراءتي لذاكرة الجسد ففوضى الحواس أن ما قد يظهر فجورا لا يكون كذلك بحسب المقصود منه .. وأن حالات النفس الإنسانية لا منتهى لتنوعها .. وأن الاستفاضة في تصوير دقائقها هو منبع حكمة وعدل وتسامح لمن يفقه

إشراقة

مما نسب إلى سيدنا الحسن البصري قوله :

اللهم إني أستغفرك لكل ذنب خنت فيه أمانتي ، أو حسنت نفسي لي فعله ، أو قدمت فيه عليك شهوتي ، أو آثرت فيه لذتي ... أو غلبت عليه بفكرتي أو استزلني إليه ميلي ، فصل يارب وسلّم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد واغفره لي يا خير الغافرين

الأربعاء، 7 مارس 2007

المرأة والغناء كلام في الجواز

الشافعية ببساطة لا يحرمون غناء المرأة لأن صوت المراة ليس بعورة ، والتحريم هو إذا صاحب الغناء خضوع او خلاعة او خوف فتنة يعني تهييج على الرذيلة ، وهذا أيضا في حق الرجل كما نصوا على ذلك ، بمعنى إذا صاحب غناء الرجل خلاعة وخنوع وتشبه بالمخنثين يصير حراما .. طبعا التساؤلات انطلقت لما ذكرت هذا الكلام في درس أمس الأربعاء .. قلن :الغناء أصلا فيه خضوع بالقول إذن هو حرام على المراة لأن ربنا يقول : ( ولاتخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ) قلت لهن لا أفهم ذلك. قلن كيف؟ قلت لهن : لم يفهم الشافعية ذلك مع إثبات أنهم قالوا بالكراهة عند عدم وجود فتنة إذن هناك فرق ، يدرك هذا الفرق عند سماع أم كلثوم وسماع هيفاء وهبي كلام الأولى غناء لا تهييج للشهوة فيه ولا دعوة للرذيلة ، وغناء الثانية أنتن تعلمنه، صحيح ؟ قلن : صحيح . ومع ذلك قد يكون الأولى أن لا يفتح مثل هذا الباب في مجتمع غير متأهل لذلك أصلا، ولازال كمجتمعنا يعافر عشان يجعل التواصل بين الجنسين طبيعيا بعيدا عن فقه الرعب كما يسميه الدكتور أحمد عبد الله ، لكن هذا الكلام إنما يحسن الأخذ به في البيئات التي تشكل الموسيقى جزءا مهما من ثقافتها وتراثها كما عند المسلمين الأوربيين مثلا( ذكرني هذا بكلام الشيخ علي جمعة عن الإسلام الأوربي وكيف أن إسلام الشرق مغاير له تبعا لاختلاف البيئة الاجتماعية ) أو حتى المجتمعات العربية التي باتت الموسيقى جزءا من كينونتها .. والله أعلم

مخمخة مع الإمام الغزالي

كنت دوما أقلد القول بإباحة الغناء والمعازف دون فهم متمكن لوجه الحل ، وذلك في توجيه المجيزين للمعازف حديث البخاري ( يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ) على أن المراد هو حرمة المعازف حال اقترانها بالخمر والفجور ، لم أكن أفهم هذا التوجيه ، لكني كنت أقلد القول بإباحة المعازف لأني لا أطيق سواه ، أذكر أن صديقة لي منذ سنوات عشرأو اكثر ،هجرتني لأني ( لا فائدة ) مني كما قالت ، فكلما امتنعت عن الاستماع للغناء عدت إليه قلت لها : هذا الإسلام الذي تحدثيني عنه لا أطيقه ، فدعيني مع إسلام الشيخ القرضاوي ، وسأحكي لربنا بعد ذلك إن كان الشيخ القرضاوي على غير الصواب ، سأحكي لربنا عجزي وهو يتولى أمري وتعلمت على يد االعالمة الفاضلة الدكتورة شادية كعكي في جامعة الملك عبد العزيز بجدة( شيخها العالم الجليل الشيخ أحمد فهمي أبوسنة ) أن الذين يقولون بحل المعازف علماء لهم وزنهم ، وان تقليدي لهم يرفع عني الحرج ،لكني لم أستطع أن أفهم رغم قراءتي كلام القرضاوي بل وكلام الغزالي في الإحياء .. واليوم أعادني درس الأربعاء في كتاب الوليمة للمسالة وفهمت ، راجعت المسالة في عدة كتب أجمعها هو شرح الإحياء المسمى : ( إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين ) للإمام الزبيدي ، ويا ألله ما أجمل وما أجمع ما كتبه الإمام الزبيدي في الغناء والمعازف ، الإحياء مع شرحه ضبطوا مزاجي في المسألة ، وألله عليك يا إمام يا غزالي : ببساطة الإمام الغزالي بيقول إن الصوت الحسن لم ينكره الشرع سواء صدر من حنجرة الانسان أو من آلة ومن ثم أبيح الدف لكن هناك آلات مخصوصة ( المعازف ) ذوات الاوتار هي التي حرمت لعلة تفهم من حديث البخاري وهي ان المعازف مرتبطة بالخمر ، ومقدمة له ، كما أن الخلوة بالأجنبية مقدمة للزنا ومن ثم حرمت لاجل ارتباطها بالخمر يذكر علة ثانية في التحريم يقول إنها حرمت لاجل أن حديث عهد بترك الخمر تهيجه المعازف الى الخمر وتذكره اياها ، والعلة الثالثة هي أن الفساق هم الذين يتخذون المعازف مقترنة بالخمر . إذن الإمام الغزالي لم يجر الحديث على ظاهره وإنما ربط بين مجموع الادلة ، الأصل في الصوت الحسن الحل ، بل ورد استحسان الصوت الحسن في السنة ، استثني من ذلك المعازف لم ؟ رغم اباحة الدف وهو الة تصدر صوتا حسنا ، إذن لا بد من علة هنا وهذه العلة هي ارتباط المعازف بالخمر . إلى هنا توقف الإمام الغزالي وقال بحرمة الأوتار لكن المجيزين قالوا إذن التحريم ليس لذات المعازف وإنما لاقترانها بالخمر والفسوق فالتحريم للصورة الواردة في الحديث لا سواها وأعجبتني دقة عبارة الشيخ القرضاوي ، قال : الأحاديث الواردة في تحريم المعازف إما صحيح غير صريح ، او صريح غير صحيح . عبارة جامعة مانعة ، ولست هنا للاستطراد في أدلة المجيزين لكن أعجبني ما روي من دخول ابن عمر على عبد الله بن جعفر وكان معه أو مع جارية له عود فقال عبد الله ابن عمر : أهذا ميزان شامي ؟ ( شوفوا الخبرة ) قال عبد الله بن جعفر او لعله الزبير ليست بين يدي الكتب الآن المهم قال : توزن به العقول ... ياسلام ع الرد الموزون .. ويتحدث الإمام الغزالي عن أن استغراق الإنسان وقته في الغناء والمعازف ينقل حكم السماع من الاباحة الى أن يصبح معصية صغيرة ، ويرد عليه جماعة من العلماء قوله هذا بحديث الاعرابي الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيقتصر على الفرائض دون سواها فقال عليه الصلاة ولاسلام أفلح إن صدق . فقالت عمتي حماس : كلام الإمام الغزالي وجيه :أليس الله تعالى يقول : ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ) قلت لها : إذن المدار على السرف المضر بمصالح المرء .. لكني الآن أرى أنه يجب أن أراجع تفسير الآية .. لفتة أخيرة مع حديث البخاري ( يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ) ابن حزم كما هو معلوم لم يصح عنده ، هنا : علقت : إن القول بأن البخاري جميع ما فيه صحيح هو قول أغلبي ، أو باعتبار ما ذهب إليه جمع من العلماء لان هناك احاديث في البخاري لم يصححها غيره من العلماء كما في حديث المعازف ،وكما في حديث دخول والد الرسول صلى الله عليه وسلم النار فرد السيوطي وغيره هذا الحديث لأسباب منها أنه يخالف نصا قطعيا وهو ( وما وكنا معذبين حتى نبعث رسولا ) وأبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الفترة فالحكم على الحديث تصحيحا أو تضعيفا سندا او متنا هو حكم اجتهادي وقد يصحح المحدّث ما يضعفه الفقيه لمخالفة القياس القطعي مثلا

الجمعة، 2 مارس 2007

النفس الكبيرة

أكتب في موقع المستشار التابع لجمعية البر بالدمام من حين لآخر كمستشارة متطوعة ، من الاستشارات التي هزتني حقيقة هي هذه التي بين أيديكم ، ويارب أكون وفقت في جوابي على المستشيرة هذا رابط الاستشارة http://www.almostshar.com/web/Consult_Desc.php?Consult_Id=4124&Cat_Id=1

الخميس، 1 مارس 2007

في فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

نشرت هذه المقالة لي في عكاظ اليوم الخميس
الدخول في عقد الإسلام يعني قبول الالتزام بقانونه العام وعدم المجاهرة بما ينافيه، فإذا حصلت هذه المجاهرة عند ذلك يتخطى الأمر الحرية الفردية ليتقاطع مع احترام نظام المجتمع العام، مع ملاحظة أمرين: أحدهما: أن هذه الشعيرة إنما تطبق حال المجاهرة، أما عند عدمها، فلا يحق لأحد التجسس على الآخرين أو تتبع أفعالهم أو نواياهم أو إساءة الظن بهم، ويكون مثل هذا الفعل إفساد وإثم عظيم.الثاني: أن مجال الأمر والنهي مقتصر فقط على الثوابت القطعية في الدين، أما ما اختلف العلماء في حكمه فليس مجالا للأمر والنهي، بل إن الأمر والنهي هنا يكون اعتداء على حقوق الآخرين في ممارسة حرية الاختيار التي كفلها لهم الشرع في المسائل الظنية وهي جملة مسائل الشريعة. قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: (إنما يأمر وينهي من كان عالما بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها وإن كان من دقائق الافعال والاقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء).وإذا كانت جملة مسائل الفقه ظنية، فليس للعوام إذن أو من لم يطلع على كلام العلماء في قضية ما أن يبادر فيها بأمر ونهي.
القطعيات
ومسألة أخرى مهمة: وهي أن شرط العلم يشمل ايضا فقه ما يترتب على الإنكار أو الأمر، فقد تكون مسألة الأمر أو النهي من القطعيات لكن ما يترتب عليها يحتاج الى فقه ونظر وتقدير للمصالح والمفاسد كأن يؤدي الإنكار الى منكر آخر أو أذية تتعدى المنكر فعندئذٍ ليس له الإقدام إلا إن علم جيدا حكم ذلك الأمر أو النهي باعتبار ذاته أو ما يؤدي إليه. كذلك يجب العلم أيضا بوسائل الأمر والنهي، والحكمة في استخدام الطريقة المناسبة، وهذا واجب لامندوب، ويكون تارك ذلك مرتكبا لإثم، وبدل ان يقوم بفعل الاصلاح يضيف فسادا آخر.أصلانولدينا هنا أصلان: الاصل الأول: هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تحقيقا للولاية بين المؤمنين، وإصلاحا للأرض.والأصل الثاني: هو حرمة إيذاء المسلم، أو إساءة الظن به، وأن الاصل في المسلم البراءة من التهمة. وتحقيق الاصل الاول لايمكن إلا بمراعاة الاصل الثاني، ومن ثم وضعت للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ضوابط تمنع خرق او اسقاط الاصل الثاني فيجب ان يكون المرء عالما بما يأمر به أو ينهى عنه، وان يكون عالما بالاسلوب المناسب للأمر والنهي، وان يكون عالما بما يترتب على الامر والنهي.فالمختلف فيه كما قدمنا ليس مجالا للأمر والنهي. كما يجب اتباع الاسلوب المناسب للأمر والنهي، فيحرم ان تستعمل الشدة حيث ينفع اللين، بل إن الشدة لاترقى الى الاعتداء بما يحرم من الالفاظ، سبا وشتما فاحشا أو لعنا أو قذفا فضلا عن عدم استعمال الاعتداء البدني الذي هو خاص بسلطة الدولة كأمر تعزيري تقديري.كما ان الشدة لايتوجه بها الى اي أحد، فيحرم ان يغلظ لوالديه او احدهما لان حقهما في حسن المصاحبة ثابت بنص القرآن في أعظم الذنوب وهو الشرك.قال الإمام أحمد: إذا رأى أباه على أمر، يكلمه بغير عنف ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، ليس الأب كالأجنبي.
الإنكار
وقد ذهب كثير من العلماء الى أن الإنكار باليد لايكون إلا للسلطان، والإنكار باللسان للعلماء، والإنكار بالقلب للعوام. وهذا الكلام فيه تفصيل، فالإنكار بالقلب فرض عين على الجميع لكن المراد هنا اختصاص العوام بهذه المرتبة دون سواها غالبا، والإنكار باللسان للعلماء نظرا لانهم القادرون على تقدير المفاسد المترتبة على الإنكار وعدمها. وحديث: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده..» لم يفهم منه العلماء البدء بالتغيير باليد مطلقا، الذي فهمته بعد نظر ان الحديث وارد في منكر لايمكن تغييره إلا باليد، وسمى الإنكار باللسان تغييرا باعتبار ان فعل التغيير يقوم مقامه، إذ اننا مطالبون بتنفيذ الأمر ولسنا مطالبين بتحقيق النتيجة المرجوة منه إذ ما على الرسول الا البلاغ. أو ان الحديث ليس في ترتيب أساليب الإنكار وإنما في بيان الحث على ممارسة فعل الإنكار بحسب الاستطاعة حصل التغيير أم لا، ولذلك سمى فعل الإنكار تغييرا (فإن لم يستطع فبلسانه)، بل سمى الإنكار بالقلب تغييرا (فإن لم يستطع فبقلبه). والله أعلم.
النية
ويجب ان تحرر النية عند الأمر والنهي بحيث يقبل الآمر أو الناهي على فعل الأمر أو النهي مستحضرا أنه ينفذ أمر الله عز وجل وأنه من كرمه تعالى أن أعطاه هذا الحق مع عظم تقصيره في جنب الله، وأنه لولا لطف الله به وعصمته له لوقع في ذات الذنب الذي وقع فيه من يريد ان يتوجه إليه بالأمر أو النهي، فهو ليس بأفضل حال منه إلا بتوفيق الله وهدايته، ثم إن الخاتمة بالحسنى أو السوء والعياذ بالله لا أحد يعلمها إلا الله عز وجل، فلا يدري من يختم له بالحسنى، ويقبل بهذه النفسية على الأمر والنهي، بل ويستشعر أنه إن لم يحسن تحرير نيته فإنه قد يقع في معصية عظيمة وهي العجب وهي التي أخرجت إبليس من رحمته تعالى.كما يستشعر أنه إنما أمر بذلك ليتحقق بحبه لأخيه تحققا عمليا بحيث يكون نصحه سبيلا للأخذ بيده نحو الخير والبعد عن الفساد. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إصلاح ولا يكون الإصلاح من قلب فاسد أو بفعل فاسد.وأن يكون عالما بما يترتب على الأمر والنهي: بحيث إذا كان سيترتب عليه مفسدة أعظم، إما بارتكاب ذنب أعظم، أو صد عن الخير، أو اذى لقرابة الآمر غير يسير، بل ولو كان يسيرا كما ذهب إليه بعض العلماء. فيحرم حينئذ الأمر والنهي. فالأمر والنهي هو فعل ناتج عن كمال تبصر، تحريرا للنية، فنظرا في الفعل، من حيث طريقة أدائه، وما يترتب عليه.وخلافا لما هو متبادر من كلمة الاحتساب من أنها مشتقة من الحساب فإن الاحتساب معناه هو طلب الأجر: جاء في لسان العرب: الحسبة: مصدر احتسابك الأجر على الله، تقول فعلته حسبة، واحتسب فيه احتسابا، والاحتساب طلب الأجر.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لايرسخ تمييزا أو طبقية بحيث يكون حكرا على فئة تنمط الدين وتجعله قوالب جامدة لاتسع الفوارق الفردية بين البشر، بل هو عامل مساواة يجعل الناس جميعا سواسية في الإسهام في الإصلاح.وهذه الشعيرة تنتزع الشعور بالغربة النفسية وتدمج صاحبها في المجتمع، إذ يمتلئ قلبه وعقله بحب مجتمعه، ويكون دوما حريصا على مزيد من التلاحم والاندماج مع من حوله وبذل الخير لهم لإصلاح المجتمع
رابط المقالة